الفاشية على الأبواب... فهل ثمة من يستعد لمواجهتها

الخطوة التي بادر إليها النائب اليميني المتطرف أرييه إلداد، بتقديمه إقتراح قانون عنصري يطالب بإلغاء صفة "اللغة الرسمية الثانية" عن اللغة العربية في إسرائيل، هي تعبير عن الواقع العنصري الفاشي الذي أصبح يحظى بشرعية، بل وبتأييد واسع في الوسط اليهودي داخل إسرائيل . أرييه إلداد هو عضو برلمان عن كتلة "هئيحود هليئومي" المتطرفة جداً ... لا يفوّت أعضاء هذه الكتلة فرصة أو حدثا عاما إلا ويطرحون فيه فكرهم العنصري الذي يحمل أبعاداً فاشية ضد المواطنين العرب في إسرائيل وضد الفلسطينيين عمومًا .

المناسبة التي دعت هذا النائب المتطرف إلى طرح إقتراحه هذا يإلغاء الصفة الرسمية للغة العربية، كلغة ثانية في إسرائيل، هي "يوم اللغة العبرية "، مدعياً أن إلغاء الصفة الرسمية عن اللغة العربية وعدم كتابة العربية على اللافتات الإرشادية في البلاد هو "من أجل إيجاد توازن صحيح وواضح ما بين مكانة العبرية كلغة الدولة وبين إحتياجات المجموعات التي تنطق بلغات أخرى في إسرائيل بمن في ذلك الجمهور العربي" (صحيفة هآرتس، 5-01-2005). ونحن نسأل هنا لماذا أراد هذا النائب إلغاء إستعمال اللغة العربية حتى على اللافتات الإرشادية؟ هل ينوي حشرنا في "غيتوات" لا يسمح لنا الخروج منها لاحقاً، وبذلك لا حاجة إلى إستعمال اللغة العربية على اللافتات الإرشادية، لأن حرية التنقل والحركة ستكون لليهود فقط؟. أم أنه ينوي تنفيذ مشروع حزبه الداعي إلى تطبيق الترانسفير الجماعي للأقلية العربية الفلسطينية وبذلك لا حاجة لاستعمال اللغة العربية ، وفقاً لفكره الفاشي!؟.

علينا التأكيد أننا لم نفاجأ من هذا الموقف الذي عبّر عنه نائب متطرف، لكن الغريب أن تصريحاته لم تلق أي إستنكار من قبل الجهات الرسمية الحكومية وحتى غير الحكومية، ما يجعلنا نشعر بأن هذه المواقف العنصرية - ذات المضامين الفاشية - أصبحت تجد لها دفيئة مناسبة لدى المسؤولين الحكوميين وغيرهم من قادة الأحزاب الصهيونية الأخرى. فماذا يقول عرب هذه الأحزاب ؟ ولماذا يصمتون ولا ينطقون حتى بالعبرية، ويعارضون موقف هذا النائب المتطرف الذي بدأت بذور أفكار حزبه الفاشية تنمو وتكبر بسرعة داخل المجتمع الإسرائيلي؟ .

تذكير عن الخلفية

أشارت نتائج استطلاع أكاديمي جديد أجري أخيرًا بين صفوف الشباب الإسرائيليين إلى أن 51 بالمائة من الشبان اليهود يعارضون بصورة مطلقة مشاركة العرب من البلاد في الانتخابات للكنيست أو السماح لممثليهم بترشيح أنفسهم للكنيست. كما أشارت إلى أن أكثر من ثلثي الشبان اليهود يفضلون حاكماً قوياً يحكمهم بدل القوانين والديمقراطية.

وقالت مصادر رفيعة المستوى في وزارة المعارف الإسرائيلية إنها قلقة جدا من هذه المعطيات التي تشير بشكل واضح الى ان الشباب الاسرائيلي ابتعد كثيرا عن القيم الديمقراطية وان النتائج يجب ان تشعل الضوء الاحمر في حكومة أريئيل شارون.

وبيّن الاستطلاع، الذي أجراه البروفيسوران إفرايم ياعر ودانيئيل بار- طال من جامعة تل أبيب، ان الشباب في إسرائيل يؤيدون الديمقراطية بشكل نظري، ولكنهم يعارضونها على ارض الواقع خصوصا فيما يتعلق بالعرب في داخل البلاد. وأكثر من ذلك فان الغالبية المطلقة من المشاركين في الاستطلاع على استعداد للتنازل عن الديمقراطية اذا برز زعيم قوي جدا يكون في مكنته ادارة دفة الامور في اسرائيل. وقد شارك فيه 1750 شابا اسرائيليا تتراوح أجيالهم بين الـ15 والـ 18 عامًا وبين الـ21 والـ24 عامًَا. وفي الوقت الذي يحتقر فيه الاسرائيليون الانظمة الرجعية والشمولية في الدول العربية بين الاستطلاع ان 67 بالمائة منهم يؤيدون تسلم زعيم قوي الحكم لانه حسب اعتقادهم باستطاعته ادارة امور الدولة أحسن بكثير من القوانين والتشريعات السائدة اليوم في الدولة. بالاضافة الى ذلك فقد قال أكثر من ثلث المستطلعين انهم يؤيدون فرض انظمة الطوارئ في الدولة في حال وجود أي خطر على أمن دولة اسرائيل، بمعنى انهم يؤيدون هذه الانظمة حتى ولو كان التهديد ليس جديا. وأعرب أكثر من عشرين بالمائة من المستطلعين عن تأييدهم لحكومة غير ديمقراطية تمثل آراءهم ومعتقداتهم على حكومة ديمقراطية لا تتماشى مع المعتقدات التي يؤمنون بها. اما فيما يتعلق بالعرب في دولة اسرائيل فقد قال 51 بالمائة من المشاركين في الاستطلاع انهم يطالبون بمنعهم من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، وشددوا في ردهم على سؤال آخر ان العرب في البلاد يشكلون خطرا على أمن دولتهم، وبالتالي على الحكومة الاسرائيلية اتخاذ كافة التدابير والاحتياطات لكبح جماح هذا الخطر المحدق، على حد تعبيرهم. يشار الى انه في العام 1998 اجري استطلاع مشابه بين أن 38 بالمائة من الشباب في اسرائيل يؤيدون منع العرب من المشاركة في اللعبة البرلمانية الاسرائيلية. ولم يفسر معدا الاستطلاع سبب هذا الارتفاع في مواقف الشباب اليهود ضد العرب.

وعلى خلفية إصرار رئيس الوزراء، أريئيل شارون، على تنفيذ خطة فك الارتباط الأحادية الجانب عن الفلسطينيين في قطاع غزة وفي شمال الضفة الغربية المحتلة قال 24 بالمائة من المستطلعين إنهم يؤيدون المشاركة في أعمال غير قانونية لمنع تنفيذ الخطة، بما في ذلك إعلان العصيان المدني. وحسب معدي الاستطلاع فإن هذه النسبة اذا ترجمت إلى أعداد فهي تعني أن عشرات آلاف الشبان الاسرائيليين على استعداد للقيام بأعمال غير قانونية لإحباط تنفيذ خطة فك الارتباط. يشار في هذا السياق الى أن العينة التي اختيرت للمشاركة في الاستطلاع تشمل شبابا قبل التجند في جيش الاحتلال وشبابا انهوا خدمتهم العسكرية الالزامية والتي تستمر ثلاث سنوات.

وأعرب معدا التقرير عن استغرابهما الشديد لموقف الشبان الإسرائيليين من قضية اغتيال رئيس الوزراء الاسبق يتسحاق رابين في العام 1995 حيث أعرب اكثر من 40 بالمائة منهم عن اعتقادهم بان مقتل رابين هو كأي حادث قتل يحدث في دولتهم، وان الاغتيال لم يؤثر على مواقفهم بالنسبة للدولة ومعاني الديمقراطية. وأعرب 42 بالمائة من المستطلعين عن عدم رضاهم من العيش في اسرائيل وتمنوا لو أنهم ولدوا في مكان آخر، في حين قال 16 بالمائة منهم إنهم يتطلعون إلى الهجرة من إسرائيل والانتقال للعيش في الولايات المتحدة الأميركية.
وقد ادعى مصدر في وزارة المعارف الاسرائيلية بأن السبب الرئيسي في ازدياد التطرف لدى الشباب الاسرائيلي ينبع من انتفاضة الأقصى وان استمرارها لمدة أربع سنوات أثر بشكل كبير على مواقفهم، كما جاءت في الاستطلاع. واتهم المصدر وزيرة المعارف الحالية، ليمور ليفنات، بالمسؤولية عما يجري.

نتائج هذا الإستطلاع خطيرة جداً، فيها تعبير صريح وواضح عن الفكر الذي تغلغل في السنوات الأخيرة بين الشباب اليهود وقيادة العديد من الأحزاب اليمينية، هذا الفكر يقوم على أساس رفض كل ما هو عربي، رفض حق المواطن العربي في المساواة، وشرعنة قضية التمييز والعنصرية بل والفاشية ضده .

هذا الوضع يطرح العديد من التساؤلات الكبيرة، ومن ضمنها أين جهاز التعليم الرسمي يا تُرى؟ هل تخصص هذا الجهاز أصبح في إطلاق العنان للفكر العنصري والتثقيف له؟ أم أن هؤلاء الشباب يستمدون رأيهم الفاشي هذا من وزيرة المعارف ليمور ليفنات التي لا توفر فرصة واحدة من أجل بث سموم الكراهية ضد العرب؟. ونؤكد بهذه المناسبة أن كل من حمل الأفكار العنصرية والفاشية ضد أبناء الأقلية أياً كانت، أصبح فكره هذا لاحقاً فكراً عنصرياً وفاشياً ضد كل من عارضه الرأي حتى لو كان من أبناء جلدته. وعندها تصبح الممارسة ليس فقط تصريحات وتعبيرات عن موقف في إستطلاع رأي، بل ممارسات قمعية فظيعة ضد أبناء الأقلية وغيرهم .

شركة " إلعال" للطيران- مثال آخر للعنصرية

عندما يقرر المواطن العربي السفر إلى خارج البلاد جواً، تبدأ رحلة العذاب والمعاناة التي تحمل معها الإهانة والتجريح.. بل وتعكس العنصرية الفظيعة التي تطبق ضده في المطار أو نقطة العبور الحدودية، حيث يتعرض الى ملاحقة ومراقبة متواصلة منذ وصوله إلى نقطة التفتيش الأولى على مدخل المطار... وحتى صعوده سلم الطائرة ومن ثم داخل الطائرة أيضاً.

قبل فترة حدثني أحد المعارف، وهو شخصية رسمية يشغل منصباً رفيع المستوى، ويمثل فيه دولة إسرائيل في محافل دولية قائلاً: "كنت مسافراً إلى مؤتمر دولي رسمي... مع وثائق لكن ذلك لم يشفع لي، وتعرضت لعمليات التفتيش المهين في المطار.. وبعد تفتيش الحقيبة أبلغوني أنني لا أستطيع حملها إلى داخل الطائرة بل سأتلقاها في الدولة التي أسافر إليها في المطار ..". وعندما لفت إنتباهه إلى غرابة التصرف وأنه تصرف عنصري جرى معه لأنه عربي حتى لو كان يحمل صفة تمثيلية رسمية، حاول التنصل من ذلك مدعيًّا بأن التفتيش هو عام وللجميع!!. للحقيقة إستغربت من "سذاجة" هذا المسؤول العربي الذي يحاول بلع الأهانة ضده عن طريق القول بأن التفتيش هو عام وللجميع .

عائلة أبو عيّاش من قرية عيلوط الجليلية كانت في طريقها إلى رحلة إستجمام في العاصمة المصرية القاهرة، وقد حجزت لها تذاكر للسفر على متن طائرة تابعة لشركة "إلعال" الإسرائيلية. وفقاً للخبر الذي نشرته صحيفة "هآرتس" يوم الإثنين 27 كانون الأول 2004 يظهر أن السيد حسين أبو عياش وأفراد عائلته قد تعرّضوا لتلك الإهانات التي تجري في إطار التفتيش "الأمني" الذي "يحظى" به المواطنون العرب فقط ...حيث لا يكتفي رجال الأمن بالتفتيش العادي- الآلي للحقائب، بل يتم تفتيش الحقائب يدوياً والأجساد طبعاً، لكن الغريب أن المسؤول الأمني في المطار قد أبلغ السيد أبو عيّاش أن الحقائب ستصله في الرحلة القادمة للطائرة لاستكمال التفتيش ... مما يعني وصول الحقائب بعد أسبوع أي بعد انتهاء فترة الرحلة، الامر الذي دفع أبو عياش الى رفض الإقتراح والعودة الى بلده والسفر في اليوم التالي عبر مطار عمّان الى القاهرة .

الأمر المضحك المبكي يظهر في رد الناطقة بلسان مصلحة المطارات حيث تتهم العائلة بأنها رفضت السفر بدون الحقائب، لأن أسبابًا أمنية دعت الى إعادة تفتيش تلك الحقائب مما أدى الى تأخير الحصول عليها. هكذا إذن الضحية هو المتهم حسب المنطق غير المفهوم للناطقة ومن أنطقها بهذه الأقوال... إن مثل هذه التصرفات المهينة مع المسافرين العرب على متن طائرات شركة "إلعال" لا مثيل لها في عالمنا... والمسافر العربي يدفع رسوم أمن ضمن التذكرة التي يحصل عليها من "إلعال".. ليس من أجل دفع ثمن إهانته وملاحقته من قبل مهووسين أمنيين يتم تعيينهم من أجل ملاحقة ومراقبة وتفتيش وإهانة المسافرين العرب في هذه الشركة، بل من أجل ضمان أمنه وفقاً لمعايير الشركة. هذه التصرفات هي تصرفات عنصرية خطيرة جداً، ربما ستؤدي لاحقاً إلى إلزام المسافرين العرب في شركة "إلعال" بارتداء لباس خاص أو وشاح مميّز لهم لتسهل عمليات الملاحقة والمراقبة لهم .

لقد حان الوقت لوقف هذا التفتيش المهين، وربما أفضل وسيلة للتخلص من هذه الإهانات والتحقير الذي يدفع ثمنه المسافر العربي هو إعلان المقاطعة وعدم السفر في شركة "إلعال" وغيرها من الشركات الإسرائيلية، التي تقوم باستقبال المسافر العربي بمثل هذه الإهانات المزرية والمخجلة جداً... نعم مقاطعة المستهلك لشركة ومنتوجاتها هي خطوة إحتجاجية هامة، يقوم بها المستهلك من أجل تغيير المعاملة وتحسينها. وعلى المسؤولين في وزارة المواصلات التدخل ووقف هذه الإهانات ضد المسافرين العرب، لأنها غير مبررة ولا يمكن أن تتواصل تحت شعار "الأمن".. من أجل تكريس ظاهرة عنصرية خطيرة لا يمكن السكوت عليها .