مصادقة الكنيست على خطة "فك الارتباط" تواصل إثارة زوبعة سياسية في اسرائيل


كتب وديع عواودة:

تواصل نتائج التصويت على خطة فك الارتباط مع قطاع غزة في الكنيست، مساء الثلاثاء، اثارة تطورات وتفاعلات ذات طابع دراماتيكي في الحلبة السياسية الاسرائيلية فيما ازدادت حدة الخلافات الداخلية في حزبي الليكود والمفدال الى حد بات يهدد بانقسامهما. وفي اشارة واضحة لمساعي وتهديدات زملائه في الحزب الحاكم ممن يعرفون بـ"المتمردين" الذين انضم اليهم كبار الوزراء اكد رئيس الوزراء الاسرائيلي، اريئيل شارون، انه لن يرضخ لضغوطات وتوعدات وزراء في حكومته بالاستقالة اذا لم تتم المبادرة الى استفتاء عام حول خطة الانسحاب من القطاع.


وفي حديث ليومية "يديعوت احرونوت" قال اريئيل شارون غداة مصادقة الكنيست على خطته بأغلبية 67 نائبا مقابل 45 معارضا وامتناع 22 (منهم ستة نواب عرب من الجبهة الديموقراطية والتجمع الوطني) ان قرار البرلمان الاسرائيلي الذي صادق على خطته مهم جدا غير انه ليس قرارا سعيدا انما موجعا بل الاصعب في مجمل حياته، لافتا الى انه اتخذه بعد ان تيقن ان فك الارتباط مع غزة يشكل "أهون الشرين" وانه رغم نواقصه فانه يمنح اسرائيل فرصة للخروج من دوامة الدماء بالمواجهة مع الفلسطينيين. يشار الى ان اريئيل شارون كان قد اعلن عشية التصويت في الكنيست انه عازم على اقالة الوزراء او نوابهم ممن يصوتون ضد خطته. وهذا ما فعله حقًا، حيث اقيل زعيم المتمردين الوزير عوزي لاندو ونائب الوزير ميخائيل راتسون وهذا ما ردع كبار الوزراء المذكورين عن المضي في مخططهم لاحباط خطة شارون في اللحظة الاخيرة من خلال التلكؤ والتحالف مع نواب حزب المتدينين الوطنيين "المفدال" للتصويت ضدها.غير ان حسابات الوزراء المتمردين بقيادة بنيامين نتنياهو تشوشت اثر الاعلان المفاجىء للمفدال دقائق قبيل عملية الاقتراع بأنه باق في الحكومة لمدة اسبوعين يمنح خلالها شارون الفرصة للاستجابة لمطلبه باجراء استفتاء عام كشرط للبقاء في الائتلاف الحكومي.


وبشأن الانذار الذي وجهه الوزراء نتنياهو وليفنات وكاتس ونافيه وفيه اعلنوا عن نيتهم الاستقالة اذا لم يتخذ قرار باجراء استطلاع عام في غضون اسبوعين قال شارون "قررت بأنه لن يكون هناك استطلاع رأي. لقد تعلمت من تجربتي انه يحظر الرضوخ للضغوط والتهديدات. انها قاعدة حديدية، لن ارضخ ابدا لضغوط وتهديدات. هذا هو موقفي. وقد خبرت ذلك خلال صراعات غير صغيرة في الماضي، خلال الخدمة العسكرية وخلال نشاطي في الحياة العامة. أؤيد الوحدة داخل الليكود وسأبذل كل جهد من اجل منع الانشقاق لكن ليس بأي حال تحت التهديد".


كذلك جاءت اقوال شارون ردا على الانذار الذي وضعه حزب المفدال امامه بأنه في حال لم يستجب لمطلب الاستفتاء فان المفدال سينسحب من التحالف الحكومي، وفي حال الاستجابة فان المفدال يتعهد بعدم الانسحاب من الحكومة الى موعد الانتخابات القادمة مهما تكن نتائجه.

وهاجم ايهود اولمرت نائب رئيس الحكومة والمقرب جدا من اريئيل شارون، في تصريحات للاذاعة الاسرائيلية، اللعبة التي قام بها نتنياهو ورفاقه، اثناء التصويت على خطة الفصل في الكنيست وما تبع ذلك من توجيه انذار لشارون، وقال ان توجيه انذار الى رئيس الحكومة "ليس بالأمر اللائق".

واعرب اولمرت عن ثقته بان الكنيست ستدعم ايضا، قانون الاخلاء والتعويض المنتظر طرحه للتصويت في مطلع الشهر المقبل.

وفي تصريحات ادلى بها نتنياهو للاذاعة الاسرائيلية، صباح الاربعاء، ادعى أنه ورفاقه يدفعون بفخر "ثمن الحفاظ على وحدة الليكود والشعب".


ورفض نتنياهو اتهامه بالسعي الى اسقاط شارون، قائلا انه ورفاقه لن يؤيدوا خطة الفصل إلا إذا رافقها استفتاء عام. وقال: "حتى لا يقع شرخ في صفوف الشعب، وحتى لا يتفكك الليكود، يجب منح الفرصة من أجل الوحدة".

ووصف نتنياهو قرار المفدال بالبقاء في الحكومة اذا وافق شارون على اجراء استفتاء شعبي، أنه بمثابة "خطوة تاريخية" على رغم انها فوتت عليه مؤامرة سعى الى تنظيمها مع رفاقه خلال التصويت في محاولة للضغط على شارون.

وكان نتنياهو ورفاقه الثلاثة قد ضغطوا على الوزير المفدالي زبولون اورليف كي يهدد بالانسحاب من الائتلاف اذا رفض شارون اجراء استفتاء شعبي، كي يتيح لنتنياهو ورفاقه التهديد من جهتهم ايضا بالانسحاب فورا من الحكومة اذا لم يوافق شارون على الاستفتاء آملين ان يستسلم شارون للانذار قبل التصويت على الخطة.

وقال الوزير المفدالي زبولون اورليف، للاذاعة الاسرائيلية، صباح الاربعاء، ان انذار حزبه لشارون لم يتم توجيهه خطيا، وان اجتماعا قريبا سيعقد بين نواب من كتلته ورئيس الحكومة، شارون، في محاولة لاقناعه بتأييد الاستفتاء.

وكان نتنياهو ورفاقه قد حاولوا ضم وزير الخارجية سيلفان شالوم اليهم، لكن شالوم رفض توجيه انذار الى شارون، واعلن انه سيصوت الى جانب الخطة ما مهد لقيام وسائل الاعلام الاسرائيلية بتتويجه بلقب "الرابح الثاني بعد شارون" مقابل لقب "الخاسر الكبير" لبنيامين نتنياهو.

وقال نتنياهو في مؤتمر صحفي عقده في الكنيست بعد التصويت انه ورفاقه كانوا سيستقيلون فورا من الحكومة لو قام المفدال بالانسحاب من الحكومة.

وعقب المقربون من رئيس الحكومة على تصرفات الوزراء ليفنات ونافيه ونتنياهو وكاتس بالقول إنهم "حاولوا تهديد رئيس الحكومة في الدقيقة التسعين ووضع المسدس في جبهته، لكنهم تراجعوا عن مناورتهم وخسروا رهانهم وأهانوا أنفسهم أمام الشعب والحزب، بعد أن كشفوا عن وجههم الحقيقي".


وقد حظيت عملية التصويت على القرار الحكومي بفك الارتباط مع غزة في الكنيست باهتمام كبير من قبل وسائل الاعلام والعالمية فيما استعرضت الصحافة الاسرائيلية العملية وتداعياتها بكثير من الاهتمام معتبرة اياها "تاريخية" وحدثا "مفصليا" في تاريخ السياسة الاسرائيلية والصراع مع الفلسطينيين.


في افتتاحيتها قالت "يديعوت أحرونوت" ان ما جرى ينطوي على حقيقة واحدة هامة للغاية، وصفها البعض بالتاريخية، تتمثل بأن البرلمان والحكومة في اسرائيل قد قررا اخلاء مستوطنات ومستوطنين يهود من غزة وفي الضفة، "أرض ابائنا"، للمرة الاولى. واضافت "كم يبدو مثيرا ان الرجل، اريئيل شارون، الذي أعد هذه الطبخة- المستوطنات- يقوم بنفسه بتقيؤها. وكم هو أمر رمزي ان يتم ذلك عشية اليوم الذي احيت فيه اسرائيل الذكرى التاسعة لاغتيال اسحق رابين. رابين يطل اليوم من السماء ليرى ما يفعله خليفته اريئيل شارون وربما يكون متفاجئا وربما راضيا وربما غير راض ولكنه بالتأكيد يرغب بالسؤال: ولماذا قتلوني اذن؟".

وعلاوة على المقالات التي تضمنتها وفيها وجهت انتقادات لاذعة لبنيامين نتنياهو على مناوراته الفاشلة قبيل التصويت في الكنيست حملت الصحيفة، "يديعوت احرونوت"، في افتتاحيتها عليه وقالت ان تصرفاته وزملائه الوزراء الثلاثة مخجلة ومدهشة في قلة قيمتها. واضافت "بين هذا وذاك انطلقت خطة فك الارتباط ولكننا بحاجة الى رحمة السماء طالما ان بيننا مثل هؤلاء الزعماء الذين سيقودوننا عما قريب".

كما تطرقت الافتتاحية الى حالة الليكود واعتبرته حزبا تحت الانعاش وقالت "من السابق لأوانه رثاء الحزب الحاكم غير ان كل من يراقب تطورات الامور في الحلبة السياسية الاسرائيلية يستطيع ان يعلم ان هذا الحزب في اطاره الراهن موشك على النهاية على ما يبدو. الان هو يخضع للعلاج في غرفة الانعاش ومحاط بطواقم الاطباء وكل الضربات الكهربائية ومحاولات الانعاش من قبل نتنياهو او زبولون اورليف من المفدال من اجل احياء الليكود تبدو فاشلة. ومن سخرية القدر ان اريئيل شارون الذي نجح في لملمة كسور الليكود وايصاله الى سدة الحكم هو الذي يعمل على تقصير ايامه وجنازته ستخرج من مزرعته في حفاة هشكميم. هذا لا يعني ان الليكود فقد دوره ولكنه بات معسكرين، احدهما متطرف والآخر في المركز الى جانب حزبي شينوي والعمل وبوسع المعسكرين اذا اتحدا ان يفوزا باغلبية كبيرة لكن "الايجو" والنزعات الشخصية لدى قادته ستقتل هذه الامكانية".


وبعيد التصويت للكنيست عاد شقا المفدال الى تراشق التهم بما ينذر بانشقاق داخل هذا الحزب ايضا.


وعقب التصويت على الخطة اصدرت كتلة التجمع الوطني الديموقراطي في الكنيست بيانا اوضحت فيه امتناعها عن التصويت سوية مع كتلة الجبهة والعربية للتغيير بدلا من التصويت ضدها كما سبق واعلنت من قبل قالت فيه "امتنع نواب التجمع الوطني الديموقراطي الثلاثة: عزمي بشارة، جمال زحالقة وواصل طه، عن التصويت وذلك بالتنسيق مع كتلة الجبهة. وكانت كتلة التجمع قد اعلنت معارضتها لخطة فك الارتباط وانها لن تؤيدها في التصويت . ولم تؤيد كتلة التجمع الخطة فعلاً ولم نصوت معها ولكن نواب التجمع قرروا الامتناع عن التصويت لمنع الوزراء نتنياهو وليفنات وكاتس من تنفيذ خطتهم. لقد غاب هؤلاء عن الجولة الاولى وانتظروا الجولة الثانية للتصويت لكي يصوتوا ضد الخطة بعد تصويت النواب العرب ضدها فيصبح لديهم مبرر للمطالبة بالاستفتاء. ولم يكن هنالك تفسير آخر لحضورهم للتصويت في الجولة الثانية فقط. وقد فوت نوابنا عليهم الفرصة بالامتناع لكي لا يكون النواب العرب مع نتنياهو وليبرمان والمستوطنين ومع بقية اليمين المتطرف. عندما اعلنا الامتناع عن التصويت اضطر الوزراء الاربعة المعارضون لتأييد الخطة لكي لا يكونوا في الاقلية. لقد عارضنا الخطة دون ان ننضم الى معسكر اليمين المتطرف والمستوطنين، ووفت الكتلة بوعدها بعدم تأييد الخطة ومنعت انتصار اليمين المتطرف في البرلمان دون تأييد الخطة.

وترى كتلة التجمع ان خطة فك الارتباط هي خطة سيئة تتضمن عناصر خطيرة جداً ولا يمكن دعم هذه الخطة. ولا بد من درجة عالية من الوعي والوحدة لدى الشعب الفلسطيني لمواجهتها".