إسرائيل مستغرقة في بحث سيناريوهات "اليوم التالي" لـ"رحيل" الرئيس عرفات

نفضت اسرائيل الغبار عن «خطط درج» وضعتها أوساط أمنية وسياسية منذ أكثر من عام لمواجهة ما تسميه «اليوم التالي» لرحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مفترضةً انه سيرحل قريباً، فيما أعلن وزير الدفاع شاؤول موفاز ان الدولة العبرية مستعدة لمواجهة مختلف السيناريوهات. وقالت مصادر صحافية ان «الكابوس» الذي يقض مضاجع المسؤولين في اسرائيل هو احتمال قيام مئات آلاف الفلسطينيين بخطف جثمان عرفات والتوجه مشياً من رام الله الى القدس لدفنه في تراب الأقصى. الى ذلك، توقعت أوساط حزبية واعلامية ان يؤثر غياب الرئيس الفلسطيني على تنفيذ خطة الفصل عن قطاع غزة لأن رحيله قد يسحب البساط من تحت الحجة الرئيسة لاطلاق هذه الخطة ـ غياب شريك فلسطيني.

وقال وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز ان اسرائيل تتابع باهتمام بالغ الوضع الصحي المتدهور للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وأنها اتخذت الاجراءات الكفيلة بمواجهة مختلف السيناريوهات في حال غيب الموت عرفات. ورفض الخوض في المعلومات المتوافرة لدى اسرائيل عن حقيقة الوضع الصحي للرئيس عرفات متظاهراً بـ«انسانية» غير معهودة من قبل بأن اسرائيل ستوفر المساعدات الطبية الضرورية للعلاج وانها سمحت لفرق طبية من مصر وتونس والأردن بالوصول الى رام الله. وقالت اذاعة الجيش الاسرائيلي ان «الانسانية» الاسرائيلية المفاجئة تنم عن قلق من اتهام اسرائيل بتدهور صحة الرئيس الفلسطيني وانها ستبذل كل جهد لتنفي عنها هذه التهمة. وأضافت ان أحداً في اسرائيل لن يذرف الدموع على رحيل عرفات وان المستوى السياسي يعوّل على بزوغ قيادة فلسطينية جديدة يمكن التحاور معها.

واعتبر رئيس الهيئة السياسية ـ الأمنية في وزارة الدفاع الجنرال عاموس جلعاد ما يحدث في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله «حدثاً دراماتيكياً» ينبغي متابعته عن كثب، مضيفاً ان من شأن غياب عرفات «ان يبشر بازالة جزء من العقبات في الطريق إلى تسوية ثابتة وحيوية في مصلحة الطرفين».

وذكرت وسائل الإعلام العبرية أن رئيس الحكومة اريئيل شارون عقد مشاورات مع قادة الأجهزة الأمنية للبحث في التطورات المحتملة في «اليوم التالي» لرحيل عرفات، لكنه لم يخض في مسألة استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين مع القيادة الجديدة التي ستبزغ لاعتقاده بوجوب انتظار تشكيلتها ومدى تأثير «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) عليها. وأضافت ان قادة الجيش والشرطة أجروا أيضاً مشاورات مكثفة لصوغ سبل مواجهة التطورات المحتملة وفي مقدمها ضرورة تعزيز انتشار القوات العسكرية في «مناطق الاحتكاك» ورفع حال التأهب تحسباً من أن يفرغ الفلسطينيون غضبهم على إسرائيل بالقيام بــعمليات انتحارية داخل تخومها.

وأفادت الصحف العبرية التي خرجت يوم 28/10 بعناوين كادت تنعى وفاة الرئيس الفلسطيني وبأن أيامه باتت معدودة، ان الجيش سحب من الرف خططاً جاهزة لمواجهة «اليوم التالي» وللحؤول دون تدهور الأوضاع في الأراضي المحتلة من خلال تقليص الاحتكاك مع الفلسطينيين والسماح لهم بوضع الترتيبات اللازمة للدفن «لكن مع الحرص على أن لا تحصل اضطرابات ومحاولات لنقلها إلى الحواجز العسكرية أو إلى داخل إسرائيل». وزادت ان إحدى الخطط المسماة «صفحة جديدة» تتناول سيناريو هو أصعب السيناريوهات، تعتبره الأوساط الأمنية «كابوساً» ويتمثل بمحاولة الفلسطينيين دفن الجثمان في ثرى المسجد الأقصى، وهو ما ترفضه إسرائيل قطعاً. ونقلت صحيفة «معاريف» أن مسؤولين فلسطينيين جسّوا نبض الإسرائيليين حول هذه المسألة وتلقوا الرفض. وذكرت صحيفة «هآرتس» أن إسرائيل قد توافق على دفن الرئيس في قرية أبو ديس التي تطل على الأقصى ولا تعتبرها إسرائيل جزءاً من القدس المحتلة.

واعربت محافل سياسية عن اعتقادها بأن غياب الرئيس الفلسطيني قد يجمد خطة الفصل الأحادي عن قطاع غزة التي اقرتها الكنيست الاسرائيلية الثلاثاء الماضي وانه يجدر بالحكومة انتظار نشوء قيادة فلسطينية يمكن التنسيق معها حول مراحل الانسحاب. وقالت أوساط يمينية تعارض الخطة ان رحيل عرفات يسحب البساط من تحت الفكرة التي قامت عليها خطة الفصل، غياب شريك فلسطيني. لكن القائم بأعمال رئيس الحكومة ايهود اولمرت سارع الى نفي العلاقة بين الخطة وعرفات. وقال ان مصيرها غير مرتبط البتة برحيل الرئيس الفلسطيني أو عدمه وانها قد انطلقت ولن يتم وقفها، مضيفاً انه «في حال قامت قيادة فلسطينية مستعدة للحوار معنا، فإن ذلك قد يسهل بلورة مراحل التنفيذ وتنسيقها معنا».

من جهته عاود وزير الخارجية سيلفان شالوم تكرار الشروط الاسرائيلية لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين: «محاربة الارهاب، تجريد المنظمات الفلسطينية من اسلحتها، وقف التحريض والعنف ووقف إراقة الدماء». وقال في مقابلات اذاعية ان قيام قيادة فلسطينية تطبق الاستحقاقات الواردة في «خريطة الطريق» سيدفع الى التنسيق معها بشأن الانسحاب من غزة، مضيفاً ان «موت عرفات» سيسمح بنشوء قيادة فلسطينية لا تخشى «ظله الثقيل».

ونقلت صحيفة «معاريف» عن مسؤول عسكري كبير ان من الأفضل لاسرائيل انتظار التطورات التي قد تأتي بمحمود عباس (أبو مازن) أو محمد دحلان زعيماً جديداً للفلسطينيين لتنسيق الانسحاب من غزة «وهذا أفضل بكثير من ان يكون الانسحاب أحادي الجانب».

(أسعد تلحمي)