إسرائيل تستفيق على مؤشرات "هزّة سياسية"!

كتب أسعد تلحمي:

يتوقع ان تستفيق إسرائيل صباح اليوم (الاثنين) على مؤشرات هزّة سياسية مترتبة على نتائج استفتاء أمس لمنتسبي حزب "الليكود" الحاكم على خطة زعيمه رئيس الوزراء الاسرائيلي اريئيل شارون لفك الارتباط مع الفلسطينيين، والتي أظهرت خسارة شارون. وقد حملت الأيام الأخيرة اشارات بليغة الى هذه الهزّة، منها إلقاء شارون بكل ثقله لإنجاح خطته من خلال التلويح بافتعال أزمة في حال فشله والذهاب الى انتخابات مبكرة ثم تجنيد الجهاز الأمني بأكمله وكبرى الصحف العبرية وأبرز معلقيها, في خطوة غير مسبوقة, لدعم الخطة, وكأنها بوق مأجور لرئيس الوزراء. وتعددت السيناريوات المتوقعة في "اليوم التالي" للاستفتاء ولم تخرج من دائرة التكهن حيال تكتم شارون على ما سيفعله خصوصاً اذا أجهض اعضاء حزبه خطته.

واعتبر شارون تصويت أعضاء حزبه- الليكود- (193 ألفاً) على خطته للفصل الأحادي عن الفلسطينيين مسألة مصيرية ذات أبعاد تاريخية على مستقبل الدولة العبرية ستحدد نتائجه ما اذا كانت اسرائيل ستخطو الى أمام في كل المجالات الأمنية والاقتصادية والتعليمية والعلاقات مع الولايات المتحدة, أم تتراجع الى الوراء, داعياً كل واحد (من اعضاء الحزب) الى التفكير ملياً بمستقبل أولاده ومستقبله و"يصوت معي".

وجاءت أقوال شارون في مستهل جلسة الحكومة الاسبوعية التي جاءت قصيرة ليتمكن وسائر وزراء حزبه من التفرغ لحشد التأييد للخطة التي رهن مصيرها بأيدي اعضاء حزبه الذين أدلوا بأصواتهم أمس, وسط توقعات لاستطلاعات جديدة للرأي بأن نسبة المعارضين تفوق نسبة المؤيدين بـ4 - 8 في المئة. وفيما بين استطلاع اجراه مركز "داحف" لحساب صحيفة "يديعوت احرونوت" ان الفجوة بين المعارضين والمؤيدين تقلصت في غضون اليومين الأخيرين الى 3.5 في المئة, أفاد استطلاع معهد "تيليسيكر" الذي نشرت نتائجه صحيفة "معاريف" وشمل عدداً أكبر من المستطلعين ان 49 في المئة يعارضون الخطة في مقابل 41 في المئة يؤيدونها.

وأعرب قادة المستوطنين ووزراء "الليكود" المناهضون للخطة عن ثقتهم بنجاحهم في افشالها, على رغم مخاوفهم من احتمال تزوير النتائج في بعض صناديق الاقتراع النائية. وتلقى هؤلاء دعماً كبيراً من أبرز الحاخامات الزعيم الروحي السابق لليهود الشرقيين، عوفاديا يوسيف، الذي دعا أنصاره الى التصويت ضد الخطة "التي تشكل خطراً كبيراً على اسرائيل, بل هي مسألة حياة أو موت", معتبراً الانسحاب المتوقع من غزة "سابقة خطيرة" ومكافأة للارهاب الفلسطيني, قد يقود الى التنازل عن الخليل وبئر السبع وعسقلان "وهذا ما تقوله التوراة. ينبغي التصويت ضد الخطة". وحمل الوزير عوزي لنداو على رئيس حكومته واتهمه بترويع اعضاء "الليكود" من ابعاد إفشال الخطة على العلاقات الاسرائيلية - الاميركية, وقال ان "هذه العلاقات لن تتأثر ابداً كما ان التصويت ضد الخطة لن يحدث أي هزة سياسية, فيما دعمها سيؤدي حتماً الى تفكيك الحكومة".

في المقابل, قاد وزير الدفاع، شاؤول موفاز، حملة التأييد وأجرى مقابلات مطولة مع وسائل الاعلام الالكترونية, وخص كبرى الصحف, "يديعوت احرونوت" بمقال دعا فيه اعضاء حزبه الى عدم تفويت الفرصة النادرة المتاحة لاسرائيل في خطة فك الارتباط واتخاذ القرار الصائب بدعمها. ووعد الناخبين بأن "غزة لن تكون لبنان" وان جيش الاحتلال سيواصل سيطرته على المجالين الجوي والبحري في القطاع, بالإضافة الى الجدار المحيط به "ولن تدخله قوات دولية أو صواريخ بعيدة المدى" ولن تتدخل ايران في شؤونه "بل سنواصل تحطيم حركة المقاومة الاسلامية حماس وسائر التنظيمات اليوم وخلال الانسحاب وبعده". وتابع ان الخطة التي حظيت بدعم اميركي وبريطاني تقول لا لدولة فلسطينية عاصمتها القدس ولا لعودة أي لاجئ الى حدود اسرائيل, فيما الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية ستبقى تحت السيادة الاسرائيلية الى الأبد وباعتراف دولي "لتمنحنا عمقاً استراتيجياً وحدوداً آمنة".

وشدد موفاز في حديثه للاذاعة العبرية على ان "خطة الفصل" تحظى بدعم المؤسسة الأمنية كلها وانها تشكل "فرصة تاريخية لاسرائيل لتبلور ملامحها" وتمنحها مزيداً من الأمن يعزز استقرارها ويقوي فرص تحقيق السلام, معتبراً الاستيطان في غزة "خطأ تاريخياً" لأنه بعكس الاستيطان في الضفة الغربية, لا يشكل مصلحة قومية.

ولاحقاً, أبلغ موفاز زملاءه الوزراء بأن حركة "حماس" ما زالت تبذل قصارى جهودها لتنفيذ عملية نوعية على رغم انها تعيش وضعاً صعباً في اعقاب اغتيال كبار قيادييها وعجزها عن الثأر لهم, هذا بالإضافة الى معاناتها ضائقة مالية. وتابع انه خلافاً للتوقعات فإن رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع لن يستقيل من منصبه "بل سيواصل عمله في ظل قيادة (الرئيس ياسر) عرفات التي تشل قدراته". ونبه الى ان الفلسطينيين وجهات عربية وأوروبية تسعى لتحصيل بيانات اميركية توازي الوعد الذي تلقاه شارون من الرئيس جورج بوش.

ولم تمر أكثر من ساعتين على اعتداد موفاز بقدرات جيشه على "تحجيم" الارهاب بنسبة 50 في المئة حتى وقع الهجوم على المستوطنين في قطاع غزة والذي قتل فيه خمسة منهم, ليستغله نواب "الليكود" المعارضون لخطة الانسحاب لدعوة المنتسبين للحزب بالتصويت ضدها. وقال النائب ايهود ياتوم ان الهدف من الهجوم هو "خلق وضع يكون فيه الخنوع للارهاب والهروب من غزة أسرع". وتسابق نواب آخرون في اطلاق الوعيد لقادة المنظمات الفلسطينية والدعوة الى "عدم مكافأة الارهاب الفلسطيني" بالانسحاب المهرول, فيما التزم الوزراء والنواب المؤيدون للخطة الصمت وآثروا عدم التعقيب.

إلى ذلك, جاء لافتاً الموقف الذي تبناه أبرز كتبة الأعمدة في كبرى الصحف العبرية, ومن دون استثناء, والداعي إلى دعم رئيس الحكومة وخطته على رغم أن عدداً منهم كان حتى الأمس القريب من أشد منتقدي سياسته. ورأى أحد هؤلاء, بن كسبيت (معاريف), أن خطة فك الارتباط أفضل ما يكون "لكن من دونها الله يستر", مضيفاً ان الخيار أسوأ بكثير, خصوصاً في نظر حزب "الليكود". وكتب أن "على كل ليكودي يعتقد بوجوب مغادرة غزة والحيلولة دون تحقير الرئيس الأميركي ويؤمن بأنه حان الوقت لتكون إسرائيل صاحبة القرار لما فيه مصلحتها, أن يدعم الخطة", محذراً من أن افشالها "سيبعث الحياة من جديد في جثة اليسار الإسرائيلي الباردة".

اليوم التالي

ولم يترك شارون سلاحاً لم يستله لردع المعارضين لخطته وترويعهم من أبعاد اجهاضها على حزب "الليكود" أولاً ومستقبل نوابه, لكن أحداً من السياسيين أو المعلقين لم يستطع قراءة ما يدور في خلد رئيس الحكومة وكيف سيرد في حال أظهرت النتائج الرسمية اليوم أن أعضاء حزبه لم يكترثوا بتهديداته المبطنة بالاستقالة من منصبه أو الذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة, و"ربما شارون نفسه لم يقرر بعد كيف سيتصرف", بحسب المحلل في الشؤون الحزبية في إذاعة الجيش الإسرائيلي الذي أضاف ان شارون لا يعتزم الاستقالة في كل الأحوال, "لكنه قد يرى أن الأوضاع دخلت في دوامة ليس من مخرج لها سوى اجراء انتخابات مبكرة".

وعلى رغم أن آخر التسريبات من حاشية شارون أفاد بأنه سيمضي قدماً في تطبيق خطته إذا خسر في الاستفتاء, وبأنه سيطرحها على حكومته والكنيست حيث يتوقع أن تحظى بغالبية واضحة ( وهذا ما دعا إليه في وقت لاحق القائم بأعمال رئيس الوزراء الاسرائيلي، إيهود أولمرت، المقرب من شارون والذي قاد الحملة لتأييد الخطة), إلا أن معلقين استبعدوا هذا الاحتمال لتوقعهم بأنه سيلقى معارضة شديدة في أوساط "الليكود" سيقودها الجناح المتشدد بزعامة الوزيرين يسرائيل كاتس وعوزي لنداو, وربما ينضم اليهما الوزيران بنيامين نتنياهو وليمور لفنات، اللذان أعلنا مكرهين دعمهما الخطة فيما أنصارهما صوتوا ونشطوا ضدها.

وعادت صحف أمس (الأحد) إلى التكهن بالسيناريوات المتوقعة. وأصاب المعلق في الشؤون الحزبية في صحيفة "معاريف" نداف ايال في قوله إنه مهما تكن نتائج الاستطلاع, فإنها ستحدث هزة في كل الأحوال وستتطلب من شارون اتخاذ قرارات حاسمة. ففي حال نجاحه في تمرير خطته, فإن الهزة ستفضي إلى تشكيل حكومة "وحدة وطنية" يكون حزب "العمل" المعارض بزعامة شمعون بيريس ركناً أساسياً فيها, إذ سيستبدل حزبي "الاتحاد القومي" و"مفدال" المتطرفين وسيمكّن شارون من "محاسبة" وزراء المال (بنيامين نتنياهو) والخارجية (سيلفان شالوم) والتعليم (ليمور لفنات) على تقاعسهم وعدم تجندهم في المعركة من أجل كسب التأييد للخطة, ما قد يؤدي إلى تنحيتهم واسناد هذه الحقائب الوزارية لأركان "العمل", على أن يعود بيريس إلى منصب وزير الخارجية.

ويستدرك المعلق ليذكّر بأن "العمل" يشترط انضمامه بإعلان المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، رسمياً عدم تقديم لائحة اتهام ضد شارون في قضية رشوة, ما قد يضطر الأخير إلى تشكيل حكومة جديدة ترتكز إلى غالبية برلمانية ضيقة يوفر لها حزب "العمل" شبكة أمان إلى حين انضمامه.

في المقابل, وفي حال خسر شارون في الاستفتاء, فإنه قد يتجه لإعلان استفتاء عام يشمل جميع الإسرائيليين أو تبكير موعد الانتخابات البرلمانية, لكن, وفي الحالين سيواجه معركة حامية داخل "الليكود", إذ سيُتهم بأنه لا يحترم حسم الحزب فضلاً عن ان استقالته لا تفضي بالضرورة إلى اجراء انتخابات, إلا إذا تبيّن أنه لا تتوافر لخليفته (نتنياهو على الأرجح) غالبية برلمانية من 61 مقعداً تمكنه من تشكيل حكومة جديدة.

ويرى المعلق ان محاولة شارون الالتفاف على نتائج الاستفتاء, في حال جاءت بغالبية لمعارضي الخطة, من خلال طرحها على حكومته للإقرار, قد تواجه بمعارضة عدد من وزرائه الذين أيدوه وسيعتبرون الالتفاف تمرداً على قرار الحزب, ما يترك لشارون أحد احتمالين ضئيلين آخرين أحدهما "ابتلاع السكين" والقبول برأي أعضاء "الليكود" وإلقاء خطته جانباً متحيناً فرصة أفضل للتصديق عليها, أو الإصرار على تطبيق خطته بأي ثمن لعلمه بأنها تتمتع بتأييد غالبية أعضاء الكنيست, لكن مع ادراكه أيضاً بأن خطوة كهذه ستؤدي إلى شرخ جدي في "الليكود".

وتعكس هذه الصعوبة، التي يواجهها المعلق في توقع السيناريو لـ"اليوم التالي"، البلبلة التي ستحدثها نتائج الاستفتاء, خصوصاً وأن معارضة الخطة تعد ضربة سياسية قاضية يوجهها أعضاء "الليكود" لزعيمهم ولن يصحوا منها بسهولة, لأنها ستكون بمثابة إعلان حجب ثقة عنه وتحديداً داخل بيته.