الاستنتاج السياسي: مساران فلسطينيان متوازيان عملية أسدود في الصحف الإسرائيلية:(ضربة استراتيجية) في انتظار الهجوم الكبير

الاستنتاج السياسي: مساران فلسطينيان متوازيان عملية أسدود في الصحف الإسرائيلية:(ضربة استراتيجية) في انتظار الهجوم الكبير خصصت الصحف اليومية الاسرائيلية الصادرة امس (الاثنين) عناوينها وتعليقاتها الرئيسية لتغطية الهجوم المزدوج الذي نفذه مهاجمان فلسطينيان، الاحد، في ميناء اسدود وأسفر عن مصرع عشرة اسرائيليين وجرح عشرين آخرين واستشهاد المنفذين. وأجمعت هذه الصحف في عناوينها وتعليقاتها، على وصف الهجوم بأنه )عملية نوعية( تمثل تحولا استراتيجيا في عمليات فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة، وتكشف عن تقصير واختراق أمنيين كبيرين، لا سيما ان الحديث يتناول منشأة استراتيجية مهمة في العمق الاسرائيلي من المفروض انها تتمتع بأقصى درجات التحصين والحماية والحيطة، وتنذر من جهة اخرى باحتمالات وقوع >هجمات نوعية كبرى< ضد منشآت وتجمعات اسرائيلية حيوية وحساسة في المستقبل المنظور. ففي تعليق نشرته صحيفة >هآرتس< على صدر صفحتها الاولى، كتب المحلل العسكري المعروف زئيف شيف قائلا: يعتبر ميناء اسدود هدفا بالغ الاهمية، وبالتالي فإن مهاجمة النقاط والمواقع الحساسة في هذا الميناء يمكن ان تعد >ضربة استراتيجية<.

واضاف شيف: ان الاستنتاج التنفيذي العسكري المترتب على الهجوم يتمثل في انه اذا كان مهاجم قد نجح في التسلل الى ميناء يقع على مسافة غير بعيدة عن قطاع غزة، فليس من المستبعد ان تنجح في ذلك غدا مجموعة من المسلحين، لتلحق أضرارا وخسائر جسيمة للغاية. أما الاستنتاج السياسي فيتمثل في ان الفلسطينيين يعملون في مواجهة اسرائيل على مسارين متوازيين، المسار السياسي الذي يجري في نطاقه ظاهريا حوار ومحادثات، ومسار الهجمات والعمليات المسلحة الذي تواصله حركة >فتح< (التي يتزعمها الرئيس ياسر عرفات ورئيس وزرائه احمد قريع) بالتعاون والتنسيق الوثيقين مع حركة >حماس<. ويستطرد >شيف< مشيرا الى ان البعد التنفيذي للهجوم المزدوج في ميناء اسدود يؤكد مجددا تقديرات رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الجنرال أهارون زئيفي ومفادها ان الفصائل الفلسطينية تقوم منذ الاعلان عن خطط >فك الارتباط< والانسحاب من جانب واحد من قطاع غزة، ببذل جهود كبيرة لتثبت ان اسرائيل قررت الانسحاب (من القطاع) تحت الضغط العسكري للمقاومين الفلسطينيين، ومن هنا يلاحظ ان الفصائل الفلسطينية المسلحة تحاول خلال الفترة الاخيرة شن هجمات كبيرة ونوعية خاصة في منطقة قطاع غزة. وتوقع شيف في ختام تعليقه ان يقوم الجيش الاسرائيلي، ردا على عملية اسدود، بعمليات هجومية متتالية تشمل جميع انحاء القطاع. >الهجوم الكبير< مسألة وقت! وتحت هذا العنوان قالت صحيفة >معاريف< في تعليق لها: ان نتائج الهجوم في ميناء اسدود كان يمكن ان تكون اخطر بكثير لو نجح المهاجمون في تفجير حاوية او صهريج يحتوي على مواد كيماوية خطيرة.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في اجهزة الامن الاسرائيلية قولهم ان هناك مخاوف حقيقية من مواصلة فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة لمحاولاتها وجهودها الرامية لشن هجوم ضخم وواسع النطاق شبيه بالهجمات المتزامنة التي وقعت الاسبوع الفائت في اسبانيا وأسفرت عن مقتل وجرح مئات الاشخاص. وأعربت محافل رفيعة في الهيئة الامنية الاسرائيلية عن خشيتها من ان >الهجوم الكبير< اصبح >وشيك الوقوع< سواء ضد اهداف اسرائيلية في انحاء العالم او داخل اسرائيل ذاتها. ولم تستبعد هذه المحافل امكانية تعرض اسرائيل لهجمات كيميائية او بيولوجية، مشيرة الى ان عملية التفجير المزدوجة في ميناء اسدود >تطابق بعض التصورات والسيناريوهات الخطيرة المحتملة بشأن احتمال شن هجمات بالمتفجرات على مقربة من منشآت حساسة< داخل اسرائيل. وقالت >معاريف< ان ميناء اسدود وميناء حيفا ومصافي تكرير النفط والمصانع البتروكيماوية في خليج حيفا ومطار بن غوريون (اللد) تعتبر منذ وقت بعيد هدفا محتملا لهجوم نوعي كبير من جانب تنظيمات المقاومة الفلسطينية المسلحة. ونقلت الصحيفة عن مصادر في اجهزة الامن الاسرائيلية تقديرها ان النية الاصلية لمنفذي الهجوم المزدوج في ميناء اسدود كانت تنفيذ هجوم نوعي ضخم، يوقع خسائر فادحة في الارواح والممتلكات.

وعزت المصادر ذاتها خلفية الاستعداد العالي الذي تظهره فصائل المقاومة الفلسطينية في الآونة الاخيرة لشن هجمات ضخمة، الى خطة الانسحاب الاحادية الجانب التي اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون اعتزامه تنفيذها قبل نهاية هذا العام في قطاع غزة، وبالتالي فإن هذه الفصائل تريد ان تبرهن على ان انسحاب الجيش الاسرائيلي المحتمل من القطاع ناتج عن هزيمة وعجز هذا الجيش أمام عمليات وضربات المقاومين الفلسطينيين. ونوهت المصادر الامنية الاسرائيلية الى ان فصائل المقاومة الفلسطينية سبق ان حاولت ضرب اهداف وتجمعات اسرائيلية حساسة مثل عمارة >برج عزرائيلي< ومجمع منشآت الغاز المركزي في تل ابيب، ولخص مسؤول أمني اسرائيلي المخاوف على هذا الصعيد بقوله >لن يكون مفاجئا لنا اذا ما نجح مقاومون فلسطينيون في نهاية المطاف بتنفيذ هجوم ضخم<.

هذا وذكرت صحيفة >معاريف< ان لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست اوعزت لأجهزة الامن، في ضوء تداعيات الهجوم على ميناء اسدود، بالعمل فورا على تعزيز تدابير الامن والحماية حول جميع المنشآت الاستراتيجية، العسكرية والمدنية، في ارجاء البلاد. تقصير ليس له أي مبرر: وكتب المعلق العسكري أليكس فيشمان في صحيفة >يديعوت احرونوت<: ليس هناك اي مبرر او ذريعة يمكن لها التقليل من شأن هذا التقصير الفاضح (الذي ظهر عقب الهجوم في ميناء اسدود). فقد نجح فتى في الثامنة عشرة من عمره في الدخول بسهولة الى منشأة استراتيجية تحتوي على مواد سامة، يمكن ان تفتك بآلاف الناس، كما لو كانت هذه المنشأة ملعب كرة قدم لأندية الدرجة الثانية. هذا بالضبط ما حصل امس الاول (الاحد) في ميناء اسدود، وليس مهما بعد ذلك اذا ما كان المهاجم قد تسلل عبر ثقب في الجدار او قفز من فوقه او انسل من تحته او تحايل على الحراس. لقد دخل المهاجم بسهولة وفي وضح النهار دون ان يشخصه او ان ينتبه له احد، وفجر نفسه داخل الميناء.

وأردف فيشمان في تعليقه: بصرف النظر عن الهدف الذي قصده المهاجم وعما اذا كان يعرف بالضبط موقع المنشآت الحساسة في الميناء، فإنه يتعين علينا ان ننظر للهجوم كما لو كان >هجوما واسع النطاق<. وشدد المعلق على ما يرى انه >تقصير فاضح وجلي< في تدابير الامن والحماية حول الميناء، لا سيما في ضوء حقيقة ان الحكومة الاسرائيلية سبق ان اوعزت في اعقاب الهجمات على نيويورك وواشنطن في 11 ايلول 1002، للجهات الامنية المعنية بتفحص تدابير حماية جميع منشآت البنية التحتية والمنشآت الاستراتيجية الحساسة في اسرائيل، وهو ما كشف في حينه عن وجود ثغرات ونقاط ضعف في حماية الموانئ الاسرائيلية تحديدا، سواء من البر او البحر، وبالتالي كان من المفروض اصلاح وسد هذه الثغرات. وختم فيشمان تعليقه بالقول: ان عدد التساؤلات التي يثيرها الهجوم الانتحاري في ميناء اسدود يفوق عدد الاجابات المتوفرة حتى اللحظة للهيئة الامنية، وهذه حقيقة تبعث على القلق في حد ذاتها.

ضربة أخرى للأوهام: صحيفة >يديعوت احرونوت< اعتبرت في مقالها الافتتاحي ان الهجوم في ميناء اسدود جاء ليوجه ضربة جديدة للأوهام التي تساور الاسرائيليين وحكامهم، وقالت الصحيفة: ان من شأن الهجوم الذي تعرض له ميناء اسدود (الاحد) ان يطوح بعدد من الاوهام التي راح قسم كبير من الجمهور الاسرائيلي يتشبث بها في الآونة الاخيرة، ومنها على سبيل المثال وهم جدار الفصل. وتابعت الصحيفة: فبتشجيع واسع من جانب قسم من الجهات الامنية، بات الجمهور الاسرائيلي ينظر اليوم الى جدار الفصل كما لو كان نوعا من الحلول السحرية... فهو - الجدار - يستجيب للرغبة الاسرائيلية القديمة بفصل انفسنا عن الواقع المكاني، عن طريق بناء سور شاهق يعزلنا عن كل ما يقع خارجه. واضافت الصحيفة تقول: مؤيدو جدار الفصل، وبضمنهم رئيس جهاز المخابرات (الشاباك) آفي ديختر، صرحوا مرارا وتكرارا بأن اي مهاجم انتحاري لم ينجح في التسلل من قطاع غزة مباشرة الى اسرائيل بفضل السياج - الجدار - الامني الذي اقيم حول القطاع. ولكن حقيقة كون منفذي الهجوم الانتحاري المزدوج في ميناء اسدود خرجا من قطاع غزة جديرة بأن تذكرنا بأن اي جدار او سور مهما كان علوه لن ينجح في اعاقة او سد الطريق أمام انسان (فلسطيني) مصمم ومشحون بالعزم والارادة.