الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية: "من السابق لأوانه نعي عرفات"

في موازاة الادعاء الاسرائيلي الرسمي بأن تل أبيب تراقب باهتمام التطورات في قطاع غزة من دون ان تتدخل في "شأن فلسطيني داخلي"، لم يعد خفياً الرضى الاسرائيلي عن الاحتراب الفلسطيني الداخلي وتحديداً ما تعتبره إسرائيل "التمرد" على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات "بانتظار الانفجار الكبير الذي سيبشر بنهاية العدو اللدود والمكروه"، وفقاً لمصادر سياسية اسرائيلية.

وبق نائب وزير الدفاع الاسرائيلي، زئيف بويم، الحصوة بقوله "اننا ربما نشهد الآن بداية نهاية عرفات إزاء تحدي الأوساط القريبة منه لقيادته ورفضها مواصلة سيطرته على الاجهزة الأمنية الفلسطينية" و"مطالبتها عملياً بأن يتنحى جانباً ويتيح لجهات مسؤولة وجدية تسلم زمام الأمور". واعتبر بويم، في حديث للاذاعة العبرية، العقيد محمد دحلان أحد القادة الأبرز المرشحين لـ"اليوم التالي" لغياب الرئيس عرفات "بعد ان عزز مكانته في القطاع كشخصية مستقلة لها سطوتها متحدياً عرفات وأسلوب ادارته الأمور". وتابع ان السياسة الصارمة التي اتبعتها اسرائيل "لمحاربة الارهاب الفلسطيني" لعبت دوراً في الأحداث الأخيرة في القطاع"، لكن الدولة العبرية لن تتدخل في اختيار زعيم للفلسطينيين بعد أن اكتوت "بتجربة الماضي" لكن ينبغي عليها "الاستعداد للتطورات التي قد تحصل عساها تزحزح عرفات وتأتي بقيادة يمكن التفاوض معها".

ورداً على سؤال حول ما تردد من إمكان السماح للرئيس الفلسطيني بمغادرة رام الله ليتوجه الى غزة "لفرض النظام" قال بويم ان الرئيس الفلسطيني "ليس ذا صلة" بالنسبة الى اسرائيل وإنه يجدر بها "ان لا تبعث فيه الحياة من جديد" وان تترك لمن ترعرعوا في دفيئاته مهمة اطاحته "ومن شأن ذلك ان يثمر نتائج أفضل".

الى ذلك قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الميجر جنرال اهارون زئيفي فركش، لدى استعراضه امس الاثنين الاحداث في قطاع غزة امام لجنة الخارجية والامن البرلمانية إن من السابق لاوانه "نعي عرفات" لأن السلطة والدولة لا تنهاران بمثل هذه السرعة، معتبراً ما حصل حدثاً ذا دلالة بالغة يؤشر الى "صراع قوي بين الجيل الجديد الذي نشأ في الضفة الغربية وقطاع غزة واولئك الذين جاؤوا من تونس"، مضيفاً ان اللواء موسى عرفات باق في منصبه وان ما قام به الرئيس عرفات "مجرد احبولة". وتابع مستدركاً ان ما حصل هو بداية تدهور خطير داخل السلطة يتأرجح بين الفوضى وفقدان السيطرة في القطاع "وثمة تخوف حقيقي لدى الرئيس عرفات من امتداد الاضطرابات من قطاع غزة الى الضفة الغربية اذا لم ينجح في وقفها في غزة".

من جهتها نقلت صحيفة "هآرتس" عن أوساط أمنية اسرائيلية تخوفها من ان تعرقل الأحداث الأخيرة في غزة الجهود المصرية للعب دور في القطاع بعد الانسحاب المفترض منه. وأضافت ان مصر لا تريد أن تكون في مركز تبادل النيران بين الفصائل الفلسطينية. ونقلت عن معلق مصري في الشؤون العسكرية قوله للصحيفة ان مصر لن تقوم بدور بسط النظام ما دام الفلسطينيون أنفسهم عاجزين عنه، متوقعاً ان "تضطر مصر الى انتظار ما ستؤول اليه التطورات لترى من يدير السلطة الفلسطينية ـ الشارع أم القيادة".

وكتبت الصحيفة ان رئيس الحكومة اريئيل شارون سيجري اليوم بحثاً مستفيضاً مع قادة الأجهزة الأمنية الاسرائيلية حول تداعيات أحداث غزة. واضافت ان توقيت هذه الأحداث وحجمها فاجآ اسرائيل ما حدا بمسؤوليها الى الحذر في تصريحاتهم لئلا تتهم اسرائيل بالوقوف وراء الاضطرابات. وكتب المعلق السياسي المعروف بمصادره الموثوقة، الوف بن، ان المستوى السياسي في اسرائيل اعتبر الأحداث "تطوراً ايجابياً جداً" يضعف الرئيس عرفات ويعزز قوة المعارضة الفلسطينية له. واعتبر مسؤول كبير ما يحصل ناجماً عن خطة فك الارتباط الاحادي الجانب "التي كشفت الخصومة بين عرفات ومعارضيه وسرعت المعركة الفلسطينية الداخلية على السيطرة على القطاع". وتابع المعلق ان ثمة شعوراً لدى صناع القرار في تل أبيب بأن "نهاية عرفات" وشيكة، ليس جراء عملية ترحيل اسرائيلية أو ضغط أميركي وأوروبي وانما "عملية أصيلة فلسطينية يقودها من سئموا القيادة الفاشلة للرئيس". ورأى المعلق في الشؤون العربية في صحيفة "يديعوت احرونوت"، روني شكيد، ان المواجهات في غزة خلقت واقعاً فلسطينياً جديداً، "إذ يواجه الرئيس عرفات للمرة الأولى معسكراً متماسكاً منافساً وله مطالبه الواضحة ويكون مستعداً لحمل السلاح ليفرض ارادته كما انها المرة الأولى التي يمكن فيها الحديث عن معسكر غزة ومعسكر الضفة الغربية"، على حد تعبيره.

تسريع مفاوضات "حكومة الوحدة"

بوشرت مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي بين فريقي حزبي الليكود والعمل في رمات غان في اجتماع استمرّ نحو ساعة ليل الأحد، وافتتح الاجتماع بخطابين لرئيسي الفريقين تناول المواضيع الإجرائية، حيث وافقا على تسريع جدول مفاوضات الائتلاف بين الطرفين.
وقال مساعدو رئيس الوزراء الإسرائيلي اريئيل شارون قبل الاجتماع، الذي عقد ليل الاحد الاثنين، ان حزب الليكود سيرفض أي محاولة من حزب العمل لإحداث تغييرات أساسية في النهج الحكومي. واضاف هؤلاء ان "هذه الاجتماعات ليست مفاوضات ما قبل الانتخابات، الحكومة موجودة وهي تسعى إلى المزيد من الشركاء، ولهذا فإن السياسات الأساسية لن تتغير وخطة فك الارتباط لن تسرع".
وقال مسؤول مقرب من شارون ان رئيس الوزراء لم يسع بعد إلى حشد الأغلبية في الكنيست حول الائتلاف المفترض، وخصوصا بين أعضاء حزبه، في حين اشار مفاوض حزب العمل إلى نقص الدعم السياسي لهذه الخطة.
وقال المفاوض الرئيسي في حزب الليكود، المحامي يورام راباد، في افتتاح الاجتماع ان هذا الفريق "مخول بمناقشة جميع المواضيع".
وأعرب مسؤولو حزب العمل عن رغبتهم في إنهاء المفاوضات في اقرب وقت ممكن، وقالت المفاوضة الرئيسة داليا ايتسيك "إن البلد في ورطة، والحكومة مرتبكة". وأضافت "انهم يريدون معرفة الجدول الزمني لخطة فك الارتباط وما إذا كانت الحكومة ستجلب إلى الكنيست مشروعا لدفع تعويضات للمستوطنين لإخلاء منازلهم في المستوطنات والتصويت على المرحلة الأولى من الانسحاب".
وقال مفاوضو حزب العمل انهم سيطالبون الحكومة بإصلاحات لمصلحة المعوقين والمتقاعدين والعائلات التي ليس لها إلا معيل واحد.
وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجه الائتلاف المقبل، لكن الطرفين حددا مواعيد إضافية لمفاوضات الائتلاف هذا الأسبوع. وكان حدد اجتماع مساء امس الاثنين على أن يلتقي الفريقان مجددا يومي الأربعاء والخميس المقبلين.
ويقول محللون سياسيون ان حزب الليكود لن ينتظر التوصل إلى اتفاق مع حزب العمل. ويفترض ان يلتقي فريق مفاوضات حزب الليكود فريق مفاوضات الحزب الديني المتطرف "شاس" وحزب "التوراة اليهودي المتحد" اليوم الثلاثاء للمرة الأولى.

من ناحية أخرى ذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان إسرائيل بصدد الانتهاء خلال الاسبوع الجاري من إعداد مسار جديد للجدار العازل وفقا للقرار الذي أصدرته قبل أيام محكمة العدل الدولية.
وقال موقع صحيفة "هآرتس" على الانترنت إن التعديل سيجري على مسار الجدار في شمال غرب القدس.
وسيقدم المسار الجديد لمدير عام ديوان وزارة الدفاع، عاموس يارون، قبل أن يقدم لوزير الدفاع الاسرائيلي، شاؤول موفاز ورئيس الوزراء، أريئيل شارون.
وكانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت في التاسع من الشهر الجاري قرارا يفيد أن بناء جدار في الضفة الغربية يخالف القانون الدولي. لكن شارون أصدر أمرا بمواصلة أعمال البناء في الجدار بموجب قرار محكمة العدل العليا الاسرائيلية.
وكانت مصادر في وزارة الدفاع الاسرائيلية قد أعلنت قبل أيام أن المسار الجديد للجدار العازل سيصبح أكثر قربا للمنازل الواقعة في المدن التي يقطنها اليهود مثل ميفسيرت تصيون وهار آدار، مشيرة إلى أن هذا يأتي في إطار تنفيذ الحكم الذي أصدرته المحكمة العليا في هذا الشأن.
ويختلف رئيس الوزراء الاسرائيلي مع مدير وزارة الدفاع بشأن حكم المحكمة العليا. وقال شارون إن الحكم لا يعني تغيير مسار الجدار في منطقة أريئيل لقلة عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المنطقة.

في غضون ذلك، اعلنت اذاعة الجيش الاسرائيلي امس عن ارتفاع كبير في عدد المستوطنين المقيمين في مستوطنات قطاع غزة وشمال الضفة الغربية التي تقرر اخلاؤها في اطار خطة الانسحاب الاسرائيلي.
واوضحت الاذاعة استنادا الى احصاءات رسمية من وزارة الداخلية ان العدد الاجمالي لمستوطني قطاع غزة ارتفع من 7800 الى 8158 خلال النصف الاول من السنة الجارية.
وارتفع عدد سكان مستوطنات موراغ ونتساريم وكفار داروم، وهي الاولى التي سيتم اخلاؤها في قطاع غزة، بما بين 10 و16 في المئة، وهي نسبة تفوق ثلاث مرات نسبة ارتفاع عددهم خلال النصف الاول من 2003 .
كما تحدثت الاذاعة عن ارتفاع عدد سكان المستوطنات الاربع التي تقرر اخلاؤها في شمال الضفة الغربية. وذكرت من بين هذه المستوطنات ارتفاع عدد سكان سنور بنسبة 82 في المئة الى 69 نسمة، فيما يتوقع انتقال عائلات جديدة اليها بحلول نهاية تموز الجاري.
واوضح المسؤول المكلف تنظيم اخلاء المستوطنين يوناتان باسي للاذاعة ان التعويضات ستقتصر على المستوطنين الذين كانوا يقيمون في هذه المستوطنات قبل السادس من حزيران 2004، تاريخ اقرار الحكومة الاسرائيلية مبدأ خطة رئيس الوزراء اريئيل شارون لفك الارتباط مع قطاع غزة.
وقال باسي ان "الاشخاص الذين ينتقلون للاقامة في المستوطنات المقرر اخلاؤها لا يفعلون ذلك بدافع المال بل لدوافع ايديولوجية تعبيرا عن معارضتهم لخطة الفصل ولجعل تطبيقها اصعب ما يمكن".
وتنص خطة شارون على اخلاء مستوطنات قطاع غزة الـ 21 واربع مستوطنات في الضفة الغربية على مراحل بحلول ايلول 2005، على ان تحتفظ اسرائيل بمستوطنات الضفة الرئيسية حيث تقيم الغالبية الكبرى من المستوطنين وتشملها داخل جدار الفصل.