إعدام محمود كميل يثير نقاشا مجددا في اسرائيل حول "طهارة السلاح"

كتب وديع عواودة

في أعقاب قيام منظمة "بتسيلم" لحقوق الانسان في الاراضي المحتلة بتأكيد قيام جنود الاحتلال باعدام الناشط في حركة الجهاد الاسلامي محمود كميل (26 عاماً) في قباطيا الجمعة الماضي قال رئيس اركان جيش الاحتلال موشيه يعلون ان طاقماً عسكرياً خاصاً شرع بفحص ملابسات الموضوع قبل ان يكشف عنه في تقرير "بتسيلم".

وأعلن الجيش الاسرائيلي انه علق عمليات الوحدة التي نفذت عملية الاعدام بسبب وقوع "مخالفات"، وهي وحدة خاصة تابعة لسلاح البحرية وتعرف بـ "البارجة"( شييطت).

واشار يعلون، الذي بدا مرتبكا ازاء ما تناقلته وسائل الاعلام المحلية والدولية عن تفاصيل الجريمة، الى وجود تبلد احاسيس على ما يبدو في بعض الاماكن داخل الجيش نتيجة تآكل الجنود واستمرار الخدمة لمدة طويلة. واضاف "علينا ان نفحص جيدا ما اذا كانت التعليمات الصادرة عن قادة الجيش واضحة بشكل كاف وخالية من الازدواجية".

ولم يقتصر تأكيد هذه الجريمة على منظمة "بتسيلم" الاسرائيلية ومصادر عسكرية حيث أكد المواطن طايل البزور وهو شاهد عيان على الجريمة باعتباره صاحب البيت الذي اختبأ به الشهيد كميل تلك الليلة انه في الساعة الخامسة فجراً من يوم الجمعة سمعت أصوات انفجارات حول البيت ونداءات عبر مكبرات الصوت. اقتربت من الغرفة التي مكث فيها محمود ورأيت أنه ارتدى ملابسه وكان يحمل هاتفه الخليوي. وبعد خروجه سمعت 3 إلى 5 عيارات نارية متواصلة، ولفت البزور انه امتثل واسرته لأوامر الجنود فخرجوا واياديهم على رؤوسهم وما لبثوا ان امروه بجر محمود.

اضاف: في تلك الأثناء وصل جاري سليمان القصراوي وقمنا معًا برفع محمود ووجد سليمان مسدساً تحت ملابسه وقام بإظهاره للجنود فطلب منه أحدهم أن يحضره له، ثم قمنا برفع محمود الذي اصيب في عنقه بشكل غير خطير وكان يتحدث الينا الى ان نقلناه لمكان مكشوف للجنود وفق اوامرهم. وعندها امرونا بالابتعاد وبعدما سرت 20-30 مترًا سمعت 4 إلى 5 عيارات نارية ونظرت إلى محمود فرأيت أنه ينهض ثم يتهاوى أرضاً.

وقال لي أحد الجنود: اذهب فاجلب منه محفظته. اقتربت من محمود ورأيت أنه ميت وقد أصيب في رأسه وتناثرت دماؤه وعظام جمجمته على الارض.

وأكدت منظمة "بتسيلم" أن كميل كان جريحاً وأعزل ومن ثم لم يكن يمثل أي خطر على جنود الاحتلال خلافا لمزاعم بعض قادته ممن حاولوا تبرير الجريمة بالاشارة الى التخوف من ارتداء الجريح حزاما ناسفا وتشكيل خطر على حياتهم.

وأعلن الجيش الاسرائيلي في بيان انه علق عمليات الوحدة التي نفذت عملية الإعدام، وجاء في البيان "أن التحقيق الأولي الذي قام به الجنرال موشي كابلينسكي، قائد المنطقة العسكرية الوسطى (التي تشمل الضفة الغربية) وقائد البحرية ديفيد بن بشات، أثبت وقوع مخالفات في العملية التي قامت بها الوحدة"، لكن الجيش لم يعط المزيد من التفاصيل حول هذه "المخالفات".

يشار الى أن "بتسيلم" كانت قد أصدرت بيانا بعد الكشف عن جريمة قتل الطفلة ايمان الهمص اكدت فيه قيام الجيش بقتل 1655 مواطناً فلسطينياً غير مسلح منهم 529 طفلا منذ بدء الانتفاضة حتى منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وفتح تحقيق في 89 حالة فقط، وقدمت لوائح اتهام في 22 حالة لم يدن فيها سوى جندي واحد. واعتبرت "بتسيلم" ان دوس حقوق الفلسطينيين من قبل الاحتلال يعكس ظاهرة واسعة تنم عن استرخاص حياتهم بنظر الجنود.

الى ذلك نشرت صحيفة "هآرتس"، الثلاثاء، على لسان اليعيزر شطيرن، قائد وحدة القوى العاملة في جيش الاحتلال، ان 20 في المئة ممن يتقدمون للجيش يرون أن حياة العرب اقل اهمية من حياة اليهود. وفي شهادتها الاسبوعية نشرت حركة "جنود يكسرون الصمت" تقريرا على لسان جنود حجبوا هوياتهم اشاروا فيه الى تجاوزات وجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين، حيث روى احدهم كيف قام زملاؤه بتفريق جنازة في الخليل تحت التهديد واطلاق النار بالهواء رغم استصدار تصريح مسبق بذلك. يشار الى ان نائب رئيس الموساد الاسبق، شموئيل طوليدانو، كان هاجم في سبتمبر/ايلول الماضي رئيس اركان جيش الاحتلال يعلون علانية خلال يوم دراسي واتهمه بإفساد اخلاق الجيش وتبديد قيمة طهارة السلاح واثار بذلك ضجة في الرأي العام الاسرائيلي الذي تتصاعد فيه النقاشات حول "اخلاقيات الاحتلال" والدعوات الى تعيين لجان خارجية للتحقيق بجرائم الجنود. وكان ايتان كابل، النائب من حزب العمل، قد اكد مطالبته بذلك. وفي المقابل قامت مجموعة من اباء جنود يخدمون في الاراضي المحتلة بنشر رسالة تدافع عن عمليات الجيش وعن تضحياتهم في مكافحة "الارهاب" اتهموا فيها بشدة موجة الانتقادات ضد ابنائهم.

وانتقد المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل في تقرير له ما يجري في الجيش من انتهاكات. وقال انه طيلة اربع سنوات انشغلت قيادة الجيش بشكل مثابر في التنكر لواقع تبلور على هدي تعليماتهم لافتا الى ان اعدام فلسطينيين غير مسلحين ليست طريقة قتال لدى جيش الاحتلال غير ان حوادث غير قليلة حدثت تذكر بملابسات القضية الاخيرة (محمود كميل). واكد هارئيل ان الحديث لا يجري عن ظاهرة هامشية او مرات قليلة لكن قائد الاركان السابق شاؤول موفاز واصل القول ان الجيش الاسرائيلي هو "الجيش الاكثر اخلاقية في العالم" لافتا الى ان خليفته يعلون كان حذرا بما فيه الكفاية ولم يقيد نفسه بتبني هذه المقولة وشبيهاتها. واضاف هارئيل "غير ان تتابع القضايا الاخيرة من قتل ايمان الهمص مرورا بـ"الكمنجاتي" على حاجز نابلس وانتهاءا بمحمود كميل قد استصدر بصعوبة شبه اعتراف من يعلون في تصريحه حول "امكانية عدم فهم الجنود للتعليمات من القيادة". الى ذلك حذر هارئيل من الحكم المسبق على ما فعلته الوحدة الخاصة التي قتلت كميل في قباطيا لافتا الى ما كان قد قاله رئيس الحكومة الاسبق اسحق رابين حول "ما الذي سيحدث عندما تتم معاينة واقع الصراع بنظارة "بتسيلم" ومحكمة العدل العليا". وفي سياق تقريره اشار هارئيل الى ان الوحدة الخاصة "هشييطت" فقدت ستة من اعضائها في السنتين الاخيرتين نتيجة اشتباكات مع فلسطينيين من مدى قصير لافتا الى ان قوات الاحتلال تقوم بعشر عمليات اعتقال ومداهمة في كل ليلة في الضفة الغربية. واضاف "نتيجة المخاطر الحقيقية اهتمت قيادة الجيش بالتساهل في كل ما يتعلق بنظم الفتح بالنار خلال العمل الميداني والتوجه المعتمد اليوم هو: عندما يساورك الشك – لا تدع مجال للشك.. اطلق النار اولا ولاحقا قدم الإيضاحات". واشار هارئيل الى ان وحدات مختلفة في الجيش وحرس الحدود فسرت التساهل المذكور بشكل ادى الى حصول حوادث هناك شك حول امكانية احجتيازها لامتحان القضاء". وبشأن احتمالات تمخض هذه الضجة الاعلامية في اسرائيل والعالم عن تغيير في سلوك الاحتلال اضاف هارئيل "اذا تحاشوا البحث عن رؤوس واكباش فداء واهتموا بالتوصل الى استنتاجات ربما تقدم لجنة التحقيق العسكرية برئاسة قائد المنطقة الوسطى فرصة للجيش لاجراء حساب نفس مطلوب منذ فترة حول عملياته في المناطق". واختتم المراسل تقريره بالقول انه من غير الممكن الاستمرار في كنس المشاكل تحت السجادة".

وقد اعادت جريمة اعدام كميل الى الذاكرة جرائم مشابهة اقدم خلالها الاحتلال على قتل جرحى واسرى ومدنيين عزل فلسطينيين لعل اشهرها قتل الفدائيين الاسيرين في يوليو/تموز 1986 والتي عرفت في اسرائيل بقضية الحافلة 300. ووقتها تورط أحد مسؤولي "الشاباك" آنذاك وعضو الكنيست الحالي عن الليكود ايهود يتوم بنفسه في القتل مستخدما الحجارة الكبيرة لتحطيم جمجمتي الفدائيين بعد ان نشرت صحيفة "حداشوت" صورتهما وهما على قيد الحياة. وبعد الشروع في محاكمته اصدر رئيس الدولة العبرية حاييم هرتسوغ عفوا عنه وعن شركائه في الجريمة. وهو اليوم احد ابرز معسكر الصقور في الليكود، بعكس شقيقه داني يتوم، النائب عن حزب العمل وهو رئيس الموساد الاسبق .