حرب 1967- تصحيح خطأ بن غوريون في حرب 1948

تحتاج صياغة الرواية التاريخية حول سلوك القبيلة الإسرائيلية والحركة الصهيونية في فترة ما لموقف متماثل أو معاد لها، ولا يمكن صياغة أية رواية حتى لو كانت أدبية من موقع الحياد مهما التزم الراوي بقواعد المهنية. وهذا ينسحب أيضا على المؤرخين الإسرائيليين الجدد وعلماء الاجتماع الانتقاديين وإن كانوا يكتبون رواية إسرائيلية غير رسمية توجه انتقادا لاذعا للرواية الإسرائيلية الرسمية. يبقى السؤال الأساس: من يكتب الرواية؟ من أية زاوية يلتقط مشاهدها وما هي منطلقات ومبادئ الكاتب الباحث أو الراوي؟ إلى أين يريد الكاتب أن يقودنا، أم أن في الأمر "تصحيح خطأ" أو حنيناً لطريق لم تسلكه الصهيونية كان سيؤدي إلى الأفضل.

في سياق حديثنا عن كتابة التأريخ لا بد من ملاحظة للمشتغلين في مجال صياغة الرواية الفلسطينية من معاهد أبحاث عربية وأكاديميين حول الاستفادة من طريقة البحث وأسلوب الصياغة وجباية الحكايات اليومية والجهد الكبير المستثمر، لأن أحد أوجه الصراع هو أيضا على الرواية..

هذا هو الاستنتاج الأولي بعد قراءة كتاب "1967، إسرائيل بدّلت وجهها" للمؤرخ والصحافي الإسرائيلي توم سيغف، فقد استفزني الكتاب بأسلوبه الشيّق وسرده الأدبي للأحداث السياسية والاجتماعية واعتماده على الوثائق والأرشيفات والصحف والسير الذاتية والمروية في الوقت الذي ما زال الباحثون العرب يتدارسون فيه مصادر كتابة التاريخ الفلسطيني.

توم سيغف الصحافي الإسرائيلي المعروف وأحد أهم المؤرخين المعاصرين نشر العديد من الكتب منها" المليون السابع -الإسرائيليون والكارثة"، "الصهاينة الجدد"، وأخيراً صدر له أواسط هذا العام عن دار النشر "كيتر" كتاب بعنوان "1967- البلاد بدّلت وجهها"، يروي فيه رواية إسرائيلية غير رسمية عن إسرائيل في العام 1967. والصحافي المؤرخ سيغف أخذ على عاتقه كتابة تاريخ المشروع الصهيوني فقد أصدر من قبل "يمي هكلنيوت" أو "أيام شقائق النعمان- أرض إسرائيل في فترة الانتداب" و"1949- الإسرائيليون الأوائل"، وأغلبية كتبه من إصدار دار النشر "كيتر" وترجمت إلى الانكليزية، وهذه الكتب الثلاثة ترصد سلوك الحركة الصهيونية قبل وبعد قيام الدولة اليهودية، أما الكتابان "الإسرائيليون والكارثة" و"الصهاينة الجدد" فهما يتطرقان إلى النقاش الصهيوني الداخلي ويطالان بعض المحرمات والأعراف والأخلاق الصهيونية.

وتوم سيغف معروف في الصحافة الإسرائيلية ككاتب مقالة أسبوعية نقدية برغم مواقفه الصهيونية وحنينه لحركة العمل الصهيونية والآباء المؤسسين. فقد تحمس في حينه في العام 2001 لإيهود باراك وخيّب آماله فأصدر كتابه "الصهاينة الجدد" بعد فوز شارون لأول مرة في الانتخابات الإسرائيلية لرئاسة الحكومة. وقد كتب في مقدمته: "الصهاينة الجدد هم إسرائيليون لا يعيشون من أجل أيديولوجية قومية، لا يهتمون بماضي الدولة، ولا حتى بمستقبلها، هم يعيشون من أجل الحياة ذاتها.. هذا ملخص الحلم الصهيوني في البلاد وأحد النجاحات الكبرى في القرن العشرين، ومع تحقيق هذا الحلم تكون إسرائيل قد دخلت مرحلة "ما بعد الصهيونية " وبهذا تكون الصهيونية قد أدت وظيفتها بنجاح إلى حد كبير لتنتقل إلى المرحلة القادمة، هناك من يرى في هذه المرحلة هدفا، ومنهم من يرونها تهديدا، وليس من السهل الاتفاق على من هو "ما بعد صهيوني" لأنه ليس من السهل الاتفاق على من هو صهيوني، وقد يجوز أنه من الصعب أن نعرّف من الصهيوني وقد يجوز أيضا أن يكون تعريفه أصعب من سؤال من هو اليهودي؟".

يتابع سيغف: "ينطلق النقاش الداخلي الدائر من جوهر البدائل الدراماتيكية التي جرت في المجتمع الإسرائيلي منذ قيام الدولة... وكلما يشعر الإسرائيليون بأمان وينتجون حياة إسرائيلية عادية تتحول إسرائيل إلى أكثر أميركية وأقل يهودية وأقل صهيونية.. وعندما وافقت إسرائيل على نقل مناطق احتلت في العام 1967 للفلسطينيين خيّل لنا أننا اكتشفنا إيهود باراك كأول رئيس حكومة "ما بعد صهيوني" لكن فشل المفاوضات في العام 2001 أعادتنا إلى أسس الصهيونية الأصلية، فقرر الناخبون الإسرائيليون معاقبة باراك وانتخاب أريئيل شارون".

كأن سيغف بهذا الكلام يعترف بفشل الاجتياز إلى مرحلة "ما بعد الصهيونية" وأن إسرائيل أصبحت أكثر يهودية وأكثر صهيونية ونجح اليمين الإسرائيلي بامتلاك الصهيونية كفكر وممارسة.

ولا نعرف اليوم كيف يعرّف توم سيغف وفق تصنيفاته أريئيل شارون بعد تنفيذه "خطة الفصل".

أجواء حرب 1967

نسوق هذا الكلام في محاولة لنقل هاجس الكاتب من كتاب إلى آخر، ففي مقدمة كتابه "1967-إسرائيل بدّلت وجهها" التي عنوانها "أبطال" نقرأ: الأول يحيعام ابن يوسف فايتس، مسؤول الغابات الرئيسي في الحركة الصهيونية، مهاجر من روسيا، وأحد مديري "كيرن كييمت" (الصندوق الدائم لإسرائيل) عمل على تخطيط المستوطنات الجديدة، وأحد الآباء المؤسسين للدولة العبرية، ابنه يحيعام (يحيا الشعب) من مواليد 1918، التحق بـ "الهاغناه" أكبر الأذرع العسكرية للحركة الصهيونية، وبعدها سافر إلى لندن ليدرس الكيمياء وعلم النبات وفي 17 حزيران في العام 1946 قتله البريطانيون في عملية "ليل الجسور" في شمال البلاد بعد أن هاجمت وحدة "البلماح" جسوراً وهدمت عشرة من أحد عشر جسراً.

يكتب سيغف ويقول "شخصية بارزة في مجتمع صغير جدا، الجميع تقريبا عرفوا بعضهم البعض وكثير منهم كانوا مرتبطين بقرابة عائلية".. "أورشليم العبرية وبجماهيرها ودعت يحيعام ابن يوسف فايتس إلى مثواه الأخير"- هكذا وصفت الأمر صحيفة "دفار" .. وتابعت "جثمانه كان ملفوفاً بعلم الوطن. سوية مع يحيعام قتل في "ليل الجسور" ثلاثة عشر رجلا لكن أجسادهم تحولت إلى شظايا.. جنازته كانت جنازتهم، الجمهور دعي للمشاركة، توقف السير وأغلقت المدارس.. الكثير تجمعوا حول جثمانه، دفن في جبل الزيتون".

بعد مقتل يحيعام، بقي يوسف فايتس مخلصا للحركة الصهيونية، ولعب دوراً في ترحيل العرب وهدم الكثير من القرى العربية، وعندما طرحت خطة تقسيم فلسطين بين دولتين واحدة عربية والثانية يهودية، عارضها فايتس بشدة مدعيا أن مكان مصرع ابنه في ليل الجسور سيكون في الدولة العربية، كذلك الأمر ضريح ابنه في جبل الزيتون في القدس. آمن فايتس بالترانسفير وضرورة التوسع وإقامة دولة اليهود في "كل أرض إسرائيل" .

بالمقابل يختار الكاتب توم سيغف على طريقة "التوازن" الصحافي، إيبي نتان بطله النقيض، الولد المشاكس من شارع "ديزنغوف " في تل أبيب. في أواسط الستينيات ارتسمت إسرائيل في الأذهان كإحدى قصص النجاح في القرن العشرين، رياح "السيكستيز" هبّت من تل أبيب، واحدة من كل أربع سيارات مرّت من شارع ديزنغوف كانت من نوع "كرمل" و"سوسيتا"!
السفير الأميركي وصف صناعة السيارات كإحدى معجزات إسرائيل.

ديزنغزف كان أكثر من شارع، كان مثالا ثقافيا واجتماعيا أغنى اللغة العبرية، أسبوعية "هعولام هزيه" ومقهى "كسيت" الذي ارتاده الأدباء والشعراء والصحفيون والممثلون .

في تلك الأيام وقّع الصحافي عاموس كينان والممثل أوري زوهر والنحات يغال توماركين عريضة تعلم ليفي أشكول أنهم ينوون الدخول لمناطق الحكم العسكري تضامنا مع العرب في إسرائيل الذين فرض عليهم الحكم العسكري منذ العام 1948 . هؤلاء كانوا يرتادون أيضا مطعم "كاليفورنيا"، كان إيبي نتان صاحب هذا المطعم، من مواليد إيران، ثقافته انكليزية، تعلم في مدرسة كاثوليكية في بومباي في الهند، تربي في بيته على مفاهيم الصهيونية، "ضفتا الأردن لنا، هذه لنا وهذه أيضا"، تعلم الطيران في الهند وخدم في سلاح الطيران الهندي، وهو من أوائل الطيّارين في سلاح الطيران الإسرائيلي، وفي العام 1948 دمّر قرى عربية، وشارك في الهجوم على الفالوجة، أيامها كان عبد الناصر هناك، "وفي إحدى المرات زار قرية سعسع وبين أنقاض الدمار رأى جثة محروقة، إنزعج نتان وبدأ يشعر بقلق جراء ما تفعله الحرب بالناس" .

في فبراير العام 1965 خاض الانتخابات للكنيست وفشل، كانت قائمته مستقلة، رفع شعارات الخصخصة في الخدمات، كانت الدولة وحزب مباي يتحكمان بكل شيء، لكن هزيمته لم تؤثر على شعبيته، كان إيبي نتان يمتلك طائرة صغيرة خاصة به، كتب عليها كلمة سلام بثلاث لغات العبرية والعربية والإنكليزية، فقرر السفر إلى مصر، ليلتقي عبد الناصر، لم يعرف نتان ماذا سيقول لعبد الناصر، جاء يغال ألون إلى "كاليفورنيا" ليقنعه العدول عن السفر.

وفي 28 فبراير العام 1968 اتصل بالصحفي أمير غيلات من "معاريف" وأخبره بأنه سيسافر إلى مصر، أقلعت الطائرة الصغيرة، ولحقته الطائرات الإسرائيلية لكنه لم يستجب فاضطر للهبوط ببورسعيد بعد أن نفد الوقود من طائرته، استقبله المصريون وأخذوه عند المحافظ، نام ليلة واحدة وفي اليوم الثاني عاد إلى تل أبيب.

انتقلت الإشاعة كالنار في الهشيم أن طائرته تحطمت فوق القاهرة وقتل نتان، وخيّمت أجواء الحزن في تل أبيب، وفجأة جاء الخبر أن نتان بخير وأنه في طريقة إلى تل أبيب..

كان إيبي نتان بطلا من نوع آخر، ساذجا ومختلفا عن يحيعام يوسف فايتس.. كان يرمز إلى الحياة الجميلة في تل أبيب (كان بطلا ليوم واحد)، استطاع أن يخرج الشعب من محنته ليوم واحد، أجواء اليأس بدأت تظهر في الأفق، "الحلم الصهيوني تحقق" أو "الحلم الصهيوني قد فشل" .. الهجرة (النزوح) من البلاد بدأت ترتفع .. والهجرة إلى البلاد توقفت، الركود الاقتصادي لا يحتمل، ويأس من حكومة ليفي أشكول ..

عشية حرب 1967 كتب وزير الزراعة الإسرائيلي حاييم غفاتي "أشعر أني خائف، عشية حرب الاستقلال لم تقف الدولة بمثل هذا الامتحان .. هذه حرب حياة أو موت .. أنا خائف جدا".

اعتبر الكثيرون أن انتصار إسرائيل على الدول العربية" معجزة"، وعشية الحرب شاعت نكتة إسرائيلية تقول انه علقت يافطة في مطار بن غوريون تطلب من آخر المسافرين أو "الخارجين" أن يطفئ النور ..

خيّم الخوف كالشبح على إسرائيل وفجأة جاءت "سكرة النصر".. بعد الحرب كتب السفير البريطاني في إسرائيل رسالة إلى مسؤوليه، جاء فيها "يستطيع الإسرائيليون أن يتصرفوا بصورة عربية أكثر من العرب.. لا مصداقية لحالة الخوف والضياع التي سادت عشية 1967 ولا لحالة النشوة بعد ذلك".

سنة قبل الحرب هبّت رياح الركود الاقتصادي الذي وصف بالكارثة المفاجئة، فسّر الاقتصاديون فرملة النمو في السوق لأسباب تعود لتباطؤ نمو السكان من4% في العام 1964 إلى صفر في العام 1966 نتيجة تقليص الهجرة إلى إسرائيل، وأثر هبوط وتيرة التزايد السكاني على مستوى الطلب على الشقق، وقد هبط الطلب على منتوجات وحاجيات وخدمات كثيرة جراء الوضع المنهار لفرع البناء.. ازدادت البطالة ووصلت إلى ضعفين في أوساط المواطنين العرب الذي وصل تعدادهم في حينه إلى 312 ألفا ما يعادل 12% من نسبة السكان في إسرائيل، التي أقلقت يوسف فايتس الذي كان يعمل في صياغة السياسة تجاه العرب والذي كتب رسالة في آب/أغسطس 1966 إلى عزرا دانين يقول فيها انه لا يرى حلا للمشكلة سوى الترانسفير، "لا يوجد مكان لأقلية داخلنا.. الترانسفير حلمنا".

في العام 1966 نشرت "هآرتس" سلسلة تقارير صحفية عن ضائقة العمال العرب، خاف العمال العرب أن يصرحوا بأسمائهم أمام مراسل الجريدة.. كان الشاب أحمد مصاروة الذي عمل في مصنع للماس ناطقا باسمهم.. بعد فترة ذاع صيت فيلم "أنا أحمد"، فيلم وثائقي من 17 دقيقة، لم يتحدث الفيلم عن الصراع العربي الإسرائيلي ولا عن الحكم العسكري والتمييز ضد القرى العربية.. تحدث الفيلم عن ضائقة العمال العرب في تل أبيب، أزعج الفيلم قادة المباي واعتبروه في حينه تشويهاً لسمعة إسرائيل ومحاولة تحريضية للعرب ضد إسرائيل .

يقتبس توم سيغف بعض ما نشرته الصحف الإسرائيلية عن معاناة المواطنين العرب جراء الحكم العسكري المباشر إضافة إلى تطرقه إلى بعض النضالات ضد مصادرة الأراضي وغيرها إلى أن أعلن ليفي أشكول في 8 نوفمبر من العام 1966 إنهاء الحكم العسكري من خلال نقل صلاحيات الحكم من الجيش إلى الشرطة. ويعتبر يوسي غولدشتاين مؤلف "سيرة أشكول" الصادر عن دار كيتر للنشر "أن إلغاء الحكم العسكري لم يعّبر فقط عن إنسانيته إنما خفف من وطأة العداء للدولة وتلطيف الأجواء لتهويد الجليل وإقامة عشرات القرى اليهودية" واعتبر غولدشتاين قرار إعلانه هذا "جرأة أمام بن غوريون".

تصحيح خطأ

الجديد في كتاب "إسرائيل في العام 1967" أو " 1967البلاد بدّلت وجهها " أنه يصف الحالة في إسرائيل، فقد استغرق تأليفه خمس سنوات في التنقل بين خمسة وعشرين أرشيفا، في إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، وجمع 500 رسالة كتبها مواطنون عاديون إلى ذويهم واستند إلى يوميات جنود في الحرب ولقاءات وأحاديث مع جنرالات، مثل مئير عاميت الذي شغل منصب رئيس "الموساد" في العام 1967 والذي عاد من واشنطن إلى تل أبيب حاملا قرار الموافقة على الحرب، وحديث مع الجنرال العاد بيلد الذي كان قائد كلية الأمن القومي وقال في إحدى الجلسات عشية الحرب في العام 1967 "لن يعترف العالم بضم الضفة الغربية، والاحتلال سيوّلد دولة ثنائية القومية، اليهود سيصبحون في الييشوف اليهودي أصحاب الياقات البيضاء أما العرب فهم العبيد" ، كذلك استند إلى وثائق وبروتوكولات حصل عليها من شيرا هرتسوغ إبنة يعقوب هرتسوغ والتي توثق أحاديثه مع الملك حسين في العام 1967 ولقاءات مع مريم أشكول زوجة ليفي أشكول رئيس الحكومة في ذلك العام والذي عارض الحرب واعتبرها "مغامرة صعبة" فاتهموه بالجبن والضعف فاضطر في النهاية أن يشترط على القيادة العسكرية موافقة الولايات المتحدة .

يعرض توم سيغف رواية نقيضة للرواية الرسمية ويقول "لم يكن أي داع لهذه الحرب.. وفي خيال الإسرائيليين كانت مشاهد طبيعية لأرض الميعاد".. فالرواية الإسرائيلية الرسمية تذرعت في حينه بالقذائف السورية على شمال البلاد وإغلاق مضائق تيران. فالإسرائيليون حسب سيغف هم الذين استفزوا السوريين من خلال إرسال تراكتور زراعي كان يتقدم ببطء إلى المنطقة الحرام عند الحدود وقد اعترف ديان بعدها أن إسرائيل هي التي استفزت سوريا . ويكشف سيغف أن مجموعة من الجنرالات منهم أريئيل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي كانت تطمح لتغيير "ميزان القوى" وأن إسرائيل أرادت بهذه الحرب أن تصحح الخطأ الذي ارتكبه بن غوريون عندما أوقف حرب 1948.

ويذّكرنا سيغف مرة أخرى بطبيعة العلاقات بين ديان وأشكول، وتسلط ديان على وزارة الدفاع وممارسة الضغط على أشكول إذا كان سيحارب أم لا. كذلك يتطرق إلى عزل أشكول من منصبه. ويشهر توم سيغف في هذا الكتاب وثيقة كتبها يغئال يدين تنص على اتفاق تقاسم صلاحيات بين موشي ديان وبين ليفي أشكول، ويقتبس ما كتبه يدين "كان على ديان أن لا يعلن الحرب حسب مزاجه وأن لا يوسعها وأن لا يقصف مدنًا رئيسية على مسؤوليته وأن لا يستعمل..." (ص 341)، وهذه الجملة قام الرقيب أو الكاتب بمحوها بالحبر الأبيض إلا أنه بالإمكان قراءتها وهي خطيرة بلا شك.

ومن أهم الاستنتاجات التي يصل إليها القارئ في هذا الكتاب طبيعة المجتمع الاستيطاني الصغير وهشاشة قيادته السياسية والفوضى التنظيمية في بنية الدولة وتحكم الجنرالات في عملية اتخاذ القرار السياسي مما يسمح للقارئ العربي أن يعتبر الهزيمة (حرب 67).. مفصلية في تاريخ العرب وتضييع فرصة لا تغتفر!!!

ينهي سيغف قائلا إنه في ربيع 1968 قال بن غوريون "إنه يفضّل دولة صغيرة مع سلام على أرض إسرائيل كاملة بدون سلام وكلما طال الوقت تزداد تقديراتنا أنه لا احتمال للسلام" ، "يقال إن بعض الصحافيين ذهبوا إلى بن غوريون ليسألوه عن أسس الصهيونية والحق التاريخي فأجاب: أرض إسرائيل للشعب اليهودي وفقط له.. وأيضا يوجد للعرب حقوق في البلاد ولكن هذه ليست أرضهم"..

نذكر هنا أن هذه المقولة كررها شارون أكثر من مرّة في خطاباته...