شماتة إسرائيلية مبطنة إزاء "الحالة العراقية"!

لم يفوّت الإسرائيليون فرصة الممارسات الأميركية الوحشية في العراق من دون أن يغمزوا من قناة "الوعظ الأخلاقي" الذي تلقوه من الأميركيين على خلفية مجازرهم بحق الفلسطينيين، مطلقين العنان لشماتتهم المبطنة بالأميركيين.


في هذا المجال، كتب يارون لندن، في افتتاحية صحيفة "يديعوت أحرونوت"، الخميس، تحت عنوان "لماذا مسموح للأميركيين؟"، "أن الرسائل الى مواقع الانترنت للصحف تكشف ما لا تكشفه المقالات المذيلة في هذه الصحف: مزايا النفس الشعبية. ففي أعقاب احتدام المعارك في العراق امتلأت المواقع بالرسائل التي تعرب عن الشماتة بحلفائنا الاميركيين. النبرة السائدة فيها تختصر في عبارة "انتم تزايدون علينا اخلاقيا لأننا نقتل مدنيين فلسطينيين، والآن، ايها الموجهنون، تعلمون انه لا يمكن احيانا الامتناع عن قتل الابرياء!".


وأضاف لندن "أن الشماتة ليست شعورا لطيفا، ولكن من السهل فهم الغضب من أن الجبابرة يحاكمون بمقاييس متسامحة، والصغار بمقاييس متشددة. الجبار الاميركي لا يخشى من تسمية حملة العقاب في الفالوجة باسم "ثأر"، اما نحن فلا نعترف بهذا الدافع ابدا، والذي يعود أصله الى القلب المضطرم والعقل المشلول. بالفعل، مسموح لهم ما هو محظور علينا".

وتساءل لندن حول الدرس من الحدث العراقي، ليجيب قائلا: "لنتجاهل المسائل الاخلاقية ونحصر أنفسنا في المسائل العملية: نهاية الاميركيين مغادرة العراق، سواء كسبوا المعركة ام هزموا، ولكننا نحن سنواصل العيش في جيرة واحدة مع ضحايانا. الجيرة الخالدة تستوجب منا قواعد سلوك مغايرة عن تلك التي يمكن للمارة الاميركيين ان يتخذوها".


واعتبر البروفيسور شلومو أفنيري في "يديعوت أحرونوت" أن الصعوبات الآخذة في الازدياد على الاميركيين في العراق تشهد على عدم أمل تجربة إقرار ديموقراطية في مجتمع يفتقد تماما الأسس المطلوبة لذلك. وبعد أن أشار افنيري إلى الظروف التاريخية لنشوء الدولة العراقية وإلى المجموعات المختلفة فيها التي لا يمكن حكمها إلا بالحديد والنار،على حد رأيه، رأى انه من الغباء التام الاعتقاد انه في هذه الظروف، ومع غياب تام لتقاليد مجتمع مدني، وتسامح وتعددية، يمكن ان ينشأ في طرفة عين مجتمع ديموقراطي.


ورأى الدكتور شاؤول شاي، الخبير في الشؤون الايرانية والعراقية في المركز متعدد المجالات في هرتسليا، أن الولايات المتحدة في مشكلة حقيقية، وأن الانفجار بشكل عام ليس مفاجئاً. فعمليا، يدور الحديث عن سياق بلغ الذروة، وأن هناك جملة من العناصر أدت الى هذا التمرد. وأضاف أنه ثمة جهات معنية بمنع نقل السلطة من الأميركيين بأي ثمن. ورغم أن هناك فوارق في النهج بين التيارات المختلفة في العراق حول الوضع المرغوب فيه بعد نقل السلطة، ولكنها جميعها متفقة، بحسب شاي، على انها لا تريد حكم الولايات المتحدة او حكما من قبلها.


ويشير شاي إلى أن من بين العناصر الاساسية التي تحاول منع نقل السلطة في العراق رجال "القاعدة" وايران. فإيران تعتبر استمرار الفوضى في العراق شهادة تأمين تضمن الا تتفرغ الولايات المتحدة للانشغال بها ايضا. وعليه، فإنهم يفعلون كل ما في وسعهم لإبقاء الفوضى ويعملون على اثارة السكان الشيعة. سبب آخر للتوقيت الراهن هو حقيقة ان الانتخابات في الولايات المتحدة تقترب. فكل الجهات المعارضة تدرك جيدا أن في وسعها جدا ان تؤثر على النتائج، مثلما أدت العمليات في مدريد الى تغيير السلطة في اسبانيا.


وبالنسبة لتعاطي الأميركيين مع مقتدى الصدر، قال شاي ان الاميركيين ارتكبوا خطأ جسيما في نهجهم تجاهه. فبدل محاولة عزله داخل الطائفة الشيعية دخلوا فيه جبهويا. وهو يرد بشكل اكثر تطرفا وهذا هو سبب المواجهات الشديدة بهذا القدر. ورغم أنه ليس الزعيم الشيعي السائد، فقد اثبت التاريخ انه في اوضاع الفوضى يراكم الكفاحيون مزيدا من القوة.

وحول امكانية تعلم الولايات المتحدة من اسرائيل وقمعها الانتفاضة مثلما فعل جيش الاحتلال الاسرائيلي في حملة "السور الواقي"، يرى شاي أن العراق قصة اكثر تعقيدا بكثير، ولهذا السبب فإن مشكلة الاميركيين أكبر بكثير. فمن الصعب جدا على الاميركيين العمل استخباريا في اوساط الشيعة مثلما يفعل الجيش الاسرائيلي في اوساط الفلسطينيين، ولكن الفارق الاساس هو في حجم المشكلة. اذا كانت الانتفاضة الشيعية شاملة فستضطر القوات الاميركية الى التصدي لعشرات ملايين الاشخاص. وعمليا، فإن الولايات المتحدة عالقة اليوم في العراق بين المطرقة الشيعية التي تمسك بها ايران والسندان السني من انتاج أسامة بن لادن. وسيستغرق الامر وقتا طويلا الى ان تتمكن من الخروج من الساحة وهي متفوقة، هذا اذا تحقق ذلك على الاطلاق.


في السياق نفسه، اعتبر يوآب فورنر في صحيفة "معاريف" أن ما يحصل الآن في العراق ناجم عن تأجيل القوات الأميركية حسم مشكلتين رئيسيتين هما مشكلة المثلث السني، ومشكلة تيار مقتدى الصدر. وإذ رأى فورنر أن القوات الأميركية بدأت الآن بالتصدي فعلا لهاتين المشكلتين، إلا أنه أشار إلى أنه يتعين حسمهما قبل حلول موعد تسليم السلطة للعراقيين، وعليه يتعين، بحسب فورنر، الصلاة كي ينجح الأميركيون في مسعاهم.