في ضوء التوصية بتقديم عضو كنيست من "شاس" إلى المحاكمة: هل تتحول إلى قضية "درعي" أخرى؟

كتب : سعيد عياش

بعد أيام من قرار المرجع القانوني الأعلى للحكومة الإسرائيلية إغلاق ملف شبهات الفساد المنسوبة لرئيس الوزراء أريئيل شارون، لـ "عدم توفر الأدلة"، بدأت تتدحرج الآن في أروقة أجهزة القانون والقضاء ملفات فساد جديدة موجهة بحق إثنين من المسؤولين الإسرائيليين، أحدهما وزير سابق في الحكومة، والتي يعتقد أنه ستكون لها، في حال استمرار تدحرجها قدماً في أروقة المحاكم، تداعيات سياسية وحزبية مدوية في الساحة الإسرائيلية.

فقد ذكرت وسائل الإعلام العبرية أن الشرطة الإسرائيلية، أوصت أخيراً (أول من أمس الأحد) بتقديم عضو الكنيست الحالي شلومو بنيزري (شاس) إلى المحاكمة بتهمة الإرتشاء وإساءة الإئتمان. وكانت الشرطة قد استدعت بنيزري، وهو وزير سابق في الحكومة الإسرائيلية، مرة أخرى للتحقيق معه في قضية شرعت بالتحقيق فيها قبل أكثر من عامين ونصف العام بتهم تلقي الرشوة والإحتيال وإساءة الإئتمان وتشويش مجرى التحقيق، عندما كان يشغل منصب وزير العمل والرفاه الإجتماعي. ووفقاً لتقارير الشرطة فقد تلقى الوزير السابق، وأحد الوجوه القيادية البارزة في حركة "شاس" الدينية الشرقية، رشوة من صاحب شركة لتشغيل عمالة وافدة، مقرب منه، مقابل معلومات تلقاها الأخير من الوزير بنيزري حول العمالة الوافدة المنوي جلبها إلى إسرائيل.

وقد اعترف صاحب الشركة، ويدعي موشيه سيلع، بتقديم الرشوة للوزير السابق وبالفوز في مناقصة لجلب عمال أجانب بفضل الرشوة والمعلومات التي حصل عليها في هذا الخصوص. وعلق مسؤولون في الشرطة على ما أثير من تكهنات أشارت إلى احتمال إغلاق ملف الفساد ضد بنيزري دون تقديم لائحة إتهام، على غرار ملف الفساد في ما يعرف بقضية "الجزيرة اليونانية" ضد رئيس الوزراء أريئيل شارون وإبنه جلعاد، والذي أغلق الأسبوع الماضي بقرار من المستشار القانوني للحكومة، حيث قال مسؤولو الشرطة إن الملف الموجه ضد رجل "شاس" تتوفر فيه "أدلة جادة وحقيقية" على حد تعبيرهم، إضافة إلى وجود " شاهد ملكي" من قبل الشرطة والنيابة العامة، في قضية بنيزري وهو صاحب الشركة (مقدم الرشوة) موشيه سيلع.

وكان الأخير شهد في "مواجهة" مع "بنيزري" تمت قبل حوالي شهرين، أثناء التحقيق، بأنه قدم رشاوى مالية للوزير السابق طوال عدة سنوات بمئات الآف الشواقل إضافة إلى منافع شخصية مختلفة، وذلك مقابل المعلومات التي حصل عليها ومكنته من الفوز بمناقصة جلب العمال الأجانب.

ورغم التزام "بنيزري" الصمت أثناء التحقيق معه، واكتفائه بالتعليق أن كل الإتهامات المنسوبة له مجرد "مؤامرة دنيئة" حيكت ضده، إلاّ أن خيوط التحقيق في القضية تمتد وتتشعب، بشكل يعيد إلى الأذهان قضية تهم الفساد وإساءة الإئتمان التي أدين بها قبل عدة سنوات زميل بنيزري، في "شاس" الوزير والزعيم السياسي السابق للحركة أرييه درعي، وأثارت محاكمته في حينه موجة ردود فعل واحتجاجات شعبية وسياسية واسعة النطاق في أوساط اليهود الشرقيين المغبونين في إسرائيل، وهي احتجاجات تخللتها أحياناً مظاهر عنف وسخط طاولت العديد من رموز المؤسسة الإشكنازية المهيمنة على الدولة ومقدراتها. إذ يستدل من تشعبات التحقيق في قضية بنيزري أن قسماً كبيراً من أموال الرشاوى التي تلقاها ذهب لصالح "ساحة" الحاخام روبين إلباز، أحد كبار المراجع الروحية في حركة "شاس" والذي يدين له بنيزري بالولاء.

كما يشتبه محققو الشرطة بأن إبنة الحاخام الباز، ميخال مالكه، ضالعة بدورها، عندما كانت تشغل منصب مدير مكتب الوزير بنيزري، في قضية مقايضة المعلومات برشاوى المال الموجهة لرئيسها السابق. كذلك توجه إتهامات في القضية ذاتها إلى رئيسة قسم تطبيق قوانين العمل في وزارة الصناعة والتجارة، تسيبي شينكمان، والتي تنسب إليها نفس الإتهامات الموجهه ضد الوزير السابق من حركة "شاس"، إضافة إلى توجيه إتهام للحاخام الباز نفسه بـ "التوسط للحصول على رشوة".

هذا وقد أثارت توصية الشرطة بمحاكمة "بنيزري" و الحاخام "الباز" موجة من ردود الفعل والتداعيات التي تنبىء بإمكانية تحول قضيته إلى قضية "محاكمة أخرى لضحايا التمييز والغبن" الذي تمارسه الدولة الإشكنازية ضد مواطنيها من اليهود الشرقيين، بعد محاكمة آرييه درعي الشهيرة.


بنيزري: "مؤامرة شريرة"

ورفض عضو الكنيست بنيزري من جهته الإدلاء بمقابلات صحافية، بعد التوصية بمحاكمته، مكتفياً بالقول في تعقيب مقتضب "إنتهت ثلاث سنوات من الكابوس المستمر لي ولأفراد عائلتي، في قضية لا تعدو كونها مؤامرة شريرة حاكها أناس ذوو مصلحة". وأضاف "أنا مؤمن ببراءتي ... الإدعاءات المثارة ضدي عارية عن الصحة، وستظهر براءتي عاجلاً أم آجلاً".

رئيس حركة "شاس" عضو الكنيست إيلي يشاي عقّب بقوله، إنه واثق من أنه بعد طرح القضية أمام المستشار القانوني للحكومة، ميني مزوز، فإن الأخير سيقرر حتماً بأن هذه القضية خالية من أية شبهات حقيقية.

خبايا مثيرة...

غير أن ملاحقة تفاصيل قضية بنيزري، تقود إلى "خبايا" مثيرة يتضح من الغوص في حيثياتها أن القضية لا تقف عند حدود الإدعاءات بشأن غبن المؤسسة الإشكنازية لجمهور الشرقيين، أو جمهور وقيادة الحركة الدينية الشرقية (شاس) على نحو أكثر تخصيصاً، بل تتعدى ذلك كما يبدو وتكشف عن وجه آخر للقضية، يصورها، حسب بعض المراقبين والمحللين المتخصصين في الشؤون الحزبية والدينية، كنتاج لصراع داخلي ينهش حركة "شاس" ذاتها، وتحديداً الصراع بين الجناح المهيمن على الحركة ومؤسساتها القيادية بزعامة الحاخام عوباديا يوسيف ووكيله السياسي إيلي يشاي، وجناح الحاخام روبين الباز ووكيله السياسي شلومو بنيزري، وهو الجناح "المغبون" داخل "شاس" على رأي الصحافي شاحر إيلان، معلق الشؤون الحزبية الحريدية في صحيفة "هآرتس".

ففي تعليق له تحت عنوان "ضحايا الغبن داخل شاس" كتب إيلان كاشفاً في البدء عن حجم النفوذ المريب الذي يتمتع به الحاخام روبين الباز، وقال: من المشكوك فيه إذا كانت هناك مؤسسة دينية قد اكتسبت رصيداً هائلاً من الشبهات الجنائية كرصيد مؤسسات "أور حاييم" التي يترأسها الحاخام الباز، والذي حصل قبل 15 عاماً على لقب "كبير حاخامات التتويب الديني في العصر الحالي". وأضاف إيلان موضحاً، إن التوصية بمحاكمة الباز وممثله الرفيع في السياسة شلومو بنيزري ، تضاف إلى لائحة الإتهام التي قدمت السنة الماضية ضد عضو الكنيست السابق عوفر حوجي، وهو أيضاً من كبار معاوني الحاخام الباز، والذي يتهم بالتحايل واختلاس أموال من وزارة العمل والرفاه لحساب كلية وهمية إدعى إقامتها. وكان الباز، عام 1984، عندما أقيمت حركة شاس، أحد المرشحين لرئاسة قائمة الحركة للكنيست، لكن الحاخام يوسيف فضل عليه مقربه الحاخام يتسحق بيرتس.

وقد أقام الباز شبكة تعليم واسعة باسم "أور حاييم" تضمنت مدارس ومعاهد دينية لتعليم التوراة، ورياض أطفال، امتدت فروعها إلى سائر أنحاء البلاد، الأمر الذي جعل من الحاخام الباز "قوة انتخابية" لا يستهان بها. وتشكل مدارس "أور حاييم" حالياً جزءاً كبيراً من شبكة التعليم التي تديرها حركة "شاس" (معيان هحينوخ هتوراني).

وفي عام 1992، شكل ضم شلومو بنيزري إلى قائمة "شاس" البرلمانية شهادة واضحة على نفوذ الباز، إلاّ أن رئيس الحركة في ذلك الوقت، أرييه درعي، أقصى بنيزري عن مواقع التأثير.

ويقول إيلان أنه إذا كان رجالات وأعضاء "شاس" قد رأوا أنفسهم ضحايا للغبن والتمييز في السياسة الحريدية، فقد رأى بنيزري والباز أنفسهم ضحية للغبن داخل حركة "شاس" ذاتها...

سائق عضوة الكنيست يشهد عليها ..

وفي تطور آخر، على صلة بملفات الفساد، أدلى سائق عضوة الكنيست نوعمي بلومنطال (ليكود) آبي أوسكي، وهو "شاهد ملكي" من طرف النيابة العامة، بافادته أول من أمس (الأحد) في مستهل مرحلة الإستماع إلى الأدلة والقرائن في محاكمة بلومنطال وميخائيل النكفا، عضو مركز حزب الليكود ومسؤول فرعه في "يوكنعام". ويتهم الأخيران بتقديم رشاوى انتخابية وتشويش مجرى العدالة، وذلك في القضية التي أثيرت ضدهما عقب الإنتخابات الداخلية في حزب الليكود نهاية عام 2002.