الأكاديمية الفلسطينية

صعدنا قبل أيام إلى "الهدنة التاسعة" الفصائلية - السلطوية، وبفضلها هبطنا الى أسفل "الدرك السابع" باقتتال على أبواب المستشفيات، وفي ساحات الجامعات. للشعب الأكاديمي الأول على عرب المنطقة أن يضب لسانه من الفخر الى الخزي والعار.

غير أن الأكاديمية الفلسطينية أنجزت شيئاً بين الهدنتين الثامنة والتاسعة. ماذا فعلت؟ مركز "مدار" للدراسات الإسرائيلية وزّع تقريراً خاصاً عن الرئيس التاسع عشر لهيئة الأركان العامة الإسرائيلية قبل أسبوع من تنصيبه رسمياً، بالأمس، وخلال أسبوع من اختياره على منافسه موشي كابلينسكي.

هذه ليست مصادفة ولا طفرة، لأن مراكز الدراسات والأبحاث هي ورش عمل وليست مختبرات للفيزياء والكيمياء.. وخاصة، أن المركز ذاته، وزّع، بالأمس، خلاصة مؤتمر هرتسليا السابع للأمن الاستراتيجي الإسرائيلي وميزان المناعة القومية، مع استخلاصات رئيسية.

لا أعرف، مثلاً، هل أنجز مركز الدراسات الإستراتيجية - مؤسسة الأهرام المصرية تقريرين، بهذه السرعة، عن شأنين أمنيين إسرائيليين إستراتيجيين..

التقريران مهمان بحد ذاتهما، باعتبارهما انجازاً أكاديمياً.. ومهمان، أيضاً، لأن الجنرال أشكنازي متمرس في المعارك ضد الفلسطينيين بالذات، فهو كان ضمن الكوماندوس الإسرائيلي الذي حرّر الرهائن الإسرائيليين في عملية عينتيبي (أوغندا) 1976، وأصيب بجراح متوسطة، وإعاقات متوسطة في يده ورجله خلال "عملية الليطاني" 1978، ثم كان نائباً لقائد لواء خلال حرب 1982 في لبنان.. وأخيراً قاد لواء "غولاني" خلال الانتفاضة الأولى، ودافع عن جنوده الذين نكّلوا بمواطنين فلسطينيين.. وحارب اللبنانيين بين أعوام 1998- 2000 .

يفترض أنه يفهم العربية (على الأقل كما يفهمها وزير الخارجية السابق سلفان شالوم)، باعتبار أن أمّه يهودية سورية هاجرت الى إسرائيل في صباها .

من وجهة نظر الإسرائيليين، فإن القائد الـ19 للجيش هو أول ضابط من لواء "غولاني" العريق يتسلم القيادة، وفي الأهمية الثانية، العودة الى اختيار قائد للجيش من سلاح البر.. وفي الأهمية الثالثة، أنه جنرال - احتياط.

من الناحية السياسية، يعتقد أشكنازي أن نتيجة استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين ستؤدي، عاجلاً أم آجلاً، إلى انسحاب إسرائيل من غالبية الضفة الغربية. من الناحية العسكرية، عارض أشكنازي خطة باراك للانسحاب الأحادي من جنوب لبنان عام 2000 (ولكنه أشرف عليها)، وهو يعتقد أن على إسرائيل تنفيذ عملية واسعة في قطاع غزة، على غرار اجتياح الضفة العام 2002 (عملية "السور الواقي").

التقرير الثاني الخاص حول مؤتمر هرتسليا السابع، يعتبر، أكاديمياً، استمراراً لتقارير سابقة عن هذا المؤتمر، الذي اتخذ له اسم مدينة، اتخذت، بدورها، اسم هرتسل (أبو الصهيونية).

بعض الخبراء الإسرائيليين يرون أن مؤتمر هرتسليا السابع أقلّ لمعاناً وأهمية من مؤتمرات سابقة، في أحدها طرح شارون ملامح خطة الانسحاب غير المتفاوض عليه (الأحادي الجانب) من غزة، ووصف الاحتلال بأنه "احتلال". أما في مؤتمر هرتسليا السابع، فتحدث إيهود أولمرت، أساساً، عن "الخطر الإيراني" وتجاهل أي إشارة إلى الموضوع الفلسطيني.

مع ذلك، طرحت وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني سيناريو سياسياً "جريئاً" في المفاهيم الإسرائيلية السابقة، حول الدولة الوطنية الفلسطينية، كما قدم وزير الدفاع، عمير بيرتس، خطة من ثلاث مراحل (ستة أشهر، ثم ستة مثلها، ثم عام ونصف العام) قبل إقامة دولة فلسطينية.

يمكن القول إن الخبراء الإسرائيليين في الشؤون الفلسطينية والعربية بدأوا بتقدير مراكز البحث الفلسطينية في الشأن الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر 1973، ثم استخفوا بها في الفترة 1982- 2000 والآن، تعود هذه المراكز أكثر مهنية مما سبق، وإن كانت أقل استشرافاً إستراتيجياً، باعتبار الفوضى الإستراتيجية منذ عملية أوسلو، وباعتبار أن العمل الاستراتيجي انتقل الى يد الولايات المتحدة.

غير أن هذه تجربة جديدة، حيث يتعاون الخبراء الفلسطينيون على جانبي "الخط الأخضر" أكاديمياً من جهة؛ ويتعاونون، كذلك، مع خبراء إسرائيليين في الشؤون الفلسطينية من جهة أخرى.
قيل إن العرب بدأوا "تراجمة" لتراث الإغريق ونقلوه إلى أوروبا. لا بأس، إذاً، أن تلعب الأكاديمية الفلسطينية دوراً مشابهاً لصالح الفكر الإستراتيجي العربي في مجال الصراع مع إسرائيل.