"التفاهم السري" بين واشنطن وتل ابيب: "فيتو" أمريكي على رد إسرائيلي يعرّض القوات الغازية للخطر

اتفقت الحكومة الأمريكية مع إسرائيل، عشية الحرب على العراق، على أنه في حالة إصابة إٍسرائيل جراء هجوم عراقي، فإنها ستتشاور مع الولايات المتحدة قبل أن ترد (على الهجوم). وبحسب ما أتـفق عليه، فإن بإمكان الادارة الأمريكية أن تفرض "فيتو" على الرد الاسرائيلي، فقط في حالة تقديره بأن الرد سيشكل "خطرًا واضحًا وفوريًا" على حياة الجنود الأمريكان، أو أعضاء آخرين في التحالف.هذا ما قالته مصادر دبلوماسية، تحدث عن الاتصالات بين القدس الغربية وواشنطن، في حديث للمراسل السياسي في صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية الوف بن.

وقد سبقت بلورة هذه الصيغة عدة إتصالات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين ساد بينهما "سوء تفاهم" حيال هذه النقطة. كما كانت هناك حاجة لبذل مجهود في اللحظة الأخيرة من أجل التسوية بين الطرفين، والتوصل إلى إتفاق حول ضلوع إسرائيل المحتمل في الحرب على العراق.

وتحفظت الولايات المتحدة من أي ضلوع إسرائيلي في الحرب، وأوضحت ذلك من خلال كل قناة ممكنة في الأشهر التي سبقت الحرب على العراق. ومقابل ذلك، وعد الأمريكيون بأن ينشطوا في غربي العراق لعرقلة إطلاق صواريخ أرض- أرض صوب إسرائيل. وأقيم مركز تنسيق ميداني مشترك بين الجيش الاسرائيلي والبنتاغون، ونصبت بطاريات "بتريوت" أمريكية حول المراكز السكنية في إسرائيل. كما منح النظام الامريكي إسرائيلَ مساعدة عسكرية خاصة بقيمة مليارات الدولارات، كتعويض عن المصروفات الناتجة عن استعداداتها للحرب.

وأوضح رئيس الحكومة الاسرائيلية، أريئيل شارون، في زيارته الأخيرة إلى واشنطن، أن إسرائيل تحتفظ بحق الدفاع عن النفس، ولكنها لن تردّ أوتوماتيكيًا في حالة هاجمها العراق. وقال شارون إنه في حال وأصيبت إسرائيل بسلاح غير تقليدي أو نتيجة عملية "إرهابية" كبيرة، فإنها ستضطر للردّ، ولكنه وعد بأنها ستتشاور مع الولايات المتحدة قبل أن تعمل، في كل الأحوال.

وبحسب مصادر دبلومسية، وفي مرحلة معينة، بعد إجراء محادثات مع جهة إسرائيلية رفيعة، انطبع في النظام الأمريكي بأن إسرائيل مستعدة لمنح الولايات المتحدة حق "الفيتو" المطلق على أي رد إسرائيلي على هجوم عراقي. واعتقدت واشنطن أن إسرائيل تتعامل مع حق الدفاع عن النفس على أنه حجة ليس إلا، ولكن ليس بوسع النظام الأمريكي منع تدخلها بحسب إعتباراته.

حاملاً هذا الانطباع، وصل إلى إسرائيل في السادس من آذار رئيس الـ "سي آي ايه"، جورج تينت، لكي ينهي الاتفاق حول التفاصيل الأخيرة قبل الهجوم على العراق. وفي لقائه مع شارون انتظرته مفاجأة. فقد رفض رئيس الحكومة الاسرائيلية ما سمعه من ضيفه، وقال إن إسرائيل تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن النفس وإنه على الرغم من موافقتها على التشاور مع أمريكا، فإنها ليست مستعدة لمنح الأمريكيين القرار النهائي فيما يخص نشاطاتها.

وأثار تقرير تينت عن لقائه بشارون قلقًا كبيرًا في واشنطن. وتوجه البيت الأبيض الى حكومة شارون، ودعا مدير مكتب رئيس الحكومة، دوف فايسغلاس، إلى لقاء طارئ، لتوضيح الأمور ونقل بلاغ واضح لإسرائيل، بأن عليها أن تبقى خارج الحرب. وسافر فايغلاس إلى واشنطن سويةً مع مستشار الأمن القومي، إفرايم هليفي، والتقى الاثنان في الثاني عشر من آذار مع مستشارة الأمن القومي، كوندوليسا رايس. وفي اللقاء تبلورت الصيغة المعدلة، والتي حددت حدود "الفيتو" الأمريكي على الرد الاسرائيلي.

وصادق المستويان السياسيان الرفيعان في الجانبين على الصيغة، ونفذا ما عليهما فعله في الصفقة: شارون حافظ على "نار هادئة" في كل ما يخص الحرب على العراق، وزوّده الأمريكيون بإنذار مسبق بصدد الهجوم المفاجئ الذي بدأ الحرب في العشرين من آذار.

الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية: 80% من المواقع المشبوهة في العراق لم تُفحص

حوالي 80% من المواقع المشبوهة في العراق على أنها مواقع لأسلحة كيماوية وبيولوجية، لم تفحصها قوات التحالف بعد - هذا ما كشف عنه (الثلاثاء 8/4)، رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية الجنرال أهرون زئيفي (فركش)، في جلسة لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست. وتقع معظم هذه المواقع في منطقة بغداد وشماليها.

وذكر الجنرال زئيفي أن الغالبية الساحقة من المواقع غربي العراق، التي يمكن أن تستخدم كمخابئ لصواريخ أرض - أرض، فُحصت، ولم توجد فيها صواريخ. وذكر رئيس الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية مع ذلك، أن هناك منطقة واحدة غربي العراق من الممكن أن تتواجد فيها صواريخ و/ أو أسلحة غير تقليدية. وأضاف زئيفي أن قسم المخابرات أولى إهتمامًا مخابراتيًا كبيرًا لغرب العراق، قبل حوالي ستة أشهر من بدء الحرب، وهذا الأمر مكّن الاستخبارات العسكرية في اسرائيل من عرض تقديرات إستخباراتية أمينة على المستوى السياسي، بشأن الحرب على العراق، في السياقات التي تخص إسرائيل. وقدر زئيفي أن قوات التحالف دمرت خلال المعارك حوالي 1000 دبابة عراقية. "ومع ذلك تمتنع قوات التحالف عن المسّ بالجيش العراقي من دون حاجة، لكي يكون من الممكن التساعد به لغرض ترميم العراق وإقامة نظام بديل"، قال.

وقال وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز، (8/4)، إن مستوى الاستنفار في إسرائيل سيبقى عاليًا في الأيام القادمة أيضًا، وهذا ما تقرر في جلسة تقييم الوضع في الجهاز الأمني الاسرائيلي. وفي حديث للصحفيين، قبيل لقائه وزير الخارجية الألماني، يوسكا فيشر، الذي انهى زيارة لاسرائيل والسلطة الفلسطينية، قال موفاز إن الأمريكيين بلّغوا عن إصابتهم لبيت، يبدو أن صدام حسين وأبناءه كانوا فيه.

وقال موفاز للمراسلين إن الأمريكيين قالوا أيضًا إنهم لن يصدروا أي بيان رسمي عن الموضوع، ما داموا غير متأكدين من أن صدام حسين وأبناءه قتلوا في التفجير. "أنا أقدّر أنه وخلال عدة أيام، سنعيد تقييم الوضع، وإذا كان بالامكان تغيير مستوى الاستنفار والتهيؤ فإننا سنقوم بذلك، وإذا لم يكن ممكنًا، فإننا سنحافظ على نفس المستوى، ولن نتخذ قرارات تحت ضغوطات. ما هو مطلوب الآن هو المزيد من الصبر، إنطلاقًا من المسؤولية عن أمن مواطني الدولة"، قال موفاز.

وقالت صحيفة "هآرتس" إن الجهاز الأمني الاسرائيلي سيجري في نهاية الأسبوع تقييمًا جديدًا للوضع، في ضوء المعطيات الاستخباراتية المتراكمة. ويواصلون في الجيش الاسرائيلي التعقب المستمر وراء التطورات والتقارير الواردة من العراق.

زئيف شيف: ما زالت في غربي العراق منطقة خطرة على إٍسرائيل

"على الرغم من ورود إحتمال معقول بشأن مقتل صدام حسين وأبنائه، صباح الثلاثاء 8/4، في القصف الأمريكي على بغداد، إلا أنه تقرر في إسرائيل عدم إلغاء حالة الاستنفار بعد. وينبع هذا من أن هناك عدة مواقع مشبوهة تتواجد فيها قوات عراقية، في غربي العراق، حتى اليوم، ولا ضمان بأن هذه المواقع "نظيفة". وهذا ما يقدره أيضًا الجيش الأمريكي".

هكذا يكتب زئيف شيف في "هآرتس" (9/4)، مضيفاً أن المستوى العسكري الاسرائيلي ليس مستعدًا للقول إن الخطر قد زال، مع أن الكثيرين في إسرائيل يتصرفون وكأن الخطر العراقي قد زال بالمرة، وذلك في ضوء الوضع السائد اليوم في غربي العراق. "لن يخاطر المستوى العسكري في الاعلان عن إنتهاء الاستنفار – كتب شيف - هذا بالاضافة إلى أن المعارك في العراق مستمرة في أمكنة مختلفة ولم يُحرز الحسم العسكري النهائي بعد".

"توصلت الولايات المتحدة، بمساعدة القوات الاسترالية، إلى إنجاز مثير للانطباع في غربي العراق. والحديث بادئ ذي بدء يدور عن سيطرة جوية على ما يدور في الميدان. وبالاضافة، مسّت القوات بمطار عراقي محلي وأيضًا بجسور مؤدية إلى غربي العراق"، كتب شيف.

وتعني السيطرة الجوية: أنه في حالة إطلاق صاروخ من غربي العراق فإنه سيُكشف عنه فورًا وستصل طائرات أمريكية بسرعة إلى منطقة الاطلاق للمسّ ببطاريات الصواريخ وبمشغليها: "وهذا إنجاز هام، ولكن من ناحية إسرائيل، هذا لا يكفي لاتخاذ قرار بأن الخطر زال. وفي سيناريو سلبي، يكفي أحيانًا صاروخ واحد مع "رأس كيماوي" أو بيولوجي يصيب هدفه، لأيقاع عدد كبير من الضحايا والمصابين".

والمنطقة "المشبوهة" في غربي العراق موجودة في منطقة "القائم" المجاورة للحدود العراقية - السورية. ومن هذه المنطقة أطلق العراقيون غالبية صواريخهم على إسرائيل في حرب الخليج الثانية في العام 1991. وعلى الرغم من تسيير طلعات إستكشافية أمريكية كثيرة، وعلى الرغم من النشر بأن وحدات كوماندو أجرت هناك جولات لها، إلا أن اسرائيل تقول انه لا ضمان بأن منطقة "القائم" آمنة من ناحية الصوريخ العراقية. وتفيد أخبار ميدانية مختلفة أنه ما زالت قوات عراقية صغيرة في تلك المنطقة. وفي هذه الحالة، لا يشدد التوجه الاسرائيلي على حجم القوات، لأن تهئية صاروخ أرض - أرض وإطلاقه لا تحتاج إلى أشخاص كثيرين، وإنما لمجموعة من الأشخاص المجربين والمهنيين.