مخطط رسمي إسرائيلي لبيع وتصفية "وادي الصليب" في حيفا

كتب هشام نفاع:

في استهدافها للوجه العربي لمدينة حيفا تسعى دائرة أراضي إسرائيل

إلى تغيير معالم أحد أعرق الأحياء العربية في المدينة، وادي الصليب - حيفا التحتا، بدعوى "تطوير المنطقة" وإقامة حي للفنانين. واستناداً إلى مناقصة نشرتها "دائرة أراضي اسرائيل" فإن العديد من المباني العربية التي هجر أصحابها عام 1948، سيتم هدمها، وإنشاء بيوت سكنية ومكاتب وورشات للفنانين مكانها.

وفي الثلاثين من أيار الجاري يحل الموعد الأخير للتقدّم للمناقصة الرسمية لدائرة أراضي إسرائيل رقم 18/2004/37.

هدف المناقصة: "بناء منخفض".

ترجمة: هذه "الدائرة" الرسمية تعرض جزءا من هذا الحي (55 دونما) الذي جرى تهجير أهله عام 1948، للبيع والترفيه الشخصي (للأغنياء). هذا الجزء يقع بين ثلاثة شوارع هي: "ستانتون" (اليوم، "شيفات تسيون")، "البرج" (اليوم،"معاليه هشحرور") و"عمر بن الخطاب". وتحت أي اسم بريء ولطيف وعفوي: "حي للفنانين"! هكذا كتب على غلاف كتيّب المناقصة الذي جاء في (17) صفحة. مركز "عدالة" اصطدم بهذا المخطط في اطار متابعة القضايا المرتبطة بالتخطيط والأراضي، أحد الملفات الشائكة بين طيات وقوانين الديمقراطية الاسرائيلية.

فيما يلي ما جاء، حرفيا، في مقدمة المناقصة: "تدعو دائرة أراضي اسرائيل بهذا لتقديم عروض للتوقيع على عقد تطوير لثلاث سنوات، والذي يتم في اعقابه توقيع اتفاقية استئجار لـ 98 سنة قابلة للتمديد لـ 98 سنة أخرى للموقع المخصص للبناء، واتفاقية استئجار لمدة 49 سنة قابلة للتمديد لـ 49 سنة أخرى للموقع المخصص للتجارة".

ترجمة: لقد قررت السلطات التصرّف بالحي وتأجيره لأغراض شخصية وتجارية وكأن التاريخ توقّف، تجمّد. لا توجد حقوق (ولو على صعيد الملكية الخاصة، في اسرائيل الغربية الليبرالية) للناس الذين كان هذا الموقع يشكل لهم، ذات مرة، بيتا وحيّا وملكا خاصًا، واليوم عنوانًا للحنين.

المناقصة تفصّل شروط التقدّم للمناقصة بشكل شديد الجفاف، كما هو معهود في الاوراق الرسمية التي تتعاطى مع الأرقام، ولا يهمها البشر.

أنواع المباني المسموح باقامتها هي: بيوت سكنية، مكاتب، صالات فنون، وورشات لفنانين.

هذا المخطط جرى تبنيه في لجنة التنظيم والبناء المحلية في حيفا. البلدية جزء منه.

المخطط ينص بوضوح على انه سيجري هدم العديد من المباني، وهذا مع انه في نفس الوقت يتحدّث عن "حفظ" المعالم والطابع.. كيف، أي طابع وبأية طبعة، غير واضح. لكن الواحد يعرف كيف حافظوا على معالم يافا القديمة مثلا. لقد حوّلوها الى حصن لأصحاب الملايين.

المخطط لا يشير بأي شكل الى امكانية تعويض أصحاب البيوت طبعا. المحامية سهاد بشارة من "عدالة" تقول ان المخطط لا يوضّح كل هذه المسألة. وأصلا، فالبيوت والاملاك تدار حسب "قانون أملاك الغائبين"، الذي جرت في اطاره الكثير من الصفقات "بالجملة" والتي جرى بحسبها تحويل املاك من "الوصي على املاك الغائبين" الى "طرف ثالث"، مثلا "سلطة التطوير".

هناك امكانية لفحص وضعية الاملاك المهددة عبر مقارنة الموقع الوارد في خارطة المخطط بتسجيلات الطابو. وتشير بشارة الى ان القانون (أملاك الغائبين) ينص نظريا على الأقل ان كل حقوق الغائب تتحول للوصي. وهو يشكّل حسب هذا الاجراء المالك الوحيد.

في مكاتبات اجرتها "عدالة"، من خلال المكتب البرلماني للنائب محمد بركة قبل نحو سنتين، اعترف الوصي بأن غالبية الصفقات تمت في الخمسينيات "بالجملة". وبحسبها جرى تحويل الكثير من أملاك اللاجئين الفلسطينيين الى "طرف ثالث". الوصي قال في حينه إنه في حال وجود مشكلة يمكن التوجّه اليه. (ربما أن هذا المخطط يحتاج الى توجّه كهذا).

ردًا على سؤال تقول المحامية بشارة ان امكانيات التحرك القضائية محدودة. ومن هنا فان السبيل الأنجع هو التحرك الشعبي لاثارة القضية. فالمشكلة كما يبدو من الاطلاع الاولي على هذا المخطط، تقول، هي أن عملية التأجير وتحويل الأملاك تتم الآن بالجملة. أي كما كان الوضع عليه في الخمسينيات. عدنا نصف قرن للوراء! فقد سبق وحاولوا منذ الثمانينيات تنفيذ خطة مشابهة، كإقامة حي للفنانين وما شابه، وها هم يحاولون احياءها اليوم. (مسؤولو "الدائرة" يشيرون في مناقصتهم الى أن هذا المخطط يستبدل مخططات سابقة منذ العام 1986).

هذه القضية لا ترتبط بـ 55 دونما. فسياقها أوسع.

أولا: تتواصل عملية التصرف بممتلكات اللاجئين الذين جرى تهجيرهم بالقوة، وكأنهم غير قائمين.

ثانيا: تستمر عملية المحو المنهجي لطابع أحياء ومواقع عربية تاريخية في هذه البلاد، كجزء من عملية أوسع يجري فيها ليس أقل من اعادة كتابة رموز ومعالم التاريخ على الأرض. هذا يأتي كما يبدو ضمن الجهود "القومية" الاسرائيلية للاستكتاب الاسترجاعي لتاريخ هذه البلاد من خلال الاستهتار بجزء حي وعريق من تاريخها. (فكيف يمكن سوى بهذه الأساليب حفظ أسطورة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"؟!).

ثالثا: ان تخصيص هذه الاحياء لاقامة بؤر نخبوية تجارية بواسطة الخصخصة الانتقائية، تشكل استمرارا لنهج حوّل كل معلم تاريخي عربي في هذه البلاد لما يشبه منشأة فولكلورية لصالح رفاهية النخب الغنية التي لا تتردد ولا تخجل في التصرف بممتلكات فردية وجماعية لأناس جرى طردهم بالقوة، لأجل اشفاء نهمها، القومي والطبقي معًا. "أقتلت وورثت؟"، جاء في الموروث اليهودي!