نحو نظام رئاسي في إسرائيل

(*) الكتاب: "نحو نظام رئاسي في إسرائيل"

(*) المؤلف: البروفيسور جدعون دورون

(*) إصدار: منشورات كرمل- القدس، 2006

تمر إسرائيل منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي بعملية تعلم ودراسة تتفحص في نطاقها قواعد لعبتها السياسية. في العام 1992 سنت إسرائيل قانون (إصلاح) الانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، وألغته في العام 2001.

في التسعينيات تبنت إسرائيل، بشكل جزئي ومتردد، إصلاحات إدارية بغية تحسين أداء الإدارة العامة، ولكن يبدو أن النتائج ليست مرضية. إلى ذلك فإن المحاولات والمساعي الهادفة إلى سن دستور للدولة لم يكتب لها النجاح حتى الآن، ومن هنا فقد بات تغيير السياسة في مجالات مختلفة أمراً متواتراً أكثر فأكثر.

ما هي العوامل التي تقف وراء عدم القدرة على تحديد سياسة واضحة ومستقرة؟

هذا السؤال هو الموضوع الذي يعالجه كتاب البروفيسور جدعون دورون من جامعة تل أبيب "نحو نظام رئاسي في إسرائيل" (2006، القدس: كرمل). يوصي دورون بانتهاج نظام رئاسي باعتباره "طريقة الحكم الملائمة لإسرائيل". ولكن مساهمة الكتاب لا تنحصر في ذلك فحسب. فمطالعته تبين أن المؤلف، واسع الإطلاع والخبرة النظرية والعملية، يضع إصبعه منذ البداية على المشاكل والمسببات للإخفاقات. وعلى ما يقوله دورون نفسه فإن "هذه المشاكل معروفة لنا جميعاً. إنها مرتبطة باستقرار السلطة والقدرة على ممارسة الحكم، وبالوضوح المؤسسي في توزيع الصلاحيات السياسية وآلية صنع القرارات العامة" (ص16).

يحاول دورون التصدي لهذا المنطق بصورة منهجية تحليلية تلامس مجالات معرفة مختلفة تتصل مع بعضها البعض في طيف واسع من العلوم السياسية والحكم والسياسة والإستراتيجية والثقافة. وبذلك يغدو الكتاب وثيقة مهمة سواء بالنسبة لصانعي السياسة أو بالنسبة للمعنيين بفهم الإطار النظري والعملي لعمل السلطة على اختلاف فروعها في النظام الديمقراطي عامة وفي إسرائيل خاصة.

وكحل لمشكلة عدم استقرار السلطة وعدم القدرة على ممارسة الحكم يقترح دورون نموذج النظام الرئاسي. "الكتاب يقترح تعزيز قدرة النظام السياسي على وضع وتطبيق سياسة بصورة أكثر نجاعة وجدوى" (ص40).

ونظراً لأن المجتمع الإسرائيلي منقسم وممزق، تشد فيه كل مجموعة الزمام لجهة مصالحها، فإن أفراد هذا المجتمع سيواجهون صعوبة- على ما يراه دورون- في الوصول إلى توافق وإجماع قادر على الصمود. بناء على ذلك هناك حاجة للاعب ثالث، لاعب متنفذ يفرض على أفراد المجتمع نتيجة الشراكة، أي رئيس تكون ولايته محددة بزمن ومقيدة بقانون (ص33).

يركز كتاب دورون على جانب واحد، وهو طريقة نظام الحكم. ويتطرق دورون بإيجاز لمسائل الانتخابات المناطقية والاستفتاءات العامة والدستور وتغيير بنية البرلمان. ولكن ذلك لا يكفي، إذ أن القدرة على تمثل الإصلاح مرتبطة بشكل وثيق بمسائل شتى مشتركة للمنظومتين السياسية والمؤسسية في سائر مجالات مسؤولياتهما، والتي تعتبر معالجتها حيوية لتعزيز قدرة الحكم العامة، كالعلاقة بين السلطة المحلية والسلطة المركزية، السياسة المالية، بنية ونوعية الخدمة العامة، سياسة العمل والبطالة، التعليم، الضمان الاجتماعي والصحة. دورون لا يتطرق إلى هذه المسائل التي ستؤثر قطعاً على نجاح استيعاب وتطبيق النموذج الرئاسي. فما الذي يضمن نجاح الرئيس في أن يدير الأمور بشكل أفضل من رئيس حكومة في النموذج البرلماني؟ هل يمكن للبنية التراتبية الاعتماد على قواها الذاتية، أو أن تكون مستقلة ذاتياً؟

تحليل القطاع العام في إسرائيل يبين أن البنية التراتبية قائمة وأن هناك تحديدًا للوظائف، لكن ثقافة المسؤولية الشخصية تعاني من قصور وخلل وكذلك القدرة على التطبيق، ويبين أيضاً أن (مظاهر) عدم الشرعية (عدم الاعتراف بشرعية السلطة) آخذة في الازدياد.

فلكي ينجح الإصلاح، لا بد له أن يتلاءم مع الثقافة السائدة في المجتمع المعني. في كتابه يصف دورون الثقافة السياسية السائدة في إسرائيل على أنها ثقافة غير ليبرالية، تميل إلى إبراز وتأكيد الفوارق بين المجموعات، ثقافة موجهة لتحقيق نتائج بشكل مغاير لعملية التخطيط البعيد المدى. فضلاً عن ذلك فإن الثقافة السياسية في إسرائيل، وعلى عكس الثقافة السياسية السائدة في الولايات المتحدة، لا تجسد أوضاع حاصل النتيجة صفر، فحتى الخاسرين في إسرائيل يخرجون بفوائد معينة من المنافسة السياسية. لذلك نجد أن قلائل فقط يستقيلون من الكنيست في أعقاب ما يصفونه كإخفاق شخصي.

يشخص دورون اتجاهين رئيسين يؤثران على الحياة السياسية (في إسرائيل): العولمة والانغلاق الثقافي. لكن التحليل القيم الذي يسوقه دورون لا يعفينا من طرح التساؤلات. هل ينظر دورون للمؤسسات الثقافية بصورة أحادية البعد، أي كمؤسسات تعمل إزاء حدث أو مناسبة خاصة تقتصر على الانتخابات وقبول نتائجها؟ واضح أن المؤسسات الثقافية تعمل بأبعاد مختلفة وإزاء مجموعات انتماء مختلفة في مجالات مختلفة. وهي بهذه الصفة تعكس وزن الاستقرار. إلى ذلك، هل هناك حقاً ثقافة سياسية متجانسة في إسرائيل، حسبما يفترض دورون، أم أننا في حالة صراع قيمي، بمعنى في وضع توجد فيه أيضاً ثقافة سياسية بديلة، لا توجد بينها وبين الحكم صلة مباشرة وواضحة؟ وربما أننا ابتعدنا عن قواعد اللعبة التي تصوغ طريقة اتخاذ القرارات بشأن ماهية النظام الملائم لنا؟ وهل حقيقة كوننا لا نختار نظاماً عسكرياً تشكل في حد ذاتها سمة ثقافية سياسية؟.

يقول دورون "هناك، كما يبدو، مجتمعات يكون فيها تبني أو انتهاج الهياكل السلطوية التراتبية الصارمة أسهل من مجتمعات أخرى" (ص322). ولكن السؤال هو ما إذا كانت هذه الحقيقة تشكل في حد ذاتها عاملاً في الانسجام الثقافي الذي يعتبر ضرورياً جداً لتمثل وتذويت الإصلاح. ويشير دورون إلى ثلاثة عوامل تفسر قدرة التنفيذ السياسية للإصلاحات. الحاجة إلى المسؤولية الشخصية للسياسيين لأن "الخطأ المحتمل الذي يمكن أن ينجم عن زيادة الصلاحيات والقوة الممنوحة للرئيس، أكبر من الخطأ المحتمل الذي يمكن أن ينجم عن زيادة قوة أعضاء الكنيست. ولذلك ما الداعي للمخاطرة؟ وما الداعي للأسف؟".

قدرة الاستمرارية في التمسك بالنموذج البرلماني المألوف تفوق الرغبة في تجريب طريقة حكم رئاسية ما زالت غير معروفة. عدا عن ذلك فإن المُشَرِّع لن يقلص صلاحياته بمبادرته أو من تلقاء ذاته، بل على العكس سيحاول توسيع هذه الصلاحيات. "ولذلك- يقول دورون- فإن -الاقتراح بالتحول إلى نظام رئاسي لا يعدو كونه مناورة أكاديمية" (ص298).

وعن المستقبل يقول دورون في كتابه "السياسيون يتدبرون أمورهم بكيفية ما مع الأزمات المتواترة. كما أن الوضع الأمني يساعد في تنحية أو تأجيل مسائل لأن الوقت غير مناسب لمعالجتها. نحن ننجح في مواجهة وتخطي الأزمات لأننا قادرون، وسنستمر في القيام بذلك إلى ما لا نهاية". فموعد التغيير والإصلاح الجذري والانتقال إلى نظام رئاسي لن يحين- حسب اعتقاد دورون- إلاّ بعد تلاشي كل أمل، حين لا يعود في مقدورنا البقاء أو التعايش مع طريقة الحكم الحالية.

___________________________________

* د. أساف ميداني- محاضر في السياسة العامة والقانون في المدرسة للحكم والمجتمع في الكلية الأكاديمية في تل أبيب.

Terms used:

الكنيست