خطة شارون الجديدة: كلام يثبت الفارق بين النظرية والممارسة

كتب حلمي موسى:

يعلن أريئيل شارون أنه بصدد بلورة خطة سياسية جديدة خلال ثلاثة أسابيع. والإدارة الأميركية والرباعية الدولية تتبنيان خطة الفصل كجزء من خريطة الطريق، ووزير المالية الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهو "الرجل القوي" في الليكود، يرى بأن الخطط السياسية ليست كالجوارب يمكن استبدالها بين الحين والآخر. وبين كل من شارون وأميركا ونتنياهو يمكن القول إن خطة الفصل عالقة على الأرض ومتحركة في السماء.


وشارون، الذي ورغم كل ما يقال خسر هيبته في الليكود وفي صفوف اليمين عموماً، أعجز ما يكون عن تنفيذ خطة أخرى. والفارق كبير بين بلورة خطة وبين تنفيذها. وقد أثبت الليكود أنه وإن لم يفرح لبلورة أي خطط سياسية إلا أن معارضته الأساسية تتجه نحو التنفيذ وليس البلورة. وهذا ما تجلى في وقت من الأوقات حتى برفض خطة مناحيم بيغن للحكم الذاتي للفلسطينيين. وما تجلى بعد ذلك في رفض خطة شارون لإقامة دولة فلسطينية على جزء من أراضي الضفة والقطاع.


ومع ذلك فإن لشارون، وربما لليكود أيضا، مصلحة في استمرار الحديث عن خطة الفصل أو عن خطة سياسية جديدة. فهذا يخدم أغراضاً متنوعة داخلية وخارجية. وعلى الصعيد الداخلي يروق لليكود أن يضع نفسه طوال الوقت ك"خيار سلطوي". وهذا يعني أن عليه "التظاهر" على الأقل بأنه حزب الوسط وأنه صاحب مواقف مركزية حتى وإن كان يميل الى الليكود. وهو بذلك معني بتعزيز الأسطورة القائلة بأن الحكم في إسرائيل هو إما للوسط الذي يميل يسارا (حزب العمل) أو الوسط الذي يميل يمينا وهو الليكود. وهذه هي الأسطورة الجديدة بعد أن نفضت إسرائيل عن نفسها عام 1967 في حكومة الوحدة الوطنية أسطورة بن غوريون على الائتلاف الحكومي.

كانت تلك الأسطورة تقول: "من دون حيروت وماكي". ومعروف أن "حيروت" شكل القاعدة الفكرية والحزبية لليكود الحالي، وأن "ماكي" هو الحزب الشيوعي الإسرائيلي. وهكذا من الوجهة الرمزية بقي اليسار الشيوعي، حتى اليوم ممنوعا من الدخول للحكومة وتحولت "حيروت" الجديدة (الليكود) الى حزب الوسط الحاكم في إسرائيل. والأشد رمزية أن "الخطر" بات يحدق بإسرائيل من سيطرة "اليمين الأقصى" على الليكود.

ولكن اليمين الأقصى هذا هو في كل الأحوال النواة الصلبة لحيروت وفكرها، وهو يتغذى من الصهيونية الدينية التي كانت الحليف الأول لبن غوريون وحزب العمل، ومن الحركة الاستيطانية في المناطق المحتلة والتي تبلورت بتشجيع أيضا من حكومات العمل المتعاقبة. وهنا لا يمكن المضي دون القول بأن حكومات الليكود أعطت الاستيطان بُعداً جديداً من خلال عدم حصره في الخريطة الأمنية لمشروع ألون أو ديان، والتركيز على مبدأ السيطرة على الأرض وعلى أوسع نطاق.


وبكلمات أخرى فإن ما كان في الماضي اليمين الأقصى تحوّل في ظل حكومات العمل الى المركز، وازدادت قوة هوامشه ليتحول في ظل حكومات الليكود الى المركز أيضا. وهنا تكمن الخطورة في نظر الكثير من المفكرين والمعلقين الإسرائيليين الذين باتوا يتحدثون عن "المارد الذي خرج من القمقم".


والواقع أن ما يمثل هذا التحول أكثر من أي شيء آخر هو ما واجهه أريئيل شارون ذاته في علاقته مع الليكوديين والمستوطنين. فقد كان، حتى وقت قريب "الأب الروحي" لهؤلاء. وكان "المعلم" و"الملهم" خاصة عندما طلب من المستوطنين احتلال كل التلال. ولكنه ليس كذلك عندما يقتضي الأمر حسب وجهة نظره التراجع من أجل التقدم خطوات.


لقد قال المستوطن الذي قتلت زوجته وأطفاله في عملية فلسطينية لشارون "أنت بنيت هذا البيت"، فلماذا تريد إخراجنا منه؟ وهنا تكمن المفارقة.


ولكن بعودة سريعة الى العلاقة بين السماء والأرض يمكن القول إن الرئيس الأميركي جورج بوش الذي أعلن أن شارون هو "محارب عرف في الماضي كيف يجد الثغرات المناسبة للتقدم منها، وهذا ما سيحدث الآن مع خطة الفصل"، لا يعرف حقيقة المعضلة التي يواجهها شارون في الليكود. ففي هذا الحزب، كما في اليمين، لم يكونوا بحاجة لشن حملات على شارون. إذ أن كل ما فعلوه هو استخدام شارون "القديم" ضدّ شارون "الجديد". وشارون القديم هذا هو في الحقيقة شارون ما قبل عدة شهور، شارون الذي رفض خطة الفصل أو أي انسحاب من طرف واحد. وهو نفسه شارون الذي قال في مؤتمر هرتسليا إن الاحتلال شيء سيء وسرعان ما تراجع عن ذلك.


وإذا كان شارون وهو أقوى قد اضطر لقبول معركة الاستفتاء فإنه اليوم وهو أضعف مضطر لمجاراة أصغر الليكوديين. ومع ذلك يعمل، لأسباب مختلفة، داخلية وخارجية، على الإيحاء أنه بصدد بلورة خطة جديدة. وبالأمس فقط اضطر للتفاهم مع وزير ماليته بنيامين نتنياهو الذي يعلن صباح مساء أن استفتاء الليكود ملزم.
إن العقبات التي وضعها استفتاء الليكود أمام شارون عقبات جدية. ومن الصعب تخيّل إمكانية تجاوزها في وقت قريب.