جمعية "سيكوي": حملة كبرى من أجل إنجاز المساواة المدنية

تحت عنوان "كيف يسوقون المساواة؟" نظم مركز "سيكوي لتكافؤ الفرص" ورشة عمل في مدينة رهط هي الثالثة في سلسلة لقاءات بين مثقفين وإعلاميين عرب ويهود تهدف إلى بلورة حملة كبيرة لتجنيد دعم الرأي العام الإسرائيلي لمساواة الفلسطينيين في إسرائيل كمواطنين. ويشارك في ورشات "سيكوي" عادة من يعرفون كمصممين للرأي العام- صحافيون ومخططون إستراتيجيون ورجال تسويق وعلاقات عامة إسرائيليون وفلسطينيون مواطنون في إسرائيل. وهدفت الورشة الأخيرة إلى إجراء عصف فكري نحو الاتفاق على صياغة الحملة وتحديد مركباتها من أهداف وجدول زمني وجمهور الهدف وأدوات مهنية ومضامين الرسائل المعتمدة فيها. واستهلت الورشة المعمقة بمداخلة قدمها نسيم دويك (الذي تولى عرافة اللقاءات) استعرض فيها النظرتين المتناقضتين حول مستقبل العلاقات بين العرب واليهود في إسرائيل: الأولى تتوقع تصادمًا حتميًا نتيجة التطرف مقابل نظرية مغايرة تراهن على الاعتبارات السياسية التي تكفل الموازنة ومنع الصدام.

كما استعرض دويك البحث الأخير الذي أجراه البروفيسور سامي سموحة، أستاذ علم الاجتماع في جامعة حيفا، حول طبيعة الصراع العربي اليهودي والرواية الخاصة به إضافة إلى حلوله المقترحة. وكشف الاستطلاع المذكور الذي جرى عام 2004 الهوة الواسعة بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل في مواضيع مختلفة كالثقة المتبادلة والعنصرية والحقوق. وأشار دويك إلى ان البحث المذكور يلفت الى ارتفاع منسوب "القتالية" أو الجاهزية للمواجهة لدى المواطنين العرب مقابل انخفاض الراديكالية في مواقفهم مقارنة مع ما ساد لديهم في العام 2000.

وتخلل الورشة نقاش حول وجهة الحملة الإعلامية الكبيرة من اجل المساواة حيث دعا بعض المشاركين إلى استهداف صناع القرار داخل المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة فيما دعا البعض الآخر الى محورة الحملة في الرأي العام أولا. وفيما دعا مشاركون الى توجيه الحملة الى الجانب الإسرائيلي فقد دعا آخرون الى ضرورة توجيهها نحو المواطنين العرب أنفسهم بهدف زرع الإيمان بموضوعة المساواة لديهم أولا. واتفق المشاركون على تحديد الأهداف التالية للحملة: تطوير وعصرنة النضال العربي، دعم عربي عملي، إيمان العرب بالقدرة على العيش بشكل متساو، تغيير وعي المواطنين اليهود، التربية على قيمة المساواة العامة، المساواة الاقتصادية والقومية والحق في هوية وطنية. وفيما فضل معظم المشاركين اليهود ضرورة محورة الحملة بالحقوق المدنية وتحاشي الدخول في موضوع الرواية التاريخية والهوية الوطنية في المرحلة الأولى على الأقل فقد دعا مشاركون عرب الى البدء بالرواية التاريخية اعتمادا على خطاب الأقلية القومية الأصلانية. ورد الدكتور عادل مناع، الباحث والمحاضر في الجامعة العبرية، على دعوة مشاركين يهود إلى البحث عن طرق تبين القواسم المشتركة ومظاهر الشبه بين المواطنين العرب واليهود لضمان نجاح الحملة الكبرى بالقول: "أولا نشدد على أهمية اعتماد نضال غير عنيف لكن البحث عن سبل لإظهار شبه العربي باليهودي تمهيدا لإقناع الأخير بقبول شعار المساواة غير صحيح وأنا أذكركم بأن المواطنين العرب منذ النكبة وحتى العام 1967 كانوا متشابهين جدا مع اليهود.. حيث رفعوا الرايات الإسرائيلية واحتفلوا بيوم الاستقلال لكنهم خرجوا بحالة هي الأسوأ في تاريخهم. أحذر من اللهاث وراء عناوين وفقاعات إعلامية". واقترح مناع العمل على تمكين المواطنين العرب وإعادة ترتيب نضالهم لأن اليهود لن يمنحوا المساواة على طبق من فضة. وأضاف "على المواطنين العرب القيام بما فعله الفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 67: علينا أن نتحرك بشكل يدفع الإسرائيليين للشعور بالخجل ولدفع ثمن استمرار التمييز". وحذر مناع من فكرة عرض شبه العرب مع اليهود منوها الى أن ذلك من شأنه إثارة اللاسامية. وأضاف "علينا ان نكون كما نحن دون محاولة الظهور بصورة أجمل."

واقترح د. ثابت أبو راس، المحاضر في كلية الجغرافيا في جامعة بن غوريون في بئر السبع، التحرك من اجل تنفيذ قرارات خاصة بالمساواة وعدم السعي الى إصدار قرارات جديدة داعيا إلى التمحور في تنفيذ أمور عملية.

ودعا المدير اليهودي المشارك في "سيكوي"، شولي ديختر، إلى النضال من اجل المساواة في توزيع موارد الدولة المادية والمعنوية من خلال حملة طويلة الأمد. وأضاف "ينبغي التطلع للتأثير على الإعلام فصورة جندي يلاطف مستوطنًا في غزة إلى جانب صورة رجل امن يطلق النار على متظاهرين في ام الفحم تترك أثرا فاعلا".

واقترح موشيه حاييم، الأخصائي في الإعلام، إبراز التمييز ضد العرب في المطارات ولفت الى أهمية تجسيد التمييز داعيا الى البحث عن قضايا عينية هامة ومواجهتها مثل تطوير النقب والجليل. وأضاف "أما حرف النقاش نحو الدولة الثنائية القومية فهو أمر غير جدي ومن شأنه إثارة الكراهية".

ودعا الكاتب سلمان ناطور الى الفصل بين النضال المدني العيني الذي ينبغي تأسيس الحملة الكبرى عليه وبين الكفاح من اجل حقوق قومية لافتا الى ضرورة تلافي التباكي وخطاب الضحية. وأضاف "هناك مواقف استعلائية وعنصرية تشوه المصطلحات وعلينا مخاطبة الإسرائيليين واطلاعهم لماذا من غير المجدي لهم التمسك بالعنصرية حتى لو لم يكن هناك عرب في البلاد. علينا فتح النقاش حول أسئلة أساسية مثل : هل من المفيد أن تبقى إسرائيل دولة يهودية. ينبغي السعي للتأثير على الأغلبية بدون التحدث عن الآخر: التحدث حول القيم كالمساواة وسائر قيم الثورة الفرنسية مثلا".

ودعا المدير العربي في "سيكوي"، المحامي علي حيدر، الى استخدام الضغط الدولي الناجع إضافة الى استهداف مصممي الرأي العام الإسرائيلي. ودعت حنين زعبي، مديرة مركز "إعلام"، الى إبراز الرواية الفلسطينية التاريخية على أساس طرح الحقوق القومية أولا في إطار الهوية الديمقراطية والتي تقرها المواثيق الدولية أيضا. وأكدت الناشطة النسوية عايدة توما عدم وجود وعي لدى الإسرائيليين بانتشار التمييز لافتة في المقابل إلى استمرار الإنكار وأضافت "ربما نحن بحاجة الى نشاطات مبتكرة ابلغ أثرا من شأنها زعزعة الرأي العام". وقال المحاضر في قسم الإعلام في جامعة تل أبيب، دانيئيل دور، صاحب كتاب "صحافة تحت التأثير"، إن تغيير الوعي عملية كبيرة جدا مبديا تشككه بتغير الواقع في حالة تغيير الوعي. وأضاف "المطلوب مساواة اقتصادية أولا دون بحث مسألة الرواية التاريخية". وعبر الدكتور إيلي أبراهام، المحاضر في كلية الإعلام في جامعة حيفا، عن موافقته على طروحات الدكتور عادل مناع لافتا الى أهمية تطوير إستراتيجية نضال العرب الى جانب التعاون مع أوساط إسرائيلية واستخدام وسائل الإعلام التي صنعت الصور المتطرفة حتى الآن.

وأوضح أحد الصحافيين اليهود الذين حضروا اللقاء حاجة النضال من اجل المساواة بشكل عام وحاجة الحملة الكبرى على وجه الخصوص الى "قائد وراية وعدو". وأضاف "علينا أن نبدأ بتحريك الموضوع بواسطة خلق وإبراز خطوط متشابهة مع المواطنين اليهود وليس بواسطة الأيديولوجيا لأن واقع العرب هنا مختلف عن واقع السود في أميركا. اقترح تحاشي الحديث عن الفوارق الآن، والعزف على أوتار عاطفية حسية بغية تحصيل التضامن المطلوب.. فالإنسان يتضامن مع من يشبهه وينبغي إرجاء الإشارة الى ما هو مختلف الآن. وان رفع شعار دولة كل مواطنيها الآن يعيد الإسرائيليين الى احتلال غزة".

في المقابل كان من دعا إلى خلق مواجهة من اجل إثارة الوعي ولفت الانتباه فيما أشار آخرون إلى أهمية النضالات النسوية بهذا المضمار إضافة إلى البحث عن ناطقين جدد باسم المواطنين العرب..

كما اقترح البعض تنظيم مظاهرة سلمية بمشاركة مائة ألف متظاهر في تل أبيب إلى جانب خلق غاندي أو مارتن لوثر كينغ فلسطيني. وقد اقترح البعض مظاهرة متجولة بدلا من مظاهرة مركزية واحدة في مكان واحد كونها اشد أثرا من الناحية الإعلامية. وأوضح بعض المشاركين أهمية اعتماد أسلوب التخويف أيضا من خلال الإشارة إلى مخاطر استمرار التمييز على مستقبل الدولة بعد انتهاء احتلال الأراضي المحتلة عام 67 مع التأكيد على أن المواطنين العرب هم فلسطينيون لهم هوية فلسطينية خاصة غير أنهم لا يرغبون بالعيش في نطاق الدولة الفلسطينية بل داخل إسرائيل مع إبراز الهوية المشتركة مع المواطنين اليهود فيها أسوة بسائر دول العالم الديمقراطية.

وقد ناقش المؤتمرون السؤال: هل تكون الحملة الكبرى عربية- يهودية أم يهودية فقط دون الخلوص إلى رأي متفق عليه. ولفت المشاركون اليهود إلى سؤال آخر: هل قرر المواطنون العرب ما الذي يريدونه أولا لافتين إلى ضرورة اتخاذهم القرار قبل البحث عن أدوات لتحقيق الأهداف. (من وديع عواودة)