المحلل السياسي في صحيفة هآرتس عكيفا إلدار لـ "المشهد الإسرائيلي": الظروف الإقليمية والدولية أصبحت ناضجة الآن لتحريك عملية سلام

*احتمالات نجاح المفاوضات كانت وما زالت متعلقة بقدر كبير جدا باستعداد الأميركيين لأن يكونوا وسطاء حقيقيين*

كتب ب. ضاهـر:

أسفر لقاء القمة الذي عقد في واشنطن، الأسبوع الماضي، عن إطلاق المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين حول الحل الدائم، وسط أجواء لا تبشر بإمكانية التوصل إلى اتفاق في الفترة القريبة المقبلة، وذلك على ضوء مواقف الجانبين المتباعدة جدا في معظم القضايا المطروحة على أجندة هذه المفاوضات. وحتى أن أغلبية المحللين الإسرائيليين وصفوا لقاء القمة في واشنطن بـ "المسرحية" التي أخرجتها الإدارة الأميركية، لإظهار انطلاقة جيدة لعملية سلام. رغم ذلك فإن الكثير من المحللين اعتبروا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أدى دوره في هذه "المسرحية" بصورة جيدة، وحتى أنه يستحق المديح على ذلك.

ويبدو أن العقبة الأولى التي ستواجهها هذه المفاوضات تتعلق بمطلب الفلسطينيين تجميد البناء في المستوطنات، وهو المطلب الذي أكد عليه الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، عدة مرات وخصوصا في الأيام الأخيرة وبعد القمة أيضا. وهدد عباس بوقف المفاوضات في حال عدم تجميد الاستيطان. ولم يعبر نتنياهو عن موقفه حيال هذه المسألة، لكنه قال خلال اجتماع لوزراء حزب الليكود، الأحد الماضي، إنه لا جديد في هذه المسألة ولم يتم حلها بعد. ويتعين على إسرائيل أن تتخذ قرارا بشأن تجميد الاستيطان قبل نهاية مدة تعليق أعمال بناء جديدة في المستوطنات في الضفة الغربية، في 26 أيلول الجاري. وتطالب الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي إسرائيل بتمديد فترة تعليق البناء في المستوطنات.

وحاول نتنياهو بث أجواء عملية سلام، وقال لدى افتتاحه اجتماع حكومته الأسبوعي، أول من أمس: "إننا مستعدون للذهاب بعيدا لتحقيق السلام لكننا سنضطر إلى التعلم من عبر السنوات الـ 17 الأخيرة (منذ بدء المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين)، وسنضطر إلى التفكير خارج العلبة وبصورة مبتكرة وبحلول جديدة". وأردف "إنني مقتنع بأن هذا الأمر يمكن تحقيقه وأنا مستعد للتوصل إلى تسوية تاريخية شرط الحفاظ على المصالح الإسرائيلية وعلى رأسها الأمن".

وأضاف نتنياهو أنه "بعد عام ونصف العام من حديثي عن أهمية المحادثات المباشرة من دون شروط مسبقة حظيت بفرصة إجراء محادثة طويلة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وأنا آمل أن تتيح هذه المحادثة ومحادثات أخرى تطوير اتصال مباشر ومتواصل وصادق وهام لبلورة اتفاق". وأشار إلى أنه اقترح على عباس أن يلتقيا مرة كل أسبوعين كي يتحدثا على انفراد وأن "المطلوب لتقدم العملية السياسية ليس كثرة الطواقم وإنما وجود زعماء أقوياء، وتحريك المحادثات كان خطوة هامة في الطريق إلى اتفاق إطار. ونحن نعي الصعوبات، وهي لا تزال أمامنا في المدى القصير، لكننا سنواصل الجهود من أجل التوصل إلى اتفاق وفقا لمبادئ خطاب بار إيلان" الذي ألقاه نتنياهو في حزيران العام الماضي وتحدث فيه عن إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ونشر قوات إسرائيلية على طول غور الأردن.

من جانبه واصل وزير الخارجية الإسرائيلية، أفيغدور ليبرمان، معارضة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق دائم معتبرا أن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه، لا في العام المقبل ولا حتى في الجيل المقبل. ودعا بدلا من ذلك إلى إجراء مفاوضات حول حل مرحلي طويل الأمد. وادعى ليبرمان أيضا أن الجانب الفلسطيني لا يريد إجراء مفاوضات جدية ويبحث عن ذرائع لعدم إجراء المفاوضات، مشددا على رفضه تمديد تعليق البناء في المستوطنات.

وقال المحلل السياسي في صحيفة هآرتس، عكيفا إلدار، ردا على سؤال لـ "المشهد الإسرائيلي" حول احتمالات نجاح المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، إن "احتمالات نجاح المفاوضات كانت وما زالت متعلقة بقدر كبير جدا باستعداد الأميركيين لأن يكونوا ليس فقط عاملا مساعدا وإنما وسطاء. وهذا الأمر ضروري لأن البون بين مواقف الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، شاسع للغاية وأكبر من أن يمكن التوصل إلى اتفاق إطار خلال عام، مثلما تعهدا. ولذلك فإني أعتقد أنه في حال لم يدرك الأميركيون والإسرائيليون على حد سواء أنه لا يوجد أي احتمال لأن يوافق أبو مازن على التنازل عما حصل عليه من رئيس الحكومة السابق، ايهود أولمرت، أو ما حصل عليه [الرئيس الفلسطيني الراحل] ياسر عرفات من رئيس الحكومة الأسبق، ايهود باراك، في طابا، فإن المفاوضات ستفشل. وفي المقابل، فإنه إذا كانوا يعلمون أنه ينبغي استئناف المفاوضات من النقطة التي انتهت عندها، وليس البدء من الصفر، فإن ثمة احتمالات لنجاحها. إضافة إلى ذلك فإن الظروف الإقليمية والدولية أصبحت ناضجة اليوم لتحريك عملية سلام".

(*) "المشهد الإسرائيلي": وهل يتوقع، في هذه الأثناء، التوصل إلى حل لمسألة تجميد البناء في المستوطنات؟

إلدار: "بتقديري أنه إذا حدث تقدم ملموس في المفاوضات بين نتنياهو وأبو مازن، فإنه سيكون بالإمكان التوصل إلى حل لمسألة التجميد أيضا. لكن هذا يحتم على نتنياهو أن يبادر إلى تنفيذ خطوات في الأسابيع القريبة المقبلة، تكون بعيدة المدى بالنسبة له، وتتمثل برسم الحدود. وبعد ذلك سيكون بالإمكان التوصل إلى تسوية ما لموضوع البناء في المستوطنات، وفي الأماكن التي سيكون بالإمكان توسيع البناء فيها، مثل الكتل الاستيطانية التي يتوقع أن تبقى بأيدي إسرائيل في الاتفاق الدائم مقابل تبادل أراضي، وعدم البناء في المستوطنات المعزولة التي لن تبقى بأيدي إسرائيل وسيتم إخلاؤها".

(*) هل تعتقد أن نتنياهو يؤمن فعلا بأنه يجب التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني؟

إلدار: "أنا مقتنع بأن كل إنسان إسرائيلي لديه عقل وليس غبيا بالكامل يدرك أن الطريق المسدودة والوضع القائم لا يخدمان مصلحة إسرائيل ولا الولايات المتحدة ولا القيادة العربية البراغماتية، وإنما هذا الوضع يخدم حماس وإيران، مثلما نرى ذلك بوضوح. وأنا مقتنع أن نتنياهو ليس غبيا".

(*) لكن نتنياهو وضع شروطا مسبقة للسلام الذي يريد التوصل إليه، مثل نشر قوات إسرائيلية في غور الأردن ورفض الانسحاب من القدس الشرقية، أو كما يقول الإسرائيليون: "لا لتقسيم القدس"، ويرفض بشكل مطلق حل قضية اللاجئين الفلسطينيين. وهذه أمور ليست مقبولة على الفلسطينيين. هل يتوقع أن يلين نتنياهو مواقفه خلال المفاوضات، وربما يتم ذلك بضغط أميركي؟

إلدار: "ما كنت سأقول أن هذه شروط مسبقة، وإنما هي مواقف أولية للمفاوضات. وأنا سمعت أقوال أبو مازن، وقرأت هذا الأسبوع تقريرا لمجموعة الخبراء الذين يساعدون في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وبالإمكان أن نرى المواقف الفلسطينية المتشددة، مثل انسحاب إسرائيل إلى حدود العام 1967 من دون أية تنازلات وحق العودة وأن تكون القدس الشرقية تحت سيادة فلسطينية فقط. وما أريد قوله هو أن كلا الجانبين يعرفان أنه لا يتم الخروج من المفاوضات بالمواقف نفسها التي دخلا المفاوضات بها، وكل جانب يضع مواقفه الأولية لخدمة احتياجاته الداخلية. وبالطبع فإنه من الناحية التكتيكية يجب طرح مواقف متصلبة في بداية المفاوضات. وشاهدنا أمورا كهذه في الماضي، وحتى ايهود أولمرت وايهود باراك قالا إنهما دخلا حاملين وثائق معينة إلى المفاوضات وخرجا منها مع وثائق ذات مضمون مختلف تماما".

(*) وزير خارجية إسرائيل، أفيغدور ليبرمان، يقول إنه لن يتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل لا في العام المقبل ولا في الجيل المقبل.

إلدار: "أنا آمل كثيرا أن ليبرمان مخطئ وأن نعيش في الجيل المقبل في دولة يهودية وديمقراطية إلى جانب دولة فلسطينية وديمقراطية. وأن يكون ليبرمان في الجيل المقبل ملاحظة هامشية لا يتذكرها أحد".

(*) ما هي احتمالات تغيير تركيبة الحكومة الإسرائيلية، في تقديرك، من أجل التوصل إلى اتفاق سلام؟

إلدار: "هذه هي النقطة المركزية. أنا في الواقع لا أؤمن أنه بالإمكان تنفيذ اختراق في طريق السلام من أجل التوصل إلى اتفاق في ظل التركيبة الحالية للحكومة. وإذا قلت أعلاه إن أبو مازن لن يوافق على أقل مما حصل عليه من أولمرت، فإني لست مؤمنا أن [الوزيرين الإسرائيليين] بيني بيغن وموشيه يعلون سيتنازلان ويتراجعان عن مواقفهما [اليمينية] ويوافقان على المواقف التي عبر عنها ايهود أولمرت".

(*) لماذا يجري الحديث عن التوصل إلى اتفاق إطار للحل الدائم خلال عام، بينما تنفيذ الاتفاق سيستغرق عدة أعوام وهناك من يقول إن التنفيذ سيستغرق عشرة أعوام؟

إلدار: "أعتقد أن الجميع يدرك أن الهدف هو التوصل إلى اتفاق خلال عام، لكن لن يكون بالإمكان تطبيقه خلال عام. فتفكيك مستوطنات وإخلاء ما لا يقل عن مئة ألف أو مئة وعشرين ألف مستوطن، وتحريك قوات الجيش الإسرائيلي، ونشر قوات دولية، مثلما اقترح أبو مازن بنفسه، في جميع أنحاء الضفة الغربية- هي خطوات يتطلب تنفيذها وقتا طويلا. وأعتقد أن النية هي التوصل إلى اتفاق يستلهم نموذج الدولتين، الواحدة إلى جانب الأخرى، مع حل قضايا الحدود والقدس واللاجئين، بينما التطبيق سيستغرق عدة سنوات. وسأذكرك أنه خلال المفاوضات مع سورية، وافق السوريون على تطبيق الاتفاق وأن يكون الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان خلال خمسة أعوام بينما طلبت إسرائيل أن يتم ذلك خلال عشرة أعوام، وأعتقد أنه سيتم في أحد الأيام الاتفاق على حل وسط".

(*) هل يمكن أن تؤثر أحداث معينة في الشرق الأوسط على قرارات إسرائيل في سياق السلام مع الفلسطينيين؟

إلدار: "أحداث كهذه تؤثر على الولايات المتحدة والرباعية الدولية والمجتمع الدولي، لكني مؤمن بأن قيادتنا تدرك العلاقة بين عدم وجود عملية سلام والاستغلال البشع لوضع كهذا من جانب إيران، وهو ما أكده قياديون فلسطينيون أيضا".