تهدئة في غزة في ظل تبادل أسرى

"المشهد الإسرائيلي" - خاص

تجري المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس، بوساطة مصر، حول التهدئة ووقف إطلاق النار في قطاع غزة في ظل مفاوضات، غير مباشرة أيضا، بين إسرائيل وحماس، من جهة، وبين إسرائيل وحزب الله بوساطة ألمانيا، من جهة أخرى، للتوصل لصفقتين تستعيد إسرائيل من خلالهما جنودها الأسرى في قطاع غزة ولبنان. وعلى ما يبدو، فإن إسرائيل تسعى في هذه الأثناء إلى تقديم صفقة تبادل أسرى مع حزب الله على اتفاق تهدئة في القطاع وصفقة تبادل أسرى مع حماس. ولا شك في أن رئيس حكومة إسرائيل، ايهود أولمرت، يأمل بتسجيل نقاط لصالحه وزيادة مستوى شعبيته المتدهور للغاية، ولو بقليل، من خلال استعادة الجنديين الأسيرين لدى حزب الله، ايهود غولدفاسير وإلداد ريغف، المرجح أنهما في عداد الموتى.

ورأى المراسل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، في تحليل نشره اليوم، الاثنين – 16.6.2008، أن الاتصالات الجارية لاستعادة الجنديين الأسيرين لدى حزب الله تبدو أنها قناة اتصال واعدة أكثر من غيرها من القنوات السياسية – الأمنية التي تشغل أولمرت في هذه الأثناء. وشدد الكاتب على أن "ثمن استعادة غولدفاسير وريغف ليس مستحيلا، واحتمالات إبرام صفقة باتت واقعية ومن الجائز أن يتم ذلك خلال وقت قصير نسبيا" وربما يكون ذلك حتى يوم الذكرى السنوية الثانية لأسرهما في 12 تموز العام 2006. وسوّغ هارئيل رأيه هذا بأن تفاصيل هذه الصفقة أصبحت واضحة، وتتمثل بإطلاق سراح عميد الأسرى اللبنانيين، سمير القنطار، وثلاثة مقاتلين من حزب الله أسرتهم إسرائيل خلال حرب لبنان الثانية وعدد من جثث المقاتلين اللبنانيين، مقابل الأسيرين الإسرائيليين. رغم ذلك أشار هارئيل إلى أن تنفيذ صفقة تبادل الأسرى السابقة بين إسرائيل وحزب الله، في العام 2004، استغرق شهرين ونصف منذ أن صادقت الحكومة الإسرائيلية عليها وحتى تنفيذها.

من جهة أخرى اعتبر هارئيل أن التوصل لصفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وحماس سيكون أصعب ومرهون بالتوصل إلى تهدئة في القطاع. وبرر هذه الصعوبة بأن حماس تطالب مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليت، بأن تطلق إسرائيل سراح 450 أسيرا فلسطينيا، وإصرار حماس على أن تشمل الصفقة أسرى نفذوا عمليات مسلحة سقط فيها قتلى إسرائيليين، وهو ما ترفضه إسرائيل حتى الآن، إضافة إلى أن خلافا واسعا يسود الجمهور الإسرائيلي حيال إطلاق سراحهم. ويشير هارئيل بذلك إلى أن الوضع الحساس للغاية الذي يعاني منه أولمرت، خصوصا على ضوء قضية تالانسكي وحصوله على رشى مالية، لا يسمح له بإقرار صفقة كهذه.

رغم ذلك لفت هارئيل إلى أن إسرائيل تتحرك ببطء نحو تهدئة في قطاع غزة. فوزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، لم يعد يُخفي معارضته لشن عملية عسكرية واسعة ضد القطاع في الوقت الحالي، على ضوء تدني مستوى التنسيق بينه وبين أولمرت، بعد أن دعاه للاستقالة في نهاية الشهر الماضي. ورجح هارئيل أنه إذا لم تطرأ مستجدات في اللحظة الأخيرة فإن التهدئة ستدخل حيّز التنفيذ قريبا من دون أن يطرأ تغير على وضع شاليت.

من جانبه كتب المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، ألكس فيشمان، أن جهاز الأمن الإسرائيلي اخترع تسمية جديدة، هي "ترتيب"، بدلا من مصطلح "تهدئة" أو "وقف إطلاق نار". واشار إلى أن جهاز الأمن بحث عن مصطلح "لا يلمح إلى وجود مفاوضات مع حماس أو اتفاق مع حماس أو اعتراف بمكانة حماس".

لكن فيشمان نقل عن مسؤولين في جهاز الأمن الإسرائيلي تقديرهم بأن هذا ال"ترتيب" لن يستمر طويلا. وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يعبر عن تخوف حقيقي من حدوث تطورات في القطاع مشابهة لما حدث في لبنان عشية نشوب حرب لبنان الثانية. وأوضح أن "ثمة تخوف من التصاق حماس بالشريط الحدودي: أن ترفع أعلاما، تقيم مواقع عسكرية، تزرع ألغاما، تحفر أنفاقا وتعد ألغاما استعدادا لحرب كما فعل حزب الله في لبنان".

وبحسب فيشمان فإن حماس تنازلت من خلال "ترتيب" جديد عن المطالبة بربط التهدئة في القطاع مع وقف عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. واعتبر فيشمان أن "حماس تنازلت عن مبدأ حديدي، وهي تعلن بذلك أنها لا تحارب من أجل كل الشعب الفلسطيني وإنما من أجل القطاع فقط. هذا تنازل بالغ بالنسبة لحماس. لكن ثمة شك فيما إذا كانت بقية الفصائل الأخرى، الأصغر، قادرة على التعهد بذلك".

أولمرت لرايس: البناء في مستوطنات القدس سيستمر

وفي غضون ذلك تواصل إسرائيل أعمال التوسع الاستيطاني في القدس الشرقية والضفة الغربية. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، قد عبرت عن قلقها من أعمال البناء الجديدة في الأحياء الاستيطانية في القدس وفي مستوطنات الضفة الغربية. لكن أولمرت أبلغها خلال لقائهما في القدس الغربية مساء أمس "أننا نبني في الأحياء اليهودية (في القدس الشرقية) التي يتوقع أن تبقى بأيدينا". وزعم "أننا لا نصادر أراض فلسطينية أخرى". وأضاف أولمرت أنه "لم يطرأ أي تغيّر على سياسة إسرائيل المتعلقة بالبناء والاستيطان وهي ما زالت على حالها، وأوضحنا هذا الأمر لمن نتحدث معهم، سواء كانوا أميركيين أو فلسطينيين، حتى قبل مؤتمر أنابوليس، وبعده أيضا".