حزب "العمل": هل يلهث بيريس للإنضمام إلى حكومة "وحدة وطنية"؟

أعاد "اللقاء السري"، الذي جمع، نهاية الاسبوع، بين رئيس حزب "العمل"، شمعون بيريس وبين أوري شاني، المقرب من رئيس الوزراء الاسرائيلي أريئيل شارون، والذي تسربت بسرعة أنباؤه إلى وسائل الإعلام الاسرائيلية،إلى واجهة الأحداث موضوع "لهاث بيريس" للإنضمام إلى حكومة "وحدة وطنية" في حالة أدت الموافقة على خطة "فك الارتباط" المعدّلة قريبًا إلى خروج حزبي "المفدال" و"الاتحاد الوطني" من الحكومة الحالية. وإزاء ذلك انقسم قادة "العمل" بين مؤيد لخطوات بيريس وبين معارض لها. ودعا بعض المعارضين (أبراهام بورغ، مثلا) إلى إجراء انتخابات قريبة لرئيس الحزب ومرشحه لرئاسة الوزراء، في إلماح صريح إلى نيتهم الإطاحة ببيريس. وردًا على ذلك بقي بيريس متمسكًا بموقفه الغائم من التطورات المقبلة. وحتى الآن اكتفى بالتصريح أن في نيته "توفير شبكة أمان لشارون" لكي يحافظ على حكومته، فيما يخص ما أسماه "الانسحاب من غزة وإخلاء مستوطنات". وأضاف أن هذه الشبكة "ستكون سياسية فقط ولن تنسحب على القضايا الاقتصادية الاجتماعية". ولكنه زاد أنه في حالة إنطلاق مبادرة لحل الكنيست وتبكير الانتخابات البرلمانية الاسرائيلية فإن "العمل" سيؤيد ذلك "لأن هذا ما يتعين سلوكه بوصفنا معارضة"، على ما ذكرت صحيفة "معاريف" (الاثنين، 24/5/2004).

وكرر بيريس، صباح الاثنين، ان حزب العمل سيدعم كل خطة للانسحاب من قطاع غزة واخلاء المستوطنات وان الحزب لن يطلب اي شيء مقابل ذلك.

وشدد بيريس، الذي كان يتحدث الى الاذاعة الاسرائيلية الرسمية، على انه لم يجر اية اتصالات او مفاوضات للانضمام للائتلاف الحاكم برئاسة اريئيل شارون، نافيا الانباء التي تحدثت عن اجرائه مفاوضات مع أوري شاني، المقرب من شارون، حول صياغة خطوط عامة لحكومة "وحدة وطنية" جديدة تجمع حزبي الليكود والعمل. واضاف انه لا جدوى من اجراء مفاوضات مع الليكود لانه لا توجد لدى شارون الان خطة جاهزة لانسحاب من غزة ولإخلاء المستوطنات. وعاد على اقتراحه الداعي الى انه افضل شيء يمكن عمله في هذه الاثناء هو "حل الكنيست واجراء انتخابات عامة".

ولم تكن تحركات بيريس وتصريحاته هذه التطور الوحيد المرتبط بحزب "العمل" في الآونة الأخيرة، بل انضاف إليه من قبل انضمام حزب "عام إيحاد" (شعب واحد) بزعامة رئيس نقابة العمال العامة (الهستدروتعمير بيرتس، إليه وتلويح رئيس الوزراء السابق، إيهود باراك، بامكانية العودة إلى الحياة الحزبية والتنافس على رئاسة "العمل".

وكان معلق الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، قد تناول أخيرًا في تحليل إخباري مطوّل الحالة السياسية والوجودية التي يعيشها حزب "العمل" في إسرائيل بالأخص بعد ما أسماه "نجاحه" في إستقطاب الحركات اليسارية الإسرائيلية في مظاهرة الـ 150 الفاً في ميدان رابين (مساء السبت 15.5)، حيث أن هذه "التظاهرة العملاقة"، حتى كما وصفها الإعلام الإسرائيلي، لم تكن نجاحاً عابراً إنما كانت "بداية لواقع لم يعد قائمًا منذ زمن".

"استفاق حزب العمل ووجد نفسه حياً"، يقول فيرتر. ويضيف: "ذهل (حزب العمل) بعدما نظر الى نفسه في المرآة ولم يعرف أنه على هذه الشاكلة". ويأتي هذا بعد مرور عام على الخسارة الفادحة في الانتخابات والتي حقرّته وجعلته في أدنى مستوى من الخارطة السياسية (نسبياً) وعلى هامش السياسة الإسرائيلية قاطبة. ولذا كان ذلك النجاح كفيلاً في أن يحتضن آمال آلاف مؤلفة من البشر استجابت للدعوة والتظاهر تحت شعار"إنسحاب من غزة وبداية للتفاوض". ويتساءل فيرتر بلسان حزب العمل "ماذا نفعل مع هذا النجاح وفي ظل هذه الأوضاع؟، هل سنستمر بالمظاهرات، هل سنستمر بالأعمال الميدانية؟ هل سنبقى معارضة أم أننا سنعود الى إنتظار إقامة حكومة وحدة وطنية"؟.

في واقع الأمر فإن السؤال حول إقامة حكومة "وحدة وطنية" بات متعلقاً بجهات معينة وبظروف سياسية، هي أصلاً متعلقة بشكل أساسي بخطة "فك الإرتباط" التي فشل أريئيل شارون في تمريرها، لذا فإن قادة "حزب العمل" يبتعدون في هذه الإثناء عن هذا السؤال، تاركين إياه للتطورات التي من الممكن أن تخلقها الحكومة في هذا الصدد. ماذا يعني؟. شارون اليوم مجبر على عرض برنامجه المتعلق بـ "فك الارتباط" (بصورة جديدة أو بأخرى) كي تصادق الحكومة عليها، وفي حالة تمرير الخطة وخروج اليمين من الحكومة فهذا سيمكن شارون من التوجه لحزب العمل طالباً إنضمامه الى الحكومة، ولكن هذا ليس مؤكداً فبعد فشله في الإستفتاء قد لا ينال شارون تأييد أعضاء حزبه داخل الكنيست، ومن دون تأييدهم لا يمكن له إقامة حكومة "وحدة وطنية" تجمعه على طاولة واحدة مع حزب العمل.

ماذا يخطط بيريس؟!

يتناول فيرتر بالتشريح مواقف قادة حزب العمل وعلى رأسهم رئيس الحزب، شمعون بيريس. ففي خطابه الأخير في "ميدان رابين" خلال المظاهرة المذكورة أعلاه، قال بيريس: "لا حاجة لحكومة وحدة وطنية من دون توجه سياسي"، وإذا اكد بيريس على التوجه السياسي، يقول فيرتر، فهذا لا يعني أنه ضد إقامة "حكومة وحدة وطنية" ، فقد أضاف فيما بعد ان دولة إسرئيل بحاجة الى "حكومة وحدة وطنية مع توجه سياسي". كذلك أكد بيريس ضرورة "قلب أغلبية الشعب الى أغلبية في الكنيست"، وقصد طبعاً التوجه إلىالإنتخابات.

يتساءل فيرتر، من دون أن يكلف نفسه عناء الاجابة: ماذا يقصد بيريس عندما قال هذا الاسبوع "نحن لسنا في جيب شارون"، "لا توجد لدينا نية في الإئتلاف الحكومي فبرنامجنا يختلف تماماً عن توجه شارون وبرنامجه"؟.

وأضاف بيريس في خطابه "أن إقتراح الإنسحاب من غزة من دون إشراك الفلسطينيين في التعاون يعني البقاء في غزة".

لقد بدا بيريس، برأي فيرتر، يسارياً أكثر مما كان عليه مؤخراً، خاصة فيما يخص السياسة الداخلية الإسرائيلية وموقفه من حكومة "وحدة وطنية"، والسؤال: هل موقف بيريس المنحاز يساراً جاء نتيجة "يأسه" من قيام حكومة "وحدة وطنية"، ام أنه يشير بين السطور (لشارون) الى ثمن دخول "حزب العمل" الى حكومة وحدة وطنية؟

لكن على الرغم من تداعيات بيريس وتصريحاته، إلا ان كل شيء يبقى متعلقًا بشارون، يؤكد فيرتر. ففي حالة إستطاع هذا الأخير تمرير خطته الجديدة التي تنص على "إنسحاب على مراحل" فسيسمح لنفسه من بعدها التوجه رسميا الى بيريس، وسيقتنع شارون بأن بيريس هو الشريك الوحيد. وماذا سيجري في داخل "حزب العمل"؟.. سيتوجه بيريس الى حزبه لإقناعه من جديد بانه "فقط في حالة إنضمام حزب العمل الى حكومة شارون سيسعى شارون الى تنفيذ خطة الإنسحاب على مراحل"، مؤكداً على نجاعة الثلاثي (شينوي، العمل، الليكود) في هذا الصدد.

يفسر فيرتر إنحياز بيريس يسارا بأكثر من ناحية، فالتقارب الملاحظ بين وزير الخارجية سيلفان شالوم ورئيس الحكومة أريئيل شارون يرسم علامة سؤال كبيرة ويشكل عقبة في طريق قيام حكومة "وحدة وطنية"، لانه في حالة قيام هذه الوحدة (الليكود والعمل) ثمة من سيدفع الثمن (التنازل عن وزارته لصالح المنتسبين الجدد)، وتقرب سيلفان شالوم من اريئيل شارون عشية الإستفتاء خلق جواً سياسياً جعل شالوم في مكان محصّن وموقر عند رئيس الحكومة. واذا لم يدفع شالوم الثمن، وكذلك إذا لم يدفعه شاؤول موفاز (وزير الدفاع)، فمن سيدفع؟ هل هو نتنياهو؟ حتى في هذه الحالة لا يمكن التنبؤ، خاصة نتيجة العلاقة التي تجمع رئيس الحكومة ووزير المالية، بنيامين نتنياهو. ربما يرغب شارون بالتخلص من نتنياهو، ولكن الإقتصاد الآخذ بالإزدهار مؤخراً يحتاج لبقاء نتنياهو وزيراً للمالية، ولنفرض أن نتنياهو انتقل من منصبه، فهل سيوافق بيريس على أن يكون وزيراً للمالية في الظروف القائمة؟.

وثمة إحتمال أخير بألا تكون "الوحدة الوطنية" واردة بالحسبان، فليس مؤكداً بعد أن المصادقة على خطة الإنسحاب ستؤدي إلى أن يخرج "المفدال" من الحكومة، فدائما يقنع "المفدال" مصوتيه بضرورة البقاء في الحكومة لعرقلة سير الإنسحاب، ولس مؤكداً أيضاً ما سيكون عليه موقف افيغدور ليبرمان من "الاتحاد الوطني".

إيهود باراك يلوّح بالعودة!

في هذه الأثناء، يشير فيرتر، فإن رئيس الحكومة السابق، إيهود باراك، يعتقد هو ايضا أن "حزب العمل" حيّ يرزق. وضمن سلسلة نشاطات سياسية أخيرة لا يخفي باراك أنه بصدد العودة الى الحياة السياسية. وفي رد على سؤال ما اذا كان يقصد العودة قريباً وان يترشح لرئاسة الحكومة قال: "لا يمكن العودة فجأة، يجب قيادة الحركة أولاً".

ويؤكد باراك على أن "الإستراحة" التي أخذها من السياسة ساهمت ايجابياً أكثر مما توقع. واتهم كل الذين قادوا "حزب العمل" من بعده بالفشل، وذكر منهم ابراهام بورغ، عمرام متسناع، بنيامين بن اليعيزر. وعندما طلب من باراك التصريح عن عودته قال: "انا لا أومن بالتصريحات بل أومن بالعمل".

في هذه الايام تحديدا، يضيف فيرتر، يتنقل باراك بين مقرات حزب العمل، مشيراً الى عودة مبطنة، ويلتقي النشطاء السياسيين. وقبل عدة أسابيع إلتقاه مسئول سياسي وسأله عن الكيفية التي ينوي من خلالها إخفاء ما قام به من أخطاء، فرد بقوله، "لا تقلق، ثلاثة أشهر إعلامية وكل شيء سيكون على ما يرام".

ويلعب ايهود باراك في ملعب سياسي لا يقتصر على "حزب العمل"، إنما يمتد نقاشه الى وضعية حزب الليكود، وهو لا يستبعد إزاحة شارون وإستبداله بنتنياهو للفترة القادمة نتيجة كل ما يجري اليوم، وفي حالة تربع نتنياهو على عرش رئيس الحكومة، فستكون منافسته أسهل من منافسة شارون خاصة بعدما يشغل نتنياهو منصب رئيس الحكومة لفترة سنة او اكثر.

عندما يتحدث باراك عن تولي نتنياهو منصب رئيس الحكومة، فهو يتوقع ان يعيد التاريخ نفسه، أي أن يتردى وضع الإقتصاد والخارطة السياسية. ويأتي هو، من ثم، ليخلص الشعب من إدارة نتنياهو.

غير أن عضو الكنيست حاييم رامون (العمل) يهزأ من تصريحات باراك حول العودة الى الخارطة السياسية. "هذه تفاهات"، قال. وأكد "في حالة عودته سأتصدى له كما تصديت بعد الاسبوع الاول من فشله في الإنتخابات عندما تراجع عن إستقالته".

بيريس وبيرتس وخوف من "مؤامرات"

يشهد حزب العمل في هذه الايام تجديداً آخر على الصعيد الداخلي، يتمثل في عودة عضو الكنيست ورئيس نقابة العمال (الهستدروت)، عمير بيرتس، الى صفوف الحزب الذي تركه قبل سنوات عديدة. وما هو واضح منذ الآن أن بيرتس مع عودته سيجلب معه 250 منتسباً ينضمون الى مركز "حزب العمل"، وهذا الطاقم الكبير والمتمرس ملتزم بعمير بيرتس تنظيميًا وإدارياً وسياسياً.

وتلاقي عودة بيرتس، حسبما يؤكد فيرتر، معارضة في صفوف العمل، خاصة من جانب القياديين الثلاثة افرايم سنيه، بنيامين بن اليعيزر ومتان فيلنائي، فهم يرون بأنفسهم مرشحين لرئاسة الحزب للفترة القادمة. ودخول بيرتس سوف يعرقل مسيرتهم، وتغمرهم الشكوك حول صفقة سرية تجمع بيرتس وبيريس، مؤداها تيسير دخول بيرتس الى حزب العمل، مقابل دعم اعوانه لشمعون بيريس في الانتخابات الداخلية على رئاسة الحزب.

وفي حديث مع بنيامين بن اليعيزر(من معارضي عودة بيرتس) قال: "مشكلتي ليست بيرتس، فكثيراً ما ناديته للعودة، ولكن مشكلتي الحقيقية هي بيريس، والثمن الذي هو مستعد لدفعه لمن ترك صفوف الحزب".