"خطة شارون المنقّحة" الجديدة – القديمة: محاولة أخرى للهروب إلى أمام من الحاجة الحيوية لتوفير حل حقيقي

كتب: سعيد عياش
تواترت خلال الأيام والساعات القليلة الماضية الكثير من التقارير والعناوين والتجاذبات السياسية والإعلامية في الساحة الإسرائيلية حول ما يقال إنه "خطة معدّلة" للإنفصال عن الفلسطينيين، يعتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون عرضها على حكومته في جلستها الأسبوعية الأحد المقبل، وذلك بعد هزيمته المدوية في استفتاء الثاني من أيار الجاري، ووصول سياسة القوة العسكرية العاتية، التي انتهجها في مواجهة إرادة المنتفضين الفلسطينيين منذ جلوسه على كرسي رئاسة الوزراء، إلى "مأزق" حقيقي وطريق مسدود إنتهى أخيراً بورطته في "عش الدبابير" بقطاع غزة.

ورغم أن خطط شارون الأحادية الجانب، "الأصلية" منها (الساقطة في استفتاء الليكود) و"المعّدلة" على السواء، تندرج حسب اعتقاد معظم المحللين والمراقبين الإسرائيليين وغير الإسرائيليين في مسلسل "الهروب إلى الأمام" و"لعبة كسب – أو إضاعة – الوقت" اللذين يتخذهما شارون منهجاً في "معادلة البقاء السياسي" التي تحركه، وإصطدامهما بحكم نتائجهما الهزيلة حتى الآن، بجدار أصلب وأعلى من جدار الفصل الذي تقوم إسرائيل ببنائه في الضفة الغربية، إلاّ أن حراك ما يبدو أنه "النزع الأخير"، والمتمثل في ما يدور من حديث عن "خطة جديدة معّدلة" يعكف شارون وأركان مكتبه على بلورة تفاصيلها النهائية في هذه الأثناء، عاد ليتصدر الآن أجندة التحركات في الحلبة السياسية والإعلامية الإسرائيلية مثيراً الكثير من الغبار والتداعيات والتجاذبات التي أغلب الظن انها ستكون كالكثير مما ألفناه في هذه الحلبة، على الأقل على مدار السنوات الثلاث الماضية، "طحنا بدون طحين".

فهناك العديد من المؤشرات، المكتملة أو في طور الإكتمال، تصب بوضوح في قناة طاحونة الهواء هذه، وبالتالي يمكن أن تؤدي في تفاعلاتها إلى وأد هذه الخطة الشارونية المعّدلة وهي في مهدها. ولعله يجدر بداية، قبل استعراض هذه المؤشرات، أن نحاول بقدر ما نستطيع إجلاء عناصر هذه الخطة التي لاتزال محاطة بقدر كبير من التكتم والغموض، وذلك من خلال ما رشح عنها الى وسائل الإعلام.

تقوم خطة شارون المعّدلة في خطوطها العريضة على أسس: فك الإرتباط والإنسحاب الجزئي من قطاع غزة والضفة الغربية، في نطاق خطة مرحلية (التنفيذ على عدة مراحل، تستغرق فترة طويلة قد تمتد لعام ونصف العام أو عامين) ترعاها آلية دولية تحددها إسرائيل ومهمتها الأساسية الإشراف على قطاع غزة بعد الإنسحاب ومحاولة "خلق شريك فلسطيني" يتلاءم ويتمشى مع متطلبات الحل الإسرائيلي (الشاروني) لقضية الصراع مع الفلسطينيين.

وبحسب بعض التفاصيل فإن "الخطة المنقحة" ستجزيء عملية فك الإرتباط والإنسحاب من قطاع غزة إلى أربع مراحل ستطرح كل منها على حدة على الحكومة الإسرائيلية للمصادقة عليها قبل تنفيذها بشكل متدرج بحيث يكون تنفيذ المرحلة الثانية مشروطًا بنجاح الأولى وهكذا على التوالي، وإيجاد آلية دولية واسعة تشمل "مرابطة قوة دولية قوية" تكون "شريكاً" مؤقتاً لإسرائيل لتشرف على مايجري في قطاع غزة بعد الإنسحاب وتساعد الفلسطينيين على إقامة مؤسسات الحكم لديهم وتتأكد من عدم استغلال "محافل إرهابية" للوضع الجديد في المنطقة، على أن تكون الولايات المتحدة العنصر الرئيسي في "القوة الدولية" إلى جانب تمثيل لأوروبا والأمم المتحدة و "دور مهم" لكل من مصر والأردن، بحيث تعمل كل هذه القوى مجتمعة على المساعدة في إيجاد "شريك معتدل" في الجانب الفلسطيني للتوصل إلى تسوية نهائية مع إسرائيل.

ويستدل من التفاصيل ان تنفيذ المراحل سيتم على النحو التالي:

· المرحلة الاولى: اخلاء اربع مستوطنات في قطاع غزة ( موراغ، كفار دروم، نتساريم، ومستوطنة اخرى) في غضون فترة تمتد من 7 الى 9 اشهر.

· المرحلة الثانية: بحلول نهاية العام 2005 يتم اخلاء اربع مستوطنات معزولة في شمال الضفة (غانيم، كديم، شانور، حومش).

· المرحلة الثالثة : اخلاء جميع مستوطنات "غوش قطيف" جنوب القطاع.

· المرحلة الرابعة : اخلاء ثلاث مستوطنات في شمال قطاع غزة (نيسانيت، دوغيت، ايلي سيناي).

ونقل عن شارون قوله "مصر والأردن والدول الأوروبية ستشارك في هذه الخطة... بغياب الشريك فإن علينا تنفيذ خطة أحادية تشمل الإنفصال عن غزة وعدد محدود من المستوطنات في السامرة (شمال الضفة الغربية)". وأضاف "الخطة ستشمل أيضاً التزاماً أميركياً بعدم فرض تحركات سياسية صعبة على إسرائيل وبياناً رئاسياً (أميركياً) فيما يتعلق بالحدود الدائمة ورفض حق العودة للفلسطينيين" وأشار إلى أنه سيعرض المبادىء العامة لخطته على الحكومة يوم الأحد المقبل للتصويت عليها.

صقور الليكود واليمين بالمرصاد

واستعداداً لهذا التصويت المرتقب شرع "وزراء الأطواق والفرملة" في حكومة شارون وصقور اليمين المتطرف في حزبه بتحركات مضادة لإجهاض تحرك شارون المنقح، إذ ذكرت الأنباء أن عشرة نواب من حزب الليكود (من أصل 40) والوزيرين بدون حقيبة عوزي لانداو وناتان شرانسكي أعلنوا عزمهم على استصدار قرار في الكتلة البرلمانية الأكبر في الكنيست يجمد أية عملية إخلاء لمستوطنات في قطاع غزة أو الضفة، قبل التوصل إلى "اتفاق سلام نهائي" مع الفلسطينيين.

إلى ذلك ذكر أن الوزيرين الأساسيين الأهم في حكومة شارون، بنيامين نتنياهو (المالية) وسيلفان شالوم (الخارجية) يسعيان بدورهما لوضع العصي في دولاب خطة شارون المعّدلة، إذ صرحا سلفاً بأنهما سيعارضان أية خطة تشمل تفكيك مستوطنات رئيسية في قطاع غزة أو الضفة الغربية.

وقالت صحيفة "هآرتس" في خبرها الرئيسي (أمس) الإثنين إن نتنياهو وشالوم لن يؤيدا خطة الإنفصال المرحلية التي سيقدمها شارون للحكومة، إذا طرحت للتصويت عليها الأحد المقبل "جملة واحدة"، وقال وزير الخارجية سيلفان شالوم لعدد من أعضاء الكنيست وأعضاء في مركز حزب الليكود الذين التقاهم في الأيام الأخيرة إن عرض الخطة بهذا الشكل يتناقض مع نتائج استفتاء الليكود ولذلك، أضاف شالوم مشدداً "يتعين على وزراء الليكود معارضة الخطة".

وأوضح نتنياهو في إشارة لموقفه أنه وبمقدار ما تكون الخطة التي سيعرضها شارون مشابهه لخطة الإنفصال التي رفضت في الإستفتاء، فسوف تزداد إحتمالية معارضته لها.

ويرجح المراقبون أن تنتهج وزيرة التعليم ليمور ليفنات (الوزير الرئيسي الثالث في الليكود) موقفاً مماثلاً لنتنياهو وشالوم، وثلاثتهم يتطلعون لمعركة خلافة شارون في الليكود.

وتعطي هذه المواقف تصوراً مسبقاً بشأن نتائج التصويت المرتقب على خطة شارون في الحكومة، يصب في إتجاه سقوطها في تصويت الحكومة، إذا طرحت الخطة بكاملها ككل لا يتجزأ.

وأعرب مسؤولون كبار في الليكود عن اعتقادهم أن شارون سيفضل عدم المجازفة وسيختار "حلاً وسطاً" بطرح المرحلة الأولى فقط من الخطة للتصويت، وتشمل هذه المرحلة إخلاء المستوطنات الصغيرة والمعزولة فقط في قطاع غزة.

ورأى مراقبون أن العقبة الرئيسية في طريق شارون تتمثل في كتلته البرلمانية التي اجتمع، الأحد، أكثر من عشرة من أعضائها بحضور 300 ناشط مركزي في حزب الليكود لتنسيق تحركهم لإفشال خطة شارون المنقحة.

الجيش يعارض "خطة المراحل"

من جهة أخرى أكدت تقارير صحافية إسرائيلية متطابقة أن خطة شارون المرحلية المعدّلة تواجه أيضاً معارضة قوية من جانب كبار جنرالات الجيش الإسرائيلي، مشيرة إلى أن "توتراً" قد نشأ بين المستوى العسكري والمستوى السياسي بقيادة شارون على هذه الخلفية.

وقالت التقارير إن خلافاً قد نشب بين شارون ومكتبه من جهة وبين القيادة العليا للجيش، حيث أعربت محافل رفيعة في الجيش عن تخوفها من أن تؤدي خطة الإنسحاب على مراحل إلى تصاعد عمليات المقاومة ضد قوات الإحتلال وقالت إن الجيش يفضل اتخاذ قرار شامل مسبقاً يتيح تنفيذ الإنسحاب من قطاع غزة دفعة واحدة وليس على مراحل.

وقالت "هآرتس" إن التوتر بين شارون وقادة المؤسسة الامنية بلغ ذروته خلال اجتماع تشاوري عقد أول من أمس جمع فيه شارون كبار قادة الجيش وأجهزة المخابرات، عندما خاطبهم شارون قائلاً: "أنا لا أطلب موافقتكم على خطة الإنفصال".

وذكر أن رئيس القسم السياسي - الأمني في وزارة الدفاع، الجنرال (احتياط) عاموس غلعاد، كان من ضمن العسكريين الذين عبروا عن تحفظهم من خطة شارون المرحلية.

وقالت صحيفة "هآرتس" إن شارون أسكت غلعاد وخاطب الحضور قائلاً: "لم آت لأسألكم اذا كنتم تؤيدون الخطة... لقد قررت، وهذه هي خطتي. كل ما أطلبه منكم هو إعطاء توصيات بشأن كيفية تنفيذها بشكل جيد من ناحية أمنية".

وشدد رئيس الأركان، موشيه يعلون، من جهته خلال الإجتماع، على أهمية إعطاء دور لمصر في الترتيبات الأمنية بقطاع غزة وفي منع تهريب الأسلحة إلى القطاع. ورأى رئيس جهاز المخابرات (الشاباك) آفي ديختر أن هناك فرقاً بين غزة والضفة مقترحاً "التركيز على الإنفصال عن قطاع غزة فقط" وتأجيل إخلاء مستوطنات صغيرة في شمال الضفة الغربية إلى مرحلة متأخرة.

المعارضة ستؤيد...

وفيما يبدو واضحاً أن شارون يواجه معارضة قوية لخطته المعّدلة داخل حكومته وحزبه وأركان جيشه، فقد رجح مراقبون ان يلقى شارون تعويضا يتيح له "خيارات اخرى" وذلك من خلال "شبكة الامان" المتوقع ان توفرها لخطته المعارضة "اليسارية" بقيادة حزب العمل، الذي رشحت اخيرا الكثير من الانباء حول مباحثات سرية حثيثة يجريها رئيسه شمعون بيريس مع شارون واركان مكتبه تمهيدا لاقامة "حكومة وحدة وطنية" تأخذ على عاتقها دفع خطة فك الارتباط قدما.

وذكرت تقارير صحافية ان لقاء سريا قد عقد نهاية الاسبوع الفائت في منزل بيريس حضره النائب البارز حاييم رامون واوري شاني المقرب من شارون. واوضحت ان هدف اللقاء كان بحث امكانية دخول حزب "العمل" الحكومة اذا انسحبت احزاب اليمين المتطرف منها.

غير ان امكانية الشراكة الجديدة بين "الزرزور والغراب" (بيريس وشارون) ستواجه على ما يبدو معارضين لها، لا سيما من صفوف حزب "العمل" نفسه اذ اعربت رئيسة كتلة الحزب في الكنيست، داليا ايتسك، عن غضبها الشديد ازاء "اللقاء السري" بين بيريس ومعاون شارون، وقالت ان ذلك يتعارض مع قرار الكتلة الذي اشترط اجراء اي مفاوضات حول الدخول لحكومة شارون بان تكون الخطة السياسية هي خطة فك الارتباط الاصلية ( الساقطة في استفتاء الليكود) وليس اية خطة اخرى معدلة، هذا فيما شرع معارضو بيريس، مثل بنيامين بن اليعيزر وابراهام بورغ وافرايم سنيه ومتان فيلنائي بتحرك يستهدف عقد اجتماع طارئ لمركز حزب "العمل" لاتخاذ قرار بتقديم موعد انتخاب رئيس جديد دائم للحزب.

ولخصت صحيفة "هآرتس" من جهتها الموقف برمته في تعليقها الافتتاحي امس (الاثنين) بقولها: "ان هروب (شارون) الى خطة بديلة لا تضمن انسحابا كاملا، وقد يستغرق تنفيذها سنوات، دون رؤيا سياسية في نهايتها، يمكن ان يرضي ربما المشتغلين في العمل الحزبي، لكن ذلك لن يلبي الحاجة الحيوية لتوفير حل حقيقي". وختمت الصحيفة قائلة: "ان تنفيذ خطة الانفصال باكملها، دون مراحل، وبسرعة هو الكفيل فقط بتقديم الدليل على ان شارون لا ينوي فقط عرض كلام فارغ للخروج من الورطة التي اقحم اسرائيل فيها، وانما القيام بدوره كزعيم".

ورأى المعلق السياسي في الصحيفة، عكيفا الدار، في مقال له ان احياء عملية السلام المنهارة لا يمكن ان يتحقق "الا بتغيير الانظمة الفاشلة"، على حد قوله، "في القدس الغربية ورام الله وواشنطن".