إستطلاع أكاديمي جديد يؤكد تشدّد الاسرائيليين وازدياد اغتراب المواطنين العرب

كتب وديع عواودة:

ضمن يوم دراسي نظمته جامعة حيفا، الخميس، حول "مؤشر العلاقات بين المواطنين اليهود والعرب في اسرائيل" كشف استاذ علم الاجتماع الاسرائيلي، البروفيسور سامي سموحة، عن نتائج استطلاع رأي علمي جديد يظهر تورط الاسرائيليين بالمزيد من التطرف السياسي والانغلاق ويدلل على ازدياد الهوة بين فلسطينيي الداخل وبين "الدولة العبرية" وازدياد شعورهم بالاغتراب. ومن أبرز نتائج الاستطلاع، الذي أجري في شهري ايلول وتشرين الأول (سبتمبر وأكتوبر) العام الماضي وشمل 700 مستجوب اسرائيلي( لم يشمل المستوطنين ) و 700 مستجوب عربي (تم وجها لوجه ولم يشمل القدس المحتلة)، تأكيد 70% من المواطنين اليهود رفضهم لاقامة مواطن عربي في احيائهم وامتناع 73.9 % منهم عن دخول المجمعات السكنية العربية، وخوف 74.5% منهم من تزايد نسبة التكاثر الطبيعي للعرب، وخوف 84.9% منهم من قيام المواطنين العرب بدعم الشعب الفلسطيني، وخوف 77.3% منهم من نشوب انتفاضة شعبية عربية داخل اسرائيل. كما أكد 80.7% من المستجوبين اليهود تأييدهم لاخراج الحركة الاسلامية من نطاق القانون و60% منهم يؤيدون اخراج الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة عن القانون. ويبين الاستطلاع ان 73% من المواطنين الاسرائيليين يعتبرون ان الفلسطينيين وحدهم يتحملون مسؤولية النكبة عام 48 ، كما أكد 96.2% منهم على رغبتهم بالحفاظ على الاغلبية اليهودية في الدولة وعلى حق العودة لليهود فقط. في المقابل قال 72% منهم انهم مؤيدون لفكرة دولتين لشعبين واكدوا بالنسبة ذاتها ان الحضارة العربية ذات قيمة ويمكن التعلم منها كثيرا.

واظهر الاستطلاع ايضا ان 88.9% من المستجوبين العرب يوافقون على اقامة تنظيمات سياسية وأهلية مشتركة للعرب واليهود ، وأيد 67.5 % منهم سكن المواطنين العرب في أحياء يهودية، وقال 35.8% منهم انه تربطهم علاقات صداقة مع مواطنين يهود، وأعرب 55.8 % منهم عن عدم امكانية ايلاء الثقة بالاغلبية اليهودية و78% منهم يعارضون الهوية الصهيونية للدولة لكن 55% منهم يقبلونها كدولة تعرّف ذاتها كدولة يهودية ديموقراطية فيما أعرب 55.4% عن خشيتهم من مخططات الترانسفير.

في حديث ل"المشهد الاسرائيلي" حول استنتاجاته الاساسية من نتائج الاستطلاع قال البروفيسور سموحة: "اولا الصورة مركبة وهي تحتوي على عناصر ايجابية واخرى سلبية وان كانت الاولى اكثر بروزا سيما اذا اخذنا بالحسبان توقعاتنا السلبية المسبقة في ضوء الواقع الصعب الذي يعيشه الشعبان. وخلافا لما يبدو للبعض فان المواطنين العرب لا يشهدون اليوم حالة من التطرف فهم يرون انفسهم مواطنين يعيشون في الدولة وغير مستعدين للانتقال الى فلسطين او دولة اخرى مثلما انهم يرون الايجابيات مقابل الامور السلبية". وبالنسبة للمواطنين اليهود زاد سموحة "لم يتحول الاسرائيليون الى مجتمع اكثر تطرفا لكنهم باتوا يبدون مواقف متشددة تجاه العرب منذ اندلاع انتفاضة الاقصى ومع ذلك فان اغلبيتهم صارت تؤيد دولة فلسطينية الى جانب الدولة اليهودية وتنظر بعين الرضى والتقدير للحضارة العربية"، على حد تقديره.

في مداخلته أبدى البروفيسور ماجد الحاج، رئيس مركز التعددية الحضارية والدراسات التربوية في جامعة حيفا، بعض التحفظ من تفاؤل بروفيسور سموحة من نتائج الاستطلاع لافتا الى ان المواطنين العرب ارادوا بعد اتفاقيات اوسلو ممارسة اسرائيليتهم فمنحوا شمعون بيريس وايهود براك اكثر من 90% من اصواتهم في الانتخابات العامة وذلك في محاولة للتأثير على ما يدور ولأن يكونوا جزءا من الدولة، غير ان هذه الأخيرة سرعان ما برهنت لهم انها دولة الجميع عدا العرب. وزاد الحاج " في سياق الصراع مع الشعب الفلسطيني يبدي الاسرائيليون في السنوات الاخيرة انفتاحا تجاه الآخر وهذا ينعكس بتأييد اوساط اليسار واليمين للتسوية التاريخية ولكنهم بنفس الوقت يبدون انغلاقا تجاه الداخل في تعاملهم مع المواطنين العرب. هذا الى جانب ظاهرة زحف الترانسفير للمواطنين العرب ولمواطنتهم، واشتراط المساواة باداء الخدمة العسكرية وازدياد الحديث عن التبادل السكاني دون مشاورتهم وكل ذلك فاقم من الشعور بالاغتراب وادى للانعزالية".

ونوه الحاج الى ضرورة النظر الى واقع العلاقات العربية اليهودية عبر النظرة المتعددة الثقافات لانه لا يجوز رؤية كل واحد من الجانبين كمجموعة متجانسة والتنبه الى وجود قضايا مختلفة تؤثر على علاقات الشعبين غير المحكومة بالبعد القومي. ودعا الحاج الى الاهتمام بالواقع المعاش للعرب قبل بحث التعايش مع اليهود مشيرا الى الحاجة لاضافة معايير موضوعية لا ذاتية فحسب في الاستطلاعات القادمة. واختتم الحاج مداخلته باستذكار قول للدكتور الراحل سامي مرعي حول العلاقات بين العرب واليهود عندما قال " هناك اقلية تعيش بعقلية الاغلبية ضمن اغلبية تعيش بعقلية الاقلية".

البروفيسور دافيد نحمياس، من المعهد الاسرائيلي للديموقراطية، ركز في محاضرته على الفوضى والجهل العام اللذين يميزان عمل مؤسسات الدولة في كافة المجالات لا في سياق العلاقات العربية اليهودية فحسب، لافتا الى ان 85% من قرارات حكومات اسرائيل تبقى حبرا على ورق والى اجتياح الافكار المسبقة واخطاء التعميم للمجتمع الاسرائيلي علاوة على الازمة الكبيرة الملازمة ل" دولة الرفاه " اليوم وعلى المخاطر المحدقة بالديموقراطية التي تنعكس جيدا في عدم ثقة المواطنين بالاحزاب والقيادات .

وضمن الندوة حول "استراتيجيات لتغيير العلاقات بين العرب واليهود في اسرائيل" قال الاب الياس شقور، رئيس كلية عبلين، في مداخلة بعنوان "تغيير العلاقات عبر المصالحة" ان اللهاث وراء السلام والامن لن يكون مجديا اذا لم يتحقق العدل اول،ا داعيا الاسرائيليين الى ادراك الحقيقة بأن غيرهم ايضا ينتمي لهذه البلاد التي يجب ان ينتمي الجميع لها بدلا من ان تتبع لجهة دون الاخرى.

اما الدكتورة يفعات معوز، من قسم الاتصالات في الجامعة العبرية في القدس، فقدمت مداخلة بعنوان " تغيير العلاقات عبر لقاءات بين العرب واليهود " اكدت فيها على أهمية اللقاءات المتواصلة بالمستويين العام والفردي المستندة الى الندية والتعاون والتجربة المشتركة مشيرة الى ان 15% فقط من الاسرائيليين طبقا لابحاثها يشاركون في لقاءات مع عرب.

الدكتور أسعد غانم، الذي قدم مداخلة بعنوان "تغيير العلاقات عبر النضال السياسي"، شكك في جدوى كافة الوسائل المطروحة مؤكدا على حيوية النضال السياسي وعلى المشاركة بدلا من الاستعلائية كطريق للتعاون والتقارب. واستهل غانم اقواله بالتأكيد على ان اليهود هم مجتمع من المهاجرين وجزء من حركة كولونيالية، تبلور كشعب قبل مدة وجيزة مقابل كون المواطنين العرب السكان الاصليين للبلاد لافتا الى ضرورة قيام التعايش على أساس هذه الحقيقة والى ان المساواة والديموقراطية هما الاساس له وان ذلك يجسد التسوية التاريخية . وفي معرض استعراضه لمسيرة المواطنين العرب في الدولة العبرية اعتبر انتفاضة الاقصى نتيجة لتوصلهم الى استنتاج باستحالة المساواة في اسرائيل اضافة لليأس الذي اصاب المواطنين العرب من قياداتهم وعندها خرجوا للشوارع. وهاجم غانم الهوية الديموقراطية المزعومة لاسرائيل قائلا ان هناك " اثنوقراطية " في ظل وجود سياسة لتكريس الفجوة بين اليهود والعرب واستمرار الانتماء العرقي، لا المواطنة، مفتاحا لتوزيع الموارد . وقلل غانم من اهمية التربية ومن دور المجتمع المدني في احداث التغيير بالعلاقات بين اليهود والعرب معتبرا ان الادوات السياسية فقط هي القادرة على ذلك وان كان الامر بطيئا وضمن مسيرة طويلة كما جرى للفرنسيين في اقليم "كيبيك" في كندا . كما نوه غانم الى وجود ازمة قيادة لدى المواطنين العرب داعيا اياهم الى اجتراح التغيير الداخلي لديهم قبيل محاولة تغيير طبيعة العلاقات مع اليهود مشيرا الى اهمية تجنيد قطاعات من اليهود الى جانبهم.

اما الدكتورة فريما الباز، من كلية التربية في جامعة حيفا، فدعت الى تغيير واقع العلاقات بين اليهود والعرب في اسرائيل "بواسطة القصة الشخصية التي تواجه الافكار المقولبة، وبالضحك الذي يطهر الانسان من الجمود ويقوي جديته"، على حد تعبيرها.

وضمن الجلسة الاخيرة الخاصة ب"وجهة نظر القيادات" تحدث الوزيرغدعون عزرا عن اهمية ما اسماه ب"الخدمة الاهلية للمواطنين العرب" على طريق تحقيق مساواتهم مشددا على اهمية حل مشاكل البدو في النقب. أما رئيس المجلس المحلي "جلبوع"، داني عطار، فقدم ادارته للمجلس الاقليمي الذي يقدم خدمات لسكان يهود وعرب نموذجا لبناء العلاقات السليمة بين الشعبين مؤكدا على اهمية التعامل مع المواطن العربي كمواطن عادي وحذر من تخصيص موارد خاصة للعرب. النائب عمرام متسناع، من "العمل"، قدم هو الاخر ادارته لبلدية حيفا نموذجا ناجحا للتعايش مشددا على انه لا يرى اي خطأ بالتعامل مع المواطنين العرب كفلسطينيين في اسرائيل من حقهم بناء علاقة مع الشعب الفلسطيني ومع دولته عند اقامتها محذرا الشعبين من البحث عن العدالة المطلقة في الطريق الى الحل السلمي.

في محاضرته حول علاقات العرب واليهود في اسرائيل اكد النائب عزمي بشارة على الطبيعة العنصرية لاسرائيل لافتا الى انها الدولة الوحيدة في العالم التي تمنح المواطنة استنادا الى تعريفات وأحكام الشريعة الدينية – اليهودية- اما المواطنون العرب فقد حصلوا على مواطنتهم بحكم الصدفة ولبقائهم على الارض . وشدّد بشارة على البعد الشاسع الفاصل بين اسرائيل وبين حقيقة الدولة الديموقراطية الليبرالية لكونها تعنى بالمجموع لا بالفرد ولانها تعتمد نظام التمييز بين مواطنيها على خلفية قومية مشيرا الى رفض المواطنين العرب ممارساتها للضغوطات المختلفة عليهم لدفعهم لحسم موقفهم من الصراع بين شعبهم وبين الدولة التي يعيشون فيها لصالح الاخيرة. وزاد " لسنا اقلية قومية هاجرت الى اسرائيل، كما فعل المواطنون من المكسيك في امريكا الذين يطمعون بالامتيازات والخدمات ويتهربون من الواجبات او الاتراك في المانيا لاننا السكان الاصليون وفلسطينيون ابناء فلسطينيين ولاجداد فلسطينيين ولا نشعر اننا اقلية قي بلدنا. ولذلك نحن نرفض التدخل في هويتنا الثقافية والوطنية مثلما لا نتدخل في هويتكم. نحن ولدنا هنا ولم نحل ضيوفا على احد ولسنا كالسود في امريكا الذين ناضلوا ولا يزالون للاندماج في المجتمع الاميركي".

وردا على زعم الوزيرغدعون عزرا بأن "الخدمة المدنية" هي الطريق للحصول على المساواة أكد بشارة رفض كل مشاريع "الخدمة الوطنية" لافتا الى ان المواطنين العرب الدروز خدموا في الجيش لكن اسرائيل ظلت تميز ضدهم ولم تعرف نفسها بأنها "دولة كل جنودها او مواطنيها" مثلا.