مصطلحات:الخصوصية اليهودية

مصطلح الشعب المختار، ترجمة للعبارة العبرية "هَعَم هَنبحار"، وهنالك معنىً آخر للاختيار، في عبارة مثل: "أتا بحَرتانو"، والتي تعني اخترتنا أنت، و"عم سجولاه"، أي الشعب الخلاصة أو "عم نحلاه" أي شعب الإرث. ويؤمن الكثير من اليهود بأنهم شعب الله المختار وان هذه المقولة لبنة أساسية في الفكر الديني اليهودي، وتعبير آخر عن النسج الحلولي الذي تشَكل داخل التركيب التراكمي للديانة اليهودية. والثالوث الحلولي مكوّنٌ من: "الإله، الأرض والشعب" فيحل الإله في الأرض، لتصبح أرضًا مقدسة ومركزا للكون، ويحل في الشعب ليصبح شعبا مختارًا، وأزليا، ولهذا السبب، يشار إلى الشعب اليهودي بأنه "الشعب المقدس" و"عَم عولام" أي شعب الكون، و"عَم نيتسح"، أي الشعب الأبدي.

وقد جاء في سفر التثنية (الإصحاح 14\2): "لأنك شعب مقدس للرب إلهك، وقد اختارك الرب لكي تكون له شعبا خاصا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض". وتتواتر الفكرة نفسها في سفر اللاويين (الإصحاح 20 \24-26): "أنا الرب إلهكم الذي ميزكم من الشعوب... وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب. وقد ميزتكم من الشعوب لتكونوا لي". ويشكر اليهود الإله في كل الصلوات لاختياره ولتفضيله الشعب اليهودي دون الشعوب الأخرى، ولإعطائهم التوراة علامة على التميز عن باقي الأمم، ويخاطب الرب بني إسرائيل في سفر الخروج (إصحاح 6\ 7): "واتخذكم لي شعباً وأكون لكم إلهاً" ويطلب الرب من موسى أن يخبر بني إسرائيل: "إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب فإن لي كل الأرض وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة"- الخروج (الإصحاح 19\5-6).

حاول العديد من الحاخامات والفقهاء والمفكرين تفسير فكرة الاختيار، فجاءوا بتفسيرات كثيرة. وبغض النظر عن مضمون التفسير، فإن فكرة الاختيار على وجه العموم، تؤكد فكرة الانفصال والانعزال عن الآخرين. وقد شبه التلمود اليهود بحبة الزيتون، لأنه لا يمكن خلط الزيتون مع المواد الأخرى، واستحالة اختلاطهم مع الشعوب الأخرى، وقد كانت عملية التفسير هذه ضرورية لان أفراد الشعب المختار- المقدس، الذي يفترض أن يكون قد حل فيهم الله، كانوا ولا يزالون من أصغر الشعوب في الكون، ولم يكونوا بأية حال أكثرها تفوقا، كما ألمت بهم الكثير من الهزائم الحربية التي انتهت بالسبي والتشريد. وقد وردت الكثير من تفسيرات الحلولية الإلهية والإيمان، على أنه كلما ازدادت النزعة الحلولية، زادت القداسة في الشعب ومن ثم زادت عزلته وتمييزه.

الاختيار الإلهي كعلامة على التفوق:

لم يختر الله اليهود بوصفهم شعبا وحسب، بل اختارهم كجماعة دينية قومية تجمعها افكارها وعقائدها، وقد عرضت الرسالة على شعوب الأرض قاطبة فرفضت هذه الشعوب الرسالة، وحملها الشعب اليهودي وحده، وقد حولهم هذا الاختيار الى مجموعة من الكهنة والقديسين وأمة مقدسة تتداخل فيها العناصر الدينية والقومية. (تلمود: سنهدرين ن- ط، ع)

يدل الاختيار على تفوق اليهود عرقيا، فقد اختير ابراهيم لنقائه واختير اليهود لانهم من نسله. وقد جاء في التلمود ما يلي: "كل اليهود مقدسون.. كل اليهود أمراء.. لم تخلق الدنيا الا لبني إسرائيل.. لا يدعى أحد ابناً للرب الا بنو اسرائيل.. لا يحب الله أحدًا إلا بني إسرائيل" (المشنا: على لسان الحاخام عكيفا).

ويرمز الاختيار إلى تفوق اليهود الأخلاقي، فقد اختار الله الشعب اليهودي لأنه أول شعب عَبده وَوَحده، أي انه اختار الشعب لان الشعب اختاره، وقد جاءت في التلمود هذه الكلمات: "لماذا اختار الواحد القدوس تبارك اسمه الإسرائيليين، لأنهم اختاروا الواحد القدوس تبارك اسمه وتوراته". ويمكن أن تنحسر النزعة الحلولية قليلا، بحيث يصبح الاختيار علامة على التمييز (الرمبام: سيرة الملوك، ف ط- ه).

الاختيار كتكليف ديني:

اختار الله الشعب اليهودي حتى يكون خادمًا له، وليكون الوسيلة التي يصلح بها العالم ويوحد بها الأمم، مما يجعل الاختيار ليس ميزة بحد ذاتها فقط، وإنما تكليف إلهي محمل بالمسؤوليات والأعباء.

وذكر في سفر عاموس (الإصحاح 3\ 2) "إياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم"، وكثيرًا ما يلاحظ أن الأنبياء كانوا ينتقدون الشعب لفساده الأخلاقي ولإتباعه طرق الشعوب الوثنية الأخرى، وفي هذا تأكيد للفكر التوحيدي. يلاحظ أن الأنبياء، حتى في لحظات نقدهم للشعب اليهودي، كانوا ينطلقون من مقولة اصطفاء الشعب.

الاختيار كأمر رباني:

إن أكثر التفسيرات تواتراً، وخصوصاً على المستوى الوجداني، هو أن الاختيار لم يكن مشروطاً ولا سبب له، فهو من إرادة الله التي لا ينبغي أن يتساءل عنها أي بشر. لقد اختار الرب الشعب ووعده بالأرض، وليس لأي إنسان أن يتدخل في هذا الأمر، وهذا هو تفسير "راشي" الذي كان متأثرا بالفكر الإقطاعي الغربي وبالمسيحية، فالاختيار هنا أمرٌ محتوم، وعلى العبد الانصياع له، وهو سر من الأسرار التي تتشابه بالمسيحية.

والاختيار حسب هذا التفسير لا علاقة له بالخير أو الشر، ولا بالطاعة أو المعصية، فهو لا يسقط عن الشعب اليهودي حتى ولو أتى هذا الشعب بالمعصية، إذ أن حب الله للشعب المختار يغلب على عدالته، ولذلك لن يرفض الإله شعبه، ولا في أي وقت من الأوقات، مهما تكن خطايا هذا الشعب. بل يدعي أحد المفسرين أن الله هو الذي اختار الشعب اليهودي، فالاختيار ملزم له هو وحده وليس ملزما للشعب. ورغم التفاوت في رؤيةِ الجماعات الدينية اليهودية موضوع الاختيار والتميّيز، ترى الغالبية أن ثمة علاقة خاصة تربطهم بالله، وقد تعمق هذا التيار في اليهودية بشكل متطرف، وتحولت التجربة الدينية عند اليهود من تجربة فردية عمادها الضمير الفردي إلى تجربة جماعية عمادها الوعي القومي وفي وقت لاحق هيمن تدريجياً فكر القبالاه التي حولت الشعب اليهودي من مجرد شعب مختار إلى شعب يعد جزءًا عضويا من الذات الإلهية، فهو الشخيناه (التجسيد الأنثوي للحضرة الإلهية حسب العقيدة اليهودية) التي تجلس إلى جواره على العرش وتشاركه السلطة.

لقد عززت أسطورة الشعب المختار من النزعة "المسيحانية" في الفكر الديني اليهودي، فكل عضو في امة الكهنة والقديسين هو تجسيد حي للرب، وصوته من صوت هذا الإله، فذكر في كتاب (التثنية: إصحاح 7\6-8 ) "مباركاً تكون فوق الشعوب".

ويخاطب أشعيا على لسان الرب شعب صهيون: "هكذا قال السيد الرب: ها إني أرفع إلى الأمم يدي والى الشعوب أقيم رايتي فيأتون بأولادك في الأحضان، وبناتك على الأكتاف يحملن. ويكون الملوك حاضنيك وسيداتهم مُرضِعاتِك. بالوجوه إلى الأرض يسجدون لك ويلحسون غبار رجليك، فتعلمين أنا الرب الذي لا يخزي منتظريه" (أشعيا: الإصحاح 49\22-23).

أي أنهم أنبياء أو شبه أنبياء، وقد عززت فكرة الاختيار أيضا الإحساس الزائف لأعضاء بعض الجماعات اليهودية بوجودهم خارج التاريخ وبأن القوانين التاريخية التي تسري على الجميع لا تسري عليهم، وكلما ازدادت حال الجماعات اليهودية سوءًا، كان أعضاؤها يزدادون إصرارا على فكرة الاختيار.

حاول بعض المفكرين اليهود في العصر الحديث التخفيف من حدة مفهوم الشعب المختار قائلين: إن كل شعب يتم اختياره ليكون الشعب المختار، وليكون له نصيب من تاريخ البشرية، وقد حظي اليهود بنصيب يفوق الآخرين. وقد تمرد دعاة حركة التنوير اليهودية واليهودية الإصلاحية على مفهوم الاختيار بمعناه العنصري والأخلاقي، وأحلوا محله فكرة الرسالة، ومفادها أن الإله شتت اليهود في أنحاء الأرض عقابًا لهم، ولينشروا رسالته وليصبحوا أداته في تحقيق السلام والخلاص، وقد تخلى اليهود الإصلاحيون عن فكرة الاختيار، أما اليهودية المحافظة والأرثوذكسية، فأبقت هذا المفهوم الديني وعمقته. تسيطر اليوم فكرة الشعب المختار، بعد علمنتها، على الفكر اليهودي بجميع اتجاهاته، وقد أكد "أحاد هعام"، منطلقا من المفاهيم التي وضعها الفيلسوف "نيتشه" والخاصة بفكرة "السُوبرمان" أي الإنسان الخارق، أن اليهود أمة متفوقة. وتحدث المفكر الصهيوني الاشتراكي نحمان سيركين عن اليهودي بوصفه البروليتاري الأزلي، أي أن اليهودي قد اختير منذ القدم ليؤدي رسالته الأزلية الاشتراكية، ورسالته الديمقراطية الليبرالية في هذا العالم. وقال "بن غوريون" رئيس الحكومة الأول لدولة إسرائيل : "إن دولة إسرائيل تضم الشعب المختار، وبوسعها أن تصبح منارة جميع الأمم".

تستند فلسفة "بوبر" على الحوار والتعبير عن فكرة الاختيار، فمن المفروض أن يتم الحوار الحق بين الله واليهود نتيجة التشابه بينهما، وهو أمر ليس متاحًا لباقي الأمم. يتحدث اليهود دوماً عن الذكاء، وعن النسبة غير العادية من الحاصلين على "جوائز نوبل"، باعتبار أن هذه الصفات الإيجابية نابعة من الخصوصية اليهودية أو الجوهر اليهودي أو الطبيعة اليهودية داخل الأفراد.

(*) باحث في الشؤون الاسرائيلية ومؤلف كتاب "اليهودية: ديانة توحيدية أم شعب مختار"