وزارة السياحة الاسرائيلية "قناة سرية لتحويل الملايين للمستوطنات في الاراضي المحتلة وتهويد القدس العربية"!

كشف تحقيق نشرته "يديعوت أحرونوت" النقاب عن تحوّل وزارة السياحة الاسرائيلية منذ فترة الى "قناة سرية لتحويل الملايين للمستوطنات في الاراضي المحتلة وتهويد القدس العربية بواسطة جمعيات وهمية او حقيقية لا تمت بصلة للسياحة، مثل جمعية تعنى بتدريب الكلاب المستوردة لحراسة المستوطنين".

ويستهل الصحفيان جيدي فايس وميخال شابات تحقيقهما بالتأكيد على ان منصب مدير"مركز الاستثمارات" في وزارة الصناعة والتجارة هو الاهم والاكثر حساسية لانه مسؤول عن توزيع 1.7 مليار شيكل للشركات الخاصة التي تتناسب ومعايير الدعم الحكومي. ولذا، يقول التحقيق، فان الدولة بحاجة الى من يعتبر موثوقًا ويحرص على حراسة اموال الجمهور لافتا الى ان الوزير ايهود اولمرت، وزير الصناعة والتجارة، قد اعلن عن "اكتشافه" لمثل هذا الرجل المرتجى: اهارون دومب، احد قادة المستوطنين المخضرمين. ويتساءل التحقيق عن الاعتبارات التي وقفت خلف اختيار "دومب"، أهو السجل المهني، أم تجربته كمدير عام سابق لوزارة السياحة، وهو منصب قام من خلاله "بتسريب الملايين الى الجمعيات المساندة للاستيطان".

ويفيد تحقيق "يديعوت احرونوت" ان اموالا طائلة تم نقلها الى المستوطنات من صندوق السياحة تحت غطاء "فعاليات سياحية" وهذا ما تحقق به الشرطة الاسرائيلية اليوم لكن اولمرت، وفقا للتحقيق، تجاهل تحقيقات الشرطة اضافة الى تجاهله لتورط "دومب" في تجاوزات مالية وخروقات ادارية في منصبه السابق. وتشير مصادر سياسية إلى ان تعيين اولمرت لدومب جاء من اجل مد جسر بينه وبين المستوطنين بعد تشوش العلاقات بين الطرفين جراء موقف الأول الداعم لخطة الانسحاب الأحادي الجانب من غزة، وفعلا فقد أعرب المستوطنون عن بالغ سرورهم لهذا التعيين.

ويروي التحقيق أنه في خضم المواجهات الساخنة مع الفلسطينيين عمل "دومب" على تطوير "خطة هامة" بالتعاون مع جهات اخرى تتمثل بقيام جمعية "سياحة الضفة وغزة" بتسويق مشروع سياحي عرف باسم "عام الجمهور" والهادف الى تنظيم نشاطات سياحية لليهود في السنة او الموسم الزراعي الذي لا تقطف فيه ثمار المزروعات (مرة كل سبع سنوات وفقا للشريعة اليهودية) من اجل تشجيع استقدام السائحين الاجانب في مرحلة صعبة من الناحية الامنية. وكان "دومب"، الذي اشغل منصب مدير عام "مجلس المستوطنات في الضفة وغزة" حتى العام 1999 ، قد توجه لعالم الاعمال واخذ ينشط في نفس الوقت في جمعية "سياحة الضفة وغزة". وسوية مع مدير عام الجمعية، مناحيم شاينبرغ، نسج دومب خطة "عام الجمهور" فأعدا كافة الاوراق المطلوبة والتقيا موظفي وزارة السياحة ودفعا بالمشروع الجديد عنوة. ويكشف التحقيق انه بعد لقاءات قليلة اوكلت وزارة السياحة الى الجمعية المذكورة بالذات مهمة تسويق المشروع الجديد. وتتساءل الصحيفة عن الحاجة لقيام وزارة السياحة بتوكيل جمعية ذات صبغة سياسية واضحة لادارة وتسويق مشروع سياحي خارج البلاد، الا ان "دومب" و"شاينبرغ" زعما انهما سيعلمان الوزارة كيف تتم عمليات التسويق وانطلقا في عملهما. وفي ديسمبر / كانون الأول 2001 استجاب "دومب" لعرض وزير السياحة بيني ايلون لتسلم وظيفة "المنسق الاعلامي الاستراتيجي" في وزارته. وفي فبراير / شباط 2002 وقع رسميا الاتفاق بين الوزارة وبين جمعية "سياحة في الضفة وغزة" وفيه التزمت الوزارة بتحويل ملايين الشواقل للجمعية لقاء فواتير. وفي مارس/ اذار الماضي قدم ايلون استقالته من السياحة لكن ليس قبل ان يدفع بصديقه "دومب" الى منصب مدير عام الوزارة. ويتابع التحقيق بالقول "فور تقلد دومب منصب المدير العام "امطرت" الجمعية الوزارة بوابل من الفواتير المختلفة والغريبة طالبة الاموال. ولم تكن هذه الفواتير تابعة للجمعية ذاتها فقط انما لجمعيات عديدة اخرى يربطها قاسم مشترك واحد: دعم مشاريع الاستيطان في الاراضي الفلسطينية".

وكشفت الصحيفة ان مساعدة "دومب" في وزارة السياحة دانيئيلا اهرونهي، التي قامت بتوقيع التحويلات المالية "الفلكية"الى الجمعية، فعلت ذلك وفق تعليماته، حيث قال لاحقا في معرض رده على اسئلة الصحيفة انه كان يوقع بيده التحويلات التي بلغت الف دولار فما فوق "حرصا على لياقة صرف المال العام" .

ويظهر التحقيق ان مسجل الجمعيات اراد خلال العام 2003 فحص جمعية "سياحة في الضفة وغزة" والاموال التي تلقتها على حساب مشروع "عام الجمهور" بواسطة محاسب يدعى بوعز غزيت. وقد جاءت نتائج فحص غزيت مذهلة : في العامين 2001-2002 حولت وزارة السياحة الى الجمعية المذكورة مليوني شيكل بغية تمويل مشروع "عام الجمهور" . وفي الواقع، استنادا الى تقرير غزيت، تلقت الجمعية اموالا طائلة على حساب فواتير من جمعيات وجهات تجارية ليست لها اية علاقة بالسياحة وكانت هذه الجهات تلتقي حول امر واحد هو مشروع الاستيطان.

وهكذا عملت ماكنة تحويل الاموال من الوزارة الى المستوطنات وفقا للتحقيق: في العام 2002 على سبيل المثال طلبت جمعية "سياحة في الضفة وغزة" تحويلة مالية بقيمة 137 الف شيكل لقاء نشاطات تسويق قامت بها جمعية تدعى "اسوار شاليم"، وهي جمعية يمينية متطرفة غايتها المركزية تهويد القدس العربية عن طريق شراء بيوت من الفلسطينيين واسكانها باليهود وعمل في قيادتها مقربون من الوزير بيني ايلون بل هو كان محركها الاساسي. ولم يحرك موظف كبير او صغير في وزارة السياحة ساكنا للسؤال عن كيفية حصول مثل هذه الجمعية على اموال من السياحة، وعوضا عن ذلك صادقوا على الفواتير المقدمة وحولوا الميزانيات بسخاء. في تقريره يؤكد غزيت ان جمعية "سياحة في الضفة وغزة" قد حولت الى " اسوار شاليم" 47 الف شيكل فقط خلافا لتصريحاتها وكشوفاتها الرسمية، ما يعني ان الفواتير كانت وهمية. كما يشير غزيت الى ان فحصه للفعاليات "السياحية" التي قامت بها الجمعية - سياحة في الضفة وغزة- أظهر ان النشاطات التي صرحت عنها وبفضلها حصلت على التمويل كانت حبرا على ورق، ما يعني ان الاموال لم توظف في مشاريع سياحية بل في دعم المستوطنات فقط.

وتعرض الصحيفة أمثلة اخرى على عمليات الاحتيال واستغلال اموال السياحة لدعم الاستيطان منها ما جرى في العام 2002 عندما قدمت الجمعية اياها حسابا بقيمة 70 الف شيكل لصالح جمعية "كلبي" التي ادعت هي الاخرى انها شاركت في تسويق برامج سياحية خارج البلاد. وقد قامت الجمعية الاخيرة، وفقا للصحيفة، في واقع الامر باستيراد الكلاب الشرسة من القفقاز وترويضها لتلبية احتياجات الحراسة والامن في المستوطنات.. فما العلاقة بين الكلاب وبين السياحة؟. في وزارة السياحة لم يسألوا عن العلاقة بالمرة وواصلوا تحويل الاموال. وتقتبس "يديعوت احرونوت" موظفا كبيرا في وزارة السياحة يقول "لم يكلف احد من موظفي الوزارة نفسه عناء فحص ما يجري او التساؤل عن علاقة وزارتهم باستيراد الكلاب للمستوطنات. لا احد يهمه الامر. أي يد هذه التي تجرأت على توقيع تحويلات غريبة لاموال الجمهور؟". ويضيف التحقيق ان الوزارة كانت حولت ايضا الميزانيات الى جهات كثيرة لها علاقة بكل شيء عدا السياحة، مثل جمعية "شمعون هتسديك" ومقرها حي الشيخ جراح في القدس المحتلة وتعنى باقامة مؤسسات دينية في المستوطنات وفي مدينة القدس والعلاقة بين مثل هذه الجمعية وبين وزارة السياحة هي كالرابط بين منتجي السجائر وبين الحفاظ على البيئة. وتفصّل الصحيفة عمليات مشابهة كثيرة تلقت فيها جمعية "سياحة في الضفة وغزة" مبالغ باهظة من وزارة السياحة ولم تحول في الواقع الى جمعيات ومشاريع سياحية، خلافا لما صرحت به وإنما لتغطية قيامها بصرف الميزانيات على الاستيطان وتسمينه وتعزيزه. وتقتبس الصحيفة مصادر في الشرطة تفيد ان موظفين كبار داخل وزارة السياحة قد تعاونوا وشاركوا في عمليات تحويل الميزانيات المعدة لتطوير السياحة الى الاستيطان خاصة ان الفواتير التي قدمت لهم كانت مزدوجة، بمعنى انها قدمت مرتين .. وسددتها الوزارة مرتين.

على كل ذلك عقب الناطق بلسان وزارة السياحة بالقول انه تم تحويل كافة المعطيات الى الشرطة ومسجل الجمعيات...