يوسي بيلين في لقاء خاص: شارون خرفان وبوسعه تغيير موقفه مرتين في اليوم

تقرير: وديع عواودة

داخل مكتبه في تل أبيب، حيث يعمل برفقة طاقم من المساعدين وحارس من قبل جهاز الامن العام، التقينا وزير العدل السابق وزعيم حزب " ياحد"، د. يوسي بيلين، ضمن حديث متشعب دار في فلك النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني. في اللقاء فتح بيلين النار على أريئيل شارون الى حد اتهامه بالخرف، نافيا الاتهام الموجه لليسار بالاذدناب له لافتا الى اخطر خطأين، في رأيه، ارتكبهما كل طرف من الجانبين في السنوات الاخيرة وإلى غير ذلك من قضايا الساعة.

(*) "المشهد الاسرائيلي": هل ينجح حزبكم الجديد " ياحد " بأن يؤثر في صناعة القرار في اسرائيل حيثما فشل اليسار، منذ سقوط حكومة باراك؟

- حتى اليوم نجحت احزاب اليسار بالتأثير الكبير والدليل الاخير على ذلك قيام شارون بتبني افكار لطلائعيين يساريين كما ينعكس ذلك في تأكيد قناعته وقراره بالانسحاب من قطاع غزة . انتخابيا تفيد استطلاعات الرأي ان "ياحد" ورغم قصر عمره يحظى بمقعدين اضافيين مقارنة مع حزب "ميرتس" لو اجريت انتخابات برلمانية اليوم، وذلك بفضل جلاء مواقفه وافكاره المطروحة في مذكرة جنيف خاصة فيما يتعلق بالانسحاب الكامل واقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية مع ترتيب حل يكون مقبولا على الطرفين في موضوع حق العودة. وطالما اننا نواصل المضي في هذا الطريق فنحن نتوقع الحصول على كمية من الاصوات أكبر من التي حزنا عليها في سنوات خلت، بما في ذلك داخل الوسط العربي الذي قام باغلبيته بالتصويت لاحزاب عربية فقط.

(*) "المشهد الاسرائيلي": ولكن الرأي العام في اسرائيل يواصل ايلاء الثقة لسياسيي اليوم ممن كانوا جنرالات بالامس، ما يعني انك ستصطدم بمعضلة كبيرة ربما ؟

- اولا في حزبنا هناك مجموعة من القادة العسكريين والامنيين سابقا. وثانيا لا بد من التأكيد ان قيام المجتمع باختيار قادته من بين اصحاب الخلفيات الامنية فقط هو امر غير صحي له غير ان الواقع يشير إلى ان الكثيرين من بين رؤساء وزراء اسرائيل ليسوا من الرموز الامنية مثل دافيد بن غوريون او بنيامين نتانياهو الذي كان ضابطا صغيرا في الجيش. لا شك ان التجربة العسكرية امر هام ولكن الويل لنا اذا كان لا بد ان يكون رئيس الحزب جنرالا سابقا.

· حول الادعاءات والاتهامات التي وجهت لليسار الاسرائيلي مؤخرا بانه يذدنب لشارون بدلا من طرح بديل له اعتبر بيلين ان التهم صحيحة بالنسبة لحزب "العمل"، لانه بدلا من تبني مذكرة جنيف بعد مباركته لها ابدى حماسا شديدا لخطة فك الارتباط، لكن لا مكان لتوجيهها لحزبه الذي يتمسك بحل يكون ثمرة تفاوض الجانبين موضحا ان هذا لا يعني عدم تأييده لخطة الانسحاب من غزة، فهي برأيه "أحسن من بلاش"، كما قال بالعربية. وزاد "بذلك نحن ايدنا شارون في نقطة محددة لان اسوأ شيء ان يبقى الاحتلال على حاله وهذا لا يعني اننا نؤازره بالعكس نحن لا نثق به فهو رئيس وزراء سيء للغاية وفشل في كافة المجالات. نأمل ان يتحقق اعلانه بتمسكه بالانسحاب من غزة."

· ومع ذلك طلبنا اليه ان يشير الى خطأ فادح ارتكبه اليسار الاسرائيلي في السنوات الاخيرة فقال الدكتور بيلين، الذي يقضي ساعات طويلة جدا في العمل الحزبي والسياسي يوميا كما يؤكد : " يتمثل الخطأ بل الخطيئة في انضمام حزب العمل في حينه الى حكومة وحدة وطنية مع الليكود ما عكس فقدانه القدرة على تشكيل بديل لحكومة شارون". واعرب بيلين عن ثقته بوجود احتمال لفوز المركز واليسار بالحكم في الانتخابات القادمة في ضوء ظاهرة انتقال المصوتين من ناحية اليمين يسارا، لافتا إلى ان الامر منوط بأداء اليسار وبنجاحه في تحاشي الاخطاء واقناع المزيد من الناس بوجهة نظره مستمدا الامل من دور مذكرة جنيف بالتأثير على شارون ودفعه الى فك الارتباط. واضاف واثقا "هذه هزة ارضية تشير الى ان اليسار رفع هامته وبدأ يؤثر على الساحة السياسية".

· وعن اثر اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق اسحق رابين على وصول الشعبين الى ما هما فيه اليوم اعتبر د. بيلين انه لولا ذاك الاغتيال "لكنا اليوم في مرحلة التسوية النهائية الدائمة"، ولذلك "فان يغئال عمير لم يخطىء من هذه الناحية، فقتل رابين قتل السلام".

(*) "المشهد الاسرائيلي": وهل تقبل اذن القول بان حزب "العمل" منذ العام 1994 بات قطيعا بلا راع او انه في طريقه للتلاشي؟.

- لا اعرف، دع الايام تحكم. ولكن الواضح ان "العمل" يؤدي وظيفته كمعارضة وفي الوقت ذاته يواصل قادته التجول في "الكورودورات" املا بان يدعوهم احد للانضمام إلى الائتلاف الحكومي. المشكلة لا تتمثل بغياب القيادة فهذه موجودة وشمعون بيريس شخصية ذات قيمة كبيرة لكن مشكلته انه لا يريد ان يكون رئيسا للمعارضة ما يخلق المشاكل لان المايكروفون الموضوع بين يدي حزب "العمل" غير مستغل وهذا يبقينا في ضغط شديد سوية مع الاحزاب العربية. في واقع الحال حزب "ياحد" هو الذي يقود المعارضة لا حزب "العمل".

(*) "المشهد الاسرائيلي": ومن مقاعد المعارضة الى أين تسير سفينة شارون اليوم؟

- ليست لدي اي فكرة، فهو قادر على تغيير موقفه مرتين في اليوم وربما لانه لا يتقن مهنة رئاسة الحكومة او انه يصغي الى نصائح مختلفة لعدد كثير من المستشارين واكثر من اللزوم. وارجح ايضا ان شارون ذهل مما كتب عنه في الصحف حول ضعفه وتراجعه امام نتانياهو واليمين المتطرف، ما دفعه الى تغيير رأيه ليثبت العكس، وهذا يعني امكانية التفريط مرة أخرى بما اعلنه مجددا ولذلك فهو " شفاف" جدا وخرف ويسير بدون اي عقل ويتحرك قبل ان يفكر مليا بما هو مقدم عليه كما تبين في احاديته.

وعن احتمالات تطبيق خطة فك الارتباط فعليا في نهاية المطاف قال بيلين انه لا يعرف سيما وانه حتى ايار/ مايو 2005 ستجري في النهر مياه كثيرة لافتا الى احتمال تورط شارون بملفات قضائية جديدة الى جانب الانتخابات في الولايات المتحدة. وذكر انه حتى الان لا يملك رئيس الوزراء الاسرائيلي الاغلبية المطلوبة لتمرير احاديته.

وفي رأيه أن الفلسطينيين "ارتكبوا في السنوات الاخيرة خطأ كبيرًا، بعدم وقف الانتفاضة الثانية لانها تسببت بالحاق أضرار كبيرة بثقة الاسرائيليين في الجانب الفلسطيني ولولاها لكانت الصورة مختلفة اليوم. لقد امتنع الفلسطينيون عن وقف الانتفاضة ففقدوا السيطرة على الامور نتيجة لذلك ونتيجة الردود الاسرائيلية القاسية ولم يحسبوا ان تطول الانتفاضة لسنوات".

اما خطأ الاسرائيليين الاهم فيتمثل برأي بيلين في اسلوب ادارة المفاوضات مشيرا إلى انه لو ادار ايهود باراك عملية التفاوض مع السوريين والفلسطينيين بشكل سليم لما نشبت الانتفاضة وتم تسوية القضية الفلسطينية. وزاد " مارس باراك ضغوطاته من اجل حسم القضية والقفز الى الحل النهائي في كامب ديفيد في اطار قمة الزعماء الكبار دون ان يمهد لذلك بواسطة الوزراء وهذا خطا تكتيكي كبير".

وخلال الحديث معه اعتبر بيلين ان الاحتلال اثر على المجتمع الاسرائيلي باشكال عديدة ابرزها انحسار حجم ثقته بالطرف الفلسطيني واستعداد الكثير من الاسرائيليين لتقبل الزعم بان الفلسطينيين غرروا بهم منذ البداية وعن سبق الإصرار والترصد، مؤكدا ان هذه التهمة غير صحيحة " كما ان الانتفاضة اوصلت المزيد من الاسرائيليين الى القناعة بان القوة وحدها عاجزة عن انهاء الصراع ولكن مشكلتنا ان المجتمع في اسرائيل سريع التغيير في مواقفه وافكاره، ولكن هذا امر متجانس ومتبادل أيضًا لان الفلسطينيين ايضا باتوا يعون انه ليس بوسعهم حسم القضية وكسر روح الاسرائيليين بواسطة بضع قنابل داخل مدنهم".

وعن استنكاف اليسار الاسرائيلي عن بذل المساعي الجدية لاعادة العلاقات بين المواطنين اليهود والعرب في اسرائيل الى سابق عهدها قبل الانتفاضة قال بيلين مدافعا "مساع كثيرة بذلها حزب ياحد وغيره من قوى اليسار في هذا المجال عن طريق اللقاءات والبرامج ومحاولات استئناف الروابط بين الاجيال المختلفة من قبل الجانبين. ولا شك ان عملية دمل الجراح ليست سهلة بسبب فقدان الثقة ونظرة المواطنين العرب الى المؤسسة الرسمية".

واعتبر بيلين ان المواطنين العرب يخطئون لدى اقتصار تصويتهم على الاحزاب العربية فقط موضحا "ان مقاطعتهم للانتخابات تجسد خطأ فادحا".

"ربما لانهم فقدوا الامل بالتغيير بعد 56 عاما من التمييز والكذب ؟"، سألنا بيلين فأجاب "لنفترض ان هذا صحيح، فهو لا يبرر تنازل المواطنين العرب عن حق الاقتراع باعتبار ذلك امرا خطيرا يدفع اليسار وسائر المنتخبين الى عدم الانتباه لقضايا الوسط العربي بشكل كاف. وهنا اؤكد ان انفصال المواطنين ابناء الشعبين عن بعضهما البعض يشكل كارثة للاقلية وهو امر مريع للطرفين ولا بد لهذه الاقلية ان تناضل وتفكر بالسبل حول كيفية تحريك اليسار كي ينهض ويجري في الشوارع لاجل قضاياها".