نفحة- السجن الأكثر تحصينًا للأسرى "الأمنيين" في اسرائيل

في تقرير إنفردت بنشره صحيفة "معاريف" (الجمعة 20/5) تناولت الصحفية حين كوتس- بار وبإسهاب قضية سجن "نفحة" المحتجز في داخله المئات، فقط من السجناء الفلسطينيين الأمنيين في البلاد. هذا السجن الذي شهد أحداثاً "مخلة بالنظام"، على حد قول المسئولين، في الآونة الأخيرة، كان أبرزها إختطاف ضابط على أيدي سجناء "أشبعوه ضرباً" كما جاء في التقرير، ورموه من بعدها خارج الزنزانة، قبل وصول "وحدة مسادا" التي تشكلت خصيصاً لقمع إرادة السجناء الأمنيين.

يعتبر "نفحة" سجناً محصنا، بل الأكثر تحصينًاً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. يقع على قمة مرتفع وسط رمال بيضاء وعلى بعد 15 كيلومتراً من "متسبي رامون" جنوبي البلاد، وعلى بعد ساعتين ونصف الساعة عن مدينة تل أبيب، ويقبع وراء قضبانه أكثر من 800 سجين أمني، تصفهم إسرائيل بأنهم "الأكثر خطورة"، وتعمل السلطات الإسرائيلية جاهدة ومن دون توقف على إبعاد سجن نفحة ومن فيه عن الأنظار وعن السكان. اما في داخله فلا تبدو الامور سهلة للسجناء، كل شيء هناك محصن، ساحة السجن مغطاة بسطح حديدي، شبابيك الغرف عالية ومحصنة بشبكة حديدية ومن وراءها حائط باطون يحجب المنظر الخارجي كليا عن السجناء، "خوفاً من دراستهم لإحداثيات المنطقة وبلورة خطة هروب"، كما جاء في التقرير.

صعوبة أخرى تشير اليها مصادر من مديرية السجون هي شبه انعدام وظائف للنساء في السجن: "لم يسمح في السنوات العشر الأخيرة بدخول الصحفيين، فكم بالحري دخول الصحفيات"، يقول احد المسئولين. ويضيف "لا توجد سجينات، ولا حتى سجاّنات. فالسجانات الوحيدات تعملن فقط في تفتيش الزائرات".

وعلى الرغم من كل هذه الأوضاع الصعبة، تقول كوتس- بار: "فلا أحد من السجناء يندم اليوم على فعلته". وقد إلتقت كوتس- بار قسماً منهم، ولم تخف ولو للحظة موقفها، وإستمرت بين السطر والآخر بوصفهم بـ "الوحوش" و "وجوه الشر"... الأمر الذي أكسب التحقيق صبغة إسرائيلية رسمية منحازة.

"نفحة" اليوم

يقبع الآن في سجن نفحة، بموجب ما يرد في التحقيق، ما يقارب الـ 800 سجين أمني، تمت محاكمة 520 منهم. 144 سجينا (من بين المحكومين) تلقوا أحكاماً مؤبدة، تتراوح بين 1 و 20 مؤبداً. وثمة فيه سجناء مشهورون سياسياً من أبرزهم سمير القنطار.

بني الجناحان الأساسيان لسجن نفحة عام 1980، وكان الهدف آنذاك إبعاد السجناء الأمنيين عن التجمعات السكانية، وبعد سبع سنوات، بني جناحان إضافيان. شهد عام بناء وتطويرنفحة "نقطة سوداء" في تاريخه بعدما إستغل سجينان أمنيان وضعية البناء والترميمات وفرّا هاربين الى منطقة بئر السبع القريبة، قبض عليهما بعد أيام على مقربة من قرى البدو المجاورة، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لم يشهد "نفحة" هروباً واحداً فقد أدخلت تعديلات إضافية وتشديدات صارمة لا يشهدها سجن من قبل، كان هدفها إبعاد خيار الهروب، من أهم تلك الخطوات، تفتيش الزنازين مرات عديدة خلال اليوم الواحد.

إزدادت الأحداث السياسية تفاقمًا وإزداد بالمقابل عدد الإعتقالات، الامر الذي دفع اسرائيل مؤخراً الى بناء خمسة أجنحة إضافية، يقسم كل واحد منها الى 12 زنزانة تضم كل منها عشرة سجناء.. يقسم السجناء حسب إنتمائهم الحزبي والحركي، ولكن لمدير عام السجن الحق في تغيير المعتاد وإصدار أوامر تقلب القواعد والقانون المتبع، فهو من يقرر.

لا يسمح للسجناء التحدث بالهاتف، كما لا يسمح لهم بالخروج الى عطلة خارج السجن، او العمل أو التجول خارج الزنزانة. يسمح لهم بالمراسلة مع أناس من خارج السجن، ولكن كل الرسائل تمر عن طريق جهاز الإستخبارات ويحذف من نصها ما لا يروق لهم. شهد سجن نفحة مؤخرا معارضة كبيرة، بعدما بني جدار زجاجي يفصل السجناء عن الزوار، وإحتجاجًا على ذلك لم يستقبل السجناء زواراً على الإطلاق، وإمتد هذا الاجراء في التسع شهور الماضية ، لم تحقق من خلاله اي نتائج تذكر، ومن المفروض وخلال هذه الايام ان تعود الزيارات، حسبما جاء في "معاريف".

تتم السيطرة على مداخل الزنازين والأقسام بواسطة اجهزة الكترونية وكاميرات نصبت خصيصاً تصور كل التحركات التي تدور في الممرات، يبدأ خروج السجناء الى ساحة السجن (الفورة) في الساعة السادسة صباحاً، وتخصص ساعة يومياً لكل سجين، يقضي السجناء جل وقتهم داخل الزنزانة. يطالعون الكتب، ويصلّون، يقرأون الصحف والكتب. ويصف أحد السجانين الوضع بأنه "هادئ".

لكل واحد من السجناء الجدد الذين لا يعرفون القراءة والكتابة معلم خصوصي (سجين). وغالبيتهم يتعلمون العبرية داخل السجن. يدرس اليوم ما يقارب الـ 40 سجيناً في الجامعة المفتوحة مواضيع أدبية وتاريخية (أهمها تاريخ اليهود وتاريخ أرض اسرائيل)، عن طريق المراسلة، لكل جناح في السجن مكتبة تضم عشرات الكتب الفكرية والسياسية. وثمة كتب مطلوبة، إذ يعتبر كتاب "النظام والسياسة" الإسرائيلي الصادر عن "الجامعة المفتوحة" من اكثر الكتب المطلوبة. تمنع إدارة السجن تعلم مواضيع الهندسة، الكيمياء، والفيزياء، لأغراض أمنية. ويقوم الكثير منهم بمتابعة الصحف اليومية ومتابعة الأحداث السياسية "لهدف تنظيمي".

في كل جناح يتواجد حلاق للشعر (سجين) لا يستعمل المقصات او الأدوات الحادة، كل عمله يرتكز على ماكنة كهربائية، الطعام يمرر من المطبخ المركزي الى باقي الأقسام، يديرالسجناء أنفسهم عن طريق لجان منتخبة، واللجان متعددة، منها التربوية، لجنة الطاعة، لجنة "العلاقات بين التنظيمات المختلفة"، لجنة المالية، ويمتاز سجن نفحة بالطاعة الداخلية والنظام الساري على كل جناح وجناح، فعلى سبيل المثال، يخلو سجن "نفحة" من السموم، ويتمتع السجناء بعلاقة طيبة فيما بينهم، فإذا كشف النقاب عن متعاون مع السلطات يعاقب على أيدي زملائه، منهم (المتعاونون) من كان يقتل داخل السجن وترمى جثته خارجاً. لكن في السنوات الثلاث الأخيرة لم يشهد السجن احداث قتل.

يهاجم التقرير في "معاريف" سجناء نفحة واصفاً السجن بـأنه "دفيئة للإرهاب"، ويضيف في تعقيبه المنحاز: "هنا يتعلمون طرقًا تطويرية للقتل، وفي اليوم الذي سيحررون فيه، سيكونون أقوى".

الحادثة "التي هزّت السجن"..

من الأحداث التي جعلت سجن نفحة "أكثر خطورة"، حسبما جاء في التحقيق، كان حادث إختطاف الضابط ميشر قبل عدة شهور. بدأت القصة بعدما تلقت "سلطة السجون" معلومات حول حيازة أحد السجناء سلاحًا داخل زنزانته. تقسمت المهمة بين وحدة "مسادا" ووحدات خاصة من سلطة السجون. "كنا ثمانية سجانين"، يقول ميشر من على صفحات "معاريف". ويتابع "علم السجناء اننا ننوي البحث عن أسلحة داخل الزنزانة، وقامت الدنيا، رموا علينا علباً فارغة، سكبوا الزيت على أرضية الزنزانة، وكذلك السكر، مواد التنظيف، الى حين قام أحد السجانين برش الغاز المسيل للدموع داخل الزنزانة، أصاب الغاز السجانين أيضا، لم اتمكن من مشاهدة شيء، فانقض السجناء عليّ. وفر السجانون خارجاً وبقيت أنا داخل الزنزانة، وحدي مع السجناء".

في هذه الأثناء امتدت القضية الى باقي أقسام السجن، وهب السجناء مرة واحدة. "إنهالوا علي بالضرب" يقول، ويضيف: "حاولت أقناعهم بأن ما يفعلونه ليس لصالحهم، لكن من دون فائدة". بعد ذلك قام السجناء بقذفه خارجاً وأغلقوا باب الزنزانة.

"لماذا لم تطلق النار؟"، سئل الضابط المخطوف، فأجاب: "كنت من دون سلاح، من دون خوذة، هذا جزء من رؤيتنا للعمل. فليس من المعقول التجول مع هذه الاجهزة كل النهار. ويجب ان نتذكر من السجانين ومن هم السجناء، ونحن أصحاب البيت وليس العكس". بعد تلك العملية بساعة قامت وحدة "مسادا" بالهجوم على الزنزانة، لاكمال المهمة، وجرح سبعة من أعضائها نتيجة العراك.

الناطق بإسم السجناء

لكل جسم سياسي في السجن ثمة من يتحدث بإسمه، هذه وظيفة رسمية داخل سجن "نفحة"، إذ تتم المصادقة على الناطق بإسم السجناء من قبل سلطة السجون. " توفيق ابو نعيم"، وهو كبير المتحدثين بإسم السجناء في سجن نفحة، متهم بقتل متعاونين مع السلطة الاسرائيلية. وصف ابو نعيم على صفحات "معاريف" بانه "إنسان هادئ يتحدث العبرية". دخل السجن عام 89، مع اندلاع الإنتفاضة الاولى وحكم بالسجن المؤبد إضافة الى عشرين عاماً. كان عضو الكنيست عبد المالك دهامشة محاميه في تلك الفترة.

انتخب ابو نعيم الى منصب المتحدث بإسم حماس عام 92 ، ومن بعدها الى منصب الناطق الرسمي بإسم كل سجناء نفحة، وهو يشغل هذا المنصب منذ خمسة اعوام.

يتجول المتحدثون بإسم السجناء بين الأقسام بحرية تامة ولكن يجب المصادقة على ذلك أيضا من سلطة السجون. "لوظيفة المتحدث بإسم السجناء معنى كبير جداً"، يقول أبو نعيم. ويضيف " يقوم هذا الشخص بنقل طلبات إدارة السجن الى السجناء وبالعكس".

يشدّد ابو نعيم على الثقافة داخل السجن، "يجب إعطاء السجناء تعليماً خاصاً". ويضيف "نحن نستوعب السجناء ونلائمهم لوضعية السجن، ونشرح لهم دائماً، اننا لسنا في حرب، نحن اليوم في السجن، فلا أحد يعرف ما هو السجن إلا عند دخوله، نحن نعيش مع السجانين، ويجب علينا أن نتفهمهم ويجب عليهم أيضاً ان يتفهمونا". جاء الحديث مع ابي نعيم بعد لقائه مع مدير جناح السجن في ظل التطورات التي شهدها نفحة. ويضيف أبو نعيم لصحيفة "معاريف": "ثمة خطأ شائع، يقولون إن للسجين الأمني لا يوجد ما يخسره، هذا ليس صحيحاً أبداً. للإنسان دائماً ما يخسره حتى ولو كان عارياً". وفي رد على سؤال ما إذا كان ثمة فرق بين سجناء الإنتفاضة الأولى والانتفاضة الثانية، رد أبو نعيم قائلاً: "طبعاً هناك فرق، من يصل اليوم الى السجن يعرف ما تعني الحرية، انا لا اعرف، حتى السلطة لم اعاصرها".

فيما يلي جدول بعدد السجناء والإنتماء الحزبي لكل واحد (المعطيات لسجن نفحة فقط وبحسب ما نشر في الصحيفة):

المتحدث بإسمهم
عدد السجناء
الانتماء الحزبي
ابو طير وتوفيق ابو نعيم
292
حماس
محمد ابو علي وجبر غبن
334
فتح
فؤاد العازم
98
الجهاد الاسلامي
لا يوجد
16
الجبهة الديمقراطية
وليد دقة
52
الجبهة الشعبية
---------
1
تحرير الجولان

الخوف من الإتصال بالعالم الخارجي

يتبين حسب التقرير ان سلطة السجون تتهم السجناء بأنهم يقومون بنقل معلومات من داخل السجن الى الخارج، عن طريق أوراق مكتوبة وهواتف خليوية، إذ يدعي الضابط المسئول عن المباحث في "نفحة"، صلاح جميل، من خلال التقرير، أنه في التسعة اشهر الماضية (التي لم يستقبل فيها زوار) كان من الصعب على السجناء إيصال معلومات الى خارج السجن. وقد شعرت إدارة السجن بخوف من الهواتف الخليوية، فقامت بتركيب أجهزة تحجب الإرسال كلياً عن الهواتف، الامر الذي منع الكثيرين من التحدث بالهواتف. يقول هذا الضابط إنه فقط في الفترة الأخيرة ضبط 65 هاتفاً خليوياً داخل السجون، كما ضبط 200 شاحن للهواتف، ويصف الضابط الهواتف "بأنها الأكثر تطوراً في السوق ويتم تهريبها بطريقة ذكية جداً".

على الرغم من الظروف الصعبة التي يعيشها السجناء داخل سجن نفحة، إلا أنهم مصممون على الطريق التي إتخذوها خطاً لهم، لا يندمون على شيء، ولا ينحنون من شيء (حسب ما ظهر من التقرير)، وتتعامل سلطة السجون معهم على انهم جسم سياسي قوي يسكن الكيان الإسرائيلي. تفاوضهم، وتخاف من غضبهم. وفي حديث أجراه التحقيق الصحفي مع السجين فتحي الخطيب (المتهم بتدبير التفجيرات في عيد الفصح العبري في نتانيا) قال: "انا لست نادماً على ما فعلت أبدًا. الحل الوحيد هو ان تخرجوا من أرضنا".

هذا، ويتناول التحقيق الصحفي القضية من جوانب عدة فقد قابل طبيب الاسنان الذي يعالج السجناء، وسأله: اليس من الصعب ان تعالج أناسًا مثل هؤلاء ؟ فأجاب الطبيب: " صعب، وماذا يهم؟ هل من الأسهل ان أعالج يغئال عمير (قاتل رئيس الوزراء إسحاق رابين)؟ بالطبع لا".