" نتائج الاستطلاعات أحدثت هلعًا في مكتب أريئيل شارون"!

في الوقت الذي أصرّ فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي اريئيل شارون على بث الانطباع بأن استقالته من منصبه, في حال اجهض حزبه "الليكود" خطته للانفصال الاحادي, ليست واردة, لوّح كبار معاونيه بسيف الاستقالة علّهم يقنعون بواسطته المترددين بين اعضاء الحزب بترجيح الكفة لمصلحته والتصويت مع الخطة وانقاذ زعيمهم من ورطة حقيقية ستمس حتماً بهيبته.

وتناولت وسائل الاعلام العبرية من جهتها سيناريوات "اليوم التالي" للاستفتاء الذي يشارك فيه غداً (الأحد) منتسبو "الليكود" على الخطة واتفقت في تعليقاتها على ان خسارة شارون ستأتي بـ"زلزال سياسي" بينما نجاحه سيفضي الى تشكيل حكومة جديدة بزعامته يحلّ فيها حزب "العمل" برئاسة شمعون بيريس محل الحزبين اليمينيين المتطرفين "الاتحاد القومي" و"مفدال".

واكدت استطلاعات جديدة للرأي نشرتها الصحف العبرية،الجمعة، ان نسبة المعارضين لخطة الفصل, في اوساط منتسبي "الليكود" ما زالت تفوق نسبة المؤيدين لها وان الفارق يتراوح بين 3 و7 في المئة فيما نسبة المترددين الذين لم يحسموا مواقفهم بعد لا تتعدى 10 في المئة. وجاءت هذه الارقام على رغم التصريحات المتواترة لرئيس الوزراء اريئيل شارون التي تناولت اساساً "الاضرار الجسيمة" المترتبة على رفض الخطة, سياسياً وامنياً واقتصادياً. وامس واصل شارون جهوده لاقناع اعضاء حزبه بوجوب تمرير الخطة في الاستفتاء ووفرت له كبرى الصحف مساحة واسعة كرّسها للتوجه الى الناخبين بالقول ان الخطة تحقق "الامن والسلام" لاسرائيل وان من يثق به يتحتم عليه دعمها, متوقفاً اساساً عند الرسالة التي تلقاها من الرئيس الاميركي جورج بوش وتضمنت مقابلاً سياسياً غير مسبوق في حجمه في تاريخ اسرائيل محذراً من فقدانه اذا صوّت اعضاء "الليكود" ضد الخطة.

وعلى رغم محاولته التظاهر بعدم الاكتراث بالنتائج التي جاءت بها الاستطلاعات الاخيرة للرأي والتعليمات التي اصدرها لمعاونيه بعدم الخوض في "اليوم التالي" للاستفتاء واعرابه عن ثقته بحصول الخطة على غالبية في الاستفتاء, اعترفت اوساط قريبة منه بأن نتائج الاستطلاعات احدثت فعلاً صدمة بل هلعاً في مكتب شارون حدت ببعضها الى القول ان فشل رئيس الوزراء في تمرير خطته سيضطره الى درس احتمال تقديم استقالته لانه لن يكون بوسعه مواصلة تصريف شؤون الدولة.

وبناء على تسريبات من حاشية شارون فإن هذا قد يحاول الالتفاف على نتائج الاستفتاء من خلال الاعلان عن اجراء "استفتاء عام" يشمل جميع الاسرائيليين علماً ان الاستطلاعات تتنبأ بحصوله على غالبية واضحة, او التصويت على الخطة في الحكومة حيث تحظى بغالبية 13 وزيراً ومعارضة تسعة, لكن من شأن قيامه بمثل هذه الخطوة ان يؤدي الى انقسام في "الليكود" يلوّح به الجناح المتشدد.

وقال رئيس الطاقم الاستراتيجي أيال أراد ان جميع الخيارات امام شارون واردة في حال اجهض اعضاء حزبه خطته وانه سيجد نفسه امام وضع يحتم عليه اتخاذ قرارات صعبة من دون استبعاد ان يقدم استقالته. من جهته قال مستشار شارون للشؤون الاستراتيجية، ليئور حوريب، ان شارون سيحاول تطبيق خطة فك الارتباط حتى اذا رفضها حزبه في استفتاء الغد من دون ان يوضح كيف سيفعل ذلك وماذا سيكون رد مؤسسات الحزب على مثل هذه الخطوة.

وتناولت الصحف السيناريوات المتوقعة غداة التصويت على الخطة واتفقت اولاً على ان اقرارها سيؤدي الى انسحاب حزبي "الاتحاد القومي" و"مفدال" المتطرفين ويمهّد الطريق امام حزب "العمل" المحسوب على يسار الوسط لينضم الى حكومة علمانية تتشكل من ثلاثة احزاب: الليكود وشينوي والعمل. في المقابل يضع رفض الخطة شارون امام احد خيارين: الاستقالة او مواصلة الجلوس على كرسي رئاسة الحكومة. اما استقالته فلن تؤدي الى تقديم موعد الانتخابات البرلمانية, بل الى اختيار خليفة له على كرسي زعامة الليكود, يرجح ان يكون وزير المال الحالي بنيامين نتنياهو ليشكّل حكومة جديدة.

ويرجح المعلّقون ان تتسم الفترة المتبقية لشارون في سدة الحكم في حال بقي في منصبه بالفوضى اذ سيخضع لرغبات الجناح اليميني المتشدد في حكومته ما قد يؤدي الى انسحاب حزب الوسط "شينوي" منها لتهتز اركان توليفته. وتتحفّز احزاب المعارضة لتقديم مشروع قانون باجراء انتخابات برلمانية مبكرة. في كل الاحوال يرى المعلق في صحيفة "هآرتس"، الوف بن، ان شارون يواجه اشد ضائقة منذ تسلّمه منصبه قبل اكثر من ثلاث سنوات "حتى ان حظيت خطته بغالبية ضئيلة فان قيادته تلقت ضربة مؤلمة". ولا يستبعد المعلّق ان ينجح شارون على رغم التنبؤات السوداوية لمصير خطته "في النهوض من بين الانقاض كما حصل في مرات سابقة كثيرة". ويكتب ناحوم برنياع في "يديعوت احرونوت" "ان شارون يسعى لتحصل خطته على غالبية ضئيلة: هذه هي النتيجة المثالية بالنسبة اليه فمن جهة سيخرج منتصراً ومن جهة اخرى سيقول للاميركيين كم كان تحقيق ذلك صعباً". ويتابع: "اما الخسارة في الاستفتاء, وبغض النظر عن السيناريوات المتناقضة المتوقعة, فانها ستقضي عليه اذ لن يتمكن من اصلاح ما افسدته هذه الخسارة على جبهة العلاقات مع الولايات المتحدة, وسيواصل ترؤس الحكومة لكنه سيكون "بطة عرجاء" من دون غالبية ومن دون خطة وسيتهمه اليسار بأنه تعمّد الخسارة في الاستفتاء لانه غير راغب فعلاً في الانسحاب من غزة". ويتابع برنياع: "مثل هذا السيناريو يؤشر الى المستقبل: اذا لم يستطع اريئيل شارون تحصيل غالبية لاخلاء مستوطنات فإن اياً من السياسيين لن يجرؤ على ذلك, وهكذا ستذهب المحاولة للحفاظ على غالبية يهودية ورسم حدود ثابتة والحصول على دعم اميركي وتأييد دولي, ادراج الرياح وستسلك اسرائيل طريق جنوب افريقيا".