المحامي حسن جبارين ل"المشهد الاسرائيلي": تعامل أربيل في قضية شارون وضعها في "مكان مشكوك فيه" عند اليمين الإسرائيلي

تقرير: فراس خطيب

بعد إجتماع "ساده رقي وموضوعية في النقاش"، على حد قول وزير العدل الإسرائيلي، ورئيس لجنة تعيين قضاة المحكمة العليا، يوسف لبيد، يوم الاربعاء (5/5/2004)، تم إنتخاب خمسة قضاة (أربعة دائمون وواحد مؤقت). والدائمون هم: المستشار القضائي السابق للحكومة، إلياكيم روبنشتاين، المدعية العامة للدولة، عيدنا أربيل، قاضي المحكمة المركزية في حيفا، سليم جبران، وإستير حايوت، التي أشغلت سابقا منصب قاضية مؤقتة في المحكمة العليا..

بعد الإنتخاب صعد الوزير لبيد الى مكتب المدّعية العامة، عيدنا أربيل، قبّلها على خدها، وقال: "عيدنا، لقد فعلناها"، فإنهمرت الدموع من عينيها وقالت:"لقد كان أسبوعاً صعباً بالنسبة لي". وخلافاً لما هو متبع لم يسرع المتحدثون بإسم رئيس الوزراء الاسرائيلي، أريئيل شارون، أو هو نفسه بتقديم التهاني الى أربيل، والسبب ليس مخفياً، إذ يعود هذا الى الفكرة السائدة في اليمين وفي مكتب رئيس الوزراء خاصة، بأن أربيل استهدفت من خلال عملها، شخص شارون في قضية "الجزيرة اليونانية" حين أوصت بتقديم لائحة إتهام ضده.

إنتخاب عيدنا أربيل للمحكمة الاسرائيلية العليا كان القضية كلها، فقد شنّ عليها اليمين الإسرائيلي مؤخراً داخل وخارج اللجنة حملة منهجية عن طريق رسائل الى اللجنة وتصريحات عبر وسائل الاعلام تنادي برفض طلبها ، واستمرت المحاولات الى ما قبل التصويت بدقائق، حين تقدم عضو لجنة التعيينات، عضو الكنيست شاؤول يهلوم (مندوب حزب المفدال المتدين الذي دعم أربيل فيما بعد) إضافة الوزير بيني ألون (الاتحاد الوطني)، بطلب مكتوب الى رئيس اللجنة يوسف لبيد، داعين إلى تأجيل البّت في طلب أربيل نتيجة "أخطاء من الماضي".

ما هي الأخطاء ولماذا رفض الطلب؟

كان الإدعاء الأول هو توجه النائبة عيدنا اربيل عام 97 الى وزيرةالتربية والتعليم، ليمور ليفنات (وزيرة الاتصالات في حينه)، طالبة توسطها لتوظيف زوجها، أوري أربيل، في ادارة شركة الاتصالات الحكومية "بيزك"، وطبعاً هذه القضية أثيرت في نفس الفترة من قبل ليفنات. ففي مقابلة إذاعية منحتها لصوت إسرائيل (ريشت بيت) صبيحة يوم الاربعاء اعادت ليفنات القصة المتداولة إلا أنهم، في "ريشت بيت"، أحرجوها في أكثر من مرة، لماذا الآن وبالذات تكسرين الصمت؟ ليفنات اجابت، أعترف أني أخطأت في هذا الصدد وكان علي القول في تلك الفترة. وفي سؤال آخر للوزيرة في نفس المقابلة سئلت ليفنات: هل موقفك هذا نابع من توصية النائبة العامة بتقديم لائحة إتهام ضد رئيس الوزراء؟ فأجابت أن لا اساس لهذا من الصحة، فموقفي السياسي لا يمكن أن يسيطر على مثل هذه الامور. إنتهت المقابلة الصحفية، وليمور ليفنات أحرجت على الهواء ولم تراودها "الكاريزما" التي تعودنا عليها في مقابلاتها وبدت خاسرة في المناداة الأخيرة..

أربيل من جهتها لم تتطرق بشكل مباشر الى هذه القضايا والاتهامات وكانت إجابتها لوسائل الاعلام منحازة الى صلب الموضوع وبإختصار واضح. عن قضية توجهها للوزيرة ليفنات قالت: " لم أتوجه وهذا الطلب تم عن طريق رجل ثالث"، اين البراهين؟ سألوها، وبشكل غير مباشر قالت: "مستعدة أن أتعرض للفحص بجهاز كشف الكذب".

شخص آخر هو يوءاف يتسحاك، صحفي مستقل يعمل أيضًا في صحيفة "معاريف"، ويملك موقعاً على شبكة الانترنت، لم يكف عن مهاجمة أربيل بشتى الصور، إلتمس الى المحكمة العليا طالبا إلغاء ترشيح اربيل من القائمة، لكن الالتماس رفض. بعث برسالة الى وزير القضاء لبيد، الذي هو ايضًا رئيس لجنة التعيينات، لكن لبيد لم يستجب لهذه الرسالة. وحتى هذه الساعة لم تظهر علاقة الصحفي بأربيل، لماذا يلاحقها منذ العام 97؟ يكتب المقالات عن سوء إدارتها، يتهمها "بالتحيّز اليساري"، ومن المثير أنه كتب مقالة تشكك بمجملها في تعامل أربيل مع رئيس الحكومة، وبدت لهجته حادة جداً الى درجة تهجمه المبطن على أعضاء اللجنة من خلال الرسالة التي بعث بها.

في النهاية حازت أربيل على سبعة أصوات، من ضمنهم صوت شاؤول يهلوم الذي طالب في نفس الجلسة بتأجيل البحث في طلبها. يهلوم لم يدعم أربيل حباً فيها أو من دافع إقتناع بل حباً بالمقابل، وهو تعيين قاضية متدينة في المحكمة العليا، إذ تنال هذه الفئة حصة من الكعكة على حساب المعارضة لأربيل. وبهذا يكون يهلوم قد سجّل إنجازا للمتدينين مقابل تخليه عن موقف طالما لوّح فيه. وعندما سئل عن سبب التغيير المفاجئ في رأيه قال: "لو كنت أعلم أن صوتي قد يسقط أربيل لصوتت ضدها، ولكن معي ومن دوني أربيل ستنتخب الى المحكمة العليا".

سر الهجوم

تعتبر أربيل من أبرز من أشغل منصب النائب العام، إن لم تكن أبرزهم، فهي أكثر نائبة عامة تعاملت مع قضايا سياسية آنية ومع شخصيات بارزة سياسياً في إسرائيل، فقد مرّت الملفات الاكثر تعقيداً في العقد الأخير والتي يلعب أبرز السياسيين فيها دور البطولة من تحت يديها، وكان عليها إتخاذ القرار. من اهم الملفات كان ملف الوزير أريه درعي الذي تم سجنه، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة السابق، إيهود باراك، ورئيس الحكومة الحالي، أريئيل شارون، الذي خيّمت قضيته على القسط الاكبر من قضية التعيين. ولا بد من ذكر قضية رئيس الدولة عيزر فايتسمان، فهو الاخر مرت أوراقه في مكتب أربيل. لهذا السبب يعتقد الكثير من المحللين السياسيين الاسرائيليين ان أربيل ظهرت أكثر من غيرها، بحكم وظيفتها وبحكم القضايا المعقدة التي عالجتها.. فقد برزت ربما عنوةً لكنها برزت. وفي الفترة الأخيرة وخاصة بعد عدم قبولها إبرام إتفاقية بين النيابة العامة وبين جلعاد شارون، بن رئيس الوزراء، زاد الامر تعقيداً، ويعتبرها البعض بأنها تستغل منصبها لضرب عائلة شارون اليمينية.

ما بعد التعيينات في "العليا"

إنتهى فيلم التعيينات، وبدأت الاضواء بالنزوح بعيداً الى قضايا اخرى في اسرائيل، والى معالم أخرى، إذ سجلت هذه التعيينات الكثير من "المرات الاولى". عملياً، هذه هي المرة الاولى التي ينتخب فيها قاضٍِ عربي بشكل ثابت. هذه هي المرة الأولى، الواضحة للعيان، التي تلعب فيها السياسة دوراً مركزياً وجوهرياً في تعيين قضاة في جهاز "مستقل" كلياً عن المؤسسات السياسية. وهذه هي المرة الاولى التي يشهد فيها مرشح ما مثل هذه الحملة ضده. لكن هناك مرة اولى مستحقة لم تكن، وأحد (من المهتمين) لا يتوقعها قريبا، فمتى سيكون للفئة الاكاديمية تمثيل في القضية؟، تساءل الكثيرون، وهل تأتي هذه المرة؟.

البروفيسور يورام شاحر، الباحث في حيثيات المحكمة العليا، كان واحدا من القلائل الذين تناولوا هذا الموضوع بشكل مفصل وعرضه بشكل صريح، فقد كتب مقالة في صحيفة "معريف( يوم7/5) تحت عنوان "النقاش لا يضر دائماً"، مما جاء فيها: "لن يغير إنتخاب القضاة الاربعة تركيبة المحكمة العليا، فقد كان هناك دائماً عدد كبير من قضاة المحاكم المركزية، ودائما كانت تعيينات من فئة المستشار القضائي للحكومة. ولكن توجد صعوبة في تمثيل الفئة الاكاديمية. ومنذ قيام الدولة تقريبا لم يعين محامون مستقلون لهذا المنصب، ويعود هذا ربما الى الافتراض بان الجيدين من بين هؤلاء المحامين لا يختارون مجال القضاء". وبارك البروفيسور خطوة إنتخاب أول عربي الى التركيبة الثابتة في المحكمة العليا، وهو القاضي سليم جبران. وقال... "أخيرا، هناك قاض عربي في المحكمة العليا".

من هو سليم جبران؟

هذه المرة الاولى التي ينتخب فيها قاض عربي دائم للمحكمة العليا، وهو سليم جبران، من مواليد مدينة عكا، تخرج من مدرسة "تيراسنطة" العكية، ومن بعدها تعلم المحاماة في الجامعة العبرية في القدس، عمل 12 عاماً محامياً مستقلاً، وعين قاضياً في محكمة الصلح في حيفا، وبعد مضي 11 عاماً عين جبران قاضيا في المحكمة المركزية في حيفا. ويسكن اليوم في مدينة حيفا، ومن المعروف عن جبران أنه يشكل تهديداً على أصحاب السوابق في المخدرات وقضايا الاغتصاب.

المحامي حسن جبارين، مدير "عدالة" (المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل)، أكد ل"المشهد الاسرائيلي" أن تعيين قاض عربي دائم في المحكمة الاسرائيلية العليا هو امر هام بحد ذاته، لكنه ليس بالأمر السهل في الجو السياسي والقانوني لاسرائيل.

(*) "المشهد الإسرائيلي": لقد تباهى الوزير لبيد بتعيين قاض عربي في المحكمة العليا. في ظل الاوضاع السياسية السائدة حاليًا، هل سيؤثر هذا على سير الامور هناك؟.

(*) أولاً تعيين قاض عربي لا يغير ولا يستطيع ان يغير في قرارات المحكمة، ولكن بنفس الوقت التعيين بحد ذاته ايجابي. قاض عربي في الهيئة القضائية العليا يدل على ان الاقلية العربية او اية اقلية اخرى بامكانها ان يكون هناك قاض من صفوفها. وهذه ظاهرة ايجابية في مواجهة العنصرية. ولكن هذا الشيء ليس سهلاً في جو قانوني من هذا النوع فالقاضي العربي موجود في متاهة وحيرة، نتيجة لتعريف القانون الاسرائيلي للدولة كدولة ديمقراطية يهودية، ومن ناحية مهنية يجب ان يأخذ التعريف بشكل مهني غير سياسي، اذ ان الخروج عن التعريف المتداول سيشكل خروجاً عن قوانين اللعبة، لذلك القضية ليست سهلة أبداً. لكي تكون لاعبا جيدا يجب ان تكون وفق قوانين اللعبة..

(*) "المشهد الإسرائيلي": كيف تفسر الهجوم على ترشيح أربيل؟

(*) عيدنا اربيل أوصت بتقديم لائحة إتهام ضد شارون ولم توافق أصلاً على إبرام إتفاقية بين النيابة والدفاع فيما يخص قضية جلعاد شارون في قضية الجزيرة اليونانية، وتعاملها هذا وضعها في مكان مشكوك فيه عند اليمين الإسرائيلي الذي شعر بتهديد من موقعها في المحكمة العليا. كذلك فإن الهجوم على السلطة القضائية وعلى القضاة في اسرائيل هو ظاهرة معروفة في اوساط تتقوى عندها النزعة القومية. وتعتبر هذه المرة الاولى التي تكون فيها النزعة القومية قوية ضد شرعية المحكمة العليا. والحديث عن اربيل يأتي في هذا السياق. هذه الظاهرة تقوّت وبشكل واضح في عهد حكومة شارون، وانحياز الانظمة الى وضع قومي يؤدي الى حالة شوفينية كما هي الحال اليوم.

(*) ما رأيك في اداء المحكمة العليا في الفترة الأخيرة ؟

(*) بالنسبة لما يخص الضفة الغربية أداء المحكمة سيء جدا، حتى في القضايا التي كان فيها جرائم حرب، المحكمة العليا لم تقم ولم تسهم بشيء . أما في القضايا الداخلية لوضعية مركبة، فإن المحكمة العليا يجب ان تكون مساعدة للقضية التميزية، التي تبتعد عن القومية، ودورها هنا جانبي. ودورها في القضايا التي تتطلب تغييراً جذريا في أداء الحكومة هو غير موفق. اما بالنسبة للقضايا التي تهتم بالعرب في اسرائيل فهي متخوفة جداً، كي لا تخسر قيمتها داخل المجتمع الاسرائيلي. هناك إنجازات هامة للمحكمة الاسرائيلية العليا، لكن رغم أهميتها لم تحدث تغييراً جذرياً في البنى الأساسية.