السياح الإسرائيليون في الخارج يمسون بصورة الدولة أكثر من ممارساتها السياسية

بقلم: دانيئيل جيجي

تعريف:

منذ سنوات طويلة تضج أوساط رسمية إسرائيلية من "سمعة" الإسرائيليين في الخارج، بسبب تصرفاتهم كسياح في الدول التي يسافرون إليها. وبطبيعة الحال فإن هذه ظاهرة لا يمكن أن تكون تشمل الجميع لكن نسبتها بين الإسرائيليين عالية وفق تقارير إسرائيلية داخلية. ومن المؤسف أن هذه الظاهرة السلبية تنسحب حتى على نسبة ضئيلة جدا بين العرب في إسرائيل، ما أساء أيضا لسمعتهم، حتى بتنا نرى فنادق في صحراء سيناء ترفض استقبال العرب من إسرائيل.

وفي ما يلي ترجمة حرفية لمقال بقلم المختص في العلاقات الدولية دانيئيل جيجي حول ظاهرة الإسرائيليين في الخارج، وقد نشر في موقع "واينت" على الانترنت التابع لصحيفة "يديعوت أحرونوت". وهو يحاول عرض القضية كما لو أنها هي وحدها التي تسيء إلى سمعة إسرائيل في الخارج، وذلك عبر تهميش الجانب السياسي.

[المشهد الإسرائيلي]

كتب الكثير في السابق عن تصرفات السياح الإسرائيليين المنفلتة حين يتوجهون لقضاء فترات نقاهة وعطل في دول أخرى، ولكن ما كتب عن انعكاسات هذه التصرفات على العلاقات السياسية مع تلك الدول هو قليل للغاية.

وفي أيام كهذه، تشهد أزمة في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وذلك على خلفية عدم الاتفاق في القضايا السياسية، وتهديد الاتحاد الأوروبي بتجميد العلاقات مع إسرائيل، من المهم أن يحترم الإسرائيليون في الخارج القيم المحلية للدول التي يزورونها.

في زيارتي الأخيرة إلى براغ، عاصمة تشيكيا (الرئيسة الدورية للاتحاد الأوروبي)، عرفت عن قرب كم هي سلبية صورتنا في أوروبا كسياح إسرائيليين، وأكثر من هذا فقد فهمت أن لهذه لصورة السلبية تأثيرًا مباشرًا على تعامل أوروبا مع إسرائيل، إذ أن أيا من العاملين في أجهزة الدعاية (الإسرائيلية) لم يتطرق إلى هذه القضية.

المشكلة في التصرفات

وليس في السياسة

لقد واجهت مباشرة الصورة السلبية لإسرائيل، حين جلست إلى البار ودخل بالصدفة إليه عدد من المواطنين التشيك، الذين بدأوا بشكل مفاجئ التحدث إلي، فالمجموعة التي كانت بغالبيتها من الأكاديميين الذين أنهوا دراستهم مؤخرا، ضمت أناسًا اجتماعيين جدا، ودعوني للانضمام إليهم في حفلهم التقليدي- شرب البيرة (الجعة)، وبطبيعة الحال فقد تجاوبت مع العرض (من الصعب رفض البيرة التشيكية الجيدة) وجلست معهم.

بعد عدة دقائق من المحادثة اللطيفة، بدأ التشيك يتحدثون عن السياح الذين يزورون بلادهم، ويشرحون لي أنهم يكرهون السياح الأميركيين لأنهم استعلائيون، ويعتقدون أنهم أبطال العالم الحر (على الرغم من أنهم تخلوا عنهم بعد الحرب العالمية الثانية)، وفي نفس الوقت أشار التشيك باستهزاء إلى أن من هم أسوأ من الأميركيين، وهم السياح الإسرائيليون، وهذا من دون أن يعلموا أنني إسرائيلي.

رغبت كثيرا في معرفة مصدر الكراهية الكبيرة للإسرائيليين، إذ اعتقدت بداية أن السبب هو انتقادات سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وحين سألت الشبان لماذا يعتقدون أن السياح الإسرائيليين على هذه الدرجة من السوء، فوجئت من إجابتهم، فالمجموعة تركزت في شكل تصرف السياح الإسرائيليين. وقالوا إنهم من دون أخلاق، فهم عادة يأخذون طعاما ليس لهم، من دون أن يسألوا، ويصرخون ويغضبون، وهم بخيلون، ولا يبقون "بقشيش" كما هو مطلوب، ولا يكفون عن التذمر. ولم تشمل قائمة تذمر محدثي أي بند سياسي.

وكي أكون متيقنا من مصدر الغضب على الإسرائيليين حاولت طرح قضايا سياسية مرتبطة بإسرائيل، ولكن تبين لي أنه لا توجد لديهم معرفة بهذه القضايا، وكل كراهيتهم تجاه إسرائيل كانت تستند إلى آثار لقائهم بسياح إسرائيليين، وقد ظهر أنه ليست لديهم معرفة بالشأن السياسي، وحتى لم يعرفوا كيف يلفظون إسرائيل. ومع ذلك فإنه لدى أي حديث سياسي كان هناك أمر سيء يقولونه عن إسرائيل والإسرائيليين.

وفهمت أنه في الوقت الذي يتركز جهاز الدعاية الإسرائيلية في الشأن السياسي، فإنه على المستوى الشخصي، نحن المواطنين البسطاء، لدينا القدرة على تغيير صورة إسرائيل في العالم، فمعلومات المواطنين في تلك الدول عن السياسة قليلة جدا، وما يحدد رأيهم تجاه إسرائيل وسياستها أكثر شيء هو مصادفتهم السياح الإسرائيليين وتعاملهم معهم، وما يتركونه من أثر.

اتركوا الدول

واشرحوا للمواطنين

في تشيكيا، كما في أوروبا كلها، بالإمكان لمس قلة الاهتمام في السياسة الداخلية والعالمية، ففي الانتخابات للبرلمان الأوروبي، على سبيل المثال، كان من الممكن رؤية الانخفاض في نسبة التصويت، وفي الانتخابات التي جرت في العام الجاري، 2009، بلغت نسبة التصويت 43% من مواطني أوروبا، وهذا يدل على لا مبالاة المواطنين، وبالأساس في كل ما يتعلق بالقضايا الدولية.

في السنوات الأخيرة بالإمكان رؤية أن هناك تغييرا في البحث الأكاديمي في مجال العلاقات الدولية، حين تكون الدولة (ككيان) ليست اللاعب الوحيد في هذه العلاقات. وحسب ادعاء باحثين، فإن هناك تبلورا لمجتمع دولي، يكون اللاعبون المهمون فيه هم أفراد وناس عاديون وليسوا دولا.

إن مسارات وعمليات العولمة أدت إلى تداخل كبير بين الناس، أكثر مما هو بين الدول المختلفة، ولهذا فقد بلوروا "مجتمعا دوليا بين الناس"، لكل فرد فيه تأثير على العلاقات الدولية، وفي المجتمع الدولي هناك قيم ومواصفات تعامل متعارف عليها، وتؤثر على العلاقات الدولية بين الدول (المدرسة الانكليزية).

إن الدبلوماسية الإسرائيلية ترتكز على مدرسة الأبحاث القديمة، إذ أن إسرائيل توظف جهودا دبلوماسية وإعلامية كبيرة، تتركز غالبا في شبكة العلاقات السياسية مع دول أوروبا، وتتركز بدرجة أقل في مستوى المواطنين أنفسهم، وهذا الجهد أثر حقا في السنوات الأخيرة على مستوى العلاقات المتحسنة مع الدول الأوروبية.

لأسفي لا يمكن قول هذا عن المواطنين في أوروبا، الذين يرفضون تأييد إسرائيل ويضغطون بشكل دائم على حكوماتهم كي تتخذ مواقف مناهضة لإسرائيل. وهؤلاء المواطنون يبلورون وجهة نظرهم تجاه إسرائيل، بالأساس، على قاعدة تداخل علاقاتهم مع الإسرائيليين، ومن أجل التأثير في هذه التوجهات، على إسرائيل أن تفحص السبل الجديدة التي من خلالها يكون بالإمكان تحسين تصرف السائح الإسرائيلي وتعامله مع مواطني الدول المضيفة.

إن مسارات العولمة وإجراءاتها ساهمت أيضا في تخفيض أسعار الرحلات الجوية، وهذا التخفيض ساهم في منح القدرة لإسرائيليين أكثر للتوجه لقضاء فترات نقاهة وعطل خارج حدود الدولة، فأكثر من مليون إسرائيلي يتوجهون إلى الخارج سنويا لقضاء عطل، ويجب استيعاب أن الإسرائيليين الذين يتنزهون خارج البلاد هم لا أقل من سفراء لدولة إسرائيل، وعليهم أن يساهموا بشكل فعال جدا في الصراع الإعلامي على الرأي العام الأوروبي. كلا، لا ضرورة للتحدث عن السياسة مع كل شخص يلتقون به، فالأمر أكثر سهولة مما يظهر.

الإسرائيلي غير المؤدب

كما في كل مجتمع، كذا الأمر أيضا في المجتمع الدولي، الذي بالإمكان رؤيته بالتأكيد في أوروبا، هناك أسس تصرف أساسية، وهذه الأسس هي أسس الآداب، آداب وتصرفات تمثل قيم المجتمع، والأشخاص الذين لا يتماشون مع هذه الأسس يتم نبذهم من المجتمع الأوروبي، فمنح "بقشيش" للنادل، وتعامل لائق ومعقول تجاه مقدمي الخدمات، ليست مسائل قيد التفكير، والقرار الشخصي في أوروبا، بل تعكس قيما أصيلة وعميقة حول التعامل المتساوي تجاه مقدمي الخدمات، والمس بهذه القيم هو مس بالمجتمع الأوروبي، ويتسبب في النبذ والإبعاد وخلق صورة سيئة، لدى الناس المتضررين.

إن عدم المعرفة وعدم الاكتراث، ومجرد ضحالة المعرفة تقف وراء عدم تعامل الجهات المسؤولة تجاه "سفرائنا" في الخارج، الذين بإمكانهم أن يمسوا بصورة إسرائيل، وتساهم في ظهورنا كأناس استبداديين، وغير لطيفين، وفاقدي القيم وبالأساس غير مؤدبين، والأخبار الجيدة في هذه الحكاية هي أنه بخلاف الصعوبات الدبلوماسية لتفسير السياسة الإسرائيلية على المستوى الدولي، فإن تغيير تصرف الإسرائيليين على مستوى المجتمع الدولي، من شأنه أن يحقق نتائج أسرع بكثير.

إن جهاز الإعلام والدعاية الإسرائيلية يتعين عليه أن يفحص من جديد كيف بالإمكان إعادة تأهيل الإسرائيليين الذين يزورون أوروبا كي يكونوا "سفراء"، وفي إطار إعادة التأهيل هذه على السفراء أن يحصلوا على إرشادات حول طرق وأساليب التعامل في المجتمع الدولي، ومعلومات عامة عن التصرفات العينية المتبعة في كل دولة يزورونها.

إن تأثير أكثر من مليون "سفير وقت العطل" هام أكثر بكثير من بضع مئات محدودة لسفراء دبلوماسيين ترسلهم الدولة، ومن المهم توظيف موارد في هؤلاء السفراء في اللحظة الأخيرة، لا أقل من الموارد التي توظف في جهاز السفراء الرسميين الذين ترسلهم الدولة.