تجدّد الجدل في إسرائيل حول خدمة النساء في الجيش

"المشهد الإسرائيلي"- خاص

أعلن الحاخام العسكري الرئيسي في الجيش الإسرائيلي، العقيد أفيحاي رونتسكي، أنه يعارض خدمة النساء في الجيش الإسرائيلي. ونقلت صحيفة هآرتس عن رونتسكي قوله، خلال مؤتمر شاركت فيه عشرات الجنديات المتدينات وتطرّق إلى المشاكل الخاصة التي يواجهنها خلال خدمتهن العسكرية: "أنا شخصيا أعارض منذ البداية خدمة البنات في الجيش"، لأن ذلك يتعارض مع الشريعة اليهودية. وأضاف أنه منذ العام 1951 لم يتم إصدار أي فتوى دينية تسمح بخدمة النساء في الجيش. ونقلت هآرتس عن الناطق العسكري الإسرائيلي قوله إن رونتسكي يدعي أنه لم يقل الأقوال المنسوبة إليه. ورغم ذلك شدد على أهمية مساعدة النساء اللاتي قررن التجند.

وأكدت هآرتس أن رونتسكي عبر، عمليا، من خلال أقواله المعارضة لتجنيد النساء، عن رأي جميع الحاخامات الأرثوذكسيين تقريبا، الذين يعارضون خدمة النساء في الجيش، وكذلك عن رأي الذين سبقوه في تولي منصب الحاخام العسكري الرئيسي، على الرغم من أنهم حاذروا التحدث في الموضوع خلال إشغالهم المنصب.

وأثارت أقوال رونتسكي المعارضة لخدمة البنات في الجيش حفيظة بعض المشاركين في المؤتمر، الذي حضره حاخامات آخرون وعاملون في مجال التربية والتعليم من جمهور المتدينين. ونقلت هآرتس عن إحدى المشاركات في المؤتمر تعقيبها على تصريح رونتسكي بالقول: "إنني لم أفاجأ من حقيقة أن هذا هو رأيه، لكن اختياره أن يعبر عنه أمام عشرات الجنديات المتدينات، اللاتي أقدمن على خطوة لم تكن سهلة بالنسبة لهن، هو اختيار يفتقر إلى الحساسية". وقد شكا قسم من الجنديات أمام رونتسكي، خلال المؤتمر، من أنهن لا يتلقين الدعم من جهاز التعليم الديني بسبب قرارهن الخدمة في الجيش الإسرائيلي.

وتحدث رونتسكي مع الجنديات عن أن بعضهن يحافظن على عدم إقامة علاقة مع جنود ويمتنعن من أي اتصال جسدي مع الرجال خلال الخدمة العسكرية بينما هناك جنديات أخريات لا يحافظن على ذلك. لكن من الجهة الأخرى، قال للجنديات إنه تعرّف على زوجته خلال الخدمة العسكرية وعندما كانت تخدم كموظفة في سرية تحت قيادته. وعقبت إحدى المشاركات في المؤتمر على أقوال رونتسكي فقالت إنه "كان في هذا شيء ما ناشز، عندما تحدث مع الجنديات عن مشاكلهن في الخدمة العسكرية وكل ما يتعلق بالاتصال مع جنود وفجأة روى أمامهن أنه تزوج من موظفته".

وأثارت أقوال رونتسكي حول خدمة النساء في الجيش الإسرائيلي ردود فعل متباينة. فالحاخام آهاد طاهَر- ليف، وهو رئيس كلية ليندنباوم التي تشمل مسارا يدمج ما بين دراسة التوراة والخدمة العسكرية للبنات المتدينات، والذي حضر المؤتمر، عقب على أقوال رونتسكي ورأى أن "ثمة وظائف عسكرية من المناسب أن تخدم امرأة فيها". ورغم ذلك فإنه يعتقد أن "على الحاخام رونتسكي أن يعبر عن رأيه. لكن يجب سؤال قادة الجيش فيما إذا لم تكن هناك مشكلة مع تعيين أحد في منصب الحاخام العسكري ويحمل أفكارا كهذه".

من جهة ثانية امتدح الحاخام طاهر - ليف ومشاركون آخرون في المؤتمر رونتسكي لأنه على الرغم من معارضته المبدئية للخدمة العسكرية للنساء المتدينات إلا أنه يعمل بصورة جدية على مساعدة الجنديات المتدينات ويحاول حل مشاكلهن. ووصفت ذلك إحدى الجنديات المتدينات بقولها إن "الرسالة هي أنه يفضل ألا نتجند، لكن في اللحظة التي أصبحنا نرتدي فيها البزة العسكرية فإنه يتم تقديم مساعدات كثيرة لنا". وهذا الوضع مختلف عما كان في الماضي، حيث امتنع الحاخامات العسكريون من تقديم المساعدة للجنديات المتدينات بدعوى خرقهن فتاوى الحاخامات لدى تجندهم.

يشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها رونتسكي تصريحات حول خدمة النساء في الجيش الإسرائيلي. فقد عارض في الماضي انخراط الجنديات في الوحدات القتالية. وصرح في مقابلات صحافية بأن على الجنديات أن يمارسن مهمات في مجال الإرشاد، لأن "لديهن ميزات نفسية خاصة، مثل النعومة والصبر والقدرة على المثابرة". ورأى أن الجندية لا تستنفد القدرات الكامنة فيها في حال قيامها بمهمات قتالية، كما أن الجنديات يتسببن "في مشاكل تنشأ بمجرد وجودهن في الوحدات القتالية مثل الاختلاط بين الجنسين في ظروف غير اعتيادية".

"تقديس السبت أهم من حياة العربي"

بدأ رونتسكي (58 عاما) حياته العسكرية في وحدة الكوماندو البحرية، وكان حينها علمانيا تخرج من الداخلية العسكرية في مدرسة "الريئالي" المرموقة في حيفا. ولم ينه مسار الكوماندو وانتقل إلى سرية "شاكيد" وتولى لاحقا قيادة سرية وشارك في حرب العام 1973. وذكرت هآرتس أن رونتسكي مر بأزمة في أعقاب هذه الحرب، بدأ في إثرها عملية التدين سوية مع زوجته، رونيت، وغادر الخدمة العسكرية وبدأ يدرس في المعهد الديني اليهودي (يشيفاه) التابع للمنظمة الاستيطانية المتطرفة "عطيرت كوهانيم" في القدس الشرقية إلى جانب العمل كمرشد للأولاد في ضائقة الذين تسربوا من بيوتهم وباتوا يعيشون خارجها.

وفي العام 1980 أصبح رونتسكي مستوطنا وأقام "يشيفاه" في مستوطنة "ألون موريه" القريبة من مدينة نابلس، وبعد ذلك كان ضمن مجموعة من المستوطنين الذين أقاموا مستوطنة "إيتمار" وأسس فيها "يشيفاه" وترأسها. وألف سلسلة كتب تحت عنوان "كالسهام في يدي البطل" تناول فيها قضايا دينية شرعية تظهر خلال الخدمة العسكرية. واستمر رونتسكي في تأدية الخدمة العسكرية في صفوف قوات الاحتياط إلى جانب عمله كحاخام، وقبل تعيينه حاخاما رئيسيا للجيش تولى قيادة لواء منطقة نابلس.

ويعتبر رونتسكي مقربا من الحاخام المتطرف شلومو أفنير، مدير يشيفاة عطيرت كوهانيم في القدس الشرقية، الذي يؤيد خطا أيديولوجيا يقدس الدولة إلى جانب الحرص البالغ على تطبيق الشريعة اليهودية، خصوصا فيما يتعلق بالحشمة والفصل بين الجنسين.

واعتبر تعيين رونتسكي، اليميني المتطرف، في منصب الحاخام الرئيسي للجيش الإسرائيلي، بقرار من رئيس هيئة أركان الجيش السابق، دان حالوتس، محاولة للمصالحة بين الجيش والتيار الديني – القومي – الصهيوني في أعقاب تنفيذ خطة فك الارتباط وإخلاء المستوطنات في قطاع غزة.

كذلك فإن أحد الحاخامات الأكثر قربا منه والذي يستشيره رونتسكي بصورة دائما هو الحاخام المتطرف دوف ليئور، حاخام مستوطنة "كريات أربع" في الخليل، وأحد أبرز الحاخامات الذين أصدروا فتوى تطالب الجنود برفض أوامر عسكرية لإخلاء مستوطنين. رغم ذلك فإن رونتسكي عبر في أكثر من مناسبة عن معارضته رفض الجنود تنفيذ أوامر عسكرية، وعندما رفض طلابه من "يشيفاة إيتمار"، الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي، تنفيذ أوامر عسكرية بإخلاء بؤرة استيطانية، اتصل بالحاخامات في اليشيفاه ومارس ضغوطا عليهم ليتراجعوا عن موقفهم. وقد نفذ قسم من طلابه الأوامر العسكرية فيما أصر آخرون على رفضها.

وأطلق رونتسكي في السابق تصريحات عنصرية ومتطرفة ضد العرب عموما والفلسطينيين خصوصا. وكتب في إطار نقاش داخل الجيش حول ما إذا كان ينبغي تقديم العلاج لمسلح فلسطيني في أيام السبت إن "حياة العربي لها قيمة بلا شك... لكن قيمة السبت أهم". وكتب في كراسة وزعتها الحاخامية العسكرية على جنود الجيش الإسرائيلي خلال الحرب على غزة إنه "يوجد حظر توراتي بالتنازل عن مليمتر واحد من أرض إسرائيل".

أقوال رونتسكي

تثير عاصفة

وعلى الصعيد العام أثارت أقوال رونتسكي حول خدمة النساء في الجيش عاصفة من ردود الفعل، التي تراوحت بين معارضة أقواله أو التحفظ منها أو تأييدها.

وقالت الناطقة العسكرية السابقة وعضو الكنيست من حزب الليكود، ميري ريغف، إنه "لم يكن هناك داع لأقوال الحاخام الرئيسي العسكري، وأتوقع أن يتراجع عنها. ويحظر أن تعكس أقوال كهذه روح الضباط في الجيش الإسرائيلي. كما أن هذا التصريح يتناقض مع روح الجيش الإسرائيلي الذي يجند النساء والرجال على حد سواء لهذه الخدمة الهامة. وعظمة الجيش مثلما هي حال المجتمع الإسرائيلي، تستند إلى المساواة في الفرص بين الجنسين".

من جانبه قال عضو الكنيست أوفير بينيس، من حزب العمل، إن "هذا لم يكن التصريح الأول المثير للغضب الذي يطلقه رونتسكي. فقد تجاوز الحاخام الرئيسي العسكري خطا أحمر بتصريحاته ويحظر المرور مر الكرام عليها. إن هذا تصريح شوفيني وساخر ويشجع على التهرب من الخدمة العسكرية، وأنا أدعو رئيس هيئة الأركان العامة للجيش (غابي أشكنازي) إلى نقل الحاخام الرئيسي للجيش الإسرائيلي من منصبه. فالجيش الإسرائيلي يستحق حاخاما رئيسيا آخر. والآن أدركت سبب إعاقة طرح مشروع القانون الذي قدمته لمنع تهرب البنات من الخدمة العسكرية".

وتوجه عضو الكنيست رافي إدري، من حزب كديما، إلى وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، طالبا إجراء تحقيق عاجل في أعقاب أقوال رونتسكي. وقال إدري إن "الدعوة إلى عدم الخدمة في الجيش الإسرائيلي هي أمر خطير للغاية وإذا كانت الأقوال المنسوبة له صحيحة فإنه ينبغي استخلاص كافة العبر تجاه رونتسكي".

واعتبرت رئيس طاقم العمل من أجل دفع مكانة المرأة في كديما، عضو الكنيست أوريت زوارتس، أن "أقوال الحاخام الرئيسي للجيش بدائية وظلامية، ولا مجال لإطلاق مثل هذه الأقوال في تنظيم مثل الجيش الإسرائيلي، الذي يشكل جيش الشعب وغالبية قواه البشرية مؤلفة من النساء. وحتى لو كان الحديث يدور على مواقفه الشخصية، فإنه لم يكن مناسبا أن يدلي بها أبدا وخصوصا عندما يرتدي البزة العسكرية ويشكل جزءا من القيادة العليا للجيش. وأنا أدعو رئيس هيئة الأركان العامة وقائد شعبة القوى البشرية إلى دراسة إمكانية إقالته بسبب خطورة أقواله وقدرتها على التأثير في أداء الجيش كتنظيم وعلى مواقف ضباط وجنود ينظرون إليه على أنه شخصية تربوية وروحانية".

ورأت عضو الكنيست رونيت تيروش، من حزب كديما والمديرة العامة السابقة لوزارة التربية والتعليم، أن "التنوع في الجيش واسع جدا بحيث يسمح لكل واحد من مواطني الدولة بالاندماج فيه وفقا لقدراته، ولا يوجد هنا أي حديث عن انعدام قدرة نسائية. وفيما يتعلق بالموضوع الشرعي، فإني لست خبيرة في الموضوع الشرعي. لكن التفكير السليم الذي يوجهني، خاصة إذا كان الحديث يدور على إنقاذ البلاد والحفاظ عليها، هو أن ثمة أهمية لأن يشارك كل إنسان في هذا العمل. والخدمة الوطنية، ورغم احترامي لها، لا تستجيب لهذه الاحتياجات، لأنه بالإمكان تنفيذها في كل زمان بينما الخدمة العسكرية هي في سن 18 إلى 20 عاما فقط" في إشارة إلى الخدمة الإلزامية النظامية.

وقال الناطق العسكري الأسبق، عضو الكنيست نحمان شاي، من كديما، إن "على رئيس هيئة الأركان العامة، غابي أشكنازي، أن يقدم ملاحظة للحاخام العسكري الرئيسي في أعقاب أقواله إنه لا ينبغي على النساء الخدمة في الجيش، والتوضيح له أن هذه المسألة ليس مطروحة ولن تكون مطروحة أبدا على جدول عمله".

وفي مقابل هذه الآراء المعارضة لأقوال رونتسكي أبدى أعضاء كنيست آخرون تأييدا لأقواله. ورأى عضو الكنيست أوري أورباخ، من حزب "البيت اليهودي"، أن "النقاش حول الطريقة الأصح للمرأة المتدينة لخدمة الشعب والدولة هو نقاش معروف داخل الصهيونية الدينية. وأنا أعتقد أن المسار العسكري أصبح اليوم مناسبا للكثير من النساء المتدينات. وأنا لا أتعامل هنا مع الآداب والتقاليد لكن يبدو لي أن أقوال الحاخام الرئيسي للجيش هي في إطار المعقول. وقبل أن يتحدث جميع الوطنيين عن تجنيد بناتنا، من الأفضل أن يفحصوا كم وأين يخدم أبناؤهم"، في إشارة إلى ارتفاع نسبة المتهربين من الخدمة في الجيش خلال السنوات الأخيرة.

وقالت رئيسة اللجنة البرلمانية لمكانة المرأة، عضو الكنيست تسيبي حوطوبيلي، من حزب الليكود، إن "ثمة أهمية كبيرة لدمج النساء في جميع الأطر، لكن بالنسبة للخدمة العسكرية فإن الأمور يجب أن تسير بحذر. ويجب التفريق بين مهام قتالية ومهام أخرى. وفيما يتعلق بدمج النساء في الناحية القتالية فإن الأمر يحتاج إلى استعداد مسبق. أمّا بالنسبة لي فإنه من المناسب أن تتمكن كل امرأة من اختيار إطار الخدمة بين الجيش والخدمة الوطنية". ورفضت الانتقادات قائلة إن "الحاخام رونتسكي يقوم بأعمال جديرة بالاحترام في داخل الجيش. وهو يجلب معه روحا مختلفة ويحمل في جعبته ثورة هامة للغاية وينبغي الحذر من الحكم عليه بسبب أقواله هذه فقط".