نتائج مؤتمر "الليكود" تضيّق تحركات شارون وتصاعد الحديث عن انتخابات مبكرة

كتب أسعد تلحمي:

خرج رئيس الحكومة الاسرائيلية، أريئيل شارون، في إجازته السنوية، اليوم الخميس، يتصبّب عرقًا ويجرّ أذيال الهزيمة التي ألحقها به مؤتمر حزبه "الليكود" حين صوت معظم أعضائه ضد إقتراح ضم حزب "العمل" الى الائتلاف الحكومي الهش، ما أدخل الحلبة السياسية في دوامة شديدة وفي حال من الغموض وعدم اليقين. وعلى رغم إعلان مكتب شارون أن رئيس الحكومة سيواصل جهوده لتشكيل حكومة مستقرة وتنفيذ خطته السياسية، إلا أن كبار المسؤولين في "الليكود" حذروه من مغبة الالتفاف على قرار الحزب. ورأى أبرز المعلقين أن شارون لن يكون قادرًا هذه المرة على تجاهل أهم مؤسسات حزبه من دون أن يستبعدوا أن تقود التطورات الى تبكير موعد الانتخابات البرلمانية.

وقد دوّت كلمات "هزيمة" و"صفعة مدوية" و "إهانة" و"فشل ذريع" في عناوين الصحف العبرية وتعليقاتها على الانتكاسة التي مني بها زعيم حزب "الليكود" رئيس الحكومة أريئيل شارون، الليلة الماضية، داخل حزبه وتمثلت بنجاح الصقور أو "المتمردين" في إنتزاع قرار لمؤتمر الحزب برفض إقتراح شارون التفاوض مع أي حزب صهيوني لضمه الى حكومته، في موازاة إتخاذ قرار آخر أكثر وضوحًا يرفض ضم حزب "العمل" تحديدًا يداعي أن ضمه "قد يقود الى العودة الى حدود حزيران (يونيو) 1967 ويعيد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الى المفاوضات"، على ما قال زعيم "المتمردين"، الوزير عوزي لانداو.

وكانت هذه الانتكاسة هي الثالثة لشارون منذ توليه منصبه في آذار (مارس) 2001 ، إذ سبق لمؤتمر الحزب أن اتخذ قرارا، في أيار (مايو) 2002 ، يعارض اقامة دولة فلسطين رداً على إعلان شارون موافقته على اقامة دويلة وفقا لشروطه. ومطلع حزيران (يونيو) الماضي صوّت منتسبو "الليكود" في إستفتاء خاص ضد خطة شارون الداعية إلى الانفصال الأحادي الجانب عن قطاع غزة.

وبعيد الإعلان عن نتائج التصويت سارع مكتب رئيس الحكومة إلى التأكيد بأن شارون سيواصل مساعيه لتشكيل حكومة مستقرة. ونقلت الإذاعة الاسرائيلية الرسمية عن أوساط قريبة منه أنه مصمم على مواصلة برنامجه السياسي- الإنفصال الأحادي- وأن الاتصالات مع المصريين حول دورهم في تنفيذ خطة الانفصال ستستأنف الشهر المقبل، كما سيتواصل بناء الجدار الفاصل وعمل المديرية الخاصة التي عينها لوضع ترتيبات تطبيق الانسحاب من غزة وشمال الضفة الغربية. وشددت هذه الأوساط على أن شارون خسر معركته داخل الحزب لكنه ربحها في كتلته البرلمانية، في إشارة إلى تصويت غالبية الوزراء والنواب في "الليكود" إلى جانب إقتراحه في المؤتمر.

في المقابل رأى أقطاب بارزون في الحزب أن شارون لن يستطيع هذه المرة تجاهل قرار المؤتمر بعد أن نظم معارضوه إصطفافًا قويًا انتزعت منه الوطأة التي ميزته في الماضي غير البعيد. وقال العضو البارز في طاقم التفاوض لتوسيع الائتلاف الحكومي، النائب جدعون ساعر، إنه من غير الممكن استئناف الاتصالات مع "العمل" وانه ينبغي احترام إرادة الحزب، ملمحًا إلى إمكان استقالته من الطاقم في حال أصرّ شارون على مواصلة التفاوض.

وادعى وزير الخارجية، سيلفان شالوم، بأن مؤتمر "الليكود" لم يقل لا لخطة الانفصال إنما حسم موقفه ضد ضم "العمل" لرفضه برنامجه السياسي. وأضاف، في حديث إذاعي، أن ثمة غالبية في الحكومة الحالية تدعم الخطة تشمله هو أيضًا مضيفًا أن الحكومة الحالية قادرة على مواصلة مهماتها وأن المعارضة البرلمانية غير قادرة على حشد غالبية لإسقاطها لكنه "نصح" شارون بتنسيق خطواته مع أركان حزبه.

إرتباك في "العمل" أيضًا

عقد زعيم "العمل"، شمعون بيريس، اجتماعًا طارئًا لطاقمه المفاوض للتداول في مغزى قرار مؤتمر "الليكود" وسط ارتفاع أصوات تطالب بحلّ الطاقم والإعلان رسميًا عن وقف المفاوضات والإعداد لانتخابات برلمانية مبكرة، لكن كفة المتحمسين للانضمام إلى حكومة شارون رجحت هذه المرة أيضًا ليقر المجتمعون عدم إغلاق الباب تاركين مسألة تجديد الاتصالات مع "الليكود" في يد رئيس الحكومة "وفي الآن ذاته الاستعداد لانتخابات مبكرة".

وكانت النائبة داليه إيتسيك، رئيسة كتلة "العمل" البرلمانية، طالبت بوقف المفاوضات للحيلولة دون تحقير حزبها. وقالت إن "الليكود" اختار أن يكون حزبًا يرفض السلام ويقوّض كل فرصة تتاح لوقف العنف في المنطقة. ودعت زعيم حزبها، بيريس، وزعيم حزب "شينوي"، يوسف لبيد، إلى تنسيق الخطوات لإسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة. وقال النائب إيتان كابل إن حزبًا لا يحترم نفسه فقط قادر على مواصلة التفاوض للانضمام إلى حكومة كهذه. وأرجأ زعيم الحزب إعلان موقفه إلى وقت لاحق.

صعوبة في إستقراء المرحلة القادمة

أقرّ كبار المعلقين في إسرائيل بصعوبة التكهن بالوجهة التي سيسلكها شارون بعد هزيمته، على رغم ما صدر عن قريبين منه بشأن عزمه على مواصلة إدارة شؤون حكومته وكأن شيئًا لم يحصل.

وكتب ناحوم برنياع في "يديعوت أحرونوت" يقول: "لقد هزم شارون أمس. وحتى إن نجح في تجاهل القرار، على غرار ما فعل بعد نتائج استفتاء الليكود (حول خطته للانفصال)، فإنه لن يكون في وسعه تجاهل حزبه إلى الأبد. إنه (الآن) يسير على جليد دقيق جدًا.. قد يفقد شرعيته في أوساط أعضاء حزبه أيضًا إذا واصل الاستهتار. الحديث هنا ليس عن جدل حول هذا القرار أو ذاك وإنما عن أهليته الأخلاقية".

وكتب بن كسبيت في "معاريف" أن ما حصل (في مؤتمر الليكود) لم يحصل منذ وقت طويل "للزعيم لا يوجد حزب. والحزب بلا شعب. والشعب لا يعي ما يدور الآن حقًا، وهكذا فالارتباك هو سيد الموقف. أريئيل شارون تلقى أمس صفعة مدوية في وجهه.. لكن بمقدوره أن يمسح البصاق عن وجهه ويواصل طريقه، كعادته". وأشار المعلق إلى أن صقور "الليكود" وجهوا، بتصويتهم، رسالة واضحة بل تهديدًا إلى 5-7 نواب يتأرجحون بين تأييد شارون وبين معارضته، لثنيهم عن دعم شارون في ضم "العمل".

وشكك يوسي فيرتر في "هآرتس" في قدرة رئيس الحكومة على تجاهل قرارات المؤتمر لافتًا إلى أن أعضاء الحزب يحسبون الحساب قبل أن يدعموه لمعرفتهم بأن إعادة انتخابهم مرهونة بتصديق أعضاء المؤتمر. وأضاف أنه في أعقاب النتائج لم تتعزز مكانة شارون بل على العكس، فإن "العمل" لن يسرع إلى حضنه "أما إذا أذعن شارون للمؤتمر وبقي مع حكومة أقلية فإنه سيجد نفسه مضطرًا إلى الاعلان عن انتخابات مبكرة خلال وقت قصير".