خطة شارون المنقّحة: قوة دولية في غزة "كشريك مؤقت" مع إسرائيل

في موازاة إمعان آلة الحرب الإسرائيلية دماراً وبطشا وقتلا في منطقة رفح الفلسطينية، ركزت وسائل الإعلام الاسرائيلية على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، أريئيل شارون، "يواصل مساعيه وجهوده الحثيثة" لإيجاد مخرج سياسي لائق من المستنقع الذي غرق فيه وقواته في قطاع غزة، محاولا ابتكار أفكار جديدة تمكنه من تجاوز نتائج استفتاء الليكود حول خطة فك الارتباط، تشجعه على ذلك الأغلبية الكبيرة من الإسرائيليين عموما، ومن "اليسار" خصوصا، الذين يؤيدون الانسحاب من غزة، وهو ما تجلى في استطلاعات الرأي الأخيرة، وفي التظاهرة الضخمة التي نظمها "اليسار" في تل أبيب السبت الماضي.


وتوقع المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، ان يقرر شارون اليوم ما إذا كان سيعرض خطة فك الارتباط المعدّلة على الحكومة، الأحد، للمصادقة عليها، على أن يقترح على وزرائه تقسيم الخطة إلى أجزاء والمصادقة على كل مرحلة منها قبل تنفيذها.

وكان شارون قد عرض خطته، بحسب بن، على وزرائه في الأيام الأخيرة ووعدهم بتعزيز "العناصر الأمنية" في الخطة. وأشار بن إلى وجود تباين في وجهات النظر بين مساعدي شارون من مسألة الإسراع في عرض الخطة، فالذين يؤيدون ذلك يعتقدون أنه من المناسب استغلال الأجواء العامة التي نجمت في أعقاب مقتل الجنود في قطاع غزة وعملية الجيش في رفح، والاستجابة لدعوات الخروج من غزة، خاصة وأن مكانة شارون لن تتعزز في حال انتظر أكثر، وأن عليه الاستجابة أيضا لضغوط رئيس حركة "شينوي"، وزير العدل يوسيف لبيد، لدفع الخطة بهدف تحقيق الاستقرار في الائتلاف الحكومي؛ وفي المقابل ثمة من يرى أن لا ضرورة للإسراع في ذلك.


وفي السياق نفسه، تناول المعلق السياسي في صحيفة "معاريف"، بن كسبيت، خطة شارون الجديدة المُنقحة، مشيرا إلى أنها ستكون متدرجة، يتم في مرحلتها الاولى إخلاء مستوطنتي نتساريم وكفاردروم وبعد ذلك يستمر إخلاء قطاع غزة بالتدريج، من الجنوب الى الشمال، وأغلب الظن يدور الحديث عن ثلاث مراحل في الاخلاء، يستوجب تنفيذ كل واحدة منها قرارا حكوميا وتكون مشروطة بنجاح سابقتها. أما إخلاء اربع مستوطنات في الضفة الغربية فسيؤجل في المرحلة الاولى الى موعد لاحق.


أما "الجديد المهم" في خطة شارون هذه، بحسب ما أشار إليه كسبيت، فهو "تبلور مفهوم أمني جديد" تقوده مستويات أمنية رفيعة، بمن فيهم كبار الجنرالات، محافل في الشاباك، ورئيس مجلس الأمن القومي غيورا آيلاند، يؤيد خلق جهاز دولي واسع يضم قوة دولية قوية، ليشكل "شريكا" مؤقتا مع اسرائيل، ويشرف على ما يجري في قطاع غزة بعد خروج اسرائيل، ويساعد الفلسطينيين على إقامة مؤسسات الحكم لديهم، ويتأكد جيدا ألا تأخذ "محافل ارهابية" القيادة في المنطقة وتستغل الوضع الجديد.

وبحسب كسبيت فإن القصة الحقيقية التي تجري الآن خلف الكواليس في المستويات الأمنية والسياسية الاسرائيلية هي إنضاج الوعي بأنه لما كانت فكرة الخروج المطلق من طرف واحد قد فشلت، فانه يجدر الفحص الجديد عن إمكان خلق شريك يتضمن قوة دولية قوية، ودور حقيقي للولايات المتحدة، واوروبا والامم المتحدة، وتدخل مادي هام من دول كمصر والاردن.
وإذ يشير كسبيت إلى أن مداولات سرية أولية في هذا الموضوع قد جرت، إلا أنه يشدد على ان الفكرة لم تصل بعد الى مرحلة الحسم السياسي وهي ستطرح قريبا على ما يبدو على طاولة شارون، واذا قرر بالإيجاب، فسيشكل الامر في رأيه " تغييرا دراماتيكيا للسياسة الاسرائيلية، التي رفضت حتى الآن رفضا باتا كل إمكانية لتدخل دولي في المناطق" الفلسطينية.


وثمة موضوع آخر يجري فحصه من قبل واضعي الخطة، بموجب الكاتب نفسه، هو: ما العمل بمنازل المستوطنات التي ستخلى (في حال تم ذلك). وهنا يذكر كسبيت أنهم في محيط شارون يبحثون الان في خيارين: ­الأول نقل الاملاك الى جهاز دولي يقام لهذا الغرض ويضمن السلامة والنقل المرتب للاملاك الى ايد فلسطينية (في الجيش الاسرائيلي اقترحوا في حينه اسكان لاجئين هدمت منازلهم هناك). أما الخيار الثاني الذي يجري فحصه الآن بجدية فهو هدم المنازل والاملاك من الاساس، على نمط يميت ( في سيناء)، منعا لمشاهد عسيرة تتمثل "برفع أعلام خضراء على الاسطح الحمراء"، كما يكتب.

وكان عوزي بنزيمن، المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، من أوائل الذين أشاروا في مقالة له (7/5/2004)، إلى أن النزعة السائدة في أجهزة الأمن الاسرائيلية ، عقب فشل شارون في إستفتاء "الليكود"، هي "العودة إلى طريق البحث" عما أسماه ب "الشريك المعتدل في الجانب الفلسطيني". وكتب في هذا الشأن ما يلي: "التحليل الذي أجري هناك (في أجهزة الأمن) يقول إن معارضة خطة فك الارتباط لم تنجم عن رفض الانسحاب من غزة ( هذا الرفض قائم بإصرار فقط لدى المستوطنين أنفسهم)، وإنما هي ناجمة عن استخلاص منتسبي الليكود ما مفاده أن الخطة لن تؤدي إلى وقف الإرهاب. وما يؤكدون عليه في أجهزة الأمن أن الطريق لتحسين المقابل لقاء الانسحاب يمرّ عبر إتفاق مع الفلسطينيين يشمل أيضًا إيقاف العمليات التفجيرية. غير أن ثمة عقبة جديدة وضعت في هذا الطريق وهي وعد بوش ورسالته إلى شارون في 14 نيسان/ أبريل. فأية قيادة فلسطينية (معتدلة) ستكون مستعدة الآن للتوصل إلى تسويات مع اسرائيل التي باتت تحتفظ في ملفاتها بموافقة أميركية على تعديلات حدودية وعلى رفض لحق العودة؟".