تحقيق "يديعوت أحرونوت": "الكتيبة البدوية" في محور فيلادلفيا - "طعام مدافع" الاحتلال الاسرائيلي

تحت العنوان الصاخب: "القتلة" (كيليرز) نشرت "يديعوت أحرونوت" في ملحق "7 أيام" الأسبوعي (الجمعة 10/9/2004 ) تحقيقا حول ما يمارسه من تسميهم بـ"الجنود البدو" في فرقة "دوريات البدو" المسؤولة عن حراسة الحدود في الشريط الحدودي المسمى "محور فلادلفيا" في رفح، كشفت في سياقه عن قيام هؤلاء بارتكاب جرائم قتل وفظائع ضد الفلسطينيين تحت غطاء يوفره لهم القادة اليهود الذين باتوا يحترفون الكذب والتستر على التجاوزات الخطيرة للجنود.

التحقيق يتمحور من بدايته الى نهايته في دور الجنود البدو الذين يعتبرون أدوات للاحتلال، غير انه يوجه سهام انتقاداته هذه المرة الى قيادة الجيش خلافا لقضايا اخرى، كما حصل مؤخرا في مسألة الاتهامات الموجهة الى السجانين الدروز في التنكيل بالاسرى الفلسطينيين مع التقليل من شأن دور مصلحة السجون ومسؤولية السياسات المعتمدة من قبلها بهذا المضمار.

ويفيد تحقيق "يديعوت احرونوت"، استنادا الى شهادات كثيرة، ان الجنود البدو يقومون بتدخين الحشيش وتعاطي حبوب "الاكستازي" خلال ادائهم لمهامهم العسكرية، مشيرا الى انهم يعملون في ظل ظروف خطيرة وضغوطات نفسية رهيبة نتيجة رفض قيادة الجيش استبدالهم واضطرارهم للخدمة لفترات طويلة جدا، ما يؤدي الى تآكلهم وتعرضهم لحالات نفسية خاصة. وتنتقد الصحيفة توكيل الاحتلال لأولئك مهام أشبه بعمل المرتزقة تحولهم، جراء خطورتها وحقيقة كونها حاصلة في اكثر النقاط سخونة ضمن المواجهة مع الانتفاضة، الى "طعام مدافع" او الى عبيد او عمال سود ومن ثم يحاولون " تعويضهم" بمنحهم جائزة "المتطوع" من قبل رئيس الدولة. ويستهل معدا التحقيق المطول، يوسي يهوشع وشاحر غينوسار، ما كتباه بالاشارة الى ان الفرقة البدوية التي استحوذت على عناوين الصحف عندما حاز افرادها أخيرًا على وسام "رئيس الدولة" ضمن امسية احتفالية جدا في حزيران/ يونيو الاخير عادت واحتلت العناوين مجددا هذا الاسبوع اثر الكشف عن اتهام جنود اسرائيليين بقتل متعمد لمواطن فلسطيني بريء. وتلفت الصحيفة الى ان المحكمة كانت قد فرضت امرا بمنع نشر اية معلومة حول هذه القضية الى ان بادرت الصحيفة نفسها لاستصدار امر جديد يبيح بالكشف عن جوانب كثيرة اهمها تورط جنود بدو فيها، احدهم بالقتل العمد واربعة اخرين بتهمة التغطية على الجريمة، موضحة انهم نجحوا بالتستر عليها 11 شهرا الى ان تفجرت صدفة خلال التحقيق في قضية اخرى. واكد التحقيق ان عملية القتل هذه تشكل رأس الجبل الجليدي في ظل تورط الفرقة البدوية حتى العنق بعمليات تحقيق ولوائح اتهام خطيرة ابرزها القتل والتسبب بالموت وتعاطي السموم اثناء العمل الميداني وتهريب المخدرات وبيع الاسلحة والتستر على الجرائم.

وتخدم الفرقة المذكورة، بحسب التحقيق، في منطقة رفح التي يتعرض خلالها الجنود الى اطلاق نيران يوميا من اسلحة مختلفة توجه اليهم وهم داخل عنابر حراسة حديدية او داخل مجنزرات مصفحة، كما اشار قائد الفرقة خلال المحكمة . ويكشف التحقيق، استنادا الى مصادر أمنية عليا، ان معظم الجنود البدو يتميزون بثقافة متدنية جدا تبلغ حد جهل القراءة وانهم يتطوعون بحثا عن "مكانة معقولة" داخل المجتمع وعن القليل من الامن الاقتصادي متهما قيادة الجيش باستغلال كبير للرغبة القوية لمثل هؤلاء بالتجند، فهم منذ اندلاع الانتفاضة يخدمون في اكثر المواقع خطرا على حياة الجنود ويؤدون المهام "القذرة" مقابل الفلسطينيين. ورغم توسلات جنود الفرقة وقادتها من أجل نقلهم الى مكان آخر إلا أن احدا في قيادة الجيش لا يولي اهتماما الى ذلك، وعلى هذه الخلفية تشهد الفرقة "انحلالا وتحللا من نواح عديدة، سيما من الناحية الاخلاقية". وبموجب الصحيفة اقيمت هذه الفرقة في مطلع سنوات التسعين بمبادرة وزير الدفاع آنذاك، موشيه ارنس، الذي كان الدافع الخفي وراء قيام ديوان رئيس الدولة بمنح افرادها وسام "نحن محور فلادلفيا" هذا العام وكأن شيئا من الامور الاستثنائية في الفرقة لم يحدث. وخدم فيها طيلة السنوات الماضية مئات من الجنود البدو المتطوعين الى جانب 90 من الجنود الدائمين في الجيش وهم ينتمون الى حمائل مختلفة تتقاسم "الوظائف" في الفرقة ما يؤدي الى خصومات عائلية انتهت في مرات كثيرة بمشادات وشجارات وتجاوزات جزائية اخرى. ويزعم معدا التقرير ان الفرقة ظلت تتمتع بسمعة طيبة الى ان نشبت انتفاضة الاقصى حيث تصاعد التآكل في نفسيات واجسام الجنود وتحول سقوط الضحايا بين قتلى وجرحى الى امر روتيني. وفيما تزايدت "البلبلة الوطنية لدى المتطوعين المسلمين" فبات يتنازعهم عالمان مختلفان خاصة لدى الجنود الدائمين في الجيش الذين ابدوا ميولا للفلسطينيين وتفهما لمعاناتهم فإنه في المقابل كانت لديهم الرغبة باثبات قدرات عسكرية كونهم ليسوا يهودا. وتنقل الصحيفة على لسان احد قادة الفرقة البدوية ان فرقته تشهد مؤخرا تناقصا وتسربا متناميين في اعداد المتطوعين لها. واضاف "اصبح بعض السكان في القرى يتعرضون لهؤلاء الجنود حتى اصبحوا يتحاشون دخولها وهم بالزي العسكري". وتشير الصحيفة إلى ان الجنود البدو يخدمون بدون اجازات في فترات مطولة تبلغ 21 يوما على التوالي داخل تلك المجنزرات والعنابر الحديدية التي يأكلون ويشربون ويقضون حاجاتهم وينامون فيها وانه منذ العام 2000 جرح العشرات منهم وقتل ستة منهم ما ادى الى "توتير اعصاب افراد الفرقة" وكل ذلك بمعزل عن الجمهور الواسع.

اما الاشارة الاولى لما يحدث داخل "الفرقة البدوية" فقد جاءت، وفقا للتحقيق، في مطلع نيسان/ ابريل من العام 2003 بعد وقوع حادثة حجبت هي الاخرى عن الانظار لولا اعتراف جندي، وكانت الضحية هذه المرة المتطوع الانجليزي، توم هورانديل. وتروي الصحيفة أن يوم 7/4/2003 شهد عمليات رمي احد ابراج الحراسة (برج الفيلبوكس) في محور فلادلفيا بثلاث قنابل يدوية في اوقات متلاحقة، ما جعل الجندي الحارس (20 عاما) في حالة تأهب وتوتر. ووفقا للائحة الاتهام المقدمة ضده لحظ هذا الجندي الناشط الانجليزي الذي لم يكن مسلحا يسير بمحاذاة البيوت الفلسطينية في رفح وهو يرتدي سترة توضح انه ناشط انساني لكن ذلك لم يمنع المتهم من تصويب بندقيته عبر الناظور المثبت عليها واطلاق رصاصة واحدة اخترقت جبهته وخرجت من مؤخرة جمجمته فظل يصارع الموت مشلولا طيلة تسعة اشهر. وتورد الصحيفة بعض ملامح شخصية الجندي المتهم استنادا الى التقارير المرفقة لملفه القضائي فتقول ان محاميه يحاول الاشارة الى ثغرات وشكوك في مصداقية اعترافاته بالقتل خلال التحقيق معه وانه لا يجيد قراءة العربية والعبرية بعد ان "تخرج" من الصف السادس ابتدائي وانضم للوحدة وهو في السابعة عشرة من عمره طامعا بـ"التدرج المهني". اما الاخصائية النفسية، التي فحصته وقدمت تقريرا للمحكمة حول شخصيته، فتقول ان القدرات العقلية للجندي المتهم منخفضة جدا الى حد "انني اضطررت لتوجيه اسئلة توجه عادة لفحص ذكاء الاطفال". وتضيف الصحيفة بعد ذلك ان محامي الدفاع، عيدان بيسح، الذي يعرف الوحدة قال عن الجندي نفسه: "وهذا قائد الموقع، قائد يعاني تخلفا عقليا طفيفا، وليس لدي شك ان قيادة الجيش اخطأت في تركيب هذه الفرقة". ولكن قائد الفيلق، الذي حقق مع الجندي عقب الحادثة، قال في ملخص تقريره إنه "جندي مهني ومسؤول وممتاز". وتقتبس "يديعوت احرونوت" قائدا عسكريا حجب هويته يؤكد مشكلة القوى العاملة في الفرقة البدوية. ويضيف "لا احد في قيادة الجيش تهمه نوعية وهوية من يأتي الى الوحدة البدوية، وإنما المهم ان يكون قد اجيز من الشاباك".

ويروي التقرير بإسهاب عن استجداءات الجنود والضباط في الوحدة البدوية من اجل نقلهم من محور فلادلفيا إلى مواقع خدمة أخرى كما يحدث مع جميع أفراد الجيش وذلك على سبيل "التنويع". ويقتبس أحد الضباط، الذي التقى قائد اركان الجيش وقادة عسكريين آخرين خلال لقاء جرى في معسكر "كيرم شلوم" في اب/ اغسطس 2003 حيث ابلغهم وجها لوجه انه يقود 80 جنديا في الفرقة منذ اربع سنوات وانه طلب اليهم نقل جنوده الى مكان آخر لكسر الروتين، وعندها توجه قائد الاركان الى الجنود انفسهم سائلا عن الذين خبروا تجربة التعرض لاطلاق النار فرفع كافة الجنود اصابعهم واعربوا عن رغبتهم بالتحدث الا ان قائد الجيش تهرب ولم ينقل جنديًا واحدًا من هناك بذريعة انه "لا يمكن بدون البدو". كما تقتبس الصحيفة والد احد الجنود البدو يقول ان "الفرقة البدوية تنجز المهام القذرة للجيش"، لافتة الى ان افرادها يقومون فعلا بما تعجز عنه فرق اخرى في فيلق غزة من حيث معرفة تفاصيل المكان والقدرة على اكتشاف الانفاق الفلسطينية. لكن "يديعوت" تعود وتورد التساؤلات التي بدأت تقفز من هناك مثل: لماذا يتم تشغيل الشباب البدو بشكل دائم في تلك النقطة الخطيرة؟ وهل يشكل هؤلاء "طعام مدافع" ولا يمكن استبدالهم حقًا؟ ولماذا لا تحسن ظروف حياتهم؟. وتضيف "وهل يرتبط هذا بالانطباع الذي يتبلور مؤخرا بان الضغط على الزناد بات سريعًا لدى هؤلاء الجنود؟".

في محاولة للاجابة عن هذه التساؤلات تقتبس الصحيفة اقوال والد احد الجنود البدو الذي يقول "انا اؤمن بالدولة ولكن ليس بحوزتي اجوبة لهذه التساؤلات ولا اعرف لماذا يتسببون للجنود بكل ذلك". الواضح، تؤكد الصحيفة، ان الجيش اشترى البدو باسعار رخيصة لا تتعدى 4500 شيكل شهريا. وتلفت الى قلة مصادر العمل والضائقة الاقتصادية الخانقة التي تواجه السكان البدو، ما يدفعهم الى التمسك باية وظيفة داخل الجيش، كما تقول. كذلك تنقل الصحيفة تذمر الجنود وذويهم من وقوعهم تحت طائلة التمييز وتقتبس ضابطا قدم نفسه بانه "رائد" يقول "خدمت بداية في وحدة جولاني ومن هناك التحقت بدورة اعداد ضباط وفور انتهائها اعادوني الى فرقة البدو. نحن جنود جيدون في جولاني ولكن لا احد يرضى بعودتنا اليها لنكون قادة على جنود يهود".

اما قضاة المحكمة، الذين يقاضون المتهمين من الفرقة البدوية في اتهامات مختلفة، فقد عبروا عن صدمتهم لما يجري داخل هذه الفرقة مكتفين بتوجيه انتقادات غير مباشرة لقيادة الجيش.

وتنوه "يديعوت" الى ان قادة الجيش يفضلون التستر على ما يجري في الفرقة البدوية من تجاوزات مختلفة خاصة ضد المدنيين الفلسطينيين مقتبسة احد هؤلاء القادة الكبار في قوله ان ما يجري فيها لا يتجاوز معدل ما يحصل في الوحدات الاخرى لكن الفرق ان "الخلافات الحمائلية تسبب كشفًا اكبر للحوادث في الفرقة البدوية".

(إعداد: وديع عواودة)