الأحزاب العربية: في إجمال المعركة الإنتخابية وتحليل نتائجها..

لا تزال الأحزاب والحركات السياسية الفاعلة بين المواطنين العرب في إسرائيل منكبة على تلخيص نتائج الإنتخابات البرلمانية العامة التي جرت في الثامن والعشرين من كانون الثاني الماضي، وما أفرزته هذه النتائج من تراجع في حجم وقوة التمثيل العربي في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بشكل عام، وما حققه (وما لم يحققه) كل واحد من هذه الأحزاب بشكل خاص.

كتب سليم سلامة:

لا تزال الأحزاب والحركات السياسية الفاعلة بين المواطنين العرب في إسرائيل منكبة على تلخيص نتائج الإنتخابات البرلمانية العامة التي جرت في الثامن والعشرين من كانون الثاني الماضي، وما أفرزته هذه النتائج من تراجع في حجم وقوة التمثيل العربي في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بشكل عام، وما حققه (وما لم يحققه) كل واحد من هذه الأحزاب بشكل خاص.

وتشمل عملية التلخيص هذه دراسة وتحليل أسباب هذه النتائج سواء على صعيد المسلك الإنتخابي العام وانخفاض نسبة المشاركين في الإنتخابات بشكل غير مسبوق (36% من المواطنين العرب أصحاب حق الإقتراع قاطعوا الإنتخابات) أو على صعيد الأداء الإنتخابي للأحزاب نفسها والصيغ التحالفية التي شيدتها، فضلا عن السياق الإسرائيلي العام في كل ما يتصل بالإنتخابات، أسبابها ومسوغاتها والإحتمالات الإئتلافية التي تنفتح عليها، وبالتالي آفاق التنسيق والعمل البرلماني المشترك بين هذه الأحزاب وممثليها في الكنيست.

ولئن كانت الأحزاب، كمؤسسات، لا تزال منكبة على هذه التلخيصات ولم تستوفها حتى الآن في بيانات رسمية معتمدة وملزمة، إلا أن غير واحد من قادتها قد أطلق تقييمات يمكن اعتمادها مؤشرات لما سوف تتمخض (أو: قد تتمخض) عنه هذه التلخيصات.

واستنادا إلى هذه التقييمات يمكن رصد العناصر الأساسية التالية:

أولا - تجمع جميع هذه التقييمات على "خطورة" التجاوب غير المسبوق مع دعوات المقاطعة من حيث كونها "تنفيذا لإرادة ومخططات اليمين الإسرائيلي" في تحييد الصوت العربي وإخراجه من دائرة التأثير في مجمل الحياة السياسية في إسرائيل. ورغم الإختلاف في تفسير أسباب هذا التجاوب ودوافعه، إلا أن الإحباط من مجمل العمل البرلماني والإستياء من أداء الأحزاب العربية عموما، يشكلان قاسماً مشتركا لهذه التقييمات.

ثانيا - فقط "القائمة العربية الموحدة" وحدها التي تنطلق تقييمات جميع قادتها من الإقرار بالفشل، بل الإنتكاس، في هذه المعركة الإنتخابية. هذا الإقرار هو الذي جعل عضو الكنيست طلب الصانع يدعو إلى <<إجراء حساب ذات وتقييم ما حدث والبحث عن الأسباب التي أدت إلى هذا التراجع>>، مضيفا إن <<الخطأ ليس في الناخب العربي بل في عدة مسائل أخرى... أقصد تركيبة القائمة والحملة الإنتخابية وأسلوب العمل والإدارة والتنظيم الإنتخابي>>.

وأوضح طلب الصانع إن <<هنالك ضرورة لإجراء حساب ذاتي، كل حزب بمفرده، بالنسبة لنفسه وكذلك القائمة العربية الموحدة بكل مركباتها>>، مؤكدا على أن <<تركيبة القائمة لم ترق للناخب ولم تجذب الناخبين وأن الناخب صوت بحجب الثقة عن هذه التركيبة مما الهبوط من 114 ألف صوت في انتخابات العام 1999 إلى 64 ألف صوت في هذه الإنتخابات>>.

وحول مستقبل الشراكة بين الحزب الديمقراطي العربي والحركة الإسلامية في إطار "القائمة العربية الموحدة" على خلفية نتائج الإنتخابات، قال الصانع إن <<القرار منوط بمدى استعداد الشركاء لمناقشة نتائج الإنتخابات وتقييم مسار القائمة إذا كانوا مستعدين للشراكة المبنية على الإنصاف والندية والتماثل وعدم رفض طرف رأيه على الطرف الآخر>>.

أضاف الصانع قوله، في هذا السياق، إن ردود الحركة الإسلامية على مجموعة من التساؤلات تقدم بها إليها "الحزب الديمقراطي العربي" هي التي سوف تحدد ما إذا كان هذا الحزب سيبقى في "الموحدة" أم لا. وأكد: <<القرار ليس قرار طلب الصانع إنما هو قرار مؤسسات الحزب الديمقراطي العربي... أنا مع الإلتزام بإعادة القائمة الموحدة إلى مسارها الصحيح، ولكني لا أستبعد أن يكون هناك تحالف بين الحزب الديمقراطي العربي وبين الجبهة أو التجمع>>.

أما الحركة الإسلامية فقد قررت، من جانبها، تشكيل لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في أسباب التراجع الكبير الذي حصل في قوة القائمة الموحدة وحجم تمثيلها في الكنيست.

وقد جاء تشكيل هذه اللجنة بقرار من مجلس الشورى القطري خلال اجتماع عقده الأسبوع الماضي في مدينة الطيرة لتدارس وتقييم نتائج الإنتخابات. أكد قرار مجلس الشورى إن قرار لجنة الحقيق هذه <<قد خولت كامل الصلاحيات والعم غير المشروط بغية التوصل إلى النتائج الكفيلة بتصحيح الوضع في أقرب وقت ممكن>>.

وقال عضو الكنيست عبد المالك دهامشة (الحركة الإسلامية) في هذا السياق: <<تحالفنا في القائمة الموحدة هو تحالف استراتيجي وسوف نحافظ عليه>>.

ثالثا - ينظر قياديو "التجمع الوطني الديمقراطي" إلى نتائج الإنتخابات باعتبارها "نصرا كبيرا" من حيث زيادة عدد ممثليه في الكنيست من عضو واحد إلى ثلاثة أعضاء. ويشير هؤلاء إلى كون "التجمع" <<الحزب الوحيد بين المواطنين العرب الذي ازدادت قوته البرلمانية، على الرغم من نسبة التصويت المنخفضة بين المواطنين العرب>>، إذ <<لو أن الناخب العربي اغتنم فرصة انخفاض التصويت في الوسط اليهودي، لحققنا نتائج أفضل من هذه>> - كما يقول عضو الكنيست الجديد واصل طه.

ودعا طه إلى إقامة كتلة عربية واحدة في البرلمان <<تعمل ضمن استراتيجية واضحة ليس بالضرورة بهدف التأثير على القرار السياسي الإسرائيلي، وإنما بالأساس تضع نصب عينيها التمثيل الصحيح للأقلية العربية والدفاع عن مصالحها وحقوقها المدنية والقومية>>.

رابعا - ثمة تباينات في تقييم نتائج الإنتخابات بين تحالف "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة" و "الحركة العربية للتغيير"، على خلفية حصول هذا التحالف على ثلاثة مقاعد برلمانية فقط، رغم فوزه بالعدد الأكبر من الأصوات من بين الأحزاب العربية كلها وبفارق أكثر من 22000 صوت عن "التجمع" الذي حصل على 71000 صوت.

ويعود مرد هذه التباينات، أساسا، إلى ثلاث حقائق:

الحقيقة الأولى - إن هذا التحالف خاض الإنتخابات وله أربعة أعضاء في البرلمان (ثلاثة منهم للجبهة الديمقراطية، والرابع للحركة العربية للتغيير) وكان يطمح للمحافظة على هذا التمثيل، على الأقل. لكن نتائج الإنتخابات أسفرت عن فوزه بثلاثة مقاعد فقط (إثنان للجبهة الديمقراطية والثالث للحركة العربية للتغيير)، ما يعني أن هذا التحالف خسر، في المحصلة، مقعدا برلمانيا واحدا.

والحقيقة الثانية - أن تمثيل الجبهة الديمقراطية في الكنيست تراجع، للمرة الأولى منذ قيام الدولة وتأسيس الكنيست، إلى عضوين اثنين فقط.

أما الحقيقة الثالثة - فهي إن كتلة الجبهة الديمقراطية في الكنيست تخلو، للمرة الأولى منذ قيام الدولة وتأسيس الكنيست، من أي ممثل يهودي. وهذه الحقيقة - من وجهة نظر قيادة الحزب الشيوعي والجبهة الديموقراطية، هي الابرز والاهم والاخطر على مستقبل الحزب (وكذلك الجبهة)، باعتباره حزبا عربيا - يهوديا.

وفي هذا السياق، قال عضو الكنيست عصام مخول إنه يرى أهمية وحاجة أكبر الآن مما كان في الماضي للتركيبة اليهودية العربية للجبهة في الواقع الإسرائيلي. وأوضح مخول إن <<هذه القضية لا تخص فقط الأعضاء اليهود في الحزب وفي الجبهة، وإنما هي قضية تخص أيضا المواطنين العرب الذين يحتاجون إلى جدار واق وعمل مشترك>>. وأضاف: <<إن مسألة الشكل الذي يأخذه هذا الجدار يجب بحثها ومراجعتها من منطلق تحليلنا الفكري وليس من منطلق المقاعد>>. وخلص مخول إلى القول أن <<هنالك حسابا لم يؤخذ بالإعتبار عندما جرت المراهنة على أن إعطاء المكان الثالث (للطيبي) سوف يضمن المكان الرابع (المرشح اليهودي)... هذه المعادلة لم تثبت نفسها>>.

Terms used:

الكنيست