حول معطيات دفع الميول الفاشية

لو كان هاملت جندي احتياط في الجيش الإسرائيلي، لكان قال الآن: "هنالك شيء عفن في مملكة إسرائيل!"

وبالفعل، هنالك شيء عفن:

- رئيس الدولة، موشيه كتساف، يرفض التخلّي عن منصبه، على الرغم من أن ثماني نساء قد اتهمنه بالملاحقة الجنسية. هو يدعي بأن مؤامرة دنيئة قد حيكت ضده ويوجه إصبع الاتهام إلى أتباع بنيامين نتنياهو في الليكود.

- رئيس الحكومة، إيهود أولمرت ووزير الدفاع، عمير بيرتس، يرفضان الاستقالة، على الرغم من أن الأغلبية الساحقة في الجمهور تبدي عدم ثقتها بالأول (70%) وبالثاني (82%). وعوضا عن إقامة لجنة تحقيق رسمية مستقلة وذات صلاحية، فقد ألفا لجنة تحقيق لا تحظى بالثقة من قبل أغلبية الجمهور، حتى قبل شروعها بالتحقيق في أحداث الحرب على لبنان.

- قائد هيئة الأركان العامة، دان حالوتس، يتعرّض للهجمات من قبل الجنرالات في الماضي والحاضر ولكنه يعلن أنه "لن يخلع زيّه العسكري حتى يقوم أحد ما بتعريته منه".

- تم تقديم وزير العدل، حاييم رامون، للمحاكمة بتهمة التحرّش الجنسي بجندية.

- رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تساحي هنغبي، متهم في المحكمة بالغش وبالقسم الكاذب.

استنادا إلى استطلاعات الرأي فإن أغلبية عظمى من سكان الدولة راضون عن وضعهم الشخصي (80%)، ولكنهم محبطون من الوضع الذي وصلت إليه الدولة (59%).

إذن ما العمل؟

لا توجد مشكلة: يجب، ببساطة، تغيير نظام الحكم.

هذا رد فعل إسرائيلي نموذجي. من الممكن أن تكون هذه صفة تميّز البشرية جمعاء.

عندما نتعرض إلى أزمة تهدّد بزعزعة أركان معتقداتنا، فنحن نحاول أن نتهرب من الجوهر ونتعامل مع القشور. بهذه الطريقة نتملص من الحاجة إلى تغيير كل المعتقدات ووجهات النظر التي اعتدنا عليها. نتعلق بناحية ما، صغيرة قدر الإمكان، نعلق عليها اتهاماتنا ونصرخ: هذا هو! وجدناه! ها هو المذنب!

تقول الأغنية القديمة: "كل شيء من أجل مسمار صغير!" إذن عندما تحصل مصيبة كبيرة نتعلق بالمسمار الصغير الذي كان سببها ولا شيء غير ذلك.

خذوا مثلا حرب تشرين التي قوضت أسطورة "الجيش الذي لا يقهر". بعد الحرب مباشرة ساد اكتئاب وطني. كان من الواضح أن شيئا ما قد تشوش. فما هو؟

لم يسألوا: لماذا اندلعت هذه الحرب الفظيعة أصلا؟ لماذا لم نوافق، قبل ذلك، على عرض الرئيس المصري، أنور السادات، بإرجاع سيناء مقابل السلام؟ كيف حدث أن أبحرنا في سفينة السفهاء، التي نقلت الدولة من حرب حزيران إلى حرب تشرين في بحر من التعجرف؟

لا، لم تطرح مثل هذه الأسئلة. ما هي الأسئلة التي طرحت؟ لماذا لم تقم الاستخبارات العسكرية بالتحذير في الوقت المناسب من مغبة الهجوم المصري- السوري؟. لماذا لم يجندوا قوات الاحتياط في الوقت المناسب؟. لماذا لم يتم "تحريك الآليات" باتجاه القنال؟.

لقد أسموا ذلك بـ"التقصير" أو "الإخفاق". بسبب هذا الإخفاق، قامت حركة احتجاجية جماهيرية، أدت إلى إقصاء كل من جولدا مئير وموشيه ديان.

ماذا يشبه هذا الأمر؟ لقد تعطلت السيارة ويطالب المسافرون بتفريغ المنفضة. يحدث الآن أمر مشابه.

تشير استطلاعات الرأي إلى أن الجمهور لا يثق بالزعماء. ولكن الجمهور لا يقول: نحن الذين انتخبنا هؤلاء الزعماء بأنفسنا، ولذا فنحن المذنبون. لأن هذا إدراك غير مريح.

ما يقولونه هو: نحن لسنا مذنبين. إذن من المذنب؟ إنها "الطريقة"، بطبيعة الحال.

لأن ديمقراطيتنا البرلمانية لا تضمن لرئيس الحكومة فترة ولاية كاملة لمدة أربع سنوات. من الممكن أن يسقط قبل ذلك. إنها تجبره على إدخال ممثلي أحزاب الائتلاف إلى الحكومة حتى ولو كانوا غير مؤهلين لإدارة وزاراتهم. رئيس الحكومة غير قادر على تخطيط سياسة طويلة الأمد، ولا يمكنه تعيين خبراء ذوي تجربة في الوزارات.

هذا أمر سيء جدا. لذلك علينا تبني النظام الأميركي. الشعب هو الذي ينتخب الرئيس لفترة ولاية مدتها أربع سنوات كاملة. الرئيس هو الذي يعيّن الوزراء. يعين مجلسا وزاريا مصغرا مؤلفا من شخصيات مرموقة، جميعهم خبراء. وبذلك يأتي المنقذ.

إنه دواء مثبت ببراءة اختراع - دواء واحد من شأنه أن يعالج كل الأمراض، من دون آلام ومن دون تأجيل. خسارة أن مثل هذا الدواء لا يحتوي إلا على الماء.

أولا لأنه من غير الممكن استنساخ طريقة سياسية من دولة إلى أخرى بشكل أوتوماتيكي. لكل دولة تراث خاص بها، ثقافة تميزها وتركيبة اجتماعية خاصة بها. على الأنظمة السياسية أن تنشأ من داخل الجمهور. لا يمكن فرضها على جمهور آخر. حين يحاولون القيام بذلك، فإن الجمهور يلائم النظام لاحتياجاته ويغيره جذريا. (هذا ما حدث، على سبيل المثال، في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.) يمكن للبروفيسورات المنعزلين في أبراجهم العاجية أن يطرحوا آراءهم بأنه بالإمكان معالجة عيوب مجتمع بواسطة طريقة مثالية، يمكن استعارتها من شعب آخر.

لقد أثبت ذلك لدينا: بتأثير من عدة بروفيسورات تم قبل سنوات تغيير "النظام". تحدد أن يتم انتخاب رئيس الحكومة بانتخابات مباشرة، بمعزل عن الانتخابات للكنيست. خلال وقت قصير، اتضح أن هذه النظام الجديد أسوأ من سابقه. جاء الحكماء وأعادوا الطريقة القديمة إلى مكانها.

ولكن لا حاجة لنتعلم من هذه التجربة بالذات. لكي ندرك مزايا النظام الرئاسي، يجدر بنا أن ننظر إلى بلد منشأه: الولايات المتحدة.

ما الذي أحدثه هذا النظام هناك؟ صحيح أن هذا يضمن للرئيس أربع سنوات على الأقل، ولكن الكثيرين سيضيفون إلى هذه الجملة كلمة "خسارة". عندما يتضح أن أحمقا كبيرا قد انتخب، وهو يزج ببلاده في مغامرات مأساوية، لا يمكن إقصاؤه. أما في نظامنا البرلماني، كما في بريطانيا، فيمكن إقالة رئيس الحكومة بسهولة نسبيا. سوف يُطاح بطوني بلير خلال سنة، ولكن لا يمكن الإطاحة بجورج بوش حتى نهاية فترة توليه.

هل الوزراء الأميركيون يتفوقون في قدراتهم على وزرائنا؟ هل دونالد رامسفيلد هو كارثة أصغر من عمير بيرتس؟ هل كوندوليزا رايس هي نابغة أكبر من تسيبي ليفني؟.

إضافة إلى ذلك: لكي يتسنى لمرشح أن يُنتخب رئيسا، فإنه بحاجة إلى أموال طائلة. هذه الأموال الطائلة يمكن أن تأتي فقط من أصحاب المصالح، المجموعات والشركات الضخمة. النظام الأميركي فاسد من الأساس- فساد عميق وواسع إلى حد أننا إذا قارناه مع فساد أولمرت وشركاه فإن هذا الفساد الأخير يبدو ساذجا.

ولكن المنطق لا يلعب دورا في هذا الجدل، لأنه من خلف المطالبة بتغيير "النظام" تكمن ظاهرة مختلفة تماما: المطالبة بـ"زعيم قوي".

تطفو هذه المطالبة على السطح في حالات الأزمات دائما. عندما يشعر الجمهور أن الدولة قد هُزمت في الحرب وقد نشأ وضع من انعدام الثقة بالزعامة، يظهر الحنين إلى أب قوي. يبدو النظام الديمقراطي نظاما ضعيفا ومتعفنا، خاصة إذا ولدت في تلك الأثناء الأسطورة بأن السياسيين "لم يدعوا الجيش ينتصر". الزعيم القوي هو الرجل الذي يحل المشاكل بمساعدة قبضة حديدية. يبدو أسلوب الحوار والتفاهم أسلوبا يميز الزعماء الضعفاء.

يجب أن يكون واضحا: اقتراح الانتقال إلى النظام الرئاسي ليس أكثر من تمويه استعدادا لإحلال نظام الزعيم القادر على كل شيء. يكفينا أن نرى من هم أصحاب الاقتراح.

إن رائد مقترحي تغيير "النظام" هو أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا)، المؤلف في معظمه من القادمين من الاتحاد السوفياتي. إنه حزب يميني متطرف، إذا استخدمنا لغة راقية. إن مثل هذه الأحزاب تدعى في دول أخرى بأسماء أخرى.

يدعو حزب "يسرائيل بيتينو" إلى العنصرية غير مكبوحة الجماح وإلى كراهية الأجنبي. إنه متطرف أكثر من تطرف يورغ هايدر النمساوي ومن جان- ماري لابين الفرنسي. إنه يطمح إلى غياب الفلسطينيين عن البلاد، ومن ضمنهم العرب سكان إسرائيل، الذين يشكلون 20% من مواطني الدولة. هذا الأمر لا ينهى إيهود أولمرت عن التصريح علنا بأنه يتوق إلى دخول هذا الحزب إلى الحكومة (عندما تم إدخال هايدر إلى حكومة النمسا، قامت إسرائيل باستدعاء سفيرها من فيينا).

ليبرمان الذي يتطلع إلى منصب وزير الدفاع، وضع شروطا لدخوله إلى الحكومة وفي مقدمتها المطالبة بالموافقة على إحلال نظام رئاسي. من الواضح تماما من ذا الذي يجدر به أن يكون رئيسا- أفيغدور ليبرمان.

تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه لو أجريت الانتخابات الجديدة اليوم، لكان حزب ليبرمان سيفوز بـ 20 مقعدا، مقابل 11 مقعدا في الكنيست الحالي. أضف إلى ذلك المقاعد التسعة التابعة لحزب "هئيحود هليئومي" (الوحدة الوطنية) في الكنيست الحالي، الذي يطالب زعيمه، وهو جنرال يعتمر الكيبا (الطاقية الدينية)، بطرد كل العرب من الأراضي الفلسطينية، ونزع الحقوق الديمقراطية من العرب سكان إسرائيل. حين يشكل هذان الحزبان خمس جمهور الناخبين، فإن هناك مكان للقلق بالفعل.

أنا أومن بالديمقراطية الإسرائيلية. إنها ظاهرة رائعة، لو أخذنا بالحسبان أصل معظم مواطني إسرائيل: روسيا القيصرية والشيوعية، بولندا التابعة لفيلسودسكي وورثته، المغرب العربي، العراق، إيران، سوريا، وذلك إضافة إلى الجيل الجديد الذي ولد في فلسطين الانتدابية التابعة للمندوب السامي البريطاني. مثلها مثل إحياء اللغة العبرية، وهو عمل لم يسبق له مثيل في العالم. هذه الديمقراطية هي بمثابة أعجوبة (من المؤكد أن الحديث يجري عن ديمقراطية داخل حدود إسرائيل، أما في المناطق المحتلة فيسود وضع عكسي).

لا أعتقد أن هناك خطرًا في إسرائيل اليوم لارتفاع شأن الفاشية، ولكن علينا أن نكون يقظين، كل يوم وكل ساعة. توجد لدينا معطيات عديدة يمكن أن تدفع الميول الفاشية: الإحساس بالحرب الخاسرة، القضاء على أسطورة "طعن الجيش من الخلف"، انعدام الثقة بالنظام الديمقراطي، اتساع الفجوات بين الأغنياء والفقراء، التحريض ضد الأقلية القومية على أنها طابور خامس، وغيرها.

هذا لم يعد مسمارا صغيرا فقط.

________________________________

* أوري أفنيري- صحافي إسرائيلي ورئيس "كتلة السلام" اليسارية.