مفاوضات تشكيل حكومة جديدة: المصاعب تتزايد

يجري أريئيل شارون مفاوضات سرية وعلنية مع العديد من الجهات الاسرائيلية لتوسيع ائتلافه الحكومي. ولكن هذه المفاوضات تتأثر اولا وقبل كل شيء بالموقف الذي يتخذه معارضوه داخل الليكود. وفي أفضل الأحوال يملك شارون في الليكود نصفه، اما النصف الآخر فليس غير محسوب في صفه وحسب، وإنما قد يكون أشد أعدائه. ولا يختلف اثنان في إسرائيل حول اضطرار شارون لتوسيع ائتلافه. ولكن الخلافات على أشدّها في الوجهة التي سيتخذها من أجل تحقيق هدف التوسيع. وتحدّد هذه الوجهة ليس فقط طبيعة الحكومة الإسرائيلية القادمة، وإنما كذلك سياستها.


فالليكود المعارض بأغلبيته لحظة الفصل يريد حكومة يمينية قدر الإمكان. وهذه الحكومة يجب أن تضمّ الى جانب الليكود القوى اليمينية الاخرى مثل الاتحاد القومي والمفدال فضلا عن الاحزاب الحريدية وخصوصاً يهدوت هتوراه، ان لم تكن حركة شاس ايضا. وهذا الليكود المعارض لخطة الفصل لا يريد في الحكومة حزب العمل، وربما لا يريد البقاء رهينة تأييد حركة شينوي. ومن دون ريب فإن اليمين المكوّن من الليكود والاتحاد القومي والمفدال والأحزاب الحريدية يمتلك أغلبية ثابتة تتيح له تشكيل حكومة مستقرة.


ولكن شارون، وخطة الفصل، لا يستقيمان مع هذه الحكومة. فإما ان يرفض شارون خياراته المعلنة حالياً ويلغي خطة الفصل ويقيم حكومة يمين، وإما عليه استخدام "سلاح يوم القيامة" لاختيار أي بديل آخر. والبدائل المتوفرة حتى اللحظة هي الحكومة الحالية مع ضم يهدوت هتوراه اليها. ومن الوجهة العملية فإن هذه حكومة شلل وإشكالات. فهي لا تغير وجهة الأحداث والخلافات في الليكود ولا تدفع شارون الى تغيير خياراته. ولكن هذه الحكومة شبه مستحيلة أولاً لأن شينوي ترفض الجلوس مع يهدوت هتوراه، كما ان هذا الحزب الحريدي يرفض الجلوس في حكومة واحدة مع شينوي. ولكن لنفترض ان شارون نجح في التغلب على هذه المسألة وأقنع الطرفين بالتواجد جنبا الى جنب في حكومته. وفي هذه الحال ليس في ذلك ما يغير من وضع شارون داخل الحكومة. فتجاه خطة الفصل يمكن ليهدوت هتوراه ان تتخذ موقفا محايدا، ولكن يصعب تصديق ان هذا الحزب سيتحمّس في تأييده للخطة.


ومع ذلك فإن نجاح شارون المفترض في تشكيل حكومة كهذه سيدفع للاعتقاد انه سينجح ايضا في ضم حزب العمل اليها. وفي هذه الحال يمكن القول ان شارون يجلب لنفسه قوة دعم حقيقية جديدة ضد خصومه في الليكود. ولكن هذا الاحتمال يبدو طويل الاجل. ووضع شارون لا يحتمل الكثير من التأخير. فهناك امور ينبغي حسمها بشكل نهائي في اواخر آب وتتصل بإعداد الميزانية العامة حيث يهدد حزب العمل بالانسحاب من المفاوضات ان أُقرّت الميزانية في الحكومة من دون مشاركته، وهناك مؤتمر الليكود في أواخر ايلول. وهكذا فإن الجدول الزمني المقرر هو الذي سوف يحسم الوجهة، سواء بالتراجع نحو اليمين، او بالمراوحة في المكان.


ولكن هناك خيار نظري ثالث وهو تشكيل حكومة علمانية مع شينوي والعمل. وهذه حكومة قوية من ناحية عددية على الورق فقط. اذ يرفض معظم قادة الليكود مثل هذه الحكومة. وتلعب في بلورة هذا الرفض عوامل فكرية وشخصية وحزبية. وفي الايام الاخيرة ظهر على السطح وزير الخارجية سيلفان شالوم بوصفه قائد الحملة ضد "الحكومة العلمانية اليسارية". غير انه في الحقيقة يعبر عن رفض اغلبية الليكوديين لانضمام حزب العمل الى الحكومة. ولا يخفي هؤلاء اشمئزازهم حتى من بقاء شينوي ولكنهم مع ذلك على استعداد لقبولها لأنها لا ترتبط في الذهن العام بحزب العمل او اليسارية.
ولكن الصراع الذي يقوده سيلفان شالوم لا يخلو من الصبغة الطائفية. وثمة من يحذرون من أن الليكود الذي يستند وبشكل كبير الى قاعدة من الشرقيين لا تزال تحكمه قيادة اشكنازية تعرقل تولّي اي شرقي مراكز نافذة او المركز الاول. وقد اتهم شارون سيلفان شالوم، من دون ان يسميه، بإخراج "المارد الطائفي" من القمقم، واعتبر ان ذلك يقود الى سقوط الليكود.

ولكن الحديث الطائفي في الحلبة السياسية الإسرائيلية لا يقف عند حدود الليكود. فشاس تعتبر موقف شينوي منها طائفياً، وهي بالتالي تتخذ من شينوي موقفاً مضاداً. وحزب العمل اعتبر ان موقف سيلفان شالوم من حكومة الوحدة هو موقف طائفي لانه يكره الاشكيناز. وهناك آخرون يثيرون هذا البعد. ومع ذلك فإن الساحة السياسية الاسرائيلية. حتى من دون البعد الطائفي، بالغة التعقيد الآن.
ومن المهم ملاحظة ان حزب العمل يطالب شارون كشرط لدخول الحكومة بتسريع تنفيذ خطة الفصل. بل ان بيريس اعلن انه اذا دخل حزبه الحكومة فسوف تبدأ خطة الفصل في التنفيذ في مطلع تشرين الثاني. غير ان رجال شارون ابلغوا حزب العمل انه وفق قرار سابق للحكومة لا يمكن البحث في خطة الفصل قبل آذار القادم. هذه واحدة.


وعدا ذلك وبعيداً عن مساعي سيلفان شالوم ضد حكومة مع حزب العمل، قدّم أعضاء من الكنيست ومن مركز الليكود دعوى ضد شارون في محكمة الليكود الداخلية تطالب بمنعه من التوقيع على اي اتفاق ائتلافي مع حزب العمل. وقد شملت الدعوى توقيع ما لا يقل عن ستمئة وخمسين عضو مركز الليكود يطالبون باتخاذ قرار في مؤتمر الحزب قبل البحث في اية صيغة لضم حزب العمل.


ورغم ان شارون ورجاله يطلقون اشارات بان الحكومة الجديدة سوف تتشكّل قريبا، فان المصاعب تتزايد. وما عودة شارون للتهديد بانتخابات جديدة سوى إشارة الى هذه المصاعب. ومع ذلك يتزايد الحديث عن عودة شارون ايضا الى التفكير ب"الخطة الكبرى" بإعلان انشقاق عن الليكود وتشكيل حزب وسط جديد يخوض الانتخابات على اساس خطة الفصل. وحتى لو نجح شارون في ذلك، من المؤكد انه لا يمثل الليكود ويصعب التكهن منذ الآن بمدى قدرته على تحقيق فوز جدي في الانتخابات.