معظم قادة إسرائيل الحاليين فاسدون أخلاقيًا

تراكمت في الآونة الأخيرة شتى الأنباء والآراء والتحليلات فيما يخص ملفات قضايا الفساد المطروحة اليوم بزخم على جداول أعمال كافة المنتديات الإسرائيلية.

للإطلاع على حيثيات وأبعاد هذه الطروحات أجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع الخبير القضائي الإسرائيلي والمحاضر في الجامعة العبرية- القدس، موشيه نغبي

أجرت اللقاء: غصون ريّان

(*) "المشهد الإسرائيلي": هل بإمكانك أن تعطينا خلفيّة عن الإجراءات القانونية وعلى من تقع المسؤولية في البحث والتحقيق وتقديم لوائح الاتهام في قضايا الفساد خصوصًا لدى الحديث عن مسؤولين سياسيين رفيعي المستوى؟

موشيه نغبي- في إسرائيل هناك نظام خاص جداً، ينصّ على أنّ المستشار القضائي للحكومة، الذي يتوجب أن يكون غير سياسي، هو الشخص المهني صاحب الصلاحية الاستثنائية في كل ما يتعلق بتطبيق القانون الجنائي، لذلك هو أيضاً صاحب القرار بشأن ملفات الفساد، وهو غير خاضع لإملاءات الحكومة أو وزير العدل ويتمتع باستقلالية تامة في اتخاذ القرارات. أمّا مراقب الدولة فهو يستطيع فحص أمور معينة وعند تقديم شكوى له عن أمر فيه التباس معين يستطيع مراقب الدولة البحث بالأمر، وفي حال تبين له أنٌ الأمر جنائي يحيل الموضوع إلى المستشار القضائي للحكومة، كون أنٌ مراقب الدولة ليست له صلاحية تقديم شخص للمحاكمة أو فتح ملف تحقيق ضد الشخص في الشرطة، فهذه المسؤولية تقع فقط على المستشار القضائي.

(*) هل تختلف الإجراءات القانونية إذا ما اختلفت وظيفة أو منصب الشخص المتورط بقضية فساد، مثلاً إذا كان المتورط هو رئيس الدولة أو وزير...؟

- الأمر الوحيد الذي يختلف هو أنّ رئيس الدولة أو الوزير أو عضو الكنيست يملكون حصانة، ما يعني أنّه بالإمكان التحقيق معهم، لكن من غير الممكن توقيفهم أو تقديمهم للمحاكمة قبل إسقاط الحصانة عنهم. وصاحب الصلاحية في إلغاء الحصانة هو الكنيست إذا ما كان الشخص وزيراً أو عضو كنيست، أما حصانة رئيس الدولة فتسقط فقط إذا ما استقال بنفسه، أو إذا ما قرّر الكنيست إقصاءه فعندها تسقط عنه الحصانة ويصبح بالإمكان اعتقاله وتقديمه للمحاكمة.

(*) هل تعتقد أنّ مسلسل الفساد الذي كشف النقاب عنه مؤخراً في إسرائيل والمتورط به مسؤولون كبار يعكس وضعًا مؤقتًا وجديدًا لم تعشه الدولة سابقاً، وإذا لم يكن جديداً فما هو المميّز وغير المألوف في الملف الحالي؟

- بدايةً أود القول إنّه بالإمكان النظر إلى موجة قضايا الفساد على أنّها سلبية بسبب كثرة قضايا الفساد، ويمكن النظر إلى الموضوع أيضاً، وهكذا أراه أنا، على أنّه إيجابي. أنا أعتقد أنّه دائماً هناك فساد، لأن الأشخاص في مراكز القوى لديهم إغراءات قوية لأن يكونوا فاسدين، وجزء منهم للأسف يتصرفون بصورة غير سليمة ولكن في نهاية الأمر ما يحسم القضية هو هل يوجد من يعالج الفساد أم لا. على الأقل نحن نرى أنّه يوجد من يعالج الفساد في إسرائيل، أظن أنّه أيضاً في فترات سابقة كان فساد لكن لم تتم معالجته كما يحدث الآن، هذا يعني أنّ كثرة قضايا الفساد هي دليل على أن السلطات تعالج هذه القضايا بإرادة وتصميم كبيرين. لقد مرّت فترات عاشت فيها الدولة وضعًا مماثلا. فقبل ثلاثين سنة في فترة حكومة إسحق رابين الأولى في سنوات السبعين أثيرت قضية "حساب الدولارات" حتى أنّه أقدم وزير (أبراهام عوفر) على الانتحار في أعقاب تحقيق معه في قضية رشوة. لقد كانت في تلك الفترة أيضاً موجة كبيرة من التحقيقات ثم أخذت هذه الموجات بالخفوت والهدوء. إلا أنني أعتقد أنّ هذا يعود إلى أنّ السلطات لم تكن معنية بكشف قضايا من هذا القبيل. في السنتين أو السنوات الثلاث الأخيرة يمكن ملاحظة صحوة مرّة أخرى في تتبع هذه القضايا. في النهاية أنا أعتقد أنّ الامتحان هو ما إذا كانوا حقاً سوف ينجحون في جمع دلائل كافية لإدانة الأشخاص المتورطين وإحالتهم إلى القضاء. إذا ما نجحوا فإن ذلك يظهر أنّ دولة إسرائيل هي دولة قانون قوية. حالياً ما زلنا في مرحلة التحقيق، جيد أنّ هناك تحقيقًا لكن الأهم يتعلق بالكيفية التي سينتهي بها التحقيق، لأنّ العديد من التحقيقات في الماضي انتهت دون أية إنجازات.

ليست لدي أيّة ثقة بلجنة فينوغراد

(*) إذا كان بالإمكان الاعتماد على الجهاز القضائي في إدانة المسؤولين المتورطين بقضايا الفساد، هل بالإمكان أيضاً الاعتماد على لجنة فينوغراد في إدانة المسؤولين عن الفشل في لبنان في الحرب الأخيرة وبشكل موضوعي تماماً؟

- بخصوص الجهاز القضائي، أعتقد أنّ الطريقة التي يتم بها تعيين القضاة، حيث أنّ التعيين ليس سياسياً وأيضاً أنّ بقاءهم في المنصب مضمون حتى جيل السبعين ومن غير الممكن إقالتهم إلا في حالات بالغة الخصوصية، فإنّ هذا هو بمثابة شهادة تأمين تضمن استقلال القضاة وعدم إمكانية التأثير عليهم. أعتقد أنّ هذا الأمر أثبت نفسه في معظم الحالات.

أمّا بشأن لجنة فينوغراد فأظن أنّه من الصعب جداً الاعتماد عليها، أولاً بسبب أنّ تعيينها جاء من قبل رئيس الحكومة نفسه (إيهود أولمرت) والذي قام باختيار أعضائها وهذه وصمة تشير إلى أنّ التعيين هو سياسي وأنا أعتقد أنّه كان يتوجب إقامة لجنة تحقيق رسمية تعين من قبل رئيس محكمة العدل العليا. ثانياً كل النقاشات تجرى بصورة سريّة، وهذا بحد ذاته حسب رأيي يمس جداً بمصداقيتها. لذلك ليست لدي أيّة ثقة بهذه اللجنة.

(*) هل قضايا الفساد مرتبطة بحزب معين أو بفترة صعبة تعيشها إسرائيل أم أنّها أكبر وأشدّ خطورة من ذلك ومرتبطة بانهيار قيم ومبادئ في المجتمع الإسرائيلي؟

- الخيار الأخير هو الصحيح. لا أعتقد أنّ هذه مشكلة حزب معين أو فترة معينة وإنما للأسف الشديد هناك أشخاص فاسدون في كل المعسكرات، كما أنّه يوجد أشخاص مخلصون. في الحقيقة أظن أنّ المشكلة هي أخلاقية وأنّ الناس توقفوا عن الشعور بالخجل لكونهم فاسدين وبسبب وجود الفساد في أوساط المسؤولين رفيعي المستوى. وهذا يعطي الشعور أنّ غير الفاسد هو مجرد أبله.

(*) ما هي العوامل التي أدّت إلى هذا الانهيار في القيم والمعايير؟

- من الصعب الإجابة عن ذلك باقتضاب. لقد ألفت كتابًا بعنوان "أصبحنا مثل سدوم" صدر قبل سنتين وفيه أشرح بالتفصيل عن مشاكل خطيرة جداً في التربية وأيضا مشاكل لها علاقة بالتاريخ. يجب أن نذكر أنّ الشعب اليهودي في معظم الفترات التاريخية، سواء في المنفى وأيضا في البلاد، عاش في ظل نظام حكم أجنبي. وعملياً فإنّ الفلسطينيين في البلاد أيضًا عاشوا في ظل حكم أجنبي ولم يعتادوا على فكرة الدولة المستقلة، وربّما لذلك هناك الآن نفس مشكلة الفساد في السلطة الفلسطينية. لقد اعتاد الناس على أنّ القانون والشرطة تابعان لنظام الحكم الجائر والظالم، وهذا أدّى أيضاً إلى الامتناع عن تقديم الشكاوى والتي كانت تدرك على أنّها وشايةً، وعلى الرغم من أنّنا دولة مستقلة منذ ما يقارب الستين عاماً إلا أنّ هذه الأفكار ما زالت قائمة.

(*) إذا كان الحديث عن ظاهرة فهل هي في ازدياد؟ وهل الفشل الأخير في لبنان هو أحد عوارضها؟

- أعتقد أنّ جميع الأمور مرتبطة معاً. أنا مثلاً أتساءل لماذا أولمرت لم يعين عمير بيرتس وزيرًا للمالية وإنما عيّنه وزيراً للدفاع؟ وهذا أحد العوامل السلبيّة الذي كان له وقعه في الحرب. الساسة اعتادوا على فكرة فاسدة هي أنّ السلطة والوظائف الحكومية أمر شخصي يخصهم وأنّ بإمكانهم استغلال ذلك لأغراض سياسية لمنفعتهم. لذلك كان أفضل لأولمرت أن يكون صديقه وزيراً للمالية ويكون عمير بيرتس وزيراً للدفاع حتى يوافق على الانضمام للائتلاف الحكومي. ولم يهم أولمرت بتاتاً إذا كانت هذه الخطوة تخدم الجمهور وإذا كان بيرتس مؤهلا لتسلم هذا المنصب.

(*) إذا كان بالإمكان اعتبار التحرشات الجنسية ظاهرة شائعة في العديد من الأجهزة العامة، فما هي العوامل التي ساهمت في كشف النقاب عن هذه الظاهرة وإحالتها إلى أروقة القضاء؟

- هذه الظاهرة واسعة جداً، ومرّة أخرى هذا نابع من تربية غير سليمة، ذكورية وشوفينية وتقدّس القوة. لقد اعتادوا على اعتبار المرأة أنّها أقل قيمة لا تساوي الرجل وأنها مجرد شيًء خصص لمتعة الرجل. الأمر الذي أدّى إلى زيادة الوعي هو في المقام الأول عمليّة تربويّة هائلة وهذا بالذات أمر ناجح. سيطرة النساء في العديد من الميادين وبالأساس في المجال القضائي وإقامة العديد من المنظمات النسائية وهذا يشمل القطاع العربي وأيضا في أوساط المتدينين والحريديم، ساهم في إحداث هذا التغيير. وفي المقام الثاني الأمر يعود أيضاً إلى التشريع، فلقد تم سن قوانين ساهمت في إحداث تغيير كبير في هذا الموضوع. وليس الحديث عن قانون التحرشات الجنسية فقط، وإنّما أيضا كل ما يتعلق بتعريف مصطلح "اغتصاب". لقد تغيّر القانون في العشرين سنة الأخيرة بصورة جذريّة. في الماضي على سبيل المثال، حتى يتم إثبات حالة اغتصاب كان ذلك يتطلب إثبات أنّ الرجل استعمل القوّة وأنّ المرأة اعترضت بالقوّة وبصورة فعّالة، اليوم لا حاجة لإثبات أنّ ذلك تم بالقوّة ويكفي أن يتم إثبات أنّ المرأة لم توافق. كل ملامسة جنسية بدون موافقة المرأة تعتبر اغتصابًا، هذا بمثابة انقلاب كبير جداً أحدثته التربية والقانون معاً.

تنقص المجتمع الإسرائيلي التربية على تحمّل المسؤولية

(*) هل حسب رأيك يتصرف القادة بمسؤولية عندما يقررون الاستقالة الواحد تلو الآخر أم أنّ استقالاتهم تأتي متأخرة نوعًا ما؟

- أنا أرى أنهم تقريباً لا يستقيلون. أعتقد أنّه توجد لدينا مشكلة أساسية يطلق عليها بالإنكليزية accountability"" (قابلية للمحاسبة) وليس بالصدفة أنّه لا توجد كلمة مقابلة لها باللغة العبرية. على ما يبدو أنّ ذلك يعود إلى حقيقة أنّ الوضع الذي يأخذ به المتورط بقضية ما المسؤولية على عاتقه غير قائم لدينا. تحمل المسؤولية لدينا هو فقط شكلي، يصرّحون بذلك لكن لا يفعلون شيئاً. أنا لا أقترح أن نصل إلى حدّ التطرف كما هو قائم في اليابان، إذ هناك من ينتحر إذا ما ثبتت مسؤوليته عن تقصير ما. تنقصنا في المجتمع الإسرائيلي التربية على تحمل المسؤولية والاستقالة إذا ما لزم الأمر. هذا يعتبر غير مألوف لدينا. سبق أن ذكرت أنّه قبل ثلاثين عاماً قدّم إسحق رابين استقالته بسبب "حساب الدولارات"، لكن هذا نادراً ما يحدث في إسرائيل، المسؤولون يقبلون على تقديم استقالاتهم بشكل عام فقط عندما يتّضح لهم أنّه لا يوجد مفر أمامهم سوى الاستقالة وإلا ستتم إقالتهم أو سيتمّ إقصاؤهم عن مناصبهم.

(*) ألا ترى أنّ قضايا الرشوة والاختلاس واستغلال المنصب غير جديرة بإحداث ضجة كبيرة، لأن معظم أصحاب المناصب من كل القطاعات حتى الصغيرة كالمجالس المحلية متورطون بقضايا كهذه على ما يظهر؟

- على عكس ذلك تماماً، أعتقد أنّ ما تقولينه هو سبب لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، وبالذات لأن هذه المخالفات واسعة النطاق يجب معالجتها في الحال، وحين تتم معالجة فساد أصحاب المناصب المرموقة سيكون ذلك بمثابة عبرة لأصحاب المناصب الصغرى.

(*) كيف ترى مستقبل المسؤولين المتورطين بقضايا فساد؟

- الكل منوط بالكيفية التي ستنتهي بها التحقيقات الجارية حالياً. أظن أنّهم لوحدهم لن يستخلصوا العبر ولذلك يجب إجبارهم على تحمّل المسؤولية عن طريق المحاكم.

(*) ما هو تقييمك لمواقف الجمهور بشأن قضايا الفساد وبالذات بشأن قضية الفشل في لبنان بالمقارنة مع مواقفه في قضايا سابقة؟

- أعتقد أنّ الجمهور تحول إلى غير مبال، لا يهتم كثيراً بقضايا الفساد وبالفشل، وليس بمقدوري تفسير ذلك، ربما كانت المشكلة تربوية بسبب التغييرات في السكان. من الجدير ذكره أنّه وصل إلى البلاد قرابة المليون شخص من الاتحاد السوفييتي السابق الذين لم ينشأوا في ظل نظام حكم ديمقراطي، لذلك تنقصهم بالتأكيد التنشئة الديمقراطية. لكن أظن أيضاً أنّ الجمهور عامة غير مبال لما يحصل بالمقارنة مع ما حصل مثلاً في أعقاب حرب الغفران (حرب أكتوبر 1973) عندما أدّت المظاهرات إلى إسقاط الحكومة آنذاك، إلا أنّ هذا لا يحصل الآن.

(*) هل إدانة حاييم رامون، وزير العدل الإسرائيلي السابق، هي بمثابة سابقة قضائية تسهم في النضال النسوي في إسرائيل، أم أنّ هناك جوانب سياسية لمحاكمته من وراء الكواليس؟

- لا أعتقد أنّ هناك جوانب سياسية للمحاكمة، أعتقد أنّها سابقة مهمة بسبب النشر الواسع الذي لقيته. لقد سبق أن كانت في الماضي حالات شبيهة وأدين أشخاص على تهم مماثلة. هذه ليست الحالة الأولى إلا أنّها المرة الأولى التي تنشر فيها قضية كهذه في وسائل الإعلام وبهذا الزخم. أعتقد أنّها سابقة قضائية لسببين: الأول هو ما ذكرته سابقاً أنّه لا يجوز ملامسة امرأة بشكل حميم، حتى وإن لم تكن علاقة جنسية، من غير موافقتها، هذا مبدأ هام جداً وأيضاً المبدأ الآخر أنّه لا يجوز استغلال منصب معين كرئيس أو ضابط أو رجل مهم في سبيل الحصول على متعة جنسية. لا يجوز للمسؤول أن يستغل امرأة خاضعة له. أظن أنّ القضية المطروحة ساهمت في إيصال هذه الرسالة التي تضم هذين المبدأين ولا يوجد لدي أدنى شك في أنّ المسؤولين سيفكرون من الآن فصاعداً عشر مرات قبل الإقدام على عمل من هذا القبيل.

(*) لم يتدخل المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، في مرحلة معينة في القضية المرتبطة بأولمرت (تتعلق بخصخصة أحد البنوك الكبرى)، وربما يعود ذلك إلى أنّ شقيقته (يميمه مزوز)، وهي المستشارة القضائية في وزارة المالية، متورطة هي الأخرى في هذه القضية. ألا يضع ذلك علامة استفهام حول نزاهة وأداء المستشار القضائي للحكومة؟

- أظن أنّ هناك مشكلة موضوعية في كون أخت المستشار القضائي متورطة بجزء من القضية، وهو نفسه أدرك ذلك ولذا قرر أن يحيل الأمر إلى النائب العام للدولة والذي عملياً يعتبر نائبه. أرى أنّ ذلك لن يؤثر على مجريات التحقيق. إذا كان الشخص في موضع مسؤولية لا يستطيع أن يمنع مقربيه من ارتكاب الأخطاء، هذا من الممكن أن يحصل، وأرى أنّ المستشار القضائي فعل صواباً عندما أحال الملف إلى جهة أخرى لمعالجتها وأنا أثق باستقامته وأثق أنّ الأمر لن يؤثر على النتيجة النهائية للتحقيق.

(*) كيف تقيم أداء المستشار القضائي للحكومة بالذات مؤخراً، إذا أمكن اعتباره البطل في ميدان حلقات الكشف عن الفساد؟

- بدايةً هو ليس بطلاً في نظري. في أحسن الأحوال يمكن القول إنّه بدأ الآن ينفذ واجباته كما ينبغي. أظن أنّ أداءه سابقاً كان سيئاً جداً، وقد أظهر ضعفاً شديداً في التعامل مع قضايا الفساد والمثال الأبرز هو ملف شارون، أو ما يعرف بـ"الجزيرة اليونانية"، وأيضاً قضايا شارون الأخيرة والتي عملياً قام بإغلاقها جميعاً. أنا لم أقتنع أنّه لم يكن بالإمكان عمل المزيد في هذه الملفات. لكنه مؤخراً بدأ يقوم بواجباته كما ينبغي، وإنّ ذلك لا يجعله بطلاً لأن هذا واجبه وسنرى لاحقاً ماذا سيحدث، سأكون فرحاً جداً إذا تحسن أداؤه. حالياً من المبكر تقييمه.

(*) ضحايا رئيس الدولة، موشيه قصاب، صمتن لفترة ليست قصيرة والآن يقمن باتهامه، رامون يدان بسبب قبلة بالقوّة والكثير من أعضاء الكنيست نسبوا الفساد إلى الحكومة الحالية ونادوا باستقالتها. ألا تظن أنّ هناك من يحرك كل هذا وأنّ موجة الفساد ما هي في نهاية الأمر إلا لعبة رجال السياسة الذين يحاولون التخلص من خصومهم في الحكم؟

- لا، أنا لا أظن ذلك. أعتقد أنّ رجال السياسة يستغلون هذه الموجة لخدمة أهدافهم، وهذا لا يمكن منعه وحتى أنّه شرعي. إنّه لأمر مألوف أن تحاول المعارضة استغلال كل فشل مرتبط بالنظام الحاكم. ربما قسم من شكاوى الفساد تكون نابعة من دافع سياسي، لكن هذا لا يؤثر سلباً. جيد أن يتم تقديم الشكوى. لنترك السياسيين جانباً، لنفترض أنّ شخصاً ما يشتكي على فساد يراه بمكان عمله، في العديد من الحالات يكون ذلك لأنه لم يتلق منصبًا معينًا أو ترقية، لا تهم الأسباب، ما يهم هو هل كان هناك فساد أو لم يكن.

(*) وما هي رؤيتك لدور وسائل الإعلام الإسرائيلية في هذا الشأن؟

- وظيفة وسائل الإعلام على قدر كبير من الأهميّة. دائماً أحب أن أقتبس جملة القاضي الأميركي برندايس "ضوء الشمس هو مادة التطهير الأفضل". أنا أؤمن أنّه إذا تم إخراج شيء ما إلى ضوء الشمس عندها تضمن أن تتم معالجته. هناك مشكلة مع وسائل الإعلام أنّها تجارية، لذلك في كثير من الأحيان يوجد لوسائل الإعلام اعتبار تجاري في منع نشر أمور معينة. على سبيل المثال، إذا كانت جهات معينة تنشر إعلاناتها في الصحيفة فلن يتم نشر أية معلومة تسيء إلى هذه الجهات. هذا حدث سابقاً مع صحيفة "معاريف".

وأظنّ أنّ الصحافة عالجت مسألة الفساد في فترة شارون بصورة غير سليمة. كان هناك شعور سائد أن وسائل الإعلام لا تريد التعامل مع قضايا الفساد المرتبطة بشارون، لأنها دعمت خطة الانفصال ولم تشأ إرباكه بل أتاحت له الفرصة حتى يتمكن من تنفيذ الخطة. هذا برأيي تصرف مرفوض وأعتقد أنّه منذ الحرب الأخيرة أصبح الإعلام نقدياً أكثر وهو يؤدي دوراً هاماً فيما هو حاصل اليوم على الساحة السياسية.

(*) رئيس هيئة الأركان العامة باع أسهمه في البورصة عند نشوب الحرب، وزير العدل أدين بأنّه قبّل مجنّدة بالقوة في ديوان رئيس الحكومة أيضا عند انطلاقة الحرب، بينما النائب والوزير السابق تساحي هنغبي هرب مع عائلته إلى الولايات المتحدة...هل هناك أزمة قيادة في إسرائيل؟ وهل انتهى عصر القادة الإسرائيليين الذين ينصب اهتمامهم الأول في "حماية أمن وسلامة دولة إسرائيل"؟

- بشأن تساحي هنغبي، أريد القول إنّني لست واثقا من أنّ سفره كان هروباً، أنا أتحفظ من ذلك. أما إذا كنت تسألينني بشكل عام فأنا أعتقد للأسف أنّ معظم القادة اليوم لا يولون أهمية للأخلاق والفضيلة. لا أريد التعميم وشملهم كلهم، عندها لن أكون عادلاً، إلا أنّه يبدو لي أنّ الغالبية العظمى منهم في كافة الأحزاب فاسدون أخلاقياً. لا أريد أن أتطرق فيما إذا كانوا فاسدين جنائياً لأنّ ذلك من اختصاص المحاكم، لكنهم فاسدون أخلاقيا بمفهوم أنّهم يرون في مناصبهم أداة لخدمة رغباتهم الشخصية، سواء كانت رغبات مادية أو جنسية أو رغبات مقربيهم. هذا الوضع بائس وجديد بمفهوم أنّهم لا يخجلون بذلك، وحتى عند ضبطهم هم لا يخجلون بأفعالهم، في الماضي على الأقل كان المتورطون يخجلون ولذا يحاولون التستر على أفعالهم.

(*) هل يمكن أن يشكل هذا الوضع خطراً على الدولة أكثر من التهديد الخارجي؟

- لا أعرف، لست مختصاً بالتهديدات الخارجية. ربما تكون قنبلة ذريّة توجه من إيران أكثر خطورة. لست مختصاً بذلك لكن هذا الوضع خطير للغاية، فإنّ غياب المنظومة الأخلاقية عند المسؤولين يخلق قلة ثقة عند الجمهور وهذا بدوره يؤدي إلى فساد الوازع الأخلاقي لديهم. حين يرى الجمهور أنّ المسؤولين يتصرفون على هذا النحو فهو أيضاً سيتصرف من خلال دوافع شخصية، وستكون الدولة عرضة للانهيار. لغاية الآن أنا لا أرى أنّ المجتمع الإسرائيلي ينهار، ما زال هناك في الجمهور الواسع الكثير من العوامل الايجابية، ولكن إذا ما استمر الوضع على هذا المنوال فهذا غير صحي.

سيكون الوضع أسوأ فيما لو تم إخفاء قضايا الفساد

(*) هل يضع ملف الفساد إسرائيل في أزمة على الصعيد الدولي، أم أنّ هذا الوضع طبيعي في كل دول العالم؟

- كما سبق أن ذكرت يمكن النظر إلى هذا الموضوع من منظارين مختلفين. هذا طبعاً لا يعطينا المزيد من الشرف، ولكن من جهة أخرى سيكون الوضع أسوأ فيما لو تم إخفاء قضايا كهذه. وعلى الأرجح ستبدو إسرائيل عندها كدولة نظيفة لكن منحلة من الداخل. جيد أننا نكشف هذا الانحلال ونحاول معالجته.

(*) قضايا الفساد في الشأن الإسرائيلي يكشف عنها النقاب وتتم إدانتها من جميع الأطراف، فماذا عن قضايا الفساد المتورط بها الجيش الإسرائيلي وضحاياها هم فلسطينيون، كيف تقيّم أداء وسائل الإعلام، الجمعيات ورجال القانون في كشف قضايا كهذه؟

- أيضاً في هذا الشأن كتبت فصلا كاملا في كتاب "أصبحنا مثل سدوم". أعتقد أنّ معالجة كل موضوع الفساد بل كل ما هو مرتبط بالجيش، سواء من قبل المسؤولين في الجيش أو من قبل وسائل الإعلام، ليست سليمة. هذا نابع من كون وسائل الإعلام لدينا مجنّدة في كل ما يتعلق بالجيش والأمن وهي لا تتصرف بطريقة ديمقراطية. ينطبق الأمر على ما يفعله الجيش بالفلسطينيين وأيضا على موضوع التحرشات الجنسية في الجيش وأيضا على حوادث في الجيش تتسبب بمقتل جنود ولا يتم اتخاذ أي إجراء ضد القادة المسؤولين عن ذلك. لقد كتبت عن كل ذلك في الكتاب الذي ذكرته سابقاً وموقفي سلبي جداً إزاءه.

(*) يوجد تقريباً تعتيم إعلامي من قبل وسائل الإعلام على تورّط حاخامات يهود في كثير من الأحيان بقضايا اغتصاب، هل يتمتع الحاخامات بحصانة أكثر من رجال السياسة؟

- على المستوى الرسمي الإجابة هي لا. لكن من الناحية العملية ووفقا لما يجري في الميدان أعتقد أنّ الانطباع السائد أنّ هناك شيئاً ممّا تقولينه، لم أفحص الأمر ولذا لا أستطيع أن أجزم في ذلك، لكن الشعور العام هو أنّ الجهات المسؤولة عن تطبيق القانون تخاف من التعامل مع رجال الدّين بالأخص إذا كان الحديث عن رجال دين أصحاب كاريزما قويّة لأنها تخاف من ردة فعل التابعين لهم. أظن أنّ هذا الإدّعاء ينطبق إلى حد معين أيضاً على رجال دين مسلمين من الوسط العربي. وهذا غير مقرون فقط بالمخالفات الجنسية إنما أيضاً بموضوع التحريض. على سبيل المثال نحن نعرف أنّه لغاية اليوم لم يتم فعل شيء لحاخامات حرضوا ضد رابين على الرغم من أنّ ذلك أدّى إلى اغتياله. أظن أنّ هذا يوضح الصورة. وأعتقد أنّك صادقة بالنسبة لموضوع التحرشات الجنسية. يوجد في كل حين قضايا من هذا القبيل لا تنتهي كما ينبغي.