"قوس قزح" في مرآة الصحافة الاسرائيلية: "سور واق" مصغرة وعملية "استرداد الردع الاسرائيلي"

اختلفت الآراء الإسرائيلية حول توصيف هدف عملية "قوس قزح" العسكرية الوحشية المستمرة في مدينة رفح. وفيما اعتبرها بعض المعلقين الصحافيين عملية "سور واقٍ" مصغرة، رأى آخرون أنها عملية "استرداد للردع الإسرائيلي" بعد نسف حاملتي جند إسرائيليتين وبعد مقتل 13 جندياً في ثلاثة أيام.


ووصف رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الاسرائيلي، موشيه يعلون، العملية بأنها للقضاء على "بوابة الإرهاب التي تدخل منها الوسائل القتالية الكثيرة الى قطاع غزة"، وهو توصيف تبناه الكثير من المعلقين.


ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن يعلون قوله إن من مهمات هذه العملية القضاء "على أنفاق تهريب الأسلحة، ومحاولة اعتقال المهرّبين أو كل من هو متورط في هذا النشاط"، وان "الجيش يخطط للبقاء أكثر من يوم أو يومين".

وعقب وزير الدفاع الإسرائيلي، شاؤول موفاز، على العمليات العسكرية الإسرائيلية بقوله "انها غير محددة زمنياً، وجاءت نتيجة الأحداث الأخيرة في قطاع غزة، وسيتم تقويمها أمنياً وفق التطورات الميدانية في الأيام المقبلة".


لكن عمير رببورت، المراسل العسكري في صحيفة "معاريف"، قال إن الهدف ليس فقط توسيع السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا، حيث أن الجيش الإسرائيلي توصل الى الاستنتاج بأن السيطرة على محور فيلادلفيا لا تكفي لوقف تهريب الأسلحة عن طريق الأنفاق في رفح، ولذلك يتوجب عزل كل رفح عن بقية قطاع غزة، بواسطة نشر قوات كبيرة شمالي المدينة، وهذه المرحلة من العملية "أكملت بنجاح أمس" (الثلاثاء)، على حد تعبيره.


أما المرحلة التالية، التي لا تزال في بدايتها، فهي السيطرة التدريجية على رفح المعزولة مثلما جرى بنجاح في مدن الضفة الغربية في عملية "السور الواقي".


واعتبر الكاتب ان "الجيش الإسرائيلي يسعى أيضاً في عملية "قوس قزح" الى ترميم جزء من كفاءة الردع لدى الجيش الإسرائيلي، التي تضررت كثيراً في الأسبوع الماضي".
وحدد زئيف شيفن المعلق العسكري في "هآرتس"، هدفين مركزيين للجيش الإسرائيلي في رفح هما بناء حاجز ولو موقتاً، يمنع نشر الأسلحة التي هُرّبت عن طريق الأنفاق التي حفرت تحت محور فيلادلفيا، واعتقال مقاومين وخبراء بحفر الأنفاق.
وقال شيف إن الأسلحة التي جرى تهريبها تشمل عدداً كبيراً من صواريخ آر.بي.جي ورشاشات كلاشنكوف وذخائر وكميات كبيرة من المواد المتفجرة. وأضاف أن جزءًا كبيراً من الأسلحة والذخائر وصل الى شواطئ سيناء بسفن شراعية قدمت من لبنان، ومن هناك نقلت الى رفح المصرية، حيث يتم تهريبها الى الجانب الآخر من الحدود. وحذر من إمكانية أن تتحول العملية الى ملاحقة للمطلوبين في أزقة رفح، الأمر الذي سيتطلب قوات كثيرة وسيطوّل أمد العملية.


ولم تحدد أي جهة رسمية أو صحافية، المدى الزمني لعملية "قوس قزح"، وكل ما قاله وزير الدفاع عن توقيتها هو أن "عملية رفح غير محددة زمنياً". لكن زئيف شيف أشار الى أن المطلوبين يقيمون في أماكن مخفية، وهذا هو السبب الذي من أجله لم يتحدد سلفاً كم من الوقت ستستمر العملية.

وحسب المعلقين الإسرائيليين فإن المخططين للعملية يعتقدون أن شرعيتها من الناحية الداخلية تتركز في عدم وقوع إصابات وقتلى مثلما أن شرعيتها من الناحية الدولية تتمثل في تجنب حدوث كارثة إنسانية.
ولهذا السبب يركز الجيش الإسرائيلي حاليا في حركته على محاولة تجنب ظهور المزيد من صور البيوت المهدمة. ويعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أن الهدف ليس هدم البيوت وإنما وضع اليد على جماعات المهربين ممن يديرون الأنفاق بين رفح ومصر والمقاومين. وفي هذا السياق سربت المصادر العسكرية الإسرائيلية أنباء مفادها أن واحدا من بين دوافع هذه الحملة يتمثل في وجود شحنة من صواريخ كاتيوشا من عيار 107 ملم على الجانب المصري من الحدود وأن الأجهزة المصرية عجزت عن العثور عليها. ولذلك تسعى القوات الإسرائيلية لمنع وصولها إلى القطاع بأي ثمن.
غير أن هذا النبأ يقع في الغالب في إطار التعبئة الإعلامية الرامية إلى منع الانتقادات الداخلية والخارجية نظرا لصعوبة تهريب مثل هذه الصواريخ عبر الأنفاق. ومع ذلك فإن النبأ ضروري لإفهام الإسرائيليين أن المعركة في رفح خصوصا وغزة عموما لا تدور من أجل المستوطنين وإنما من أجل إسرائيل. وهذا ما ينسجم مع المحظور الثاني في الأداء العسكري الإسرائيلي وهو التحرك بحذر لمنع وقوع خسائر في صفوف قواته. ولذلك تتحرك الدبابات والمدرعات شديدة التحصين في المحاور الأضعف وتحت إسناد جوي مكثف. وهي، وحسب الدلائل الأولى، عملية تدرجية ستبلغ نهايتها في السيطرة على باقي مناطق المخيم وهدم البيوت الواقعة على مسافة قريبة من محور فيلادلفيا.
ويسعى الجيش الإسرائيلي، كما ذكرنا، إلى تحقيق عدد من الاهداف من وراء هذه الحملة التي ذكّرت الكثيرين بالحملة على مخيم جنين. وفي مقدمة هذه الأهداف إعادة الثقة بالذات ليس فقط للجنود وإنما كذلك للقادة الميدانيين بعد الضربات التي تلقوها في الزيتون ورفح. وهنا لا بد من الإشارة إلى حقيقة أن العملية العسكرية الجارية لم تعد عملية خاضعة لإمرة قيادة قطاع غزة في الجيش الإسرائيلي وإنما لإمرة الأركان مباشرة. وكان رئيس أركان الجيش موشيه يعلون قد أعلن، في خطوة لافتة، أن نقل متفجرات في مدرعات بات محظورا إلا بأمر شخصي منه، وهذا يدل على المستوى الذي بات يتدخل فيه رئيس الأركان في هذه المعركة.

ويضاف إلى ذلك توجيه ضربة مادية ومعنوية شديدة للمقاومة في غزة وإعادة المقاومين إلى دائرة الاختفاء والخوف بدلا من النشوة التي أصابتهم إثر النجاحات الأخيرة. وهذا يندرج كذلك في إطار المساعي الرامية إلى إقناع الإسرائيليين بضرورة تنفيذ خطة الفصل. فكلما بدا الجيش الإسرائيلي وهو يستخدم دروعه وهراواته بشدة أكبر كلما تقبل اليمين الخطة السياسية لأريئيل شارون. ورغم ذلك فإن أكثر المعلقين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين تفاؤلا يعتقدون أن هذه الحملة هي مجرد واحدة من حملات عديدة سبق وحملت أسماء مثل "الحل الحاسم" و"العلاج الجذري" و"الحساب المتواصل" ولم تكن في جوهرها أكثر من عمل تكتيكي لكسب الوقت. غير أن معركة رفح الجارية والتي ثمة من يحاول تسميتها ب"السور الواقي" الصغير هي أيضًا أكثر المعارك الإسرائيلية استخداما للحرب النفسية.