التعليم العالي في إسرائيل بين الخصخصة واللامساواة

عملية توسع شبكة التعليم العالي وظهور مؤسسات أكاديمية جديدة في إسرائيل واكبتها في الواقع تصريحات كثيرة حول زيادة وصول أبناء الطبقات الضعيفة إلى الدراسات الأكاديمية، لكنها أفادت بشكل أساسي الطلبة المقتدرين- هذا ما يستدل من تقرير عن موضوع "الحق في التعليم العالي في إسرائيل" أصدره أخيراً مركز "أدفا" (مركز معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل).

وبحسب ما ورد في التقرير فإن الشروط والميزانيات الخاصة بالكليات التي أقيمت في الضواحي تعتبر متدنية قياساً بالكليات التي أقيمت في المركز، ووصفت تلك الكليات في التقرير على أنها "مؤسسات تعليم صنف ب". كذلك فإن نسبة طلبة الجامعات والكليات المنتمين لعائلات فقيرة ما زالت منخفضة جداً.

يرسم التقرير صورة قاتمة لعدم المساواة في جهاز التعليم العالي، ويبين كيف تنصلت الدولة بشكل جزئي من مسؤوليتها "عن إيجاد جهاز تعليم عام، ممول ومتساوٍ".

ويعد التقرير أشمل وثيقة تنشر حتى الآن في موضوع عدم المساواة في جهاز التعليم العالي.

في فترة التسعينيات ازداد عدد مؤسسات التعليم وارتفع بصورة ملموسة عدد الطلاب. هذه العملية صاحبتها تصريحات ووعود بتوسيع وزيادة حجم الوصول إلى التعليم العالي، غير أن هذا التوجه "لم يعزز المساواة في الوصول إلى التعليم العالي"، حسبما أكد التقرير.

توسيع الجهاز تم عن طريق إقامة كليات خاصة، تتراوح أجرة التعليم فيها بين 15 ألف إلى 30 ألف شيكل، وكذلك عن طريق إضافة كليات عامة (حكومية). غير أن الكليات الأخيرة، كما ذكرت معدة التقرير، نوغا دغان- بوزاغلو، أقيمت سلفاً لتكون "مؤسسات صنف ب"، مؤسسات هامشية ذات ميزانيات هزيلة مخصصة للطلاب محدودي الدخل.

ووفقاً لما أورده التقرير فإن السياسة التي تتبعها لجنة التخطيط والتمويل في مجلس التعليم العالي تقلص فرص النمو وتضعف مكانة المؤسسات التي يتعلم فيها طلاب ينتمون إلى الفئات المحدودة الدخل، كالكليات العمومية (الحكومية) في الضواحي أو الهوامش. ومن ناحية مجالات التعليم لم يسمح لهذه الكليات في الغالب سوى بتعليم مهن ذات إيرادات متدنية نسبياً في سوق العمل. كذلك فإنها غير مؤهلة للانشغال في الأبحاث، فضلاً عن أن لجنة التخطيط والتمويل لا تحوّل لها ميزانيات لهذا الغرض، الأمر الذي يمس أيضاً بنوعية التعليم.

كذلك فإن توزيع الميزانيات يفضل الجامعات على الكليات. في العام 2005 كانت نسبة الدارسين في الكليات 22% من مجموع الطلاب في مؤسسات التعليم العالي، غير أن نصيبها في الميزانية الاعتيادية (لا تشمل ميزانيات التطوير والإيرادات من أجرة التعليم والتبرعات) بلغ 14% فقط.

زيادة عدد أماكن التعليم أدت إلى خفض مستوى شروط القبول، الأمر الذي مكن طلبة لم يقبلوا في الماضي للدراسة في الجامعات، من الوصول إلى التعليم الأكاديمي. ولكن "جنباً إلى جنب بقيت على حالها، بل وتعززت العلاقة بين القدرة الاقتصادية وبين الوصول إلى التعليم العالي".

حالياً يتركز في الكليات العمومية طلبة من مدن وبلدات ذات مكانة اجتماعية- اقتصادية متدنية (في العام 2004 أتى حوالي 56% من طلبة هذه الكليات من بلدات تحتل مكانة اقتصادية متدنية، مقابل 5ر26% في الكليات الخاصة) وطلبة من سكان الضواحي (نحو 39% من طلبة الكليات العمومية هم من سكان الضواحي مقابل نحو 16% في الكليات الخاصة).

الكليات الخاصة

في التسعينيات، وبعد ضغوط كثيرة من جانب شبان ذوي مقدرة، ممن لم ينجحوا في الالتحاق بكليات الحقوق في الجامعات، سمح مجلس التعليم العالي بإقامة الكليات الخاصة. فتح هذه الكليات بموافقة وتشجيع الدولة "أضر بجهاز التعليم العالي" حسبما ذكر التقرير. فقد عمق ذلك عدم المساواة في التعليم، وأتاح إمكانيات جديدة، خاصة أمام الطلبة الميسورين الذين كانوا يسافرون في السابق للدراسة في الخارج، بالإضافة إلى نافذة ضيقة أمام طلبة عرب (مسيحيين) ينتمون لعائلات ميسورة.

الكليات الخاصة أقيمت كافتها في المركز (وسط إسرائيل) وتوسعت بسرعة. وخلافاً للكليات العمومية، فإن "الخاصة" لا تخضع لاعتبارات مصلحة الاقتصاد والمجتمع التي يؤكد عليها مجلس التعليم العالي عند اعترافه بكلية أو ببرامج دراسية جديدة. وقد أدخلت الكليات الخاصة برامج كثيرة في مجالات ذات طلب مرتفع مثل الحقوق وإدارة الأعمال والتسويق، وهي مجالات السمة المشتركة بينها هي التكلفة المنخفضة للدراسة.

ويتيح تضافر عاملي التكاليف المنخفضة والمدخولات العالية من أجرة التعليم، للكليات الخاصة استقطاب محاضرين مطلوبين عن طريق دفع رواتب أعلى بكثير من المألوف. في المقابل لا يسمح مجلس التعليم العالي للكليات الحكومية بإدخال برامج في مجالات ذات شأن كالحقوق، نظراً لأن الكليات الخاصة خلقت فائضاً في الخريجين من هذا المجال.

إلى ذلك فقد تعمق التمييز الطبقي أكثر فأكثر جراء الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الانتفاضة الثانية، والتي أدت إلى تقليص ميزانية التعليم العالي بنحو 20% (أكثر من مليار شيكل). ونظراً لأن عدد الطلبة استمر في الازدياد فقد تقلصت الميزانية المخصصة لكل طالب من نحو 37 ألف شيكل في العام 1996 إلى نحو 28 ألف شيكل في العام 2004.

سياسة القبول

يتفحص التقرير ما إذا كانت التصريحات حول تساوي فرص الوصول للتعليم العالي مطبقة في سياسة القبول لدى مؤسسات التعليم العالي. رسمياً لا يوجد تمييز كما أن شروط القبول موحدة. ولكن هناك عملياً فجوات كبيرة في القبول للجامعة. في العام 2004 بلغت نسبة اليهود الذين لم يقبلوا للدراسة في أي جامعة حوالي 19% مقابل 47% لدى (السكان) العرب.

وكعوامل رئيسة أشار التقرير إلى عدم المساواة في جهاز التعليم، والتي تؤدي إلى تدني نسب استحقاق الحصول على شهادة "البجروت" الملائمة لمتطلبات وشروط القبول في المؤسسات الأكاديمية، في أوساط الشرقيين والعرب والقادمين من أثيوبيا، بالإضافة إلى امتحان البسيكومتري الذي يستخدم كوسيلة لفرز المرشحين المتحدرين من خلفيات اجتماعية وثقافية مختلفة.

وفقاً للتصريحات، كان من المفترض بالكليات أن تحقق زيادة في فرص الالتحاق بالتعليم العالي في الضواحي، ولكن من ناحية فعلية يبدو أن هذه الفرصة متاحة أكثر لأبناء البلدات الغنية، التي يصل 1ر18% من أبنائها إلى الدراسة في كلية، مقابل 6ر2% من الشبان في البلدات الأكثر فقراً.