كيف تحوّل مُجرمون وأصحاب سوابق جنائية إلى نجوم إعلام ومشاهير؟

لاحظت هداس شطايف، أثناء قيامها كمراسلة للشؤون الجنائية في محطة إذاعة الجيش الإسرائيلي ("غالي تساهل") بزيارة العديد من السجون، ظاهرة لافتة للانتباه... إذ تبين لها أن الكثير من السجناء الجنائيين اعتادوا على قص الأخبار والتقارير التي تتحدث عنهم وعن القضايا الموجهة لهم وتعليقها على جدران غرف اعتقالهم. واللافت هو أن حقيقة كون هذه التقارير تناولت هؤلاء السجناء كمجرمين ارتكبوا أعمالاً إجرامية، لم تجعلهم يشعرون بالخجل مما كتب عنهم، بل على العكس، كما قالت شطايف مضيفة "أي تقرير يعظم مثل هذا المجرم أو ذاك، يحول هذا السجين (المجرم) إلى بطل ... إنهم يحبون ذلك كثيراً، إذ تبدو التقارير وكأنها تُعلي من شأنهم وتضعهم فوق الآخرين".

فكيف تحوّل مُجرمون وأصحاب سوابق جنائية إلى نجوم إعلام ومشاهير، ومن تخدم هذه الظاهرة؟ وفقا لما تراه شطايف فإنها تخدم أولاً "المجرمين أنفسهم". فـ "جميع هؤلاء المجرمين الكبار كانوا مجرمين صغاراً حولتهم الشرطة شيئاً فشيئاً إلى أباطرة. ونحن كوسائل إعلام، راق لنا هذا الأمر ورُحنا نتهافت ونتنافس في عمل عناوين وتقارير ضخمة، أخذ المجرمون بدورهم يستغلونها ويستخدمونها خدمة لمآربهم".

لقد تحول هؤلاء المجرمون إلى أثرياء وأصحاب ملايين عن طريق شتى أنواع فرض "الخاوة" والأتاوات والمتاجرة في السوق السوداء. ويكفيهم أن يكتب عنهم في الصحف أنهم رؤساء عائلات (عصابات) إجرام حتى يسارع أصحاب الأعمال والتجار إلى دفع مبالغ الخاوات التي يطلبونها.

لنأخذ مولنر على سبيل المثال... فمن هو مولنر أصلاً؟! لص صغير هرب من البلاد. لكن الشرطة، وحتى تمتدح نفسها، حولته من "سردين" إلى سمكة كبيرة وحولته وسائل الإعلام من سمكة إلى حوت.

زئيف روزنشطاين بدأ أيضاً من نفس النقطة. فقد أولت وسائل الإعلام اهتماماً كبيراً بحادث طعن صغير وقع على خلفية نزاع مألوف بين مجرمين. في يوم الحادث أكثرت جميع محطات الراديو من تغطية الحادث والإشارة له كما لو كان حادث هجوم إرهابي.

وحول ما إذا كان المراسلون يأخذون إعلان الشرطة عن شخص ما بأنه مجرم كبير كشيء مسلّم به، أم أنهم يستقون معلوماتهم من مصادر إجرامية أيضاً، قال غاي بيلغ مراسل محطة "القناة الأولى": أعرف أن الجمهور سمع في بداية كانون الثاني الماضي للمرة الأولى باسم أمير مولنر... لكننا، نحن المراسلون للشؤون الجنائية، نعرف قصته منذ ما قبل ستة أعوام. وعندما تعرض لحادث الطعن مؤخراً أدرك المراسلون أن ثمة هنا "قصة كبيرة". غير أن مراجعة الكم الكبير من الأخبار التي نشرت عقب حادث الطعن تطرح تساؤلات فيما يتعلق بدرجة معرفة المراسلين الصحافيين مع من يقولون إنه واحد من البارزين على الصعيد الذي اؤتمنوا عليه. معظم المراسلين ذكروا أن مولنر في أوائل الثلاثينات، فيما جزم مراسل "يديعوت أحرونوت" بوكي نائيه أنه في الأربعين من عمره ... ووصفه البعض كضابط سابق رغم أنه كان جندياً فقط... وفيما يتعلق بماضيه الجنائي، الذي يُشكل المكوّن الأساسي في شخصية أي مجرم، لم يكن أحد من هؤلاء المراسلين تقريباً يمتلك معلومات صحيحة.

جهل المراسلين فيما يتعلق بـ "مولنر"، إضافة إلى تهربه من المصورين والأضواء، وهو ما اضطر بعض الصحف إلى الاكتفاء بنشر صور قديمة وغير واضحة له، يضع أيضاً علامة استفهام حول ادعاء شطايف أن المجرمين يستمتعون في الغالب بما ينشر عنهم وأنهم يعمدون إلى تضخيم ذلك.

يقول بيلغ إن المجرمين الكبار لا يتحمسون إلى إجراء مقابلات صحافية. مع ذلك من الواضح، كما تظهر التقارير، أن رؤساء عصابات الإجرام يتمتعون بالتأكيد بتأثير كبير على وسائل الإعلام وذلك من خلف الكواليس... هذا التأثير يتم مثلاً، وكما هو مألوف لدى السياسيين، بواسطة "مقربين".

وفي العصر الحالي نجد أن المجرمين الذين يعون مدى تأثير ونفوذ وسائل الإعلام ينجحون في إيجاد واستغلال قنوات معينة لتحقيق مآربهم. فمثلاً في موقع nrg على الشبكة (تابع لصحيفة "معاريف") نشرت مقاطع مسهبة استندت تقريباً فقط إلى أقوال مقربين من أمير مولنر. وقد عبّر هؤلاء (باسمه) عن "استيائهم" مما نُشر عنه وقالوا إنهم يحاولون "إصلاح الصورة التي تكونت وانعكست من تقارير وسائل الإعلام بعد الحادث".

وعلى ما يبدو فقد نجحت محاولتهم هذه، إذ جرى اقتباسهم بصفة "مُوضِّحين" لا "مُدَّعين"، وبدلاً من الإشارة إلى ما نشر في "معاريف" أو "يديعوت أحرونوت" من أن مولنر كان قد أدين وحكم عليه بالسجن في الماضي، اكتفت المراسلة هداس شيفر باقتباس المقربين الذين "كشفوا لها" أن "تَوَرُطه الوحيد حدث قبل سنوات، وأن ذلك انتهى بحكم التقادم الزمني"، وذلك دون أن تسأل المراسلة عن طبيعة تلك القضية. المقربون نجحوا أيضاً في دس "وقائع" في التقرير، مثل قول المراسلة إن مولنر "رجل ثري جمع أمواله بشكل أساسي من أعمال وصفقات عقارية قام بها في خارج البلاد" ... أي أن موقع nrg قبِلَ لسبب ما ودون اعتراض الإدعاء أن مولنر جمع ثروته من "صفقات وأعمال قانونية تماماً" وليس من خلال جباية أموال "الخاوة" والأتاوات بطرق البلطجة والعنف، كما ذكر في تقارير أخرى. وهكذا فإن الإدعاء الدائم الذي يردده المجرمون ومفاده أنهم رجال أعمال شرعيون، حظي هنا بغطاء صحافي.

هناك مثال آخر على إدراك رؤساء عالم الإجرام لدور الإعلام، وهو قيام روزنشطاين باستئجار خدمات المستشارين الإعلاميين في مكتب رئيس الوزراء، إيال أراد وليئور حوريف. وقد نصح المستشاران روزنشطاين بعدم إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام، لكنهما عملا في الوقت ذاته، من خلال وسائل الإعلام هذه، على طرح وإثارة مسائل مختلفة تتصل بقانونية تسليمه إلى الولايات المتحدة. ويقول حوريف إن "نظرة وسائل الإعلام للمجرمين لا تختلف عن النظرة لأي بطل ثقافي آخر ..." ويضيف أن وسائل الإعلام "تحب وتبحث عن أية قصة مثيرة، وهذا جزء من سطحيتها. إنه سوق فيه بائعون ومشترون، دائرة تحرك نفسها بنفسها... فالمحامون يستخدمون الزبائن لتحقيق تقدمهم الشخصي، والمجرمون يستخدمون وسائل الإعلام من أجل إيجاد مكانة لأنفسهم ومن أجل اكتساب النفوذ. وهذا لا يختلف عن دائرة السياسيين".

وفيما يرى بيلغ أن "المجرمين" يعتبرون أن التوجه إلى الصحافة، مثل التوجه إلى الشرطة، أمر غير مشروع أو "غير محترم"، تقول شطايف من جهتها إن المجرمين يكثرون من الاتصال بالصحافيين وإنهم "يحبون الصحافة ويحتاجون إليها، ويفتشون عن أسمائهم في الصحيفة ويعرفون جيداً المراسلين للشؤون الجنائية".

لكن نيسلي باردا، مراسلة محطة تلفزيون "القناة 10"، تعتقد أن المجرمين "لا يحبذون إشراك الصحافيين في أعمالهم و مصالحهم". وتُضيف: "هناك علاقة بين المجرمين والصحافيين ولكن بضمانة محدودة". مع ذلك، تابعت مستدركة: عندما يرغب مجرم معين مثلاً بعد إخلاء سبيله من السجن، بالإدعاء أنه "إنسان بريء" فإنه يلجأ لإجراء مفاوضات مع صحافيين ويختار الذي يسهل عليه أكثر شروط المقابلة أو الذي يتجاوب مع طلباته.

كيف يتعين على الصحافي التعاطي مع معلومات تصل إليه من مجرم؟.

قضية الأخوان فرينيان، والتي كشف النقاب خلالها عن شبهات خطيرة بوجود علاقات بين ضباط كبار في الشرطة وبين عناصر إجرامية، وفي حالة أخرى تبين أن أحد أفراد الشرطة عمل كمرتزق في خدمة إحدى عصابات الإجرام، عاظمت الشعور بأن مصداقية المعلومات التي ترد على لسان فرد من الشرطة لا تفوق دائماً مصداقية معلومات مصدرها مجرمون.

بيلغ أكدّ بقوله: حصل في مرات كثيرة أنني كنت على وشك نشر معلومة معينة تلقيتها من مصادر شُرطية "موثوقة"، ثم تصلني معلومة من عناصر إجرامية تُغير الصورة لدي كلياً... "لقد أنقذني المجرمون في حالات كثيرة مشابهة".

العمل في مواجهة مصادر إجرامية يطرح سؤالاً آخر: هل تساور المراسلين مخاوف من إمكانية المس بهم إذا لم تحز تقاريرهم على إعجاب ورضا المجرم المعني بالتغطية؟

تقول شطايف: ثمة وجاهه كبيرة في هذا السؤال. وفي الواقع فقد حصل لي ذات مرة أن "رابط" شخص ما بالقرب من منزلي لأنه لم يرق له ما كتبته عنه (شطايف تكتب وتراسل أيضاً صحفا محلية تابعة لصحيفة "معاريف") ولكن ذلك إجمالاً أمر نادر الحدوث.

أما بيلغ فرد قائلاً: "ما تعلمته في هذه المهنة هو أن الأشرار ليسوا دوماً أشراراً وكذلك الأخيار. أحياناً يكون التورط مع أفراد الشرطة مخيفاً أكثر بكثير من التورط مع مجرمين". وتقول باردا من جهتها إنها لا تقيم علاقات شخصية مع المجرمين وإنها تسعى بشكل أساسي إلى تغطية حوادث تتجاوز انعكاساتها عالم الإجرام ويكون لها تأثير على عامة الجمهور. وتضيف: أتفق أن هناك أحياناً نوعًا من الميل لدى وسائل إعلام معينة لتضخيم صورة المجرمين وتصويرهم كما لو كانوا أعضاء كنيست.

ولكن حتى إذا حرص المراسلون للشؤون الجنائية على تجنب تضخيم وتزيين صورة المجرمين فإن لدى هؤلاء قنوات اتصال أخرى في الصحافة والإعلام تتعاون معهم مثل زوايا الثرثرة والتسلية، والتي يساعد ظهورهم فيها في تدعيم صورتهم المثيرة للفضول.

تقول شطايف "بمقدار ما يكتب أكثر عن مجرمين معينين بمقدار ما يُصبح هؤلاء أكثر أهمية وثراء".

[بتصرّف عن مجلة "هعاين هشفيعيت" (العين السابعة) المتخصصة في شؤون الاتصال والصادرة عن "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية". عدد آذار 2006. ترجمة "مدار"]