عملية الخصخصة تؤدي إلى ظواهر مثل غايداماك

يرى الكثير من الإسرائيليين أن نشاط الملياردير الإسرائيلي الروسي الأصل أركادي غايداماك، خلال المواجهات العسكرية التي خاضتها إسرائيل مؤخرا ضد لبنان والفلسطينيين في قطاع غزة، يهدف إلى دخول الحلبة السياسية في إسرائيل.

فقد موّل غايداماك خلال هاتين المواجهتين العسكريتين نقل آلاف المواطنين الإسرائيليين من شمال البلاد إلى وسطها للابتعاد عن صواريخ الكاتيوشا التي أطلقها حزب الله ومن مدينة سديروت إلى مدينة إيلات للاستجمام والابتعاد عن صواريخ القسام. وعبر غايداماك عن نشاطه هذا بالقول إن ما لا تفعله مؤسسات الدولة لصالح المواطنين الإسرائيليين فإنه يبادر إلى تنفيذه بأمواله الخاصة.

وقد لاقى نشاط غايداماك ترحيبا وتأييدا من جانب المواطنين، خصوصا الذي حصلوا على "خدمات" غايداماك في شمال البلاد وجنوبها. وقد أظهر استطلاع للرأي نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في نهاية الأسبوع الماضي أن شعبية غايداماك تتزايد، حيث قال 7% من الإسرائيليين إنه الأنسب لتولي رئاسة الوزراء في إسرائيل وهي النسبة ذاتها التي حصل عليها رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت في الاستطلاع ذاته. لكن 16% من سكان سديروت اعتبروا أن غايداماك هو الأنسب لتولي رئاسة الوزراء فيما أنّ 2% فقط صوتوا لصالح أولمرت.

وكان أولمرت قد هاجم غايداماك واعتبر نشاطه نوعا من العلاقات العامة استعدادا لدخول المعترك السياسي في إسرائيل.

من جانبه هاجم المحاضر في قسم "تاريخ أرض إسرائيل" في جامعة حيفا، البروفيسور داني غوتفاين، غايداماك.

وقال غوتفاين لـ"المشهد الإسرائيلي" إنه ينظر إليه "على أنه أحد أعراض المشكلة. وقضية سديروت هي أحد أعراض مشكلة عامة هي عملية الخصخصة الجارية في دولة إسرائيل منذ 30 عاما وتهدف إلى تفكيك جهاز الرفاه الاجتماعي. وتمكّن عملية الخصخصة من حدوث أمرين في آن واحد، الأول هو أن جزءا من المهام الملقاة على عاتق الدولة يقوم بها أفراد وهؤلاء الأفراد يتسللون من خلال ذلك إلى الحكم. والمشكلة في حالة غايداماك هو أنه إثبات آخر على وجود هذه الظاهرة ولكن بشكل بارز للغاية. وما أثارني ودفعني للكتابة هو أن غايداماك يبحث عن ربح سياسي. ولا يهمني غايداماك شخصيا وإنما الظاهرة، وهي مشابهة لدخول أفراد إلى جهاز التعليم بدلا من الحكومة أو لوجود صناديق خاصة تموّل شراء أدوية".

* "المشهد الإسرائيلي": كيف تنظر إلى مغادرة سكان سديروت المدينة بسبب صواريخ القسام؟

- غوتفاين: "أولا أنا اعتقد أن صواريخ القسام هي أمر سيء. ومدينة سديروت ترزح منذ سنوات تحت القصف بصواريخ القسام، ومن حق السكان العيش من دون تهديد هذه الصواريخ. ولذلك فإن على الحكومة أن توجد حلولا وليس الأفراد. ويمكن أن تكون هذه الحلول على شكل عمليات عسكرية أو على شكل تحصين للمباني العامة خصوصا، لكن إذا رأت الدولة، وليس فردا مثل غايداماك، أنه يتوجب إخلاء سديروت فهي التي يتوجب عليها تنفيذ ذلك".

* على كل حال فإن سكان سديروت يتلقون اهتماما من كل اتجاه إذا ما قارنا وضعها مع بيت حانون. فعلى سديروت تسقط صواريخ يدوية الصنع، وهي قاتلة من دون شك، ولكن على بيت حانون تسقط أكثر القذائف تطورا وفتكا؛ وفي بيت حانون تواجدت قوات إسرائيلية احتلت البلدة. كذلك فإنه بعد سقوط صواريخ القسام في سديروت يتم إحضار أخصائيين نفسيين وعاملين اجتماعيين للتحدث مع الطلاب في المدارس والتخفيف عنهم، بينما في بيت حانون حالة الأطفال صعبة للغاية...

- غوتفاين: "أعتقد أنه من الواضح تماما أن القرار بإطلاق صواريخ القسام هو قرار فلسطيني. وأفترض أن من يطلق هذه الصواريخ يعرف الثمن الذي سيدفعه الفلسطينيون. أنا شخصيا أؤيد حل الدولتين للشعبين من خلال اتفاق سلام بين الشعبين. وهؤلاء الذين يطلقون صواريخ القسام يفعلون ذلك لإحباط أي اتفاق. كذلك فإنهم يعتقدون أن إطلاق هذه الصواريخ يشكل تهديدا إستراتيجيا على إسرائيل وهذا ليس صحيحا بتاتا، بل إن إطلاق القسام هو عملية إرهابية توازي العمليات الانتحارية. من جهة أخرى أنا أعي أن الوضع في الجانب الفلسطيني، وفي بيت حانون مثلا، هو أصعب. لكني أعتقد أن إطلاق صواريخ القسام هو جزء من إيجاد توازن قوى داخل المجتمع الفلسطيني بشكل لا يقل عن إنشاء ميزان قوى مقابل إسرائيل. ولا أعتقد أنني أجدّد شيئا هنا. فإطلاق هذه الصواريخ يهدف إلى تقوية عناصر في المجتمع الفلسطيني لديها هدف بتكريس الصراع ضد إسرائيل. بكلمات أخرى، هم يطلقون صواريخ القسام لكي ترد إسرائيل على هذا القصف، ولذلك فإن مسألة إطلاق صواريخ القسام هي مشكلة إسرائيلية بكل تأكيد لكنها أيضا مشكلة فلسطينية".

* هل ترى أن حكومة إسرائيل تريد إنهاء الصراع؟

- غوتفاين: "سأقول لك أمرا بسيطا وهو أنه واضح بالنسبة لي أن (وزير الدفاع الإسرائيلي) عمير بيرتس يريد سلاما. وأجندته السياسية تدعو إلى إنهاء الصراع. كذلك فإنّ (رئيس الوزراء الإسرائيلي) إيهود أولمرت قال رأيه بهذا الخصوص. ورغم أن خطة التجميع لم تعد ممكنة الآن لكنه أعلن عن توجهه من خلال هذه الخطة. وكذلك فعلت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني. إضافة إلى ذلك هناك وزراء حزب العمل وقسم من وزراء حزب كديما الذين يؤيدون تسوية سياسية مع الفلسطينيين. من هنا أعتقد أن حكومة إسرائيل الحالية تضم أشخاصا لديهم التزام سياسي، خصوصا بين قيادتها، وهذا الالتزام واضح جدا لدى بعض القياديين فيها لإنهاء الصراع ولدى آخرين يوجد استعداد على الأقل للدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين".

* لنعد إلى غايداماك. هل تعتقد أنه سينضم إلى الحلبة السياسية الإسرائيلية؟

- غوتفاين: "لا أعرف، لأنه هو نفسه ينفي ذلك. من جهة أخرى وكما ذكرت فإن القضية ليست غايداماك الرجل وإنما الظاهرة. والسؤال هو هل ستعود إسرائيل عن مسارها الحالي نحو الخصخصة لتصبح من جديد دولة رفاه. وبالمناسبة أعتقد أن العودة إلى سياسة دولة الرفاه من شأنها دفع قضية التفاوض مع الفلسطينيين إلى أمام، لأنه عندها سيكون الأمن الاجتماعي في مركز الاهتمام وهذا يقود إلى التوصل لاتفاقيات سياسية".

* لكن غايداماك يقوم بخطوات لافتة ويمكن التفكير بأن الرجل ايجابي، فمثلا هو يريد ضم لاعب عربي إلى فريق كرة القدم "بيتار القدس"، الذي يموّله وهذا الفريق معروف بعدائيته للعرب التي تصل لدرجة العنصرية، وخلال شهر رمضان دعا عشرات الشخصيات العربية في إسرائيل لمأدبة إفطار أقامها في بيته في قيسارية. كيف تفسر هذا؟

- غوتفاين: "وهو يموّل أيضًا فريق كرة القدم في سخنين. وأعتقد أنه يعمل على اقتناء حضور جماهيري. لكن يوجد جانب آخر مثير في شخص غايداماك وهو أنه، من جهة، يتوجّه إلى الشريحة اليمينية في المجتمع الإسرائيلي، وكما قلت فإنه اشترى فريق بيتار القدس، ومن الجهة الأخرى فإنه لا يبدو من نشاطه أو تصريحاته بأنه معاد للفلسطينيين كما أنه لا يستبعد من نشاطه داخل إسرائيل الأقلية العربية. وأعتقد أنه يجدر الانتباه إلى هذا الجانب، وأقصد أنه لا يستخدم العداء للعرب رافعة للتقدم، وذلك على خلفية كونه رجلا يعرف تماما ما يمكن أن يشكل رافعة لتقدمه".

* في المقابل، نشرت مقالا هاجمت فيه الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان. هل هو فاشي أم فاسد؟

- غوتفاين: "سياسة ليبرمان هي التعبير الأكثر صفاء عن الفاشية في المجتمع الإسرائيلي حتى الآن، وهو يسعى إلى زيادة لهيب الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. إضافة إلى ذلك فإنه يسعى إلى تعميق سيطرة رأس المال في الاقتصاد الإسرائيلي وفي الحكم لمأسسة العنصرية تجاه مواطني إسرائيل العرب وإلغاء الديمقراطية. من جهة ثانية فإن ليبرمان هو مشكلة إسرائيلية قبل كل شيء".

* هل يهدّد ليبرمان الديمقراطية في إسرائيل؟

- غوتفاين: "أعتقد أن الأفكار التي يطرحها ليبرمان تشكل تهديدا للديمقراطية في إسرائيل. وأنا أقصد أفكاره حول إجراء تغيير في شكل الحكم في إسرائيل وخطة قبرص التي طرحها مؤخرا ودعا من خلالها إلى الفصل بين اليهود والعرب خصوصا داخل إسرائيل. وبما أن الديمقراطية الإسرائيلية تشمل في داخلها مواطني إسرائيل العرب، فإن كل تهديد أو وضع علامة سؤال حولهم يشكل تهديدا على النظام الديمقراطي في إسرائيل".

* هل كون ليبرمان وغايداماك مهاجرين روسيين يقول شيئا، إذ لا يوجد شخصان موازيان لهما من الطوائف اليهودية الأخرى في إسرائيل؟

- غوتفاين: "إسرائيل هي دولة مكوّنة من مهاجرين، وأعتقد أن كونهما روسيين لا يعني شيئا. وليس غايداماك من أوجد نظام الخصخصة الإسرائيلي... من جهة أخرى، صحيح أنه لا يوجد موازيان لهما في الطوائف الأخرى. لكني كصهيوني فإن كل يهودي يهاجر إلى هنا يصبح إسرائيليا ولا تهمني أصوله وفيما إذا كان قد هاجر من المغرب أو من أميركا أو روسيا. أكثر من ذلك، أنا أعتقد أن من يقولون إنهما يتصرفان بهذا الشكل أو ذاك بسبب أصلهما الروسي إنما يشوهون الواقع، فهؤلاء يريدون القول إنهما روسيان بمعنى أنهما قدما من الخارج وهم غرباء في المنطقة...".

* ليس هذا ما قصدته وإنما الأجواء التي تسود روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وهي أجواء تتسم بحمل الأفكار القومية وحتى التعصب القومي.

- غوتفاين: "نعم، لكن إذا فحصنا نمط تصويت جمهور المهاجرين الروس في إسرائيل سنجد أنهم صوتوا مرة لزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو وبعد ذلك صوتوا لزعيم حزب العمل الأسبق إيهود باراك. والروس هم جمهور مرن من الناحية السياسية، ومن جهة أخرى فإن عددا كبيرا من غير الروس صوتوا لليبرمان مثلا. ثم إن هناك في إسرائيل أكثر من مليون مهاجر من روسيا وطبيعي أن يكون لهم تمثيل. على كل حال فإنني أعتقد أنه لن يكون هناك تأثير حقيقي لأفكار ليبرمان على الحكومة التي أعتبرها حكومة حمائمية أكثر من أية حكومة كانت هنا في السنوات الأخيرة".

* لكن هذه الحكومة، أي حكومة أولمرت، ليس لديها أي برنامج سياسي سوى "خطة التجميع" التي أعلن أولمرت عنها عشية الانتخابات؟

- غوتفاين: "لست مؤيدا كبيرا لخطة التجميع، وليست هذه هي الخطة السياسية التي كنت سأؤيدها، لكن هذه الخطة كانت بمثابة شيفرة أو رمز لدخول الحكومة الحالية في مفاوضات مع الفلسطينيين. وخطة التجميع تقول للإسرائيليين إننا بصدد الانسحاب من جزء كبير من الأراضي الفلسطينية. صحيح أن الخطوات الأحادية الجانب ليست محبذة لكن الوضع أصبح، من حيث المواقف في إسرائيل، أفضل مما كان عليه في سنوات ماضية، رغم أني أفضل المفاوضات والتوصل من خلالها إلى اتفاق. وأنا أعتقد أن مبادرة حماس إلى خطف جندي إسرائيلي ومبادرة حزب الله إلى خطف جنديين إسرائيليين كانتا بدافع إحباط حتى خطة التجميع، لأن هاتين الحركتين اللتين تعارضان التسوية مع إسرائيل اعتبرتا أن ثمة شيئا يتحرك حتى من خلال خطة التجميع. وأرى أن على الفلسطينيين الالتفات إلى أن الإسرائيليين في الانتخابات الأخيرة التي جرت في نهاية آذار الماضي صوتوا إلى جانب مخططات الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، على الرغم من أن خطة فك الارتباط في قطاع غزة تم وصفها على أنها أحدثت شرخا كبيرا داخل إسرائيل وخصوصا ما يتعلق بسابقة إخلاء وتفكيك مستوطنات. ولا شك أنه كان في خلفية التوجه في المجتمع الإسرائيلي نحو انسحابات كهذه وجوب التوصل إلى اتفاق أو حل نهائي للصراع. وأنا أعي أن هناك قوى في إسرائيل، مثل ليبرمان واليمين المتطرف، لا تريد التوصل إلى إنهاء الصراع. من جهة أخرى فإن الأمر ذاته حاصل في الجانب الفلسطيني، أي أن هناك قوى مستعدة للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل وأخرى ليست مستعدة لذلك. وأعتقد أن هناك صراعا داخل المجتمع الفلسطيني على السلام مع إسرائيل. وبناء على ذلك فإن حلّ الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين يعتمد على توازن القوى داخل كل واحد من هذين المجتمعين، أي أن الصراع هو ليس فقط بين المجتمعين وإنما داخلهما أيضا، وهو بين القوى المتصارعة داخل كل منهما".