الباحث غولان لاهط: "اليسار الاسرائيلي" مأسور بالسحر المسيحاني للسلام وهذا سبب إخفاقه!

صدر حديثًا عن سلسلة )972) في دار النشر الاسرائيلية "عام عوفيد" (تل أبيب) كتاب جديد بعنوان "الاغراء المسيحاني". مؤلف الكتاب هو غولان لاهط، الذي يعد لأطروحة الدكتوراة في جامعة تل أبيب، قسم العلوم السياسية.

يتناول الكتاب، بصورة رئيسة، أداء اليسار الاسرائيلي(الصهيوني) حيال عملية السلام مع الفلسطينيين، وهو يرى أن احتضار هذا اليسار واندثار الجهود السياسية للوصول الى السلام (اثر محادثات كامب ديفيد- 2000) يرجعان، أساسًا، الى ما يسميه "المفهوم المسيحاني- العلماني الذي تبناه اليسار خلال عقد أوسلو".

ويؤكد لاهط، في مقابلة مطولة أدلى بها لصحيفة "معاريف" الاسرائيلية، الجمعة

(9/4/2004)، أنه فجأة (عقب محادثات كامب ديفيد) تبين له أن اليسار المذكور، الذي يعد نفسه كمن يدفع حقوق الانسان الى الأمام وكمن يتبنى تفكيرًا علمانيًا، أقرب عمليًا في شكل تفكيره من "الحركة الشبتائية"، حتى أنه أقرب من حركات توتاليتارية (شمولية) مثل الشيوعية.

يرى لاهط، في المقابلة اياها، أن هناك أربع خصائص للتفكير المسيحاني. هذه الخصائص هي: أولا- ادارة الظهر للراهن القائم، ثانيًا- تغيير ثوري، وليس اصلاحا بيروقراطيًا آخر، ثالثا- ثورة سريعة وفورية، رابعًا- معرفة أكيدة بأن هذه الطريق هي الوحيدة المنطوية على الحقيقة المطلقة الوحيدة.

وفي رأي لاهط فان برنامج أوسلو (اتفاق اوسلو) يخلو من العمى المسيحاني، ذلك أنه "تدريجي، واع للعقبات الكثيرة في الطريق ومتشكك"، على حد قوله. ويضيف: كما أن اسحق رابين، رئيس الوزراء الاسرائيلي المقتول، تمعن في الواقع بعينين شاخصتين. غير أن اليسار الاسرائيلي لم يقرأ الحروف الصغيرة وأصبح أسير السحر المسيحاني للسلام. لقد تغاضى هذا اليسار عن حقيقة أن غالبية السلام بقيت في الأدراج، وأن الاحتلال استمر كما لو أنه لم يحدث شيء يذكر، وأن أية مستوطنة لم تتحرك من مكانها وأن العنف الفلسطيني، نتيجة لذلك، لم يتوقف. لقد كان الواقع الاسرائيلي نفسه عقبة في الطريق الى الشرق الأوسط الجديد والى الثمار الكبيرة التي وعد بها. هذا الواقع كان عقبة أمام خاتمة المطاف.

ويعتقد لاهط أن المسؤولية عن المناخ المسيحاني، الذي تطور بعد (إتفاق) أوسلو، يتحملها مباشرة شمعون بيرس ويوسي بيلين. وهو يؤكد أن بيرس هو ذلك الذي بلور، بصورة عامدة، وعيًا الى ناحية أن السلام أصبح قائمًا. وقد ذهب بيلين في عقبيه. ويضيف أن المسيحانية التي تتطلب مسيحًا كاريزميًا هي جزء من التفكير الديني. أما المسيحانية العلمانية فانها لا تستوجب مسيحًا شخصانيًا، اذ أن المسيح في هذه الحالة هو السلام. وأعاد إلى الأذهان، في هذا الشأن، احدى المقابلات مع شمعون بيرس، حيث تحدث في سياقها عن الحاجة والضرورة الى الدفاع عن جسد السلام. "كما لو أن السلام هو شخصية تتجول في الشوارع"، قال لاهط.

ويتطرق لاهط أيضًا، في كتابه المذكور، الى العمليات الاستشهادية الفلسطينية فيؤكد أن اليسار الاسرائيلي (الصهيوني) يتغاضى عنها أيضًا. ويقول في هذا الشأن: "بعد السلام بدأ الشارع الاسرائيلي يمتص المزيد من العمليات (الإستشهادية) والمزيد من الثكل. فهل أدى هذا الى إيقاف اندفاعة اليسار؟ هل أدى هذا الى فتح أعينه؟ كلا بالطبع. لقد واصل اليسار النظر الى الأمام، الى المستقبل الوضاء، بإصرار حصان سبق. وعلى طريق المسيحانيين المخلصين ادعى أفراد هذا اليسار أن كل ذلك هو جزء من ثمن السلام.. إن التعامل (من قبل هذا اليسار) مع العمليات هو التجسيد الأكثر ملموسية لذلك الوعي المسيحاني".

وبالنسبة لموقف هذا اليسار من الفلسطينيين عمومًا يشير لاهط الى أن هؤلاء الأخيرين ينظرون الى النزاع (مع اسرائيل) من وجهتي نظر غريبتين تمامًا عن خطاب اليسار المسيحاني. الأولى هي الإتكاء على الماضي وبالأساس على نكبة الشعب الفلسطيني في 1948 وفيما بعد في 1967. والثانية هي البعد الديني خصوصًا في كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى. وان اليسار المسيحاني محا هذين العنصرين تمامًا وظل يتحدث فقط عن المستقبل.

أما إيهود باراك فهو "المسيحاني بالمفهوم الكامل للمصطلح"، في رأي لاهط، وذلك في مستوى وعيه وفي المستوى العملي. ويضيف: "لقد رفض باراك الجانب العملي التدريجي لأوسلو، وبدل ذلك اقترح علينا قمة واحدة وحلاً حادًا وسريعًا يضع نهاية للنزاع مرة واحدة وأخيرة" ناسيًا (أي باراك) أن السياسة ليست معادلات رياضية، وأن مئة سنة من النزاع لا يمكن حلها بقمة تمتد أسبوعًا ولا باتفاق واحد. غير أن باراك تمسك بالرأي القائل إما كل شيء وإما لا شيء. وهذا كان خطأه، الذي إنهار عنده هو ونهار معه معسكر السلام كافة.

وما هو البديل الذي يقترحه لاهط؟

إنه ببساطة الحوار بين الشعوب المتنازعة بصورة مختلفة، تدريجية ومتصلة، خصوصًا في مستوى الوعي ومن خلال الفهم بأن هناك أزمات تعترض الطريق وستظل تعترضها على الدوام.

أما على مستوى التحديد فان لاهط يدعو، خصوصًا في المقابلة مع "معاريف"، الى أن "نتفحص بيننا وبين انفسنا فيما اذا كانت العملية(عملية السلام) سائرة في الاتجاه الصحيح وبالوتيرة الصحيحة. وربما يجدر إحداث تغيير جذري في حياة الفلسطينيين، وجعلهم يشعرون بالجزرة وأيضًا بالعصا بصورة أكثر حدة مما تم حتى الآن".