نزعة "لصوصية"

رأى ألوف بن، المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس"، أن رئيس الحكومة الإسرائيلي، إيهود أولمرت، في سعيه الذي لا يكلّ عما يضمن لنفسه ولحكومته من أسباب البقاء أطول فترة ممكنة على سدّة الحكم، لصّ كذلك مواقف خصمه "اللدود"، زعيم المعارضة وحزب "الليكودبنيامين نتنياهو. وأورد إثباتات لا ترّد على ذلك.

وفي رأي بن فإن النقاش الحادّ والمتواتر في وسائل الإعلام وغيرها حول شخصية ومفاهيم رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني الفاشي، أفيغدور ليبرمان، الوزير الذي سيتسلم حقيبة "التهديدات الإستراتيجية"، أخفى التغيير الأهم والأكثر إثارة الذي خضع له الحكم في إسرائيل في الأسابيع الأخيرة، والمتمثل في تبنّي رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، مواقف رئيس المعارضة وحزب "الليكود"، بنيامين نتنياهو. والذي لا يصدّق هذا الأمر يمكنه أن يعود إلى خطابيهما في الكنيست إبان التصويت على الثقة بالحكومة قبل حوالي نصف عام. ففي حينه تكلم رئيس الحكومة عن ترسيم حدود دائمة وعن إخلاء مستوطنات في الضفة الغربية كحبل إنقاذ للصهيونية، في الوقت الذي دعاه رئيس المعارضة إلى أن يدع كل ذلك جانبًا وأن يتركّز في التهديد النووي الإيراني.

أمّا الآن فإن أولمرت ينفّذ سياسة نتنياهو، بندًا تلو بند. فهو يوجّه التهديدات المبطنة إلى إيران ويدفن (خطة) التجميع ويتيح البناء المتسارع في المستوطنات. كما أنّ سياسته الاقتصادية- الاجتماعية منسوخة عن سياسة نتنياهو.

وأعاد بن إلى الأذهان أنه سبق أن حصل أمر مماثل لأريئيل شارون عندما بقي دون أجندة بعد انتخابات العام 2003 وسرعان ما تبنى مشروع خصمه عمرام متسناع (رئيس حزب "العمل" آنذاك) القاضي بالانسحاب الأحادي الجانب من غزة. لكن الفارق في ذلك الوقت هو أنّ متسناع غادر الحلبة السياسية بعد أن خسر في تللك الانتخابات، في حين أنّ نتنياهو باق في الحلبة وبالتالي فهو يوجّه دفّة سياسة الحكم من مقاعد المعارضة. وهكذا فإن "اليد هي يد أولمرت لكن الصوت هو صوت نتنياهو".

وعلى ما يبدو فإن ما فعله أولمرت يستهدف، برأي هذا المعلق، أن يسحب المسوّغ الأيديولوجي من تحت أقدام عدد من نواب حزبه ("كديما") لسدّ الطريق أمام إمكانية عودتهم إلى صفوف "الليكود".

بكيفية ما تنسحب نزعة "اللصّ" أيضًا على الخطاب الذي ألقاه أولمرت في ذكرى مقتل رحبعام زئيفي (الكنيست، 24/10/2006)، بل إن لسان حال أغلبية الخطباء الصهاينة في تلك المناسبة كاد أن يقول: كلنا زئيفي...

لكن في الحقيقة ليست هناك، في حالة زئيفي، أية سرقة أو عملية سطو قد تظهر بكونها "مستهجنة"، لأن هذا الأخير نفسه، الذي يرتسم في ذهنية الرأي العام الإسرائيلي أكثر شيء بكونه الداعية الأهم لسياسة الترانسفير الشيطانية من بين الساسة الإسرائيليين الراهنين، لم يكن نبتة غريبة في التربة الصهيونية، بقدر ما إن هذه التربة كانت في الأصل، وأولاً ودائمًا، "صالحة" لنمو الترانسفير ولتعهده من ثمّ بالرعاية المطلوبة.

ولإثبات ذلك استعدنا، في أكثر من مناسبة، بعض الفقرات من مقالة "معيارية" لزئيفي نفسه نشرها في العام 1988 تحت عنوان "الترحيل من أجل السلام"، حاول من خلالها نزع الأقنعة عن أولئك الذين يتظاهرون باستفظاع الترانسفير، بينما في الواقع لم يكن ممكنًا بدونه أن تقوم "دولة يهودية" هنا بعد أن اتبع مؤسسوها نهج الإحلال.

ومن هذه الفقرات قول زئيفي "صحيح أنني أؤيد الترانسفير لعرب الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الدول العربية، لكنني لا أملك حق ابتكار هذه الفكرة، لأنني أخذتها من أساتذة الحركة الصهيونية وقادتها، مثل دافيد بن غوريون الذي قال من جملة أمور أخرى "إن أي تشكيك من جانبنا في ضرورة ترحيل كهذا، وأي شك عندنا في إمكان تحقيقه، وأي تردّد من قبلنا في صوابه، قد يجعلنا نخسر فرصة تاريخية" ("مذكرات دافيد بن غوريون"، المجلد الرابع، ص299). كما أني تعلمت هذا من بيرل كتسنلسون وآرثور روبين ويوسف فايتس وموشيه شاريت وآخرين".

وإذا كان اعتراف زئيفي السالف بأنّ فكرة الترانسفير ليست من بنات أفكاره، غير بليغ بما فيه الكفاية لإثبات عمق تغلغل الفكرة ورسوخها في منبت رؤوس حكام إسرائيل الصهاينة، فإنّ إثبات ذلك يمكن أن نستقطره من نتاجات الوعي الجديد بحقيقة هذا الأمر، الذي يكتسب يومًا بعد يوم مناطق جديدة حتى في أوساط المزيد من المؤرخين والباحثين اليهود.

ولئن كان هذا الكلام يريد النفاذ إلى أشياء محدّدة فإنه يريد، أكثر شيء، النفاذ إلى خلاصة أنّ التربة الإسرائيلية على صعيدي المسؤولين السياسيين والرأي العام الشعبي سواء بسواء، لديها من الجهوزية ما يكفي لتقبل الفكرة وعدم مضادتها، وإن من الناحية الأخلاقية على الأقل.

ويمكن أن نستعيد ما قاله زئيفي نفسه في هذا المضمار في المقالة المذكورة نفسها:

"... لقد زعموا أنّ هذه الفكرة (الترانسفير) غير أخلاقية، وفي رأيي أنه ليست هناك فكرة أكثر أخلاقية منها، لأنها تحول دون وقوع الحروب وتمنح شعب إسرائيل الحياة. وإذا كانت هذه الفكرة غير أخلاقية فإنّ الصهيونية كلها وتجسيدها خلال أكثر من مائة عام هما غير أخلاقيين. إنّ مشروع الاستيطان في أرض إسرائيل وحرب الاستقلال حافلان بعمليات ترحيل العرب من قراهم. فهل كان هذا أخلاقيًا ولم يعد كذلك الآن؟".

وهكذا، فإنّ ما يقوله زئيفي يقدّم لكل إنسان الخلفية الإسرائيلية المتساوقة لا مع الترانسفير فقط، وإنما أيضًا مع ما قد يكون أشدّ منه وأدهى حين يصبح الأمر متعلقًا بالفلسطينيين والعرب.

وإذا كان هذا الواقع مهيمنًا قبل الحرب الأخيرة على لبنان، فقد أصبح أكثر إحكامًا بعدها في ضوء "تكشف" حقيقة كون العرب في إسرائيل بمنزلة "عدو داخلي" تفرغ الأكثرية اليهودية غضبها فيه نتيجة لإحباطها من السياسة الكئيبة التي تمارسها حكومتها.