حكومة شارون: هل تصمد حتى آذار المقبل؟

دخلت الحلبة السياسية الحزبية في اسرائيل في دوامة شديدة تنذر بتقديم موعد الانتخابات البرلمانية المقررة أواخر العام 2006 ، وذلك في أعقاب رفض البرلمان الاسرائيلي (الكنيست) البيان السياسي الذي قدمه رئيس الحكومة اريئيل شارون، يوم الاثنين 11/10 ، وفي أعقاب اضطرار وزارة المالية الاسرائيلية الى سحب طلب يقضي برصد خمسة ملايين شيكل لتمويل عمل اللجنة التحضيرية لاعداد قانون تعويض المستوطنين يوم الثلاثاء 12/10 بعد أن تبين أن الطلب لن يحظى بالأكثرية المطلوبة لإقراره.

وعلى رغم ان رفض البيان لا يؤثر رسمياً في عمل الحكومة ولا يحمل أي مغزى قانوني إلا أنه يشكل صفعة سياسية مدوية لشارون ويؤكد التوقعات بأن "شتاء عاصفاً" ينتظره على خلفية نيته طرح خطة الانفصال الأحادي الجانب عن قطاع غزة على الكنيست لإقرارها.

وفيما تباينت توقعات المحللين في الشؤون الحزبية بشأن السيناريوهات المتاحة أمام شارون وقدراته على اختيار أفضلها، إلا أنها التقت جميعها في التنبؤ بأن الحكومة الحالية لن تنهي ولايتها القانونية وان العام المقبل سيشهد، كما يبدو، انتخابات برلمانية جديدة ستحول دون تنفيذ خطة الانفصال في موعدها المقرر ـ خريف العام 2005 . ورفض شارون اقتراح شريكه في الائتلاف الحكومي زعيم حزب "شينوي"، يوسف لبيد، اجراء استفتاء عام لإقرار خطة الانفصال، ما من شأنه استمالة "متمردي الليكود" ونزع الشرعية عن معارضة قادة المستوطنين. ويسوغ شارون رفضه بأن من شأن خطوة كهذه ارجاء تنفيذ الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية. ونقل لبيد عن رئيس الحكومة قوله انه يستحيل العمل في ظروف كالتي تشهدها حكومته الحالية وانه ينبغي درس خطوات لتغيير ملامح الائتلاف الحكومي.

وعملياً شرع شارون باجراء مفاوضات ائتلافية وأوفد وزير الدفاع شاؤول موفاز الى الزعيم الروحي لحركة "شاس" الدينية الشرقية المتزمتة الحاخام عوفاديا يوسف ليقنعه بتعديل فتواه التي أصدرها ضد خطة الانفصال. وحاول موفاز اقناع الحاخام بجدوى الخطة "التي ستحول دون إزهاق أرواح اسرائيليين وتعزز الأمن وتحسن الاقتصاد".

وتابع ان من شأن تنفيذ الخطة ان يضعف قوة "حركة المقاومة الاسلامية" (حماس) في أوساط الفلسطينيين ويأتي بقوى براغماتية ومعتدلة تخوض مفاوضات سياسية مع اسرائيل. لكن زعيم الحركة، النائب ايلي يشاي، اعتبر فرص انضمام حركته الى الحكومة ضئيلة، فيما أعلن زعيم "شينوي" لبيد رفضه القاطع الجلوس الى جانب "شاس". ويعتزم شارون التقاء أركان "العمل" المعارض لاقناعهم بالانضمام الى حكومته لكن معلقين يستبعدون تحقيق ذلك في أعقاب قرار سابق للجنة المركزية لحزب "الليكود" رفض ضم "العمل". من جهتها أعلنت رئيسة كتلة "العمل" البرلمانية، دالية ايتسيك، ان شبكة الأمان البرلمانية التي وعد "العمل" بتوفيرها لدعم خطة شارون "مثقوبة" وقالت ان "العمل" لن يتردد في اسقاط شارون إذا تلكأ في تنفيذ خطة الانفصال.

ورجح معلقون ان لا يحدث شارون أية تغييرات على حكومته الحالية قبل الخامس والعشرين من الشهر الجاري، موعد تصويت الكنيست على خطة الانفصال، والمتوقع ان تحظى بغالبية برلمانية بفضل أصوات أحزاب اليسار الصهيوني. كما ان مشروع الموازنة للعام المقبل لن يصطدم بمعارضة برلمانية ما سيتيح لشارون مواصلة الجلوس على كرسيه وعلى رأس توليفته الحكومية الحالية حتى آذار (مارس) المقبل، موعد إقرار بدء تنفيذ الخطة، وحينها قد يذهب الى انتخابات مبكرة اذا رأى ان معارضة اليمين المتطرف جداً للخطة تشل عمل حكومته.

وكتبت المعلقة سيما كدمون في "يديعوت احرونوت" تقول ان الأجواء السائدة في الكنيست تذكّر بالأيام الأخيرة لحكم بنيامين نتنياهو وان رائحة انتخابات مبكرة تنبعث من كل زاوية. وشككت في قدرة شارون على توسيع ائتلافه الحكومي، وكان قادراً على ذلك في عطلة الكنيست الصيفية لكنه لم يفعل ليبقى الآن تحت رحمة حزب "العمل"، وهذا ما يدركه أيضاً أقطاب "الليكود".

من ناحية أخرى قال رئيس الحكومة، أريئيل شارون، مساء الثلاثاء، خلال اللقاء الذي أجراه مع مؤيديه في مكتبه في القدس، إنه ينوي معاقبة أعضاء الكنيست "المتمردين". كما تم الاتفاق بأن تعقد كتلة حزب "الليكود" اجتماعـًا لمناقشة مستقبل الائتلاف الحكومي.
وقالت مصادر مطلعة ممن حضرت الجلسة إن رئيس الحكومة قال: "أن أدعو قسمًا من أعضاء كتلة الحزب، فهذا أمر لم يحدث من قبل، لكنني قمت بذلك بسبب الفعلة الفظيعة التي حصلت يوم الاثنين".
وأوضح شارون أنه ينوي معاقبة "المتمردين" بالوسائل المتعارف عليها في كتلة الحزب. وفي المقابل، ينوي تشكيل طاقم مفاوضات مع "المتمردين" ومع المستوطنين.

إلى ذلك ذكر موقع "ArabYnet" أن مستشارين وجهات مقربة من شارون باتت تعتقد، في أعقاب الفشل الذي مُـني به في الكنيست، أنه لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر. ويعي شارون ورجاله جيدًا الأصوات التي تحدثها عملية تفكك ائتلافه الحكومي.

وأضاف أن ما يعرف باسم "طاقم المزرعة" سيجري، في الأيام القريبة القادمة، اجتماعـًا خاصًا لمناقشة الوضع الراهن. ويتركب الطاقم المذكور من مدير مكتب رئيس الحكومة سابقـًا، دوف فايسغلاس؛ وأوري شاني؛ صاحب مكتب الدعاية، ورؤوفين أدلر؛ ونجل شارون، عُـومري شارون؛ وسكرتير الحكومة، يسرائيل مَيمون؛ والمستشار الإعلامي أساف شريف؛ والمدير العام لمكتب رئيس الحكومة، إيلان كوهين؛ والمستشار ليئور شفينكليشتين، ومن المستشارين الإستراتيجيَين، إيال أراد وليئور حوريف. وقد التأم هذا الطاقم آخر مرة قبل عيد العرش اليهودي.

ويتفق مؤيدو شارون والمقربون منه على أن الانتقال من فشل إلى آخر يصعب عليه تنفيذ مهام منصبه ويجعله متعلقـًا بكتلة حزبه "الليكود" الرافضة أكثر فأكثر وبكتل برلمانية أخرى. ومعنى ذلك أن رئيس الحكومة يصبح أضعف أكثر فأكثر مما قد يدخله إلى الدوامة التي دخل إليها رؤساء حكومة قبله مثل بنيامين نتنياهو وإيهود باراك.
وقالت مصادر مقربة من شارون: "وصلت الأمور إلى وضع يجب اتخاذ قرار فيه فيما إذا كان شارون يوافق على أن يساق كالنعاج إلى الذبح، أو المجازفة".

(من أسعد تلحمي)