د. تسفيا غرينفيلد: أشعر بواجب خاص في النضال ضد مظالم الاحتلال بالذات بحكم هويتي كامرأة متدينة

تعتبر "قصة" الدكتورة تسفيا غرينفيلد، وهي كاتبة وأكاديمية كانت مرشحة في المكان السادس على لائحة قائمة حزب "ميرتس" لانتخابات الكنيست الـ 17 التي جرت في أواخر آذار 2006، قصة إحدى الظواهر اللافتة، وربما الأكثر غرابة، في لعبة السياسة الإسرائيلية كثيرة المفاجآت.

غرابة قصة د. غرينفيلد، التي لم تمكنها نتائج الانتخابات من الجلوس على مقاعد عضوية البرلمان الإسرائيلي (حصلت قائمة "ميرتس" على خمسة مقاعد فقط)، تكمن في كون السيدة غرينفيلد، وهي أم لخمسة أولاد تسكن في حي "هارنوف" ذي الأغلبية الحريدية في القدس الغربية، أول إمرأة تحافظ على الفروض الدينية اليهودية وتنتمي لمجتمع الحريديم المتزمتين وفي ذات الوقت تترشح لخوض انتخابات الكنيست على لائحة حزب علماني- ليبرالي و"يساري"!!

ننشر هنا ملخص مقابلة مع د. غرينفيلد أدلت بها لأحد المواقع على الشبكة تستعرض فيها مواقفها "الليبرالية الخالصة"، ابتداء من معارضتها للاحتلال مروراً بمساندتها لمساواة المرأة والأقليات وانتهاء بنضالها من أجل "الرفق بالحيوان"....

· سؤال: من أين بدأت هذه القصة غير الاعتيادية والتي وجدت في إطارها إمرأة حريدية نفسها تخوض السباق إلى الكنيست ضمن قائمة "ميرتس"؟!

- د. غرينفيلد: عندما بلغت التاسعة عشرة من عمري، التحقت خلافا لرغبة والدي بالجامعة العبرية في القدس للدراسة للقب الجامعي الأول (الليسانس) في التاريخ والفلسفة العامة. هناك بدأ كل شيء.. هناك اكتشفت وعرفت عوالم ودنى بأكملها كانت مثيرة من ناحيتي. عرفت وجهة النظر الليبرالية التي تضع الإنسان في المركز. اكتشفت أن هذه الأفكار هي التي كنت أبحث عنها طوال السنوات. لقد ظل حاخامات اليمين يتحدثون طوال الوقت عن أن "العربة العلمانية" خالية من القيم وأن الليبرالية هي مجرّد موضة، إلى آخره من اللغو المشابه. وفي اعتقادي فإن هذا الحديث الاستعلائي ينطوي على قدر كبير من الجهل... فالعربة الليبرالية التي يزعمون أنها "خاوية"، تشكل منذ مئات السنين قاعدة وأساسا لنضال عالمي وإنساني عام من أجل الحرية والمساواة. في الجامعة أصبحت لدي إطلالة على التاريخ الطويل لهذا النضال والذي سرعان ما أدركت أنني أرغب في أن أكون منخرطة فيه. وفي الواقع فقد توافق هذا النضال من نواح كثيرة، مع إيماني الديني اليهودي القوي.

· ما الذي يعنيه حديثك هذا، عن الفلسفة والنضال من أجل الحرية... الخ، من ناحية عملية؟

- بحكم الظروف، وفي المكان الذي نعيش فيه، يعتبر التعبير الأقوى لهذا النضال هو النضال ضد الاحتلال وما تسبب به من ويلات ومظالم فظيعة، وقد وظفت هناك (في النضال ضد الاحتلال) جل جهودي على مر السنوات. إضافة إلى ذلك، أشعر بواجب خاص في النضال ضد مظالم الاحتلال، وذلك بالذات بحكم هويتي كامرأة متدينة، وبسبب الضلوع الواسع لمجموعات دينية (يهودية) في الأعمال والممارسات الوحشية التي ترتكب في المناطق (الفلسطينية المحتلة). مع ذلك لم يكن هذا هو المجال الوحيد الذي انخرطت وناضلت فيه، فقد كانت على مر السنوات الماضية نشاطات في مجالات أخرى، آمل أن تكون مؤثرة ومفيدة، مثل حقوق النساء والنضال ضد الإكراه الديني وحقوق مثليي الجنس...

وفيما يتعلق بهذه المسألة (الأخيرة)، أكدت د. غرينفيلد ردا على سؤال أن موقفها في هذا الخصوص ينبثق من موقفها المتمسك بالهوية الديمقراطية لإسرائيل وقالت: إن الدولة الديمقراطية ملزمة بمنح مساواة كاملة في الحقوق لجميع مواطنيها، وهي بالقطع لا تستطيع سلب ومصادرة حقوق الناس فقط على أساس ميولهم الجنسية. وفي اعتقادي فإن مبادرة حزب "شينوي" في الكنيست المنتهية ولايتها (السابقة) بتقديم مشروع قانون حول الزواج المدني دون أن يشمل ذلك مثليي ومثليات الجنس، لم تكن منطقية، فلا يمكن لأحد أن يفكر بدفع مشروع قانون له طابع اجتماعي وأن يعلن في الوقت ذاته بأن مشروعه (قانونه) هذا لن يشمل المواطنين العرب أو (المهاجرين) الأثيوبيين مثلا؟!

نعم لـ "دولة جميع مواطنيها"

· قلت إن التغيير الأكثر أهمية في رؤيتك حدث في الجامعة. كيف ترين الوضع الراهن في الجامعات؟

- إنه وضع مغضب بصورة غير اعتيادية. أعرف من تجربتي الشخصية في الحياة أن الثقافة والتعليم العالي هما مفتاح النجاح في المجتمع الإنساني. يجب أن يكون التعليم بأقل تكلفة ممكنة علما أن التطلع النهائي هو وجوب تقديم هذا التعليم مجانا لكن إنسان. سوف أبذل قصارى جهدي من أجل خدمة وتحقيق مصالح الطلبة، وخفض أجر التعليم وسوف أكافح بالطبع ضد خصخصة التعليم.

· هناك مرشحون كثر للكنيست يتحدثون بهذا المستوى.. أليست هناك مواضيع أخرى ترغبين بطرحها على جدول الأعمال؟

- هناك ظواهر كثيرة تقلقني على صعيد التعليم، ومن أبرزها دورة امتحان البسيخومتري. فأنا أنظر بدهشة بالغة لحقيقة وجود طلاب يستطيع آباؤهم تمويل هذه الدورة المكلفة بينما هناك قسم كبير آخر من الطلاب لا يستطيعون تمويلها. هذا الوضع يضر بشدة بفرص أعداد كبيرة من الناس في الحصول على تعليم عال وفي التقدم من ناحية اقتصادية.

· وما رأيك في وضع جهاز التعليم الرسمي (الحكومي)؟

- هناك حلقة معينة في النقاش العام في إسرائيل تعاني من إهمال تام، وهي الحلقة التي يفترض أن تربط بين الهوية الثقافية اليهودية وبين الهوية العالمية والليبرالية. لقد نشأ وضع غير صحي وغير سليم يقرر أو يختار الناس بموجبه أن يكونوا يهودا أو أن يكونوا ليبراليين. هناك إمكانية للربط بين الهويات وهذا في الواقع ما نقوم به في معهد "مفنيه" (ومعناه منعطف وقد أقامته د. غرينفيلد في نهاية التسعينيات) ونحن نعمل على تدعيم وتقوية هذه الحلقة. أود أن أرى هذه المواضيع التي تحظي باهتمامنا، وفي مقدمتها الطريقة الملائمة للربط والجسر بين الهوية اليهودية والهوية العالمية، وقد أصبحت مطروحة وتحظى باهتمام في جهاز التعليم الرسمي أيضا. وأود التوضيح هنا أنني وعندما أتحدث عن الربط بين الهوية الثقافية اليهودية وبين الليبرالية العالمية، فإنني اشمل بحديثي أيضا مواطني الدولة غير اليهود. بمعنى أنهم يواجهون أيضا تحدي ربط هويتهم الثقافية بالفهم الليبرالي العالمي.

· هل تعلنين بذلك تأييدك لمفهوم "دولة جميع مواطنيها"؟

- بالتأكيد. هذا السؤال غير مطروح البتة من ناحيتي. فأية دولة ديمقراطية مُنظَّمَة هي دولة جميع مواطنيها، من حيث أنها ملتزمة بصورة متساوية تجاه كل فرد من مواطنيها حتى إذا كانت الثقافة المركزية فيها هي ثقافة أغلبية السكان، وهو أمر مشروع تماماً. أما الدولة التي لا تنتمي ولا تلتزم بصورة متساوية، من ناحية جوهرية، تجاه كل مواطنيها فهي ليست ديمقراطية على الإطلاق، ولا أعرف كيف يمكن وصف أو تعريف مثل هذه الدولة.

· كيف يتعين على مثل هذه الدولة، التي تحترم الثقافات المختلفة فيها، أن تتعامل مع أقليات تميز ضد النساء لأسباب تتعلق بالتقاليد ونمط الحياة؟

- أنا لا أؤمن بالفرض الليبرالي ولا أعتقد أنه يجب فرض تغييرات على الناس. ما أؤمن به هو ضرورة خلق وتوفير أقصى ما يمكن من خيارات وإمكانيات من أجل النساء في القطاعات التي ما تزال المرأة تعاني فيها من تمييز كبير. فالتغيير سيتحقق تلقائياً نتيجة للانكشاف للعالم الخارجي. أعتقد أن السنوات الأخيرة شهدت تقدماً ملموساً، سواء في الوسط الديني- الحريدي أو في الوسط العربي- الديني، وذلك في كل ما يتصل بتعزيز مكانة المرأة وتشجيعها على الخروج إلى سوق العمل.

· إذا قُيِّضَ لك الوصول إلى الكنيست في المستقبل... ما هو أول شيء ستفعلينه؟

- ثمة قائمة طويلة، لكنني سأبدأ من مكافحة شركات القوى البشرية إلى أن يتم حلها وتصفيتها تماماً. لقد حان الوقت لوضع حدٍ لهذه الحكاية مرة وإلى الأبد. إنه لعار حقيقي على دولة إسرائيل أن يكون عشرات الآلاف من البشر يتعرضون لاستغلال خبيث وبشع للغاية. إضافة إلى ذلك، هناك موضوع آخر كان يحتل دوماً مكانة عالية في سلم أولوياتي وهو حماية الحيوان. وفي رأيي فإن المجتمع الإسرائيلي مجتمع وحشي وقاس للغاية في تعامله مع الحيوانات، والوضع أسوأ بكثير في المجتمع الحريدي الذي أنتمي إليه. هذه المسألة تعتبر في نظري مسألة أخلاقية من الدرجة الأولى، ومثل هذه المسائل الأخلاقية، التي لا تحظى تقريباً بأي اهتمام، هي التي دفعتني للترشح إلى الكنيست.

[ترجمة "مدار"]

Terms used:

الكنيست, شينوي