إغتيال الشيخ ياسين "يريح" شارون من متاعبه الخاصة وبين أعضاء حزبه... لكن إلى حين..!

ظهر يوم الاثنين الماضي ترجل اريئيل شارون من سيارته المصفحة في مرآب الكنيست، وسار بخطى سريعة الى غرفة اجتماعات كتلة حزب الليكود محاطا بكتيبة من الحراس... اعضاء الكتلة الذين جلسوا بانتظار قدومه، وقد بدت عليهم علامات الابتهاج والانفعال الشديد، حدجوه عند دخوله بنظرات تنم عن الاعجاب والتملق، على عكس الايام الاعتيادية التي كانوا غالبا ما يبدون فيها مظاهر التبرم والصفاقة تجاهه.

جثة الشيخ احمد ياسين المتفحمة شقت طريقها الاخيرة في شوارع غزة، وكان ذلك كافيا في حد ذاته كي تسحب حركة "شاس" اقتراحها بحجب الثقة عن الحكومة والذي شكل تهديدا حقيقيا للاغلبية الائتلافية التي يتمتع بها شارون.

وهكذا فقد كانت الاجواء مريحة للغاية، لدرجة ان شارون تمكن من القاء خطاب واضح وقاطع في لهجته المؤيدة لخطة فك الارتباط مع الفلسطينيين من جانب واحد، دون ان ينبس احد من اعضاء الكنيست ولو بكلمة احتجاج واحدة. حتى ان احد وزراء شارون تساءل بعد ذلك مندهشا: ما الذي جعل نفس الكلام الذي صدر عن شارون في جلسة وزراء الليكود في اليوم السابق واثار عاصفة احتجاج، يتحول في وقعه على آذان اعضاء الكتلة، على خلفية جنازة الشيخ ياسين، كما لو كان مزمورا يتلى في احد الاعياد اليهودية؟!

لقد مكن اغتيال الشيخ ياسين، رئيس الوزراء الاسرائيلي من تخطي الاسبوع الاخير في دورة الكنيست الشتوية دون اية متاعب او صعوبات. ولا شك في ان عملية اغتيال الشيخ ياسين قد ساعدت في تنحية جلسة وزراء الليكود العاصفة التي عقدت في اليوم السابق (الاحد) جانبا، فقد كانت الجلسة صعبة جدا بالنسبة لشارون الذي تعرض خلالها لانتقادات لاذعة، بما في ذلك من جانب وزيرين يكن لهما شارون نفسه تقديرا شخصيا عاليا، وذلك فيما يتعلق بخطته الانسحاب الاحادي الجانب وتفكيك مستوطنات قطاع غزة وعدد من مستوطنات الضفة الغربية.. فقد وجهت له الوزيرة ليمور ليبنات اسئلة لاذعة من قبيل : ما الذي سيحصل وكيف سيكون تأثير ذلك على استعداد الفلسطينيين لمواصلة الهجمات ضد اسرائيل؟ وكيف سيكون مستقبل الائتلاف اذا انسحبت منه احزاب اليمين المتطرف.. وألحّت الوزيرة ليبنات في توجيه السؤال لشارون حول ما يدعوه الان للالحاح على وجوب الانسحاب من قطاع غزة وهو الذي ظل يؤكد لسنوات طويلة على "اهمية غزة لاسرائيل" و"ضرورة مواصلة الاحتفاظ بها.."؟!

ورد شارون على الوزيرة بقوله: ظننت ان هناك حاجة لإحداث تغيير. وكرر شارون هذه الكلمة "تغيير" عدة مرات بمافي ذلك في جلسة كتلة الليكود، وهي نفس الكلمة التي استخدمها ايهود باراك في حملته الانتخابية عام 1999.

الوزير الثاني الذي خاطب شارون بـ " لهجة شخصية" هو يسرائيل كاتس، والذي كان في السابق مستشارا مقربا لشارون. راح "كاتس" يستعرض نظرية شارون السياسية بأكملها طوال فترة وجوده في المعترك السياسي، ابتداء من دوره (دور شارون) في اقامة المستوطنات، مرورا بتأييده للتسويات الانتقالية وانتهاء بموافقته على قيام دولة فلسطينية في نطاق تسوية.

واستطرد كاتس منتقدا بشدة خطة الانسحاب وفك الارتباط من جانب واحد، قائلا ان هذه الخطة ليست خطة شارونية مميزة، كما عهدنا في كل خطط وافكار شارون السابقة. اصغى شارون دون ان ينبس بكلمة او تعليق ينم عن ضيق وعصبية كما هو مألوف من جانبه في مثل هذه الحالات.

وزير المالية، بنيامين نتنياهو، لخص جوهر الموقف عندما عبر عن معارضته لخطة الفصل وعن دعمه لشارون في الوقت ذاته. وعرض نتنياهو ثلاثة شروط لمساعدة شارون في تنفيذ خطته وهي : اتمام بناء الجدار الامني ضمن مسار الحد الاقصى (ضم جميع الكتل الاستيطانية الى اسرائيل)، معارضه اميركية رسمية وعلنية لحق العودة، وبقاء جميع المنافذ والمعابر تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة.

واردف نتنياهو بانه اذا وافق الاميركيون على هذه الشروط فإنه سيدعم عندئذ خطة فك الارتباط. هذا الموقف الذي عبر عنه نتنياهو اثار استغراب وخيبة امل الوزراء الاخرين المعارضين للخطة، خاصة وانهم كانوا يعولون على نتنياهو في قيادة المعارضة اليمينية لهذه الخطة. بعد ذلك سارع مقربو شارون الى "احتضان" نتنياهو مؤكدين" بيبي معنا"!

غير ان معظم الآراء متفقة على ان نتنياهو انما سعى، من خلال موقفه، هذا الى كسب الوقت قبل ان يقرر بشكل نهائي موقفه وخطاه اللاحقة. لكن هناك خلاف بشأن دوافع نتنياهو، اذ يعتقد البعض ان نتنياهو جاد في دعمه للخطة وانه نسق مسبقا مع المبعوثين الاميركين الذين التقاهم قبل اسبوع حول الشروط التي طرحها لتأييد خطه فك الارتباط والانسحاب من غزة، اما الذين يعتقدون ان نتنياهو ينوي معارضة الخطة في نهاية المطاف، فيقولون بانه طرح شروطا تعجيزية او عقبات لا يمكن تجاوزها.

الى ذلك هناك من يعتقد ايضا ان نتنياهو ينتظر، مثل الجميع، القرار الحاسم المرتقب للمستشار القانوني للحكومة، ميني مزوز، في قضية شبهات الفساد والرشاوى المنسوبة لشارون وابنائه ( قضية الجزيرة اليونانية). ووفقا لهذا الرأي، فان نتنياهو يعتقد بأن الفرصة التي ينتظرها للعودة الى زعامة الليكود، تبدو بعيدة المنال او غير متاحة في القريب، لان المستشار مزوز سيستبق القطار السياسي بتقديم لائحة اتهام ضد شارون قبل التصويت في الحكومة على خطة الانسحاب وفك الارتباط.

(هآرتس، 4004/3/25)