إسرائيل أخذت بالحسبان قبل شن الحرب على غزة احتمالات ملاحقة ضباطها بتهم ارتكاب جرائم حرب

هذا ما يؤكده شلومو بروم، رئيس برنامج علاقات إسرائيل والفلسطينيين في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، في مقابلة خاصة مع المشهد الإسرائيلي * ويضيف: المفاوضات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين قبل العملية العسكرية في غزة كانت في حال سيئة وذلك بسبب الأوضاع الداخلية لدى الجانبين

كتب ب. ضاهـر:

قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية العامة، التي ستجري في 10 شباط المقبل، أوقفت إسرائيل، يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، العملية العسكرية التي شنتها ضد قطاع غزة بسحب جميع قواتها من القطاع. وفيما بدأ أهالي قطاع غزة باكتشاف الأهوال التي خلفتها هذه العملية العسكرية من قتل ودمار هائلين، انتقل الإسرائيليون إلى متابعة احتفالات تنصيب الرئيس الأميركي الجديد، باراك أوباما، وبعدها بيوم عادوا إلى أجواء المعركة الانتخابية والمناكفات الحزبية.

ولدى تبريرهم للحرب وللقوة العسكرية المفرطة التي استخدمت في القطاع، تنشد الغالبية الساحقة من الإسرائيليين أنشودة تبدو مثل لازمة متكررة: "حماس والفصائل الفلسطينية أطلقت الصواريخ طوال ثماني سنوات مضت". وانحرف الباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب ورئيس برنامج علاقات إسرائيل والفلسطينيين في المعهد، شلومو بروم، عن الإجماع الإسرائيلي قيد أنملة، ثم عاد إلى الإجماع. وقال بروم لـ "المشهد الإسرائيلي" إنه يعتقد أن "هذه العملية العسكرية كانت ضرورية في الوضع الذي كانت إسرائيل تواجهه. لكني لست واثقا أنه كان على إسرائيل أن تصل إلى وضع كهذا".

(*) "المشهد الإسرائيلي": ماذا كان على إسرائيل أن تفعل؟

بروم: "أعتقد أنه لو كانت هناك إدارة سياسية عقلانية أكثر أمام حماس خلال فترة التهدئة، لكان يسهل على إسرائيل التوصل إلى تفاهمات لتمديد وقف إطلاق النار".

(*) وضعت حكومة إسرائيل هدفين معلنين للعملية العسكرية، هما وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية باتجاه إسرائيل، ووقف دخول أسلحة إلى قطاع غزة. ويبدو أن هذين الهدفين لم يتحققا. ماذا حققت إسرائيل من هذه العملية العسكرية؟

بروم: "أعتقد أن تعريف أهداف الحرب بهذا الشكل ليس دقيقا. أنا قرأت قرار الكابينيت (أي الحكومة الإسرائيلية المصغرة للشؤون السياسية والأمنية). وبحسب قرار الكابينيت فإن هدف العملية العسكرية هو إنشاء ميزان ردع أمام حماس، بهدف أن يجعل ميزان الردع هذا حماس ترتدع عن إطلاق الصواريخ. كذلك كان هناك هدف يقضي بإضعاف قدرات حماس من دون القضاء عليها. وأعتقد أنه تم تحقيق هذين الهدفين. وإذا تم تقييد قدرات حماس نتيجة الاتفاقيات التي جرى التوصل إليها مع مصر والولايات المتحدة، فهذا سيؤدي إلى نشوء وضع جيد".

(*) هل تعتقد أن بالإمكان وقف دخول أسلحة إلى قطاع غزة والتوصل إلى حالة ردع ضد حركة مثل حماس؟

بروم: "أولا، فيما يتعلق بدخول أسلحة إلى القطاع، فإني لا أؤمن أنه بالإمكان منع ذلك بصورة مطلقة. لأنه في المكان الذي تتوفر فيه إمكانية للبشر لجني ربح مالي توجد عمليات تهريب. لكني أعتقد أنه بالإمكان تقييد دخول أسلحة وبشكل ملموس. وعندما كانت إسرائيل تسيطر على القطاع لم تتمكن من منع دخول سلاح للقطاع بصورة مطلقة. وفيما يتعلق بالردع، فإني أعتقد أن تجربة السنوات الأخيرة دلت على أنه بالإمكان ردع منظمة مثل حماس. ومثلما تظهر الأمور الآن، فإن حرب العام 2006 (على لبنان) أنشأت حالة ردع ضد حزب الله. ولو لم تكن حرب 2006 لأطلق حزب الله الصواريخ أو قام بعمل عسكري ما ضد إسرائيل. وسلوك حزب الله بين السنوات 2000 و2006، تميز بأنه كان ينفذ خلالها عمليات محدودة ضد إسرائيل لكي يثبت أنه موجود. أما بعد الحرب فلم يعد يقدم على عمليات كهذه".

(*) هذا الردع محدود من الناحية الزمنية؟

بروم: "نعم، بكل تأكيد قوة الردع محدودة لفترة معينة وليست أبدية".

(*) معظم الضحايـا الفلسطينيين في القطاع، حوالي 1400 قتيل وأكثر من 5500 جريح، هم من المدنيين...

بروم: "هذا ما يدعونه في غزة. وإحدى المشاكل في حروب من هذا النوع، أي عندما لا تحارب جيشا نظاميا وإنما منظمات، هي كيفية التفريق بين المقاتلين والمدنيين. كيف نقرر أن هذا مدني وليس مقاتلا؟ كيف تفرق بين امرأة ضالعة في محاولة تنفيذ عملية انتحارية وبين امرأة مدنية؟ وما أريد أن أقوله هو أن هناك جهات مهتمة بأن تعرض الصورة بأن معظم القتلى من المدنيين، وهناك جهات أخرى مهتمة بأن تعرض الصورة بأن معظم القتلى هم من المقاتلين. وأنا أشكك بكلا الجانبين".

(*) الحقيقة هي أنه كان هناك عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين وعدد كبير جدا من الأولاد الذين قتلوا في الغارات الإسرائيلية على القطاع. كيف بالإمكان تفسير استخدام إسرائيل لهذه القوة المفرطة؟

بروم: "أعتقد أنه في حرب من هذا النوع، تدور رحاها داخل مناطق سكانية مدنية، لا يمكن الامتناع من قتل مدنيين. بالإمكان بذل جهود لتقليص ذلك، لكن لا يمكن منع قتل مدنيين. ولذلك فإن أفضل طريقة لمنع مقتل مدنيين هي منع الحرب. لكن في اللحظة التي يتم فيها شن حرب من هذا النوع، ويراهن مقاتلو الطرف الآخر، وفي هذه الحالة حماس، على الاحتماء بالمدنيين، فإنه لا يمكن الامتناع من قتل مدنيين".

(*) قررت الحكومة الإسرائيلية أول من أمس الأحد توفير دعم قضائي لضباط الجيش الإسرائيلي الذي شاركوا في العمليات العسكرية في القطاع، تحسبا من رفع دعاوى ضدهم تتهمهم باقتراف جرائم حرب في القطاع. هل أخذت إسرائيل بالحسبان، قبل شن العملية العسكرية، أن تتم ملاحقة ضباطها بتهم ارتكاب جرائم حرب؟

بروم: "بالتأكيد. لقد أخذت ذلك بالحسبان لأن إشكالية حرب كهذه في مناطق مأهولة هي أمر معروف وليست بالأمر الجديد".

(*) هل تعتقد أنه سيكون بالإمكان استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين بعد هذه العملية العسكرية؟

بروم: "نعم، رغم أن المفاوضات السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين قبل هذه العملية العسكرية كانت في حال سيئة. وتعثر المفاوضات نجم عن الأوضاع الداخلية لدى كل من الجانبين. ففي الجانب الفلسطيني هناك الانقسام بين حماس وفتح، وأنا لست مقتنعا أن بإمكان الفلسطينيين التوصل إلى اتفاق والتوقيع عليه في ظل انقسام كهذا. والوضع في الجانب الإسرائيلي ينطوي على إشكالية كبيرة، تتمثل في انعدام استقرار الحكم، حيث لا تتمكن أية حكومة من البقاء إلا لمدة سنتين وبصعوبة كبيرة، ويصعب كثيرا الحصول على تأييد أغلبية إسرائيلية في قضايا صعبة مثل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وهذا هو الوضع الأساس الذي منع تقدما في المفاوضات. ولا أعتقد أن هذا الوضع تغير في أعقاب القتال في غزة، كما أني لا أعتقد أنه أصبح أفضل أو أسوأ، لكن بإمكاني أن أقول أمرا واحدا وهو أنه لا يمكن إجراء مفاوضات عندما يجري قتال كهذا. وإذا أدت هذه الجولة من القتال إلى ضمان الهدوء مقابل قطاع غزة لفترة طويلة، فإن وضعا كهذا ربما يساعد قليلا في إجراء مفاوضات، لكنه لا يغير الوضع الأساس".

(*) هناك مقولة في إسرائيل هي أن "اليمين يصنع السلام واليسار يصنع الحروب". هل تعتقد أنه في حال وصول رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، إلى الحكم سيدفع العملية السياسية إلى الأمام على أثر ضغوط قد تمارسها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما؟

بروم: "آمل كثيرا أن يتم هذا، لكن يصعب أن أصدق إمكانية حدوث هذا الأمر. لأنه كانت هناك ضغوط مارستها إدارة الرئيس بيل كلينتون، عندما كان نتنياهو رئيسا للحكومة (بين السنوات 1996 و1999)، ولم تسفر عن تقدم".

(*) هذا يعني أن تحذيرات رئيسة حزب كديما ووزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، بأن صعود نتنياهو إلى الحكم سيؤدي إلى صدام مع إدارة أوباما، قد تكون صحيحة؟

بروم: "أعتقد أن هذه التحذيرات صحيحة".