حول أداء الاستخبارات الإسرائيلية خلال الحرب على العراق: الحيثيات،الاستنتاجات،التوصيات

اتهمت لجنة برلمانية إسرائيلية، في تقرير نشرت أجزاء منه يوم أمس الأول (الأحد)، مجتمع الاستخبارات في إسرائيل بالفشل في جمع المعلومات عن أسلحة العراق وليبيا. ووفقاً للتقرير الذي أعدته لجنة فرعية منبثقة عن لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، فقد بالغت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في تضخيم قدرات العراق واستعداده لاستخدام أسلحته، ودفعت بالمسؤولين الإسرائيليين، استناداً إلى تخمينات وليس حقائق، إلى اتخاذ خطوات مكلفة وغير ضرورية لحماية الجمهور الإسرائيلي قبل وأثناء الحرب الأمريكية البريطانية على العراق.

ووجه تقرير اللجنة، التي كلفت في البداية بالتحقق حول ما إذا كانت معلومات الأجهزة الاستخبارية حول قدرات العراق العسكرية مضللة أو خاطئة قبل غزو العراق في آذار من العام الماضي، انتقادات شديدة للمجتمع الاستخباري الإسرائيلي لفشله في اكتشاف برامج الأسلحة الكيماوية والنووية الليبية واصفاً هذا الفشل بأنه "مقلق".

غير أن القسم العلني من تقرير هذه اللجنة، التي أمضت نحو ثمانية أشهر في دراسة أداء الأجهزة الإستخبارية حول العراق مستندة إلى شهادات خلف أبواب مغلقة من نحو سبعين شاهداً بينهم رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ورؤساء أجهزة الموساد والأمن الداخلي (الشاباك) والاستخبارات العسكرية (أمان)، لم يتضمن توصيات واستنتاجات شخصية بحق أي من المسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم مسؤولو أجهزة الاستخبارات التي وجهت إليها اللجنة انتقادات واتهامات مباشرة بالتقصير والإخفاق والفشل في أداء مهامها وواجباتها في هذا الصدد.

هذا فيما أكد مراقبون ومعلقون إسرائيليون على "خطورة" الاستنتاجات التي توصلت إليها اللجنة البرلمانية، لكنهم انتقدوا من جهة أخرى خلو التقرير من "توصيات شخصية" وشككوا في الوقت ذاته في إمكانية استخلاص العبر المطلوبة ووضعها موضع التنفيذ العملي من جانب الجهات والهيئات الإسرائيلية المعنية التي تعاني، حسب هؤلاء المراقبين، في أدائها وهياكلها البنيوية من ترهل وفوضى وجمود في التفكير والمفاهيم.

إستنتاجات وتوصيات:

وفيما يلي أهم الاستنتاجات والتوصيات التي توصلت لها اللجنة البرلمانية التي ترأسها عضو الكنيست يوفال شتاينتس (ليكود)، وذلك حسبما نشرتها الصحف الإسرائيلية الصادرة أمس (الإثنين).

· إستنتاجات:

لم تقدم أجهزة الإستخبارات معلومات وتقديرات قاطعة بشأن وجود قدرات غير تقليدية أو صواريخ أرض- أرض لدى العراق.

· مستوى التغطية ونوعية المعلومات لدى أجهزة الإستخبارات كانا متدنيين بشكل ملموس عما خلقته تقارير هيئة الإستخبارات العسكرية من انطباع.

· لوحظ أنه كانت هناك فجوة بين تقديرات الإستخبارات العسكرية ودرجة الثقة بالنفس التي أبداها رؤساء الهيئة فيما يتعلق بالتقديرات التي قدموها قبل الحرب وبين حديثهم وتصريحاتهم بعد الحرب.

· حالة الإستنفار في إسرائيل لم ترفع حتى بعد ما أصبح الجيش العراقي محاصراً ومشلولاً بشكل تام.

· دروس الحرب تشكل إشارة تحذير من مغبة تحول تقويم الإستخبارات من أداة عمل إلى أداة عقيمة لا جدوى منها.

· عدم قدرة الأجهزة الإستخبارية على رصد برامج التسلح الليبية يمثل فشلاً استخبارياً خطيراً لا يحتمل.

توصيات:

· على أقسام البحث وخاصة وحدة البحث في هيئة الإستخبارات العسكرية إجراء مراجعة وتقويم لوضعها وأدائها وطرق عملها.

· ينبغي إجراء إصلاحات في بنية وهياكل مجتمع الإستخبارات في إسرائيل بغية زيادة نجاعة السيطرة والرقابة على مبنى القوة وطريقة عمل الأجهزة الإستخبارية.

· إخراج وحدة التنصت (8200) من هيئة الإستخبارات العسكرية وتحويلها إلى وكالة قومية – مدنية تعمل كهيئة استخبارية مستقلة، وتتولى تنسيق معظم النشاطات الإستخبارية في المجال العسكري وفي ميدان الإرهاب والسلاح غير التقليدي.

· تسريع وتيرة تطوير نظام أقمار التجسس.

· سن "قانون الإستخبارات" الذي يضع الأرضية القانونية والدستورية لأنشطة أجهزة الإستخبارات، ويضبط وينظم بنيتها وتوزيع الأدوار والمهام والمسؤوليات فيما بينها.

· تشكيل لجنة وزارية خاصة لشؤون الإستخبارات (بصيغة مشابهة للجنة الوزارية لشؤون جهاز الأمن الداخلي "الشاباك") تناط بها مهمة توجيه أجهزة الإستخبارات وممارسة السيطرة والرقابة السياسية على نشاطات هذه الأجهزة.

· تعيين سكرتير لشؤون الإستخبارات لرئيس الحكومة بمكانة مماثلة للسكرتير العسكري.

صورة قاتمة ولكن ...

بالرغم عن "التقصيرات الخطيرة" والصورة القاتمة التي أماط القسم العلني من التقرير المكون من 80 صفحة، النقاب عنها، إلاّ أن غالبية أعضاء اللجنة البرلمانية، باستثناء عضو الكنيست حاييم رامون (عمل) توصلوا إلى استنتاج مؤداه أن "التقديرات الخاطئة تقع في خانة الأخطاء التي لاتخرج عن نطاق المعقول والعمل المهني".

ومع أن رئيس اللجنة شتاينتس وصف فشل أجهزة الإستخبارات في اكتشاف برنامج الأسلحة الليبية بأنه "لا يحتمل" إلاّ أنه عاد ولخص موقفه من المسألة بلهجة تساؤل أكثر منها انتقاد و "تحميل مسؤوليات" حيث قال: "لماذا لم ننجح في وضع إطار استخباري واسع وعميق لنتمكن من الإعتماد على التقارير وليس على التكهنات والإفتراضات؟ وهذه هي المسألة المركزية".

وكان الجيش الإسرائيلي قد اصدر، بناء على تلك "التقديرات الخاطئة" أثناء الحرب على العراق، تعليمات للسكان بفتح الأقنعة الواقية من الغازات وحملها معهم بصورة دائمة، وهي خطوة كلفت إسرائيل ملايين الدولارات وسببت ضرراً اقتصادياً كبيراً وذعراً لا ضرورة له.

وعندما سئل رئيس اللجنة شتاينتس عن أسباب الهوة بين خطورة الإستنتاجات والوقائع التي كشفها التقرير وبين ضعف بل غياب الإستخلاصات الشخصية أجاب قائلاً: "لقد رأينا أن توجيه النقد الجوهري شيء بنّاء أكثر من الإندفاع نحو توجيه إتهامات واستخلاص استنتاجات شخصية... فأكثر الناس خبرة وكفاءة يمكن أن يخطئوا أيضاً".

وقد خلا التقرير تقريباً من أية انتقادات للمستوى السياسي (للحكومة) ما عدا في مجال الدعاية وتزويد الجمهور بالمعلومات الملائمة.

عضو اللجنة حاييم رامون، كان الوحيد الذي وجه أصابع اتهام للحكومة وقال: إن "قرارات الحكومة بشأن الإستعداد لحماية الجبهة الداخلية لم تكن متناسبة أبداً مع درجة التهديد ... وقد كان القرار بشأن فتح الأقنعة الواقية والذي كلّف الدولة عشرات وربما مئات ملايين الدولارات، تعبيراً عن سياسة الحذر المبالغ فيها".

وأشار رامون إلى خطورة فشل أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية في رصد برامج الأسلحة الليبية غير التقليدية بقوله إن "أكبر فشل من جانب الموساد هذه المرة هو أننا لم نعلم شيئاً حول تطوير برنامج الأسلحة النووية في ليبيا والذي كان قد قطع شوطاً متقدماً".

ولم تعلم الإستخبارات الإسرائيلية بوجود هذا البرنامج إلاّ بعدما أعلنت ليبيا في كانون أول الماضي عن نيّتها نزع أسلحتها غير التقليدية.

"جمود فكري" و "صراعات قوى" و "هالة" مضخمة !

ولخص عدد من المراقبين والمعلقين الإسرائيليين بهذه العناوين تقريباً وجهات نظرهم في معرض تناولهم بالتعليق والتحليل لما تضمنه تقرير اللجنة البرلمانية حول أداء الإستخبارات الإسرائيلية في فترة الحرب على العراق.

وقد كتب زئيف شيف في تعليقه المنشور في صحيفة "هآرتس": بعد 30 عاماً من حرب يوم الغفران (1973) وبعد نشر تقرير لجنة "أغرنات" التي حققت في تلك الحرب، ها هي لجنة التحقيق الحالية تخرج علينا باستنتاجات معاكسة تماماً... فبعد حرب "يوم الغفران" اتهمت الإستخبارات الإسرائيلية بـ "التقصير" بدعوى أنها بالغت في الثقة بنفسها، حيث علمت الكثير لكنها استهانت بالقدرة العسكرية لمصر وسوريا وبالتالي ضللت المستوى السياسي والجمهور في إسرائيل.

الآن، تابع شيف، تقول لجنة التحقيق الحالية بأن الإستخبارات الإسرائيلية لم تمتلك معلومات كافية ولكنها مع ذلك بالغت في قدرات العراق العسكرية ولم تقل للمستوى السياسي بأنه يمكن تحمل المخاطرة متسببة بأضرار مادية جسيمة لإسرائيل تقدر بمئات ملايين الدولارات.

واستطرد شيف، منتقداً تهاون لجنة التحقيق في ما خلصت إليه من استنتاجات وتوصيات: حسب تقرير لجنة التحقيق الذي نشر لم يكن هناك تقصير استخباراتي من جانب مجتمع الاستخبارات في إسرائيل بشأن الحرب المتوقعة في العراق، وإنما كانت هناك فقط عدة أخطاء وإخفاقات "وقعت سهواً".

في المقابل تؤكد اللجنة على حصول فشل وتقصير خطيرين في عمل أجهزة الإستخبارات إزاء كل ما يتعلق ببرنامج تطوير السلاح النووي في ليبيا، محملة جهاز "الموساد" الجانب الأكبر من هذا الفشل، بكونه المسؤول عن التصدي الإستخباري لمسألة الأسلحة الذرية وعن استخدام وتفعيل عناصر التجسس.

من جهتة عزا عميت كوهين في تعليق له بصحيفة "معاريف" إخفاقات أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية إلى الصراعات التي تدور داخلها وقال: على الرغم من التعاون المعلوماتي المتزايد بين أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة، إلاّ أنه لا زالت تدور داخل مجتمع الإستخبارات في إسرائيل صراعات قوى ومراكز نفوذ قوية جداً، وذلك لأن النجاح الإستخباري يعني مركزاً ومكانة يتجليان في ميزانيات وقوة تأثير ومركز ثقل.

وكتب عوفر شيلح في صحيفة "يديعوت أحرونوت" معلقاً على تقرير اللجنة: إن من يقرأ بين سطور التقرير لابد وأن يكوّن صورة قاتمة تبين أن جزءاً من أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية يعاني من ضعف وترهل شديدين، وجزءاً آخر أقوى من اللازم، فيما هناك جزء ثالث آخر يزاول مهمات ووظائف ليست من اختصاصه. ولاحظ المعلق أن جميع الأنظار سلطت على الإنتقادات الموجهة لهيئة الإستخبارات العسكرية مع العلم أن التقرير تطرق بلهجة انتقادية حادة لجهاز التجسس الإسرائيلي "الموساد" –الذي يحاط بهالة مبالغ بها – لفشله في جمع معلومات مسبقة عن برامج التسلح النووية الليبية. واستطرد "شيلح" قائلاً في هذا الصدد "وهذا يعني أن الموساد يعتبر من ناحية عملية ذراعاً استخبارية ضعيفة، غير محترفة، وعديمة الأهمية، فهو – الموساد – مسؤول عن تقصير في مجاله بدرجة لا تقل عن مسؤولية الإستخبارات العسكرية عن التقصير في مجالها. واتهم "شيلح" في ختام تعليقه صانعي القرارات السياسية في الحكومة الإسرائيلية بتضخيم قدرات أجهزة الاستخبارات وخاصة هيئة الإستخبارات العسكرية المكلفة بإعداد التقديرات الإستراتيجية وتقديمها للمستوى السياسي، حتى يتسنى لهم – أي لصانعي القرارات السياسية – الإختباء خلف التكهنات والتقديرات ومن يقوم بوضعها بغية التنصل من مسؤوليتهم عن اتخاذ القرارات.