حتى الأطفال ممنوعون من معانقة آبائهم الأسرى...

تقرير: فراس خطيب
قدم المركز القانوني لحقوق الاقلية العربية في إسرائيل، "عدالة"، بواسطة المحامية عبير بكر، قبل عدة أيام، إلتماسًا الى المحكمة الاسرائيلية العليا، بإسم عشرة من أبناء السجناء الامنيين، وجمعية "أنصار السجين"، طالب من خلاله السماح لهؤلاء الابناء بالاقتراب وملامسة ذويهم أثناء زيارتهم في السجون، بعدما أصدرت مصلحة السجون أمرًا يمنعهم من هذا (هذا المنع كان، من جملة أسباب عديدة أخرى، وراء قرار الأسرى إعلات الإضراب عن الطعام). وترتكز مصلحة السجون، في ذلك، على حجج أمنية وإدعاء أن طفلا فلسطينياً قام بتهريب "غرض ممنوع" الى والده السجين أثناء زيارته له.. وبهذه الحجة ومع غياب التفاصيل الدقيقة لما يحدث داخل اسوار السجن يكون المئات من الأطفال قد حرموا من معانقة آبائهم على الرغم من الإسقاطات التربوية وحاجة هؤلاء لمثل هذا التواصل الإنساني.

سألنا من "المشهد الاسرائيلي" المحامية عبير بكر، ما اذا كانت هذه هي المرة الاولى التي يقدم فيها التماس من هذا النوع الى المحكمة العليا، فقالت: "هذه أول مرة يطالب فيها أطفال فلسطينيون بممارسة الحد الادنى من حقوقهم". وعن سبب تقديم الالتماس بإسم الاطفال أنفسهم وليس بإسم السجناء، أجابت بكر: " نحن تطرقنا من خلال الالتماس الى حقوق الطفل، فقد توجه بعض السجناء الامنيين في السابق الى المحكمة المركزية، طالبين السماح لهم بالاقتراب من اولادهم، وقد رفضت المحكمة كل تلك الإلتماسات بشكل قاطع، منها التماس الشيخ رائد صلاح الذي رفض مؤخراً، وفي هذا السياق اود الإشارة الى نقطة مهمة وهي أن الأغلبية الساحقة من الالتماسات التي يقدمها الأسير الأمني الى المحكمة المركزية (التي تبحث التماسات السجين الامني) ترفض بحجة الوضع الأمني السائد، ولا بد من ان المحكمة تتخذ في بعض الأحيان سياسة تحاول من خلالها عدم التدخل بعمل سلطات السجون في كل ما يتعلق بادارة السجن وضبط النظام فيه، الأمر الذي يصّعب علينا تحدي الممارسات القمعية ضد السجناء الامنيين".

من وراء الحاجز الزجاجي..

غرفة الزيارة واحدة كبيرة مقسمة الى خلايا صغيرة، جدار زجاجي يفصل بين السجين وزائريه، كل سجين يجلس في خلية، ويتحدث مع زائريه عن طريق هاتف معلق في الخلية، ويصف الزائرون جودة الصوت بأنها متدنية جدًا.

هذه هي الصورة الاخيرة المنقولة من هناك. وعلى الرغم من صمود السجناء أمام التصعيد وأمام الوضع المذكور أعلاه والملاحظ ضدهم وعدم إستجابة سلطة السجون الى مطالبهم، الا أن حرمان الاسير من ملامسة إبنه يشغل حيزًا عاطفيًا خاصًا في نفسه، وطفل في السادسة من عمره يحتاج الى قبلة من والده لن تقنعه الحجج الامنية، كما لا تقنع والده السجين.

يقول جلال رمانة (سجين أمني في سجن نفحة الصحراوي) بعد تلقيه هذا النبأ حول منعه من ملامسة أبنائه :" لقد تلقى ابناي ببالغ الصعوبة نبأ منعهما من ملامستي او الدخول الي (من وراء الحاجز الزجاجي، ف.خ)، لم يكن هذا سهلا عليهما ابدًا، وانفجرا بكاءً". وأضاف : "كنت معتادًا على تقبيلهما من اجل تعويضهما بالقليل عن غيابي عن البيت. شيماء ومحمد (الابنان) كانا يسقطانني أرضًا، يدفعانني ويضحكان، مثل البيت بالضبط، كنت آتي لهما بالحلوى التي احباها في كل مرة زاراني فيها، بالضبط مثلما كنت افعل بالبيت". وزاد رمانة: "إدخال ابناي الي يسهل كثيرًا علي وعلى تصرفاتي في السجن، فولداي لا يفهمان حتى الآن لماذا يمنعانهما من الدخول ".

السيدة آمال كناعنة، زوجة السجين محمد كناعنة، أضافت في شهادتها التي أرفقت بالإلتماس:"منذ القبض على زوجي، وأولادي يسألونني متى بإستطاعتهم لمس والدهم والاقتراب منه واللعب معه مثلما كانوا يفعلون معه في السابق، وأنا اذكر ذات مرة في احدى جلسات المحكمة اني وعدتهم بأنهم يستطيعون الاقتراب منه، وعلى الرغم من طلب المحامي الا ان الحراس لم يتقبلوا هذا ابدًا".

عن هذا المنع عقبت المحامية بكر بالقول:"حتى عام 2000 ونتيجة لما سعي من أجله، استطاع السجناء الأمنيون تحقيق العديد من الانجازات فيما يتعلق بظروفهم الحياتية في السجن، ومع اندلاع الانتفاضة الثانية واجتياح جنين تحديداً، الامر الذي سبب اعتقالات جماعية، أخذت أوضاع السجناء الامنيين وظروفهم الحياتية تتدهور. ولعل ابرز العقوبات التي فرضت عليهم كانت اقامة حاجز زجاجي يفصل بينهم وبين زائريهم، الامر الذي حال دون اقتراب الأطفال الى ابائهم وقت الزيارة". وتضيف بكر: "في السابق وعلى الرغم من وجود الحاجز الزجاجي سمحت ادارة السجون للأطفال بالاقتراب من ابائهم في ربع الساعة الاخير من الزيارة، ولكن اليوم ومنذ ايار 2002 هناك حظر نهائي على ذلك".

(*) المشهد الاسرائيلي": هل توجهتم الى مصلحة السجون قبل التوجه الى المحكمة؟

- "توجهنا، وأشرنا من خلال تلك التوجهات الى عدم قانونية ما يقومون به من منع الطفل من الاقتراب الى ابيه بما في ذلك حقه في التواصل العاطفي معه، فهناك الكثير من الإنعكاسات السلبية التي تؤثر حتمًا على تطور الطفل، وهذا ما أشرنا له من خلال الإلتماس، فقد وثقنا هذه الإدعاءات عن طريق استشارة مطولة لمختصين تربويين، وردّت مصلحة السجون ردًا سلبيًا على توجهاتنا، والسبب هو محاولة احد الاسرى تهريب ادوات ممنوعة بواسطة طفله كما يدعون، مصلحة السجون ادعت امام المحاكم المركزية ان الامر مؤقت وأخلت بوعدها وألغت كل القوانين الداخلية فيما يتعلق باقتراب الاطفال الى ذويهم السجناء وتأكدنا من عدم نيتها بالعدول عن سياستها المجحفة بحق الأطفال والاسرى".

(*) "المشهد الاسرائيلي" : هل من عقوبات جديدة فرضت على الاسرى مؤخرًا؟

- "اضافة الى قضية الزيارات قامت ادارة السجون باجراءات عديدة اخرى أدت الى تراجع كبير لما انجزه السجناء في السنوات الماضية وضحوا من اجله، أهمها فرض غرامات مالية باهظة على السجناء على اتفه الاسباب بحجة اخلال النظام وخرق التعليمات الداخلية للسجن ومصادرة مواد التنظيف وتوقف إدارة السجن عن تزويدها للسجين "المذنب" وارغامه على شرائها على حسابه الخاص، كذلك تكرار الاعتداءات الجسدية والتفتيش المذل لاجساد السجناء العارية، ومنع الاخوة السجناء من زيارة بعضهم البعض داخل السجن، وتقليص مدة النزهة اليومية (ما يسمى بالفورة) وتفتيش الغرف بشكل استفزازي والحاق الاضرار الجسيمة بممتلكات الاسرى ورفض تعويضهم عن الاضرار ومنع ادخال اغراض بواسطة الاهل واغلاق المكتبات التي يعتمدها الاسرى في السجون".

إضراب الاسرى عن الطعام

مع تولي يعقوب جانوت منصب مدير سلطة مصلحة السجون أعلن عن إنتهاج سياسة "القبضة الحديدية" ضد السجناء الامنيين، ولا تعتبر سياسة جانوت في هذه الآونة تحديدًا مفاجئة، يعود هذا الى تاريخه الحافل في الشرطة وحرس الحدود حيث أمضى هناك أكثر من 37 عامًا. وقبل استلامه منصب مدير مصلحة السجون ترأس "مديرية الهجرة" وقام بحملات طرد العمال الاجانب من البلاد. ومع توليه منصب مدير سلطة السجون، بات الوضع صعبًا، الامر الذي جعل السجناء الأمنيين تحت خط المعاناة. واليوم ونتيجة هذه الأوضاع المتردية، يدور الحديث بين السجناء حول إضراب عن الطعام. وقد نشرت صحيفة "هآرتس"، يوم الجمعة الماضي، ان هذا الأضراب سيكون واسعًا وسيشمل كل السجناء الامنيين، بمن فيهم من يقبع في أقفاص جيش الدفاع الإسرائيلي. وأوضحت "هآرتس" ان سلطة السجون تتهم أعضاء كنيست عرب بالمساهمة في القضية لنقلهم معلومات بين السجناء.. سألنا المحامية بكر عن الاسباب التي تؤدي الى الإضراب عن الطعام، خاصة وان السجناء قابعون دائما تحت المعاناة فقالت: "ما يميز السجناء الأمنيين اجمالا هو اضراباتهم الجماعية عن الطعام. تأتي هذه الاضرابات بعد فشل كل طرق التفاوض مع ادارة السجون لتحسين ظروفهم الحياتية، لذا تكون هذه الاضرابات نتيحة عدم الاستجابة للمطالب وليست سياسية". اما عن تأثيرات الإضراب وإسقاطاته فقالت بكر: "اضراب السجناء الجماعي عن الطعام يخلق نوعاً من البلبلة وحالة تأهب لدى سلطة السجون خاصة وأن الأمر يؤدي الى لفت انظار الاعلام وتسليط الأضواء على كل ما يجري داخل السجون الاسرائيلية الأمر الذي تحاول مصلحة السجون اخفاءه بشكل مستمر". وزادت بكر: "في الثلاثين عامًا الاخيرة قامت الحركة الأسيرة بفتح اضرابات كثيرة، منها: الاضراب عن الطعام عام 1970 والذي توفي اثره السجين عبد القادر أبو الفحم، واضراب عام 1976 الذي استمر 45 يوماً. واضراب 1980، في اعقاب افتتاح سجن نفحة الصحراوي ونفي 800 سجين والذي استمر 34 يوماً توفي نتيجته 4 سجناء. شكلت هذه الاضرابات محطات نوعية في حياة الاسرى مكنتهم من الحصول على الحد الادنى من الاحتياجات اليومية، كالنوم على فرشة بدل النوم على البلاط، وعدم العمل بالسخرة لدى مؤسسات الدولة، وفي اضراب عام 1992 استطاعت الحركة الأسيرة ان تنجز الكثير مقارنة مع السنوات التي قبلها حيث أدى الاضراب المفتوح عن الطعام الى تشكيل لجنة حكومية بتوصية من وزير الشرطة آنذاك، موشيه شاحال، سميت بلجنة "شاؤول ليفي". بعد الاستماع الى مطالب الأسرى وبمصادقة "الشاباك"(!) اوصت هذه اللجنة ادارة السجون بتحسين ظروف حياة السجناء السياسيين في مجالات عديدة مثل: رفع الوقت المخصص لزيارة الأهالي من 30 الى 45 دقيقة، تزويد السجون بتدفئة مركزية، السماح بادخال الملابس، مواد للقراءة بواسطة الأهل خلال الزيارة، السماح بالتعليم الجامعي عبر المراسلة، السماح للأطفال دون سن السادسة بزيارة ابائهم السجناء دون وضع حاجز وغيرها من الأمور وهم مقبلون على اضراب مفتوح عن الطعام خلال الايام القريبة. اسباب هذا الاضراب بالاساس هي المطالبة بتحسين ظروفهم الحياتية في السجن بما في ذلك قضية التواصل الانساني مع اطفالهم".

السبب هو "ابو غريب"

(*) "المشهد الإسرائيلي": شهدنا في الآونة الأخيرة نوعًا من اهتمام الصحافة وتجاوبًا مفاجئًا من طرف مصلحة السجون مع الصحافيين، ما هو السبب برأيك؟

- "قضية احداث سجن ابو غريب وما تلاها من مقارنات مع ما يجري في غرف التحقيق الاسرائيلية كانت السبب الاول في تزايد اهتمام الصحافة بالاسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية خاصة ان انتهاكات حقوقهم متواصلة وليست جديدة، كذلك فإن الافادات التي حصلنا عليها حول تعريتهم على غرار ما حدث في ابو غريب اربك سلطة السجون واجبرها على التعاون مع الصحافة والسماح لهم بالدخول الى السجون، في الوقت الذي كانت ترفض دخول اي صحفي خاصة الصحافيين العرب الى السجن بحجة "أمن الدولة". ولا اتعجب مثلاُ من تجاوب المستشار القضائي للحكومة مؤخراً مع طلبنا ارسال مندوبين عنه لزيارة السجون والتأكد من صحة ادعاءاتنا فيما يتعلق بتعرية السجناء وتعذيبهم على يد السجانين في سجن شطة خاصة. مصلحة السجون مدركة تماماُ ان الوضع على حافة الانفجار وهي تحاول جاهدةً من أجل منع لفت انظار الرأي العام لذلك".

(*) "المشهد الاسرائيلي" هل لديك معلومات عن الوحدات الخاصة التي اقيمت مثل "مسادا" و"نحشون"؟

- "الحديث هنا هو عن وحدات خاصة اقيمت خصيصاً لقمع تمرد السجناء الفلسطينيين الأمنيين. تقوم هذه الوحدات باقتحام غرف الاسرى في ساعات متأخرة من الليل بحجة التفتيش. اقتحام الغرف يتم على يد العشرات واحيانا المئات من رجال الامن، مما يؤدي الى صدامات عنيفة مع السجناء. يرغم رجال هذه الوحدات الخاصة والمسلحة السجناء على النهوض من اسرتهم. السجناء لا يمانعون تفتيش غرفهم الا انهم يمانعون الطريقة الاستفزازية التي تستعمل ضدهم، استعمال كميات هائلة من الغاز المسيل للدموع في غرفهم عديمة التهوئة اصلاً، العنف الجسدي البشع الذي يتعرضون له خلال التفتيش اضافة الى تكرار هذا النمط من التفتيش غير المبرر، كل ذلك يؤدي الى تصعيد التوتر مع افراد هذه الوحدات، الامر الذي اسفر مرات عديدة عن وقوع إصابات بالغة في صفوف السجناء واحالتهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج".