مفكرة "المشهد": الخط الأخضر

الخط الأخضر عبارة عن خط وقف إطلاق النار بين إسرائيل وبين الدول العربية التالية التي حاربت إسرائيل في العام 1948: مصر والأردن وسورية ولبنان، استنادا إلى اتفاقيات الهدنة ووقف إطلاق النار التي تم التوقيع عليها بين إسرائيل والدول العربية المذكورة في رودس في العام 1949.

أما أصل الاسم فيعود إلى استعمال قلم اخضر لترسيم حدود وقف إطلاق النار على الخريطة التي عالجت هذا الموضوع في حينه. ويشير الخط الأخضر من ناحية أخرى إلى الحدود الفاصلة بين إسرائيل وبين الضفة الغربية التي ضمت إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وبين إسرائيل وبين قطاع غزة الذي ضم إلى مصر.

وهناك من يستعمل عوض الخط الأخضر مصطلحا آخر، وهو "حدود ألـ 1967"، أو "حدود 67"، للدلالة على الحدود التي اجتازها الجيش الإسرائيلي في عمليات احتلال الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولكن عمليا الخط الأخضر تم تحديده في العام 1949 وليس في العام 1967.

وفيما لو دققنا النظر في موضوع الخط الأخضر لتبين لنا أنه من الناحية الرسمية لا يشكل حدودا بين إسرائيل والدول العربية المحيطة، إنما خط فصل قوات عسكرية في أعقاب حرب بين الطرفين. أما من الناحية العملية والسياسية، على وجه الخصوص، فإن الخط الأخضر هو حدود بين إسرائيل والدول العربية.

تتعامل إسرائيل مع الخط بعدة طرق واتجاهات، فهي تعتبره الخط الفاصل بينها وبين الأراضي الفلسطينية. أي بين الأراضي التي تديرها إسرائيل مباشرة على يد الإدارة العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي، والأراضي التي تديرها السلطة الوطنية الفلسطينية.

من الناحية التاريخية شمل الخط الأخضر قرابة 78% من مساحة فلسطين الانتدابية. أما المناطق المتبقية فهي مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

وأشارت اتفاقية الهدنة بين إسرائيل والأردن (بند رقم 2، فرع 2) إلى أن هذه الاتفاقية ليست سوى اتفاق عسكري، وأن بقية الخلافات المتعلقة بالحقوق والادعاءات ومواقف الأطراف الخاصة بمسألة فلسطين يتم تسويتها بالطرق السلمية. وأن أي طرح لقضية مناطق أو أراض لا يعالجها اتفاق الهدنة بأي شكل من الأشكال.

من جهة أخرى فإن الخط الأخضر كوّن في منطقتي الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة مناطق مغلقة كثيفة السكان. ومما زاد تعقيد ترسيم الخط أنه تم تقسيم قرى (برطعة الشرقية والغربية)، وإخراج أراضي مدن وقرى من حيز نفوذها (قلقيلية)، وتحويل منطقة وادي عارة (وتعرف بـ "المثلث") إلى إسرائيل بموافقة الحكومة الأردنية في العام 1949.

أما من الناحية القانونية فإن الخط الأخضر هو الحد الفاصل إداريا بين الأراضي الخاضعة لإسرائيل والأراضي الخارجة عن إسرائيل. لهذا فإن القانون الإسرائيلي رسميا غير ساري المفعول على الأراضي الفلسطينية المحتلة من العام 1967 أو تلك التي تقتحمها إسرائيل بين الفينة والأخرى. بمعنى أن القوانين الأردنية بقيت سارية المفعول في الضفة الغربية في القضايا المدنية، والقوانين العسكرية الإسرائيلية التي عالجت وتعالج كل المسائل الأمنية والعسكرية للضفة الغربية. إذن وجد جهازا قضاء في الضفة الغربية. وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع غزة، إذ بقيت القوانين المصرية سارية المفعول إلى جانب القوانين العسكرية الإسرائيلية.

أعادت الاتفاقيات بين إسرائيل ومصر من العام 1979 ترسيم الحدود اعتمادا على ترسيم دولي من العام 1906 بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية البريطانية (الأخيرة كانت تحكم مصر). وهذا الترسيم مشابه للخط الأخضر. أما قطاع غزة فبقي ضمن ترسيم الخط الأخضر من العام 1949.

أما اتفاقيات أوسلو (1993) فإنها قسمت أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية (التي أُقيمت في أعقاب هذه الاتفاقيات) إلى ثلاث مناطق: منطقة (أ) تحت إدارة كاملة من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية. منطقة (ب) تحت إدارة مدنية فلسطينية وعسكرية إسرائيلية. منطقة (ج) تحت إدارة عسكرية إسرائيلية كاملة، وفيها المستوطنات.

أحدثت هذه الاتفاقيات بعض التعديلات على توزيع المناطق ولم يرد ذكر للخط الأخضر، ولكن رسميا لم تلغ الخط الأخضر.

ولم يرد ذكر الخط الأخضر في اتفاقية السلام (وادي العربة) بين إسرائيل والأردن للعام 1994. إنما تم الاستناد إلى ترسيم الحدود بين فلسطين الانتدابية وبين إمارة شرقي الأردن. ولأن فلسطين وشرقي الأردن كانتا تحت الاحتلال البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى فإن ترسيم الحدود لم يكن رسميا ودقيقا. أما اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن فإنها اعتبرت نهر الأردن هو الخط الحدودي الفاصل بين الدولتين.

الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في العام 2005 بقرار من حكومة أريئيل شارون، وإنهاء الحكم العسكري رسميا عن القطاع، وتفكيك المستوطنات، وعودة القوات الإسرائيلية إلى التمترس والتمركز على حدود 1949 (وقف إطلاق النار) هو عينه الانسحاب حتى حدود الخط الأخضر، بالرغم عن أن الحكومة الإسرائيلية لا تعترف بذلك.

ينقسم المجتمع الإسرائيلي بين مؤيد للعودة إلى الخط الأخضر وحل الصراع وفق هذا الخط بإقامة دولة فلسطينية وبين تيارات ومجموعات سياسية وأحزاب من اليمين والمتدينين معارضة بشدة للعودة إلى الخط الأخضر، ويتمسك هؤلاء بـ "أرض إسرائيل الكبرى". وهناك أيضا تيارات من اليسار الإسرائيلي تعارض الانسحاب الكلي حتى الخط الأخضر، بل إنها تنادي بتعديل للخط الأخضر بما يتناسب ومصالح إسرائيل الأمنية والسياسية.

أمّا بالنسبة للجانب الفلسطيني فإن أحدا لم يسأل الفلسطينيين رأيهم في الخط الأخضر أثناء التوقيع على اتفاقيات وقف إطلاق النار (1949) ولا بعدها. ولكن ترك هذا الخط أثره البالغ على حياة الفلسطينيين من جهتي الخط. فالفلسطينيون الذين وقعوا تحت حكم دولة إسرائيل حصلوا على الهوية الإسرائيلية، وأصبحوا رسميا مواطنين في إسرائيل. والذين وقعوا تحت الحكم الأردني نالوا الهوية الأردنية، بالرغم عن بقاء عشرات الآلاف في عداد اللاجئين. والذين وقعوا تحت الحكم المصري في قطاع غزة نالوا الهوية المصرية.

حرب حزيران 1967 أحدثت تغييرا جديدا في الخط الأخضر، حيث فرض الحكم العسكري على الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم تعد بيد الفلسطينيين هويات أردنية أو مصرية، بل هويات أصدرتها الإدارة العسكرية ثم المدنية الإسرائيلية.

أوضحت اتفاقيات أوسلو للعام 1993 قبول منظمة التحرير الفلسطينية الخط الأخضر. وبالإمكان استخلاص نتيجة من اتفاقيات أوسلو أن منظمة التحرير الفلسطينية اعترفت بالخط الأخضر كحدود لدولة إسرائيل، وحدود لدولة فلسطين (حاليا "السلطة الوطنية الفلسطينية"). وجدير ذكره هنا أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تعترف بضم القدس العربية إلى إسرائيل، لعدة أسباب، منها ما له علاقة بموضوعنا، أن الضم يُغير من مسار ترسيم الخط الأخضر للعام 1949.

من جهة أخرى فإن الخط الأخضر كوّن تسمية جديدة للفلسطينيين في إسرائيل، يستعملها الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة والعرب عامة، ألا وهي "عرب الداخل". تشير هذه التسمية إلى داخل الخط الأخضر وليس إلى داخل فلسطين التاريخية.

يستعمل الفلسطينيون في دراساتهم وكتبهم التدريسية مصطلح الخط الأخضر للدلالة على خط وقف إطلاق النار بين إسرائيل والدول العربية من العام 1949 وللدلالة على حدود الدولة الفلسطينية التي يقبل بها الفلسطينيون وفق اتفاقيات أوسلو.

وعممت يولي تامير، وزيرة التربية والتعليم في إسرائيل في نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، قرارا على كافة دوائر وزارتها بضرورة ترسيم الخط الأخضر وظهوره بوضوح في خرائط ومواد الكتب التدريسية في المدارس الإسرائيلية. أدّى هذا التعميم إلى إثارة ضجة سياسية وإعلامية في كافة الأوساط الإسرائيلية بين مؤيد ومعارض، لكونه ـ أي قرار الوزيرة ـ تغييرًا في سياسة الحكومة الإسرائيلية تجاه الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وكذلك لتسديده ضربة رسمية إلى المحافل الدينية والسياسية المتزمتة والمتمسكة بفكرة إسرائيل الكبرى. وعمليا فإنّ قرار الوزيرة هو عبارة عن عملية نسف للأيديولوجية الصهيونية التي تمسكت بها محافل المستوطنين، وهي دعوة تمهيدية إلى بداية تغيير في الرؤية السياسية العامة لإسرائيل.

[المصدر- بنك المعلومات- مدار]