الوزير السابق دان مريدور لـ"المشهد": نشهد "ثورة كبيرة جدًا" في ما يتعلق بمفهوم "أرض إسرائيل الكاملة"

"هناك فرصة أفضل للتوصل الى اتفاقية مؤقتة وجزئية على غرار خريطة الطريق، اي اقامة دولة فلسطينية على قسم من الارض .. على 70 أو 90 في المئة.. وابقاء المواضيع الشائكة كالقدس واللاجئين ضمن الخلاف لحلها بالتفاوض"

"انا قلق جدا مما يجري اليوم فالمجتمع الذي يتفشى فيه الفساد هو مجتمع سيء وينبغي محاربته لخطورته. وللأسف فإن الجهاز القضائي يبدي ضعفا وفوضوية في معالجته الى جانب غياب القدوة الحسنة في السياسة والإدارة"

أجرى المقابلة: وديع عواودة

دان مريدور هو أحد ابرز "امراء" حزب الليكود. عمل في السياسة الاسرائيلية قبل ان ينتقل لحزب "المركز" المنحل. وسبق ان اشغل منصب وزير القضاء ومناصب وزارية اخرى، اضافة الى عضويته في اللجنة البرلمانية للخدمات السرية.

في حديث خاص لـ"المشهد الاسرائيلي" استعرض مريدور الوضع الراهن في اسرائيل وسط مقارنة بين الموجود والمطلوب في مختلف الميادين، واشار الى "الخيارات الاربع" التي تقف اسرائيل امامها اليوم برأيه، لافتا الى مشاركته في لجنة خاصة لاعادة صياغة "الاستراتيجيات الامنية والسياسية" للدولة العبرية.

مريدور اهتم، على وجه الخصوص، بتوضيح ما يعتبر أنها "ثورة" يتعرض لها المجتمع الاسرائيلي في تلخيص لمئة عام من الصراع. وأبرز عبره ونوه الى "أخطر اخطاء الطرفين" لافتا الى رأيه بالرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وأبو مازن وسائر القادة الفلسطينيين والاسرائيليين. ويستذكر تفاصيل ما دار وراء كواليس المفاضات الفاشلة في كامب ديفيد.

في اللقاء يفسر مريدور كذلك بماذا يختلف، في رأيه، الاسد الابن عن الاسد الاب ويشرح كيف تضيع اسرائيل فرصة تاريخية للسلام مع سوريا. ويشير الى رأيه في مستقبل العلاقات بين اسرائيل وبين الفلسطينيين في الداخل. تاليا الحوار.

(*) "المشهد الاسرائيلي": أين دان مريدور اليوم؟

"اشغلت في السياسة الاسرائيلية منذ 21 عاما وظائف كثيرة وعديدة. عندما اقام أريئيل شارون حكومته الجديدة اتضح لي انني لن اكمل المشوار وبعد ان كان قد اعلن انني سأكون وزيرا ابلغني انه لن يتمكن من ضمي للحكومة وعندها فهمت ان مرحلة من مراحل مسيرتي قد انتهت فعدت لمزاولة عملي المهني كمحام ولم أفاجىء بذلك، اذ كنت اقول لنفسي دائما انني اليوم وزير وربما غدا لا فكنت احافظ دائما على خيارات اخرى. اليوم اعمل بالمشاركة مع مكتب المحامين تسادوك وهو ايضا وزير قضاء سابق. كذلك ارأس ادارة صندوق القدس الذي اسسه تيدي كوليك قبل 37 عاما (ويجمع تبرعات بقيمة 30 مليون دولار في السنة) ومن المهم ان اقدم الخدمة لهذه المدينة. كما انشط في المعهد الاسرائيلي للديموقراطية الذي ينشط في مجال الديموقراطية وحقوق الانسان ومكافحة الارهاب ومواضيع اخرى مهمة لي اضافة الى عضويتي في لجنة تعكف اليوم على بلورة السياسات الامنية الاسرائيلية من جديد وهذا مشروع مركب وصعب جدا. ربما أعود للسياسة. لا أعرف".

(*) "المشهد الاسرائيلي": هل تحن إلى السياسة؟

"لا. انا غير مشتاق للسياسة ولكن يؤسفني انني لا استطيع التأثير على مجريات امور بوسعي ان انجزها بشكل سليم لكنني أعي ايضا انني لو كنت داخل الحكومة اليوم فلن اتمكن من التأثير في المجالات السياسية والاقتصادية والقضائية كمحاربة الفساد في أروقة الحكم. الليكود مر بتغيرات كثيرة منها ما أباركه ومنها ما يؤسفني. في المجال السياسي الليكود، حركتنا التي ساهمت في تأسيسها، تنازل عن فكرة "ارض اسرائيل الكبرى" ويبدي استعدادا لتقسيمها وهذه ثورة عظيمة وموجعة. نحن نؤمن حقيقة ان هذه البلاد تتبع لشعب اسرائيل لكننا نعرف الواقع الذي نعيشه فهناك من يدعي ذات الادعاء وهناك معطيات ديموغرافية. فور صعوده للحكم عام 1996 صرح بنيامين نتنياهو انه سيحترم اتفاقيات اوسلو على اساس التبادلية، وهذا ينطوي على تغيير درامي لان تصريحه يعني انه في نهاية المطاف لن تكون هناك ارض اسرائيل كاملة. وتطور هذا الى ان وصلنا لشارون المستعد اليوم للتنازل عن قطاع غزة وحتى بدون اتفاق. هذه ثورة عظمى. يقولون ان الجمهور الاسرائيلي قد تحرك لليمين لكن هذا غير صحيح بل بالعكس من ناحية المضمون انما الاحزاب ربما اتجهت يمنة. نحو 80 بالمئة من الاسرائيليين يفهمون اليوم انه في نهاية المطاف ستكون هناك دولتان وان كنا لا نعرف اين الحد الفاصل بينهما بدقة. سنشهد صراعا طويلا وربما سيسقط المزيد من الضحايا للاسف ولكن الاغلبية العظمى تعرف ان الاوضاع لن تنتهي بدولة واحدة، وهذا امر جديد وثورة داخل المجتمع الاسرائيلي".

(*) "المشهد الاسرائيلي": اذن انت مقتنع تماما ان شارون سينجز خطته بالانسحاب الأحادي الجانب من غزة؟

"انا لست نبيا وغير واثق باي شيء ولكني اعتقد ان النوايا جدية".

(*) "المشهد الاسرائيلي": لو كنت في الحكومة هل ستؤيد المنطق الذي يقف خلف هذه الخطة؟

"لو كان الامر يتعلق بي اعتقد ان هناك فرصة أفضل للتوصل الى اتفاقية مؤقتة وجزئية على غرار خريطة الطريق، اي اقامة دولة فلسطينية على قسم من الارض .. على 70 او 90 % وابقاء المواضيع الشائكة كالقدس واللاجئين ضمن الخلاف لحلها بالتفاوض ومع بعض الصراعات ومن هذه النقطة يمكن التقدم نحو اتفاقية سلام، ليتنا نتوصل اليها، او الى استمرارية الصراع. اعتقد انه كان على اسرائيل ان تقدم المساعدة اكثر لحكومة ابو مازن . صحيح ان عرفات افسد عليه، وهذا ما قاله بنفسه، ولكن كان علينا ان نقدم اكثر كي نمكنه من السيطرة على الشارع الفلسطيني لان ما ينقصنا اليوم هو صاحب بيت فلسطيني مستعد لتوقيع اتفاق وقادر على فرضه على ابناء شعبه، اما اليوم فقد تبعثرت وانحلت القيادة الفلسطينية، فانت توقع اتفاقا مع عبد الله لكن مصطفى يواصل اطلاق النار علينا ولا توجد مرجعية واحدة توقع معها وتنهي الموضوع. ولهذا الغرض كان رابين وبيريس قد تفاوضا مع ياسر عرفات في العام 1994 . قالوا انه ارهابي ولكنه كان الرجل الوحيد القادر على اتخاذ القرار، بيد انه لم يفعل ذلك عامًا بعد عام ولم يخرج شيء. افترضوا فرضية ولم تنجح. وبيريس رأى ذلك وهذا ما يقوله حتى يوسي سريد. وقد فكرنا مليا من اين وكيف نعطي فرصة اكبر للفلسطينيين. واليوم اعترف ان هذا صعب جدا والسؤال الجوهري باعتقادي ليست قضايا الحدود واللاجئين والقدس فحسب انما من ينجز الاتفاق.. من هي القيادة التي تستطيع توقيع اتفاق وفرضه على الشعب. فنحن لدينا حكومة واحدة تنهي الامر عند اتخاذها القرار".

(*) "المشهد الاسرائيلي": وأين تقف أنت من التقديرات المتضاربة داخل الاستخبارات العسكرية حول حقيقة نوايا الرئيس عرفات؟

"لا املك جوابا قاطعًا. عندما ذهبت مع باراك الى كامب ديفيد في يوليو 2000 جلست القيادة الفلسطينية (وعذرا من القادة الفلسطينيين فهذه تختزل في شخص عرفات) والاسرائيلية والاميركية 14 يوما في اجواء جميلة ومريحة. هناك تم تحطيم اكثر من "تابو" فقالوا لعرفات انت تريد انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية سنعطيك ذلك، ولم يكن نقاش على الحدود، وفي مسألة القدس عرض باراك ما لم اقبله، حيث وافق على اعادة قسم كبير منها واجزاء من المدينة القديمة كما ابدى كلينتون استعداده لتقديم عشرة مليارات دولار من اجل المساعدة في حل مشكلة اللاجئين لكن الجواب كان "لا" . ولا زلت اذكر اقتراح كلينتون بتوقيع اتفاق على كل شيء عدا القدس وانا تخوفت من ذلك الا ان باراك وافق وتم اطلاع عرفات على العرض وقالوا له بامكانك ان تختار واحدا من بين ثلاثة خيارات: ابقاء كل القدس خارج الاتفاق او ابقاء ما يعرف بالحوض المقدس او ابقاء المدينة القديمة فأجاب بالسلب. ثم بادر كلينتون الى ارسال صائب عريقات الى عرفات في اليوم الاخير لكن الاخير بقي على موقفه وهكذا تفجرت المفاوضات. وانا لا اعرف ماذا كانت النوايا المبيتة لدى عرفات انما اعلم انه كان بوسعه انهاء الصراع مع اقامة دولة فلسطينية وسط تسوية كبيرة من جهة اسرائيل. واذكر ان واحدا من اعضاء الوفد الفلسطيني من الشباب، وافضل حجب هويته، قال لي بعد ذلك "مرة اخرى يعود العام 47" ولحظت الاحباط باديا على وجوه اخرين في الوفد الفلسطيني ممن ارادوا قبول الاتفاق الذي كان ربما صعبا لاسرائيل وللفلسطينيين".

(*) "المشهد الاسرائيلي": لكن الكتاب الاسرائيلي الجديد"الحرب السابعة" يوجه انتقادات لاذعة للجانب الاسرائيلي في هذا السياق- في كامب ديفيد وبعدها- من ناحية الحجم الحقيقي للعرض الاسرائيلي ومن حيث طريقة ادارة المفاوضات، ويحمله هو الآخر مسؤولية تدهور الاوضاع؟

"لم اقرأ الكتاب بعد. ولكن الاسرائيليين عرضوا بداية 89 بالمئة من الارض ثم اكثر من ذلك، بل ان المشكلة لم تكمن في المساحة فالفرصة للسلام سقطت، اذا سقطت، من جراء الخلاف على القدس او على اللاجئين وليس على شيء آخر".

(*) "المشهد الاسرائيلي": ومع ذلك أين اخطأ الاسرائيليون بنظرك؟

"ارتكبت اخطاء كثيرة ولكن هناك خطأ مرتبط بالنتيجة. ربما اقول انه كان بوسع باراك ان يلتقي عرفات اكثر مما حصل والتحدث اليه بشكل كاف ولكن هذه ليست المشكلة. هناك شعبان يتصارعان وقياداتهما تجري مفاوضات وتبقى الامور الشخصية على الهامش ومن غير المعقول ان يرمى عرض جيد في سلة المهملات لان الطرف الاخر لم يتصرف معه بلياقة سيما وان الطرفين التقيا في كامب ديفيد بعد تحضيرات طويلة ولذلك فان اخطاء باراك غير مهمة هنا. لكن الخطأ المهم هو: الذهاب الى طابا بعد فشل اللقاء في كامب ديفيد وعرض اقتراحات سخية اكثر من ناحية الاراضي المعادة للفلسطينيين- 96 بالمئة- لان ذلك انطوى على رسالة مفادها انه بالعنف يمكن تحصيل المزيد. ولا تنسى ان رابين لم يوقع اتفاق اوسلو قبل ان يحصل على تعهد من عرفات بعدم استخدام العنف مهما كانت نتائج تطبيقه على الارض. وانا لا زلت اذكر كيف ولدت فكرة كامب ديفيد اذ استدعاني باراك في مستهل يوليو 2000 واقترح علي الانضمام لكامب ديفيد وابلغني مشاعره بان هناك كارثة توشك ان تحدث دون ان يتنبه لها احد ضاربا مثلا على ذلك فقال : نحن على ظهر سفينة في عرض البحر والمسافرون على متنها سعيدون بالهدوء وبزرقة الماء والسماء لكنني ارى قمة الجبل الجليدي قبيل الاصطدام به وانا اخشى ان يحدث انفجارجديد بيننا وبين الفلسطينيين ويجب بذل الجهود لمنعه، وفشل رغم استعداده لكسر الكثير من "التابوهات". وعندما انفجرت الانتفاضة وقف الاسرائيليون موحدين. ولولا كامب ديفيد لكان من الممكن ان يتمزق هذا الشعب لان اليسار واليمين سيتبادلان التهم حول ضياع فرصة السلام الا ان الرئيس عرفات ساهم في توحيدنا ودفع بيريس وشارون للجلوس في حكومة واحدة لانه كما فشل اليمين في تأمين "ارض اسرائيل الكبرى" اخفق اليسار في تحقيق السلام، فالتقى الطرفان في الوسط".

(*) "المشهد الاسرائيلي": الرئيس عرفات لا يزال صاحب القرار فلسطينيا وها هي الانتفاضة تدخل عامها الخامس. لو كنت ربان السفينة هل كنت تتبنى الانسحاب الأحادي من غزة؟

"كنت عندها سأحاول التوصل الى اتفاق مرحلي يشمل قطاع غزة ومعظم اراضي الضفة الغربية واقامة دولة فلسطينية عليها ضمن حدود مؤقتة وترك المواضيع الخلافية للمستقبل. لست متأكدا من نجاح ذلك، سيما وان الامر منوط بموافقة الطرف الثاني، لكنني ارى به توجها سليما اكثر من المبادرة الاحادية. ومن اجل ترتيب الامور اقول ان اسرائيل تقف امام اربع خيارات: اولها وافضلها اتفاق شامل ينهي الصراع، وهذه عملية صعبة ومكلفة ولكنها الاحسن وليس بوسعي القول انها غير ممكنة مئة بالمئة ولكننا جربناها ولم ننجح وانا اتحدث عن اعادة معظم الاراضي المحتلة بعد ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة لاسرائيل واجراء تعديلات طفيفة بالحدود واخشى ان هذا غير ممكن الآن. والخيار الثاني، وهو اقل جودة لكنه افضل من لا شيء، ان نتوصل الى اتفاق مرحلي كما اسلفت. اما الخيار الثالث فهو الانسحاب من جانب واحد، وهذا ليس جيدًا لعدة اسباب منها عدم وجود شريك وخطر فهمه على انه هروب، لكنه افضل من الخيار الرابع وهو ان لا تفعل شيئا لانه سيء للطرفين. من جهتي كنت افضل الخيار الثاني او الانسحاب الاحادي اذا لم تتوفر موافقة فلسطينية".

(*) "المشهد الاسرائيلي": وطالما اخطأتم بالتعامل مع ابو مازن، فهل يتكرر الخطأ اليوم مع حكومة ابو علاء برأيكم؟

"لا اعرف فانا خارج الحكومة منذ عام ونصف العام وغير مطلع على التفاصيل. اعتقد ان ابو مازن رجل ممتاز واليوم ينبغي فحص استعداد ابو علاء للتحرك والعمل".

(*) "المشهد الاسرائيلي": ولماذا برأيكم لم يتم التعاون مع ابو مازن من قبلكم؟

"ربما اعتقدوا ان ما قام به الجانب الفلسطيني غير كاف ثم من الممكن ان التعاون معه لن يثمر بسبب معارضة عرفات، ولكن كان من المطلوب ان تقدم اسرائيل اكثر وتبذل الجهود كالافراج عن الاسرى الفلسطينيين بواسطة الحكومة الفلسطينية بدلا من حزب الله. ثم اننا لم نكن على استعداد للتنازل عن مستوطنة واحدة كي تسوق الحكومة الفلسطينية مصداقيتها في الشارع وها نحن اليوم نتنازل عن كامل القطاع بدون اتفاق وهذا خطأ".

(*) "المشهد الاسرائيلي": هل تحتفظ باية علاقات مع مسؤولين فلسطينيين اليوم؟

"أحيانا تتم لقاءات واتصالات غير رسمية، كان آخرها في اليابان حيث التقيت صائب عريقات ضمن لقاء دولي وتبادلنا الاحاديث سيما واننا جيران، فهو " ملك اريحا" وانا جاره في القدس. واليوم كنت اقول للقيادة الفلسطينية: خذوا الامور بايديكم فنحن امام صراع عمره مئة عام وهو صعب وكل جانب يدعي ملكيته الكاملة على البلاد ولا خيار امامنا الا تقاسمها. يؤلمني ان اتنازل عن مساحات منها واعتقد ان هذا هو شعور الفلسطينيين ايضا وبالامكان مواصلة الضرب والقتل وهذا امر رهيب وللشعب في اسرائيل بات واضحا ما هو الحل السليم بعد ان مر بتغيير داخلي وهو مستعد له والسؤال يبقى اين يمر الحد؟ ونحن ننتظر من القادة الفلسطينيين الذين يريدون حلا وتهمهم حياة اجيالهم القادمة ان يبادروا نحو اتفاق كهذا. وطالما ينتظرون اقامة دولة فلسطينية مع الاحتفاظ بحق عودة العرب الى اسرائيل فهذا يعني تكريس الصراع وخسارة على الوقت. فاذا قسمنا البلاد ينبغي تقاسم حق العودة: اليهود في العالم يعودون الى اسرائيل، لا الى نابلس، والفلسطينيون الى الدولة الفلسطينية. الشعب الاسرائيلي الذي بدأ يعود الى البلاد قبل مئة عام يواصل تمسكه بها رغم كون الامر صعبا وباهظا ومؤلما لان سقوط الضحايا مستمر. نحن اقوياء وسنواصل التمسك بموقفنا ولكن من بحاجة الى ذلك؟ وهكذا بالنسبة للفلسطينيين".

(*) "المشهد الاسرائيلي": انت تقول ان المجتمع الاسرائيلي لم يصبح اكثر تطرفا بل على العكس وخلافا لما يعتقد الكثيرون وينشر في وسائل الاعلام؟

"لم اقرأ بحثا عن الموضوع . اعتقد انه منذ 96 شهدنا عمليات تخريبية رهيبة. ولا شك ان امرين قد حدثا: اولهما امتلاء الاسرائيليين بالغضب على الفلسطينيين سيما وانهم يعلمون ان العمليات التخريبية حصلت بعد تقديم تنازلات من قبل رابين في المرة الاولى وفي فترة باراك. وبدلا من تلقي رد مناسب تلقينا ضربات تخريبية واعمال قتل، ما ساهم في زرع اليأس لدى الكثيرين من امكانية التوصل الى اتفاق والى بلورة الاستعداد للوقوف والمحاربة لديهم مثلما ان ردود فعل اسرائيلية كانت غير موجودة فيما مضى اصبحت ذات شرعية لدى الجمهور منا اليوم نتيجة ما يحصل. وبنفس الوقت ورغم كل ذلك هناك تفكير عقلاني لدى 80% من الاسرائيليين الذين يدركون انه لا يمكن التمسك بكل الارض ويجب التنازل واقامة دولة فلسطينية. ومن المثير ان يتلازم الاستعداد للتنازل تنازلات كبيرة مع الاستعداد للمواجهة مئة ومئتي عام او اي فترة واذا اراد احد القضاء على اسرائيل فلن ينجح، فالمجتمع الاسرائيلي يواجه صعوبات جمة ومؤلمة لكنه لم ينكسر لانه لا خيار اخر له سوى المحاربة. اعتقد ان القيادة الفلسطينية اخطأت خطأ كبيرا عندما رفضت العروض الاسرائيلية في العام 2000 مثلما انها اخطأت في العام 1947. وكما كان قرار التقسيم افضل مما عرض في كامب ديفيد فان الاخير سيكون افضل مما سيعرض مستقبلا".

(*) "المشهد الاسرائيلي": لكن الاسرائيليين تغيروا الى الاسوأ وباتوا يقترفون جرائم غير مسبوقة كل يوم بحق الفلسطينيين؟

"هناك ظواهر غير مقبولة. في الفترة ما بين 1988 حتى العام 1992 كنت وزيرا للقضاء في حكومة الوحدة الوطنية بين الليكود والعمل وقد حاربت بعض ممارسات الجيش رغم كوني رجل ليكود وكان اسحق رابين يتهمني انني اعرقل عمله كوزير دفاع مثل قضية المبعدين الى مرج الزهور. اعتقد ان هناك امورا انسانية يجب المحافظة عليها حتى في اوقات الحرب والان ايضا اصعق لقراءة ما يحصل احيانا سيما في الحواجز العسكرية. وهنا ينبغي الاشارة الى أمرين اولهما ان مواجهة الجيش للمدنيين هي امر سيء ومع الوقت هي تولد اوضاعا صعبة للجنود وللاخرين. وثانيا انا ارى هؤلاء الجنود ومنهم ابنائي فهم يؤدون مهمتهم في الحواجز لمنع ادخال المتفجرات لاسرائيل ولذلك فهم يضطرون إلى التفتيش ومطالبة المارة بكشف اجسادهم عن بعد وهذا يمس الناس واغلبيتهم من المدنيين الابرياء ولكن البديل هو المخاطرة والتعرض للانفجار والموت وهم بحاجة الى قوة نفسية عالية ونزاهة من اجل اداء عملهم الامني والتعامل بشكل انساني بنفس الان. وحسب رأيي فان معظم الجنود ينجحون بذلك ولكن هناك اعمال شاذة مؤسفة ينبغي التربية ضدها ومحاكمة المتورطين بها ولكن هذه معضلة قاسية في هذه الحرب ولا اريد المقارنة مع حروب اخرى في بلدان عربية ومع ما يجري في العراق. ليست هناك حرب يتصرف بها كل الجنود بشكل لائق لكن هذا لا يبرر التجاوزات بالعكس اذ ان واجب المجتمع والسياسيين والحقوقيين والفلاسفة منع الجنود من اجتياز الحدود. وتذكر انه لا يوجد لدينا ابو غريب".

(*) "المشهد الاسرائيلي": نائب رئيس الموساد السابق، شموئيل توليدانو، سبق وهاجم الجيش قبل نحو الشهرين متهما اياه بفقدان ما يعرف بـ"طهارة السلاح"؟

"انا اعرف توليدانو فهو جاري في القدس واقدره. لا يوجد شيء هنا مضمون. علينا الاهتمام بمساندة الجنود في هذه المعركة الصعبة مقابل المدنيين ولا ننسى اننا في حرب. ولكن يجب فحص كل الشكاوى ومتابعتها وتعديل ماهو معوج".

(*) "المشهد الاسرائيلي": طيلة سنوات كنت عضوا في اللجنة البرلمانية للخدمات السرية وهناك من يقول ان المؤسسة العسكرية هي التي تحكم اسرائيل وتبلور استراتيجيتها الامنية والسياسية وتقود المستوى السياسي. ما رأيك؟

"اولا هذا غير صحيح، فهناك دولة ديموقراطية تتخذ فيها القرارات في الحكومة والكنيست والجيش يحترم قرارات السياسيين. وبطبيعة الحال لا بد ان يتلقى هؤلاء تقارير وتوصيات في الشؤون الامنية ويصغون لرجال الامن الذين يسدون النصائح للمسؤولين في السلطة التنفيذية صاحبة القرار. ولكن صحيح بالمقدار نفسه أنه طيلة سنوات لم يتخذ السياسيون قرارات لا لعدم توفر الصلاحية انما بسبب جدل قائم او لان ذلك لم يكن مريحا وتركوا الامر مفتوحا. الجيش هو المقاول الذي ينفذ القرارات المصادق عليها، بيد ان المسؤولية هي على صاحب البيت وعلى المسؤولين".

(*) "المشهد الاسرائيلي": بالنسبة لسوريا هناك من المسؤولين العسكريين والسياسيين من اعتبر ان اسرائيل اضاعت فرصة للسلام معها. ما رأيك؟ وهل القرار باغتيال مسؤول حماس الشيخ عز الدين خليل في دمشق كان مصيبا؟

"بالنسبة لما حصل هذا الاسبوع لا تتوفر لدي معلومات لانني لست في الحكومة ولكنني لو كنت مسؤولا لدعوت بشار للتفاوض في القدس او في دمشق. والسؤال الاول هو هل يريد الاسد التحدث، افترض انه معني، لكن الجدل ليس سهلا سيما ما يتعلق بالحدود".

(*) "المشهد الاسرائيلي": وهل كنت مستعدا لقبول الموقف السوري الذي يشترط التفاوض باستئناف المحادثات من النقطة التي انتهت فيها في الجولة السابقة؟

"اولا يجدر ان نفحص اذا كان الاسد يريد التفاوض معنا فعلا ثم انه وبخلاف والده لم يقل انه يشترط التفاوض بالانطلاق من النقطة التي انتهت بها المفاوضات السابقة، وكنت ارمي حبلا في حالة ارسال اشارات من جانب السوريين، فالاسد وضعه صعب لان بلاده محاطة بالاميركيين من كافة الجهات وهناك ضغوطات شديدة عليها تشكل فرصة كنت ابادر لاستغلالها رغم عدم تأكدي من امكانية التوصل لاتفاق. من جهتي لم اكن اسمح بهروب الفرصة بل كنت ادعو الاسد للتفاوض اما علانية او سرا بواسطة رسول مثلا او من وراء الكواليس وبهدوء".

(*) "المشهد الاسرائيلي": وكنت ترضى بالبدء من اين انتهت المفاوضات؟

"انا اتحدث بشكل عام وبداية فلنتحدث.هم سيطالبون بالعودة للشاطىء الشرقي لبحيرة طبريا واسرائيل لا تريد التمسك بكل الجولان والتفاوض ليس سهلا لكني كنت امسك بهذا الحبل واشرع بالتفاوض. فاذا توصلنا الى اتفاق شامل يضم لبنان ويخرج سوريا من دائرة الصراع في الشرق الاوسط فان تغييرا سيحدث فيه. من جهتي يجب الا نجيب بالسلب وعلى الاقل نحاول ونظهر الاسد كمن يعارض استغلال الفرصة للتوصل للسلام".

(*) "المشهد الاسرائيلي": من هو الزعيم الاسرائيلي الذي يشكل بالنسبة لك انموذجا يحتذى؟

"افضل عدم الاشارة الى الاحياء منهم الذين تتفاوت علاقتي معهم، ولكنني اعتبر مناحم بيغن شخصا فريدا في جيله، فهو شجاع جدا وصاحب منظومة اخلاقية ديموقراطية ليبرالية وذو سجل تاريخي حافل وقد احدث ثورة كبيرة بصنعه السلام مع مصر. كما استمتعت بالعمل مع اسحق شمير الذي كان صاحب مواقف واضحة وحذرا ولا زلت اذكر له نظافة يديه ورباطة جأشه بعد قصفنا بالصواريخ العراقية في الحرب العراقية الاولى".

(*) "المشهد الاسرائيلي": وكيف تنظر إلى ظواهر الفساد التي طغت على أروقة الحكم في اسرائيل في الآونة الاخيرة؟

"انا قلق جدا مما يجري اليوم فالمجتمع الذي يتفشى فيه الفساد هو مجتمع سيء وينبغي محاربته لخطورته. وللاسف فإن الجهاز القضائي يبدي ضعفا وفوضوية في معالجته الى جانب غياب القدوة الحسنة في السياسة والادارة".

(*) "المشهد الاسرائيلي": تحل هذه الايام الذكرى الرابعة لانتفاضة الاقصى وقتل 13 مواطنا عربيا ولم يحاكم شرطي او مسؤول واحد رغم توصيات لجنة التحقيق الرسمية بذلك. فهل ترى بهذا استهتارا بالمواطنين العرب؟

"لن ادخل الى التفاصيل لكن لجنة اور انجزت امورا مهمة من ناحية الاشارة الى الخلل الكبير الذي حصل ومن حيث التأكيد على ضرورة مساواة الوسط العربي . أيدت اقامتها وطلبت من باراك ذلك بعد السلوك الاجرامي الاسرائيلي. لقد شهدنا مظاهر تطرف ولكن لدى الطرفين وهناك اعضاء في القيادة العربية قد اوغلوا في التطرف الديني والقومي ولا اريد ذكر اسماء فانت تعرف. انا مقتنع بان 80 الى 90 بالمئة من المواطنين العرب يتمسكون باسرائيليتهم ولا يريدون التطرف او المشاركة بالارهاب ويرغبون بالمواطنة والمساواة الكاملتين لكنهم يفتقدون الى قيادة فالمقود ليس بيد المعتدلين. على اسرائيل ان تمنح كامل الحقوق المدنية للمواطنين العرب ولا يجوز مطالبتهم بالتخلي عن عروبتهم وفلسطينيتهم مثلما انني اتمسك بيهوديتي وينبغي ان نكون متساوين في كل الحقوق. قدمنا الكثير لكن بشكل غير كاف".

(*) "المشهد الاسرائيلي": وهل كنت تطبق توصيات اور؟

"بشكل عام نعم".